الحث على الرحلة وطلب علو الإسناد:

أصبح طلب علو الإسناد سنة عند علماء السلف ولهذا حرصوا على الرحلة إليه واستحبوها، وحثوا طلاب العلم على ذلك:
فعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: طلب علو الإسناد من الدين
الرحلة في طلب الحديث،
للخطيب البغدادي: 13/89.

وعن أبي العالية قال: كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة بالبصرة، فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم
الرحلة في طلب الحديث،
للخطيب البغدادي:21/93.

وعن عامر الشعبي قال: لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبله من عمره رأيت أن سفره لا يضيع
الرحلة في طلب الحديث،
للخطيب البغدادي:ص: 80.



وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيت خالي وإسناد عالي
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ص: 153.


وعن جعفر الطيالسي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أربعة لا تؤنس منهم رشداً: حارس الدرب، ومنادي القاضي، وابن المحدث، ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث
الرحلة في طلب الحديث، رقم: 14/89.



ظهور علم الأسانيد واختصاص المسلمين به:

ومن جهود العلماء في حفظ السنة اهتمامهم وبحثهم عن أسانيد الروايات، وهذا العلم لا عهد به لأمة من الأمم قبل المسلمين، فقد خصت الأمة الإسلامية بالأسانيد والمحافظة عليها حفظاً للوارد من دينها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست هذه المزية عند أحد من الأمم السابقة
أنظر الباعث الحثيث، لأحمد شاكر، ص: 152.


فعن محمد بن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ منهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم
مقدمة صحيح مسلم، ص: 76.


وعن أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال:
قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم له هذا من حديث شهاب بن خراش، فقال: ثقة. عمن؟ قال: قلت عن الحجاج بن دينار قال: ثقة عمن؟ قال: قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف
مقدمة صحيح مسلم، ص:80.


وقال محمد بن حاتم بن المظفر: إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمهم وحديثهم إسناد، وإنما هي صحف بأيديهم وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وهذه الأمة إنما تنص الحديث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهاً وأكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه ويعدوه عداً فهذا من أعظم نعم الله على هذه الأمة تستوزع الله شكر هذه النعم
المختصر الوجيز للدكتور محمد عجاج الخطيب، ص: 24، نقلاً عن كتاب "شرف أصحاب الحديث".


وقال الحافظ أبو علي الجبائي: خص الله - تعالى - هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها: الإسناد، والأنساب، والإعراب
تدريب الراوي للسيوطي، ص: 359.


وقد اشتهر بين أهل العلم منذ عهد التابعين قولهم: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"، وقولهم: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".