جهود العلماء في حفظ السنة

حكمت الحريري


لا تخفى مكانة السنة المطهرة في دين الإسلام، فهي أس العلوم الشرعية ومفتاحها، ومشكاة الأدلة السمعية ومصباحها، ومبنى شرائع الإسلام وأساسها، لأن علوم القرآن وعقائد الإسلام بأسرها وأحكام الشريعة بتمامها تتوقف على بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما لم تكن أمور العبادة مرتبطة بذلك فلا يعتمد عليها ولا يصار إليها.
قال - تعالى -: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة))، ((النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم))، ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً))، ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)).

كان هدي السلف الصالح رضوان الله عليهم في التمسك بالسنة والحرص على التزامها والعمل بها ومحبة صاحبها - عليه الصلاة والسلام -معلوم للجميع.

فعن عمر بن الخطاب قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضرباً شديداً، فقال: أثمّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه فقال: قد حدث أمر عظيم.. قال: فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي، قلت: طلقكن رسول الله؟ قالت: لا أدري، ثم دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت وأنا قائم: أطلقت نساءك؟ قال: لا، فقلت الله أكبر
صحيح البخاري، كتاب العلم، باب التناوب في العلم، رقم: 89.



وأمثلة أخرى ذكرتها من قبل يظهر من خلالها حرص الصحابة على اتباع السنة.

ولما كان شأن السنة كذلك فقد قيّض الله - تعالى - في كل قرن لها رجالاً بذلوا من أجلها النفس والنفيس والغالي والرخيص، وركبوا من أجلها الصعب والذلول، وآثروا قطع المفاوز والقفار وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار بوجود الكسر والأطمار، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.


فقد جعلهم الله - تعالى - أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، فإن كل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأياً تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم والسنة حجتهم، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذله الله.


ومن أراد أن يعرف حق المحدثين ومن سلك مسلكهم لحفظ سنة سيد المرسلين واجتهادهم في التحري للمسلمين فليتابع أخبارهم وليطالع مصنفاتهم في معرفة الرجال والعلل والأحكام وعلوم الحديث ومعرفة الحديث وطرقه إلى آخر ما هنالك من فنون ابتكروها وقواعد علمية سلكوها (انظر: الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لمحمد بن إبراهيم الوزير المتوفي سنة 840 هـ ص: 120) طاعة لله ومحبة لرسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى،
وإليك طرفاً من أخبار جهودهم في حفظ السنة شكر الله سعيهم: