أطوار جمع السنة وتدوينها:

إن جمع السنة النبوية وتدوينها، وظهور الفنون والقواعد المتعلقة بعلم الحديث من حيث الدراية والرواية له ثلاثة أطوار
أنظر الرسالة المحمدية لسليمان الندوي، ص: 76.


الأول: في عصر الصحابة وكبار التابعين، واستمر هذا الطور إلى سنة 100 هـ وفيه جمع الرجال ما عندهم من الحديث باجتهاد خاص، وكان الحديث يدون في صحف خاصة ببعض من يكتب، ولم يكن التدوين متداولاً بين الجميع، فعند علي صحيفة صغيرة كانت تشتمل على العقل وفكاك الأسير، وعند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة سماها "الصادقة".
وبعض الصحابة كان يكتب شيئاً من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يعود فيحرق ما كتبه، لأنه ثبت عنده كراهة الكتابة، وذلك ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فالصحابة لم يكونوا على حالة واحدة من حيث تدوين الحديث بعضهم يدوّنه وبعضهم يشعر بكراهة الكتابة، والأمر عندهم متردد بين النهي والإباحة.


الثاني: في عهد صغار التابعين وأتباع التابعين واستمر هذا الطور إلى سنة 150 وفيه تم "التدوين الرسمي" للسنة، فقد قام العلماء في كل مصر من الأمصار الإسلامية بتدوين ما عندهم من الحديث، وذلك بناء على طلب من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - فقد كتب إلى الآفاق "انظروا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجمعوه" وكتب أيضاً إلى أهل المدينة "انظروا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبوه فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله"
سنن الدارمي: 1/126.

فكتب محمد بن عمرو بن حزم (- 117 هـ) ما ثبت عنده من الحديث، وكان عاملاً لعمر على المدينة، وطلب من محمد بن شهاب الزهري (- 124 هـ) أن يجمع السنن ففعل وكتبها دفتراً دفتراً، وبعث عمر إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً
جامع بيان العلم وفضله: 1/76 وانظر أصول الحديث، ص: 177.


وعلى هذا يحمل قول العلماء والمؤرخين: "أول من دون العلم ابن شهاب الزهري" والمقصود بذلك التدوين الرسمي، ولا يؤبه بقول أعداء الإسلام من الرافضة أو المستشرقين.



الثالث: عهد المحدثين وأئمة السنة من سنة 150هـ إلى القرن الثالث الهجري، وفيه توسع علم الحديث فظهرت المصنفات المختلفة وتنوعت الابتكارات والفنون المتعلقة بالسنة المطهرة، فظهرت المسانيد والمصنفات والموطآت، والجوامع، والسنن، والأجزاء، والمعاجم، وكتب المغازي، والطبقات، وكتب الجرح والتعديل، وكتب العلل، ومعرفة الرجال، وكتب التاريخ، وكتب أصول الحديث جملة.


وهذه الأطوار التي مر بها جمع السنن وتدوينها كانت متكاملة ومترابطة؛ لأن العلماء الثقات الذين اهتموا بحفظ الحديث وضبطه وجمعه وعرفوا قوانين الرواية وأصولها تناقلوا هذا العلم كابراً عن كابر، وأوصله كما سمعه أول إلى آخر.
فما جمع في الطور الأول دون في كتب الطور الثاني، وما دون في الطور الثاني جمع ورتب في الطور الثالث.