جهود العلماء في مقاومة الوضع:
الموضوع في اصطلاح المحدثين هو المختلق المصنوع وهو الذي نسبه الكذابون المفترون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو شرُّ أنواع الرواية.

ظهر الوضع في الحديث بعد وقوع الفتن وظهور البدع والفرق المنحرفة. عن محمد بن سيرين أنه قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى حديث أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم".


وكان من فضل الله - عز وجل - أن هيأ رجالاً يذبون عن سنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فقاوموا الوضع والوضاعين، ونفوا الكذب عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن أشهر العلماء الذين تصدوا للوضع والوضاعين: عامر الشعبي (- 103 هـ)، وشعبة بن الحجاج (- 160 هـ)، وسفيان الثوري (161 هـ)، وعبد الله بن المبارك (- 181 هـ)، وعبد الرحمن بن مهدي (- 198 هـ).


قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون))
الباعث الحثيث لأحد شاكر، ص: 90.


وقال الإمام سفيان الثوري: "ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث".


وقال الإمام عبد الله بن المبارك: "لو هم رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح الناس يقولون فلان كذاب".


وقال الدار قطني: "يا أهل بغداد لا تظنوا أن أحداً يقدر يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حي".


وقال الإمام ابن خزيمة: "ما دام أبو حامد بن الشرقي في الأحياء لا يتهيأ لأحدٍ أن يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".




وقد وضع العلماء ضوابط جامعة لمعرفة الحديث الموضوع منها
أنظر كتاب: "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" لابن القيم، وانظر السنة ومكانتها في التشريع، للشيخ مصطفى السباعي، ص: 90:

التزام السند، فلم يقبلوا من الحديث إلا ما يطمئن إلى ثقة راويه وعدالته وضبطه. والتوثق من الأحاديث، وتتبع الكذبة ونقد الرواية: فجابر الجعفي قال عنه أبو حنيفة: "ما رأيت أكذب من جابر الجعفي"
المتكلمون في الرجال للسخاوي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، ص: 87.


وعبد الكريم بن أبي العوجاء الذي قتله أمير البصرة محمد بن سليمان بعد سنة 160 هـ، وبيان بن سمعان النهدي من بني تميم ظهر بالعراق وادعى إلهية علي، ومحمد بن سعيد بن حسان الأسدي الشامي المصلوب، قتله أبو جعفر المنصور
انظر الباعث الحثيث، ص: 88.


وضوابط أخرى تعرف في متن الحديث وتدل على وضعه كأن يكون الحديث مناقضاً للكتاب الكريم أو السنة المتواترة، أو ركيك اللفظ، أو مما يكذبه الحس.