التدوين بين النهي والإباحة
انظر دراسات في السيرة النبوية لأستاذنا الشيخ محمد سرور زين العابدين، ص: 80.

وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث تنهى عن كتابة الحديث وأخرى تبيح الكتابة، "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"، "استعن على حفظك بيمينك"، للعلماء في هذا الاختلاف أجوبة مختصرها، أن النهي كان في أول الأمر حينما كان يكتب القرآن، فلما انتهى، وردت الإباحة وذلك لكي لا يختلط الحديث بالقرآن، أو أجاز لمن يحسن الكتابة، ولا يخطئ في كتابته ولا يخشى عليه الغلط أن يكتب الحديث، ونهى من كان يثق بحفظه، أو أن أحاديث الإباحة ناسخة لأحاديث النهي وهذا رأي ابن قتيبة وابن القيم وابن حجر، وأحمد شاكر من المعاصرين.



عناية العلماء بنقد الحديث سنداً ومتناً
"اهتمام المحدثين بنقد الحديث سنداً ومتناً" للدكتور محمد لقمان السلفي.

اتجهت عناية العلماء لحفظ السنة إلى دراسة الحديث ونقده من جهة السند ومن جهة المتن، وقد وضعوا لذلك قواعد علمية هي أصح ما عرف في التاريخ من قواعد علمية للرواية والأخبار لا مجال بعد ذلك للحيطة والتثبت.
ففيما ما يتعلق بسند الحديث فلهم قواعد ومصطلحات تعرف بحال الراوي من حيث العدالة والضبط أو عكس ذلك كالفسق والغفلة والاختلاط والبدعة والجهالة، ونشأ من جراء ذلك ما أطلق عليه علم الجرح والتعديل الذي هو من أهم علوم الحديث وأعظمها شأناً فبه يعرف المقبول من المردود، والصحيح من السقيم.

وأما ما يتعلق بمعرفة حال الرواة وذلك في عناية المحدثين بتاريخ الرواة وطبقاتهم: معرفة التابعين، وأتباع التابعين، المديح، ورواية الأقران، الأكابر عن الأصاغر، الآباء عن الأبناء، الأسماء والكنى، الموالي، أوطان الرواة، المتفق والمفترق، المؤتلف والمختلف، طرق تحمل الحديث وأهلية الراوي، ومعرفة إسناد الحديث من حيث الاتصال والانقطاع، العالي والنازل، المسلسل، المرسل، المسند المعلق، المعضل، المتواتر والآحاد.

ومما يتعلق بعناية المحدثين بنقد متن الحديث من حيث صحة الحديث أو ضعفه أو كونه من الموضوعات، أو من جهة دراية الحديث مما يتعلق بالغريب، والمختلف والناسخ والمنسوخ، والمقلوب والمدرج والمضطرب والمصحف والمحرف والشاذ والمحفوظ، وغير ذلك. وكثير من هذه المصطلحات مشتركة بين المتن والإسناد.

وهذه المصطلحات تجد معانيها مفصلة في كتب مخصوصة بهذا الفن يطلق عليها علم مصطلح الحديث، أو أصول الحديث وهي كثيرة جداً يحسن الرجوع إليها والاستفادة منها لمن يحرص على الخير والاستفادة والله الموفق.
ومن أمثلة اعتناء المحدثين بنقد متون الأحاديث ما ذكره السخاوي أن بعض اليهود أظهر كتاباً وادعى أنه كتاب رسول الله (بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادة الصحابة - رضي الله عنهم -، وذكروا أنه خط علي - رضي الله عنه - فيه، وحمل الكتاب في سنة سبع وأربعين وأربعمائة إلى رئيس الرؤساء أبي القاسم علي وزير القائم، فعرضه على الحافظ الحجة أبي بكر الخطيب، فتأمله، ثم قال: "هذا مزوّر" فقيل له من أين لك هذا؟ قال: فيه شهادة معاوية، وهو إنما أسلم عام الفتح، وفتح خيبر كان في سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ وهو قد مات يوم بني قريظة قبل فتح خيبر بسنتين، فاستحسن ذلك منه واعتمده وأمضاه ولم يجز لليهود على ما في الكتاب لظهور تزويره
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، ص: 47.


قال ابن القيم - رحمه الله - بعد أن بين وجوه بطلان هذا الحديث
المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ص: 105:
وأُحضر هذا الكتاب بين يدي شيخ الإسلام وحوله اليهود يزفونه ويجلونه، وقد غشي بالحرير والديباج فلما فتحه وتأمله بزق عليه وقال: هذا كذب من عدة أوجه وذكرها فقاموا من عنده بالذل والصغار.

hgj],dk fdk hgkid ,hgYfhpm