لم يقل موقف صلاح الدين من اطفال الصليبيين نبلا عن موقفه من رجال الصليبيين ونسائهم وشيوخهم
فعندما طلب بليان دي ابلين من صلاح الدين ان يسمح له لابن اخيه توماس بالخروج من بيت المقدس اشفاقا عليه من ويلات الحصار وافق صلاح الدين على طلبه كما وافق على خروج ويليام بن هيو سيد جبيل عندما طلب منه الاخير ذلك
وعندما مثل الطفلان بين يدي صلاح الدين فى حالة يرثى لها أمر على الفور لهما بثياب جديدة وطعام ولعب ثم أجلسهما كل واحد على احد رجليه ثم اخذت دموعه تنهمر من مقلتيه فلما قيل له انهما من اطفال الصليبيين قال (( ان الايام دول واني أفعل ذلك بهما املا فى ان يجد ابنائي من بعدي من يفعل بهم ذلك))
وعندما خرج الصليبييون من بيت المقدس متوجهين صوب طرابلس كان بينهم اعداد كبيرة من الاطفال فقام الفرسان المسلمين المكلفون بحراسة الصليبيين بحمل هؤلاء الاطفال على ظهور خيولهم امامهم اشفاقا من مشقة الطريق



ومن خلال هذا العرض السابق يتضح لنا دون جهد او عناء مدى الفرق الشاسع بين سلوك كلا الطرفين

ففي حين انكب الصليبييون على اختلاف طبقاتهم _ سواء كانوا من العامة او من الامراء او حتى من رجال الدين _ بسيوفهم على المسلمين دون تمييز بين المدافعين وغيرهم من النساء والاطفال والشيوخ حتى انهم صفوا المدينة تقريبا من سكانها
اتسم سلوك المسلمين بصفة عامة وسلوك صلاح الدين بصفة خاصة بالاعتدال والتعقل فأن كان الصليبييون قد تباروا فيما بينهم فى سفك دماء المسلمين فأن المسلمين تنافسوا فيما بينهم فى أظهار مدى ما تمتعوا به من مكارم الاخلاق وأظهروا قدرا كبيرا من الشفقة والرحمة بالصليبيين حتى انهم فاقوا في شفقتهم شفقة الصليبيين بعضهم ببعض
حتى ان الملك العادل شقيق صلاح الدين الايوبي قد اطلق سراح الف من فقراء الصليبيين دون فدية
واطلق صلاح الدين سراح اعداد غفيرة من فقراء الصليبيين دون فدية
وبعد ان رأى الصليبيين رحمة صلاح الدين والمسلمين سأله باليان دي ابلين ان يهبه عددا من فقراء الصليبيين فوهب له خمسمائة رجل وحذا حذوه البطريق هرقل وسأل صلاح الدين نفس السؤال فوهب له خمسمائة اخرين دون فدية
على الرغم من ان هذا البطريق خرج محملا بالكنوز والنفائس التى بدلا من ان يبذلها فى فداء اخوانه الصليبيين بخل عليهم ولجأ الى تلك الوسيلة الرخيصة وهي التذلل لصلاح الدين

وفى الوقت الذي لم تسجل فيه حادثة اعتداء واحدة من قبل المسلمين على الصليبيين اشار المؤرخ المعاصر ارنول الذي كان شاهد عيان لتلك الاحداث الى بعض ماتعرض له الصليبيين من قبل اخوانهم الصليبين انفسهم عند خروجهم من بيت المقدس وحتى وصولهم الى طرابلس واضاف انه احجم عن ذكر الكثير من تفاصيل تلك االاعتداءات وسوء المعاملة نظرا لقسوتها عليه