الرحلة في طلب الحديث

(للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي المتوفي سنة 463 هـ)


تذكر بعض كتب السير أن عدد الصحابة - رضي الله عنهم - في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما حج حجة الوداع وكانوا معه إذ ذاك أكثر من مائة ألف (الرحيق المختوم للمباركفوري ص: 4590.)، وعندما تمت الفتوحات الإسلامية ومكن الله لعباده الصالحين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فتحت بلاد الشام والعراق ومصر، فتفرق الصحابة في تلك الأمصار ونشأ عن ذلك الرحلة في طلب الحديث إذ أن الصحابة والتابعين لم يكونوا على درجة واحدة في معرفة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخباره.



فعن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاشتريت بعيراً ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهراً حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس فقلت للبواب: قل له جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله، قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديثاً بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال: "يحشر الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراه غرلاً بهماً"، قال: قلنا وما بهماً، قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحدٍ من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة"، قال: قلنا كيف وإنا إنما نأتي الله - عز وجل - عراة غرلاً بهماً قال: بالحسنات والسيئات"
مسند الإمام أحمد تحقيق حمزة الزين، رقم: 15984.



وعن عطاء بن أبي رباح قال: خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر وهو بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قدم أتى منزل مسلمة بن مخلّد الأنصاري وهو أمير مصر فأخبر به فعجل فخرج إليه فعانقه وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ قال: حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبق أحد سمعه غيري وغير عقبة فابعث من يدلني على منزله، قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة فأخبر عقبة به فعجل فخرج إليه فعانقه وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك في ستر المؤمن، قال: نعم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ستر مؤمناً في الدنيا على خزية ستره الله يوم القيامة"، فقال له أبو أيوب صدقت، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعاً إلى المدينة فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلّد إلا بعريش مصر .
الرحلة في طلب الحديث، رقم: 34، ص: 118، وجامع بيان العلم لابن عبد البر: 1/93.



وعن كثير بن قيس قال: كنت جالساً عند أبي الدرداء في مسجد دمشق فأتاه رجل فقال: يا أبا الدرداء أتيتك من المدينة مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحديث بلغني أنك تحدث به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فما جاء بك تجارة؟ قال: لا، قال: ولا جاء بك غيره؟ قال: لا. قال: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"
مسند الإمام أحمد، تحقيق حمزة الزين، وحسن إسناده. رقم: 21612، وأبو داود، والترمذي.