الطريقة الثلاثون :
( المؤتمرات )
( الشورى بين الدعاة في أمور الدين )
إن تماسك بنيان الجماعة المسلمة مؤسس على ركنين مهمين ، بهما يستقر الاجتماع ، وعليهما يتعاظم العمل والبذل :

الأول : التعاون ، وعدم التفرق والاختلاف .
الثاني : الشورى بين المسلمين .
وقد نطق القرآن بهذه الأمرين حيث قال الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } و : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا } و : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } ، و : { والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون } .
وقد أعطينا الركن الأول ( التعاون وعدم التفرق ) حظه من البحث والتنظير عند الكلام عن العمل الجماعي ، وبقي أن نجيل النظر في قضية الشورى التي ثار حولها الكثير من الجدل بين تيارات الدعوة الإسلامية على اختلاف اتجاهاتها .
وقد فضلت أن أعنون للشورى بعنوان أساسي هو : ( المؤتمرات ) لأن المقصود تفصيل الوسائل الخادمة للدين وليس بحث المشكلات الدعوية لذاتها ، فليس إيثار عنوان ( المؤتمرات ) زهدا في اللفظ القرآني إذن ، إذ أن قضية الشورى من حيث هي مشكل سياسي دعوي ينبغي أن يبت في مسائلة الشائكة من خلال الإقرار بضرورة الاجتماع والتشاور والتباحث ، وإلا فإن ذات قضية الشورى ستبقى معلقة وغير محسومة .
وكثير من الدعاة لا يزال ينظر إلى هذه القضية باعتبارها ترفا فكريا ينبغي أن ينأى بنفسه عنه ، والحقيقة أن قضية الشورى من أخطر المشكلات التي واجهت المسلمين عبر تاريخهم الطويل ، كما أنها القضية الأولى في جانب فقه السياسة الشرعية وإدارة شئون الدولة ، وغدت لغياب الخلافة قضية متصدرة في جانب فقه الدعوة وإدارة شئونها .
وليس خافيا على أحد من الدعاة أن أهم المشكلات التي تواجه الدعاة هي حيرتهم تجاه القضايا التي تتفجر في الساحة ، بدءا من القضايا المصيرية مثل المواجهة مع قوى الظلم والعدوان كاليهود ومن عاونهم ومرورا بالقضايا ذات البعد التأثيري الغائر في المجتمع المسلم مثل كيفية مواجهة أثر الإعلام في تدين المسلمين أو محاربة الأفكار المنحرفة والضالة كالعلمانية والتشيع الغالي ( وأعني به الرفـض ) وانتهاء بالمسائل ذات الاهتمام المشترك بين جميع الناس مثل حكم التعامل مع البنوك الربوية والعمل في الفنادق ونحو ذلك مما يتكرر السؤال عنه .
وإزاء هذا المشكل تبرز المؤتمرات كحل لهذه المشكلة ، وأنا أعني بلفظ المؤتمرات معناه اللغوي لا الاصطلاحي ، فليس ضروريا أن يضم المؤتمر مئات المشاركين ، كما أنه ليس جوهريا أن يعقد في صالة للمؤتمرات ، ولا أن يأخذ تنظيمه الطابع التقليدي الذي نراه أو نسمع عنه ( وإن كان تنظيم المؤتمرات في حد ذاته أمرا محمودا بل قد يكون ضروريا ) ، فكل اجتماع يعقده مجموعة من الدعاة للبحث والتشاور في أمر من أمور الدعوة فهو مؤتمر ويمكن أن نسميه اجتماعا .
وعلى ذلك فصورة المؤتمرات التي ندعو إليها كوسيلة من وسائل خدمة الدين : هي الاجتماع الدائم بين الدعاة للتباحث والتشاور في قضايا الدعوة سواء اتخذوا رأيا موحدا أم لا ، وسواء ترتب على هذه الاجتماعات عمل أم لا ، فالتشاور والتباحث مقصود لذاته .
ولعل سائلا يتعجب : كيف يكون التشاور مقصودا لذاته ؟! والجواب أن هذا التشاور عامل مهم في تقريب الأفهام ووجهات النظر بين الدعاة ، بحيث تذوب به الحزازات بين الدعاة ، وتتعاظم مساحة القاسم المشترك الذي يجمع بينهم ، كما تتضاءل الفوارق ويضمحل سوء الظن ووسواس الصدر ، وتتجه الاهتمامات بعد إذا لتضييق الفجوات واتخاذ الخطوات البنّاءة ، بعيدا عن النقاش العقيم والنقد المفرغ من أهدافه .
ولقد صارت المجتمعات المتمدنة تولي المؤتمرات اهتماما بالغا ، حيث أضحت هذه المؤتمرات علامة بارزة على قوة المجتمع وتماسكه وتطلعه إلى مستقبله بالخطو الرشيد .
ولن تخطيء عيناك الندوات التي تعقدها كل الهيئات العلمية وغيرها لمنسوبيها بهدف رفع مستوى الوعي لدى هؤلاء تجاه القضية التي يدعون المتخصصين للحديث عنها .
وقد بينا قبل أن هذه المؤتمرات يطلق عليها في اللسان الغربي ( سمنار ) حتى سرى استعمال اللفظ بين المتخصصين من أبناء اللسان العربي ، والحري أن يستبدلوه بلفظ المؤتمر البحثي أو الندوة أو ما شابه من الألفاظ العربية الأصيلة .
وفي هذه المؤتمرات البحثية يتم دعوة المتخصصين من ذوي الخبرات للحديث عن القضية التي يراد بحثها ، ويتم مناقشة هؤلاء المتخصصين وسؤالهم والتحاور معهم بروح علمية موضوعية .
وفي الغالب ما يتم ختم تلك المؤتمرات بقرارات وتوصيات وإعلان ، من شأن كل ذلك أن يكون خطوة مساهمة في أي مشروع يراد إقامته ، فكل شيء أقامه الإنسان على وجه الأرض إن هو إلا وليد فكرة تضافرت مع مثلها وغذتها العزيمة وطبقتها الإمكانيات المتاحة .
وما أجدر الدعاة أن يتنادوا إلى مثل هذه المؤتمرات فيطرحوا على بساط البحث والمناقشة كل قضاياهم ومشكلاتهم ، ليس بالضرورة أن يجدوا لها حلا ناجعا ، فمجرد الاجتماع والتشاور سيكون له دور في وضع اللبنة الأولى لحل أي مشكل .
وأصل الشورى يستند في التنظير السياسي الإسلامي إلى مبدأ النصيحة الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يمثل ركنا مهما من الدين حيث قال : ( الدين النصيحة ) ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .
لكن الشورى الإسلامية تختلف عن نظرية الديمقراطيات الغربية التي تجعل الفرد العادي في المجتمع عضوا مشاركا في صنع السياسة العامة واتخاذ القرار حتى لو كان الشأن متعلقا بأساسيات الدين وقطعياته وحتى لو كان ذلك الفرد لين الديانة .
فالشورى الإسلامية تحترم رأي كل مسلم وتعطيه الحق في التعبير عن رأيه ولكن في إطار نظام تصاعدي لا يخل بمبدأ التخصص ، ويمنع افتئات الحقوق وانتقاصها من ذويها مع جعل المصالح العامة للأمة فوق كل اعتبار .
فليس مقبولا أن يناقش الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب مشروع قانون في الدولة كما يحدث في بعض الدول كما أنه ليس من المنطقي أن يتدخل مقدوحوا العدالة في وضع سياسة تربوية للأجيال الصاعدة .
وقد رأينا المهزلة العالمية التي كان بطلها رئيس دولة خرق الآذان بكلامه عن مبادئ العدل الذي يجب أن يسود العالم وإذا به كهل بهيمي الشهوة افتضح أمره بين شعوب العالم .
مثل هذه المشاركة الفوضوية تأباها شريعة الإسلام ، حرصا على النظام العام ومحافظة على كيان المجتمع من المتسلقين الوصوليين الذين يقدمون في الغالب مصالحهم الشخصية على مصلحة الأمة .
كما أن الشورى التي نتحدث عنها لابد أن توجد السلام الاجتماعي المنشود ، لا أن تكون سببا للتهارج كما يحدث في الكرنفالات الانتخابية في دول العالم حيث يظهر لكل ذي لب أن المقصود بالانتخاب تحقيق مصالح شخصية أو فئوية يتقاتل دونها المنتخبون ، وتذهب مصالح الأمة أدراج الرياح أو تحت الأقدام .
كما أننا يجب أن نفهم أن الشورى وسيلة وليست غاية ، وخلق وشيمة وليست شهوة وغريزة ، فممارس الشورى عندئذ لا بد أن يتحلى بآداب الشورى مثل :
(1) احترام القطعيات والأساسيات وعدم استنفاد المجهودات في نقض الثوابت .
(2) احترام الرأي المخالف وعدم تسفيهه إذا لم يتعارض مع الثوابت والقطعيات .
(3) سلوك السبيل السوية في الرد على آراء المخالفين واستحضار النيات الصالحة في التقويم والرد .
(4) عدم إهمال أخلاق الأخوة الإسلامية العالية مثل التسامح والبشاشة والابتسام في الوجه مما يورث مناخا وديا عند التشاور والتباحث .
(5) الالتزام برأي المجموع وعدم الخروج عليه أو قدحه حتى لو ظهر خطؤه بعد ذلك ، ومن أرقى الأخلاق في الشورى أن يمدح رأي المجموع وإن كان مخالفا لرأيه ويروجه بين الناس .
إن تطبيق نظام الشورى الإسلامية في المؤتمرات الدعوية طريق ضرورية لتأهيل الدعاة لحمل مسئولية القيادة فيما بعد ، فإن هذه الشورى هي التي تضمن تكوين شخصية القائـد المنظـم العملي المتسامح ، وتختصر الشورى من شخصيات أصحابها حب السيطرة والأنانية ورؤية الذات .
ويمكننا أن نصوغ كيفية تطبيق هذه الوسيلة في النقاط الآتية :
(1) تنمية الروح الجماعية واحترام مبدأ الشورى بين الدعاة خاصة وبين المنتمين للصحوة المباركة عامة ، واعتماد المناهج العلمية والتربوية التي تلمح هذا البعد ، مع محاولة تلقينه للأجيال الناشئة عبر الطرق التي ذكرناها في الطريقة الثالثـة بعد العشـرين ( العناية بالأطفال ) .
(2) تداول الأدبيات التي تغذي هذا الجانب بين الدعاة وفي الملتقيات العلمية كالخطب والدروس حتى يتحول مبدأ الشورى إلى عقيدة اجتماعية لا مجرد مظهر اعتيادي .
(3) أن تتعاهد الحركات الإسلامية على اعتماد مبدأ الشورى في آلياتها الحركية ، وأن تنبذ احتكار القرارات المصيرية ، وأن تُشعر الواقع الدعوي أنها تصدر في مواقفها عن آراء المتخصصين من أهل العلم المعتبرين .
(4) قيام المجموعات الدعوية في كل مكان بتكوين مجالس تنفيذية ، ومن أعمال هذه المجالس التنفيذية الاجتماع الدوري لمناقشة مستجدات العمل الدعوي ، ومتابعة الأنشطة المعتمدة ، والتحاور في إيجابيات وسلبيات الأداء الدعوي لتلك المجالس التنفيذية . ويسري هذا النظام على أي مجموعة تدعو إلى الله ولو صغرت ، فأمارة جديتها أن يتشاور أفرادها ، ويتحركوا تحركات مدروسة ، ويخطوا خطوات واضحة المعالم بينة المراحل جلية الأهداف والوسائل .
(5) أن يعمل الدعاة على اعتماد الأبحاث الإحصائية قبل تبنيهم لمواقف معينة ذات خطر ، فمن علامات الجهل والاستبداد والمخاطرة بمصير الدعوة أن تصدر المواقف دون سبر لاستعداد الناس للمشاركة في تبني ذات الموقف .
وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أخذ رأي الأنصار قبل اتخاذ قرار المواجهة في غزوة بدر لأنهم الكثرة التي سيعتمد عليها في مواجهة قريش ، فلـما اطمأن إلى تأييدهم أصدر قرار الحرب وهو مطمئن لتأييد الصحابة أجمعين .
(6) تحديد مواعيد دورية للمؤتمرات والاجتماعات الدعوية ، والحرص على ألا تكون عشوائية الهدف والغاية ، مع مراعاة الجوانب التنظيمية لإنجاح تلك الاجتماعات .
(7) أصبح بالإمكان عقد المؤتمرات والاجتماعات عبر شبكات الإنترنت بحيث يتحدث مجموعة من الأفراد بالصوت والصورة ، مما يتيح قدرا من الأمان لتلك الاجتماعات في حق من يحال بينهم وبين عقدها بصورة علنية .
(8) يفضل أن تعلن توصيات المؤتمرات العامة وتنشر بين قطاعات الصحوة حتى يتبنى الأفراد توجهات القادة .
(9) يفضل للمؤتمرات الدعوية الكبرى أن تعقد بدون إشراف حكومي حتى تكون في مأمن من الضغوط المعروفة ، وحتى تعتمد الشفافية المطلوبة لتحقيق مصداقيتها لدى قطاعات الصحوة .
(10) الوقوف بحزم أمام الشخصيات المريضة التي تشغّب في المؤتمرات ، وعدم إتاحة الفرصة لها لإفساد الجمع أو تحزيب المجتمعين .
(11) تكريم الشخصيات الدعوية الناشطة والتنويه بجهودها وإجلال بذلها من باب : ( من لا يشكر الناس لا يشكر الله ) .
(12) الاجتهاد في عقد المؤتمرات العالمية لشرح قضية الإسلام للناس ، ومواجهة حملات التشويه التي تمارس ضد الصحوة المباركة ، وتجديد دعوة الأنبياء والرسل بالجهر بنداء التوحيد عبر المنابر العالمية لإقامة الحجة لله تبارك وتعالى والإعذار بأداء الأمانة .
(13) تبني ميثاق عمل إسلامي بين الحركات الإسلامية لعقد المؤتمرات التي تفيد المسلمين ، بحيث يظهر المسلمون كقوة ذات شأن .
(14) استغلال تلك المؤتمرات في التبرؤ من المذاهب الضالة والاتجاهات المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة ، والتي تتمسح بالإسلام وأهله ، حتى يعتمد الناس معايير أهل الصحوة المباركة في تقويم الاتجاهات الجديدة .
(15) محاولة حشد تأييد علماء العصر وأئمة الدين من أهل السنة لتلك المؤتمرات حتى تغدو هذه المؤتمرات ذات مرجعية علمية دعوية عالمية ينظر إليها المسلمون نظرة إجلال واحترام .
وبعد .. فإن هذا الجانب لا تكفيه مثل هذه العناصر المجملة ، ولكنه يحتاج إلى صياغة آليات تتناسب مع كل مجموعة دعوية على حدة ، وحسبي أنني قدمت الأفكار العامة داعيا طاقات المبدعين من الكتاب أن يفصلوا المجمل وأن يقدموا للناس تصورات مختلفة لتطبيق هذه الوسيلة المهمة .
ومن آمالي أن أرى شبيبة الإسلام تعتمد نهج الشورى في عملها الدعوي دق أو جل ، وتقديم صورة عملية للدعوة المنظمة التي تمارس العمل الدعوي بطرق راقية الأسلوب ، وأن تنبذ العشوائية والاستبدادية ، وأن تعظم آراء أهل العلم وتحترم أفكار المتخصصين ، وأن يسود بينهم الخطاب العلمي في تناول الآراء دون الخطاب العاطفي .
وبعد .. أيضا .. فإن دعوتنا تستحق منا الصمود أمام كل العوائق التي تعوق تطوير أداء الدعاة ، كما تستحق منا أن نؤمن أن نمو ورقي الأساليب الدعوية هو من شروط نجاح الدعـوة نفسها .
فلتَصْفُ القلوب وَتُنَقَّ من أغراضها ، ولْتَعْنُ الوجوه جميعا للحي القيوم ، ولْتَصْطَفَّ الأقدام في جادة واحدة ، وتتشابك الأيدي والسواعد في نسق جامع ، وليكن لسان حال دعاتنا :
هو الحق يحشد أجناده ويعتد للموقف الفاصل
فصفوا الجحافل آساده ودكوا به دولة الباطل

نقلا عن علو الهمة لمحمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله ص (264) فما بعدها .

السابق ص (281) فما بعدها .

عن جرير بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم . رواه البخاري في صحيحه .

أما الحاجي فهو من مهمات المصالح التي لو تُصُوِّر زوالُها لكانت معيشة الخلق قائمة على مشقة غير محتملة ، ولكنها لا تؤدي إلى فوت تلك الحياة وزوالها بالكلية .
وأما التحسيني فهو من مُلَح المصالح بحيث لو تُصُوِّر زوالها لما حصل فوات الحياة ولا حصول المشقة الشديدة ، وإنما هي من قبيل الزينة التي توفر حياة رغدة هنيئة سوية . ( راجع كتاب الموافقات للشاطبي رحمه الله ) .

ومن مرجئة العصر من يقول : ما دام القلب سليما أبيض لا يُكِنُّ عداوة إلى أحد فليس من بأس إن ترك الصلاة والزكاة والصوم أيضا ، فإذا خوصم إلى أدلة الشرع ، قال إن هذه الأمور بينه وبين الله فلماذا يدخل الناس فيما لا يعنيهم ، وإنك لن تعدم في هذا الزمان من يظن نفسه في مرتبة الصديقين لا لشيء إلا أنه يمسك سبحة يلهو بها ، بينما هو من مضمون الإسلام فارغ ، فإلى الله المشتكى من غربة الزمان .

المسار ص18 بتصرف .

وهي عصبية مشروعة ، ومعناها إنكار أي ولاء مطلق إلا الولاء للدين ، ودليله قول الله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } و : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } و : { إن الدين عند الله الإسلام } وقال صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام يَعْلو ولا يُعْلَى ) رواه البخاري تعليقا بصيغة الجزم وقال ابن حَجَر في الفتح ( 3/220) : قوله : وقال : ( الإسلام يعلو ولا يعلى ) كذا في جميع نسخ البخاري ، لم يعين القائل ، وكنت أظن أنه معطوف على قول بن عباس فيكون من كلامه ثم لم أجده من كلامه بعد التتبع الكثير ، ورأيته موصولا مرفوعا من حديث غيره ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ ومحمد بن هارون الرُّوْياني في مسنده من حديث عائذ بن عمرو المزني بسند حسن ، ورويناه في فوائد أبي يَعْلَى الخَليلي من هذا الوجه وزاد في أوله قصة..ثم ذكرها .أهـ

ولن ننسى أن نذكر بأثر الصوفية ومناهجهم في تشويه معالم الدين عبر الإرجاء والجبر الذي لزم كل عقائدهم وانسحب إلى منهجهم العملي في الحياة والتعامل مع مجريات الأمور .

هذا الحكم في الجملة ، وباعتبار التوجهات العامة التي تقرها تلك الحركات الإسلامية بصفة رسمية ، أما ما هو من قبيل الرأي الشخصي الشاذ أو التوجه الفردي المخالف لمنهج أهل السنة لا التوجه الجماعي ، فلا نقيم له في اعتبارنا وزنا ، وإن كان صدوره من الشخصيات الدعوية المرموقة قد يؤثر على النسيج الوحدوي للصحوة الإسلامية .
كما أن احترامنا للحركات الإسلامية على اختلاف توجهاتها لا يمنعنا من توجيه النصيحة إليها أو إلى فرد من أفرادها أخطأ وزل ، وأن نبين عوار الرأي الذي انتحله إذا كان ذاك الرأي مخالفا لإجماع السلف الصالح أو يعارض نصا واضح الدلالة . ولكن يجب أن يسود جو الود والتفاهم والتغافر والتحاب وأن يتأكد حرص الجميع على الروح الجماعية المفقودة .

ما ننظره هنا إنما هو لأجل توحيد مفردات الخطاب الدعوي لكل الحركات والجماعات الإسلامية العاملة ، وسنتحدث عن الطريقة العملية التطبيقية لتوحيد الجهد الدعوي نفسه في الطريقة ( إصلاح ذات البين )

راجع في هذا الصدد ( الأصول العلمية للدعوة السلفية ) للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، ( واقعنا المعاصر ) للأستاذ محمد قطب .

إن كثيرا من الناس يظن الإخلاص مجرد درجة عالية ومرتبة سامية من مراتب الصلاح والولاية ، وأن الإخلاص ليس أصلا من أصول العبادة وركنا من أركانها ، فالمرء في مجتمع المسلمين اليوم لا يبالي إن تعلم لأجل دنيا أو توظف في سبيل حياة زوجية سعيدة أو تزوج لأجل وجاهة اجتماعية أو أنجب لأجل عزة يتقوى بها ويستند إليها .
بل قليل ما هم الذي يفتشون في أعمالهم عن خفي الشرك وجليه ، وإذا ما صارح نفسه وتبين له بجلاء أن أعماله لم يبتغ بها وجه الله لم يعدم هواه أعذارا جاهزة يقنع بها غروره وغفلته .

الآخِيَّةُ بالمد والتشديد واحدة الأَوَاخِي وهو مثل عروة تشد إليها الدابة وهي أيضا الحرمة والذمة ( مختار الصحاح ) .

أي أنه لا يوجد في الشرع أمر بضرورة التوحد في الآراء وعدم الاختلاف في الأفكار ، إذ هو من المستحيل اعتيادا لتباين العقول وتمايزها ، والأمر بالمستحيل لا يقع في الشرع كما تقرر في أصول الدين والفقه .

وما أحسن أن يتفقه الدعاة في علم الخلاف وأدبه وأن يستنيروا بهدي الإسلام عند وجود الاشتباه ، ومن خير ما صنف في هذا الباب كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله المسمى : رفع الملام عن الأئمة الأعلام ، فإنه فريد في بابه وحيد في طرازه لم يصنف أحد على منواله ، حاشا كتاب : فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي حفظه الله ، فإنه عالج مسائل شائكة وتخطى حدودا مربكة لا يخوض غمارها إلا الراسخون . ومن المحاولات المنهجية الرائدة في هذا الباب كتاب فقه الخلاف للأستاذ جمال سلطان وكتاب الثوابت والمتغيرات للأستاذ الشيخ صلاح الصاوي .

إن البحث حول تخريج المناط وتحقيقه من أهم المسائل التي يجدر بطلبة العلم والدعاة فهمها على الوجه المطلوب ، إذ أن فهم هذه المسألة الأصولية كفيل بحل إشكالات كثيرة يحصل بها الاختلاف والتهاجر .
وكثيرا ما نجد بعض الدعاة يتبنى في مسألة ( عقدية أو فقهية ) رأيا معينا ، ويتبنى مخالفه نفس الرأي بيد أنه يرى أن حكم المسألة لا ينطبق على بعض أفرادها ( كمثل مسألة كفر الحاكم المبدل لشرع الله ) إذ لا يتمارى اثنان أنه كافر كفرا أكبر مخرجا من ملة الإسلام ، لكن المخالف في تحقيق المناط ( وهو من يرى أن فلانا الحاكم ليس مبدلا ) لا يجوز تجهيله أو تضليله أو تبديعه ، والعكس صحيح أيضا ، لأن كل خلاف سائغ ( وهو ما احتمله الدليل الشرعي المعتبر ) يمنع الإنكار الجافي ، ولكن يستحب النصح الجميل والجدال بالتي هي أحسن .


انظر الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي رحمه الله ( 2/367 فما بعدها ) .

المراد بالمناسب هنا : الوصف الذي يناط به الحكم ، وهو العلة التي يوجد لوجودها الحكم الشرعي وينتفي بانتفائها ، وينقسم المناسب إلى ثلاثة أقسام :
(1) مناسب مؤثر لظهور تأثيره بما اعتبره الشرع به ويدخل فيه ضمنا الملائم .
(2) مناسب غير مؤثر وهو المسمى بالغريب الذي ألغى الشارع اعتباره .
(3) مناسب مرسل وهو ما جهل اعتبار الشارع له بأن لم يدل دليل معين على اعتباره أو إلغائه ، ويسمى بالاستصلاح وبالمرسل وبالمصالح المرسلة ، سمي بالاستصلاح لما فيه من مطلق المصلحة للناس وبالمرسل لإرساله أي لإهماله عما يدل على اعتباره وإلغائه .

مثل حفظ القرآن عن طريق التسجيلات الصوتية ، وبالنسبة للأعمى عن طريق كتابة ( برايل ) البارزة .

يعني ألا ينافي المناسب المقصود أصلا من أصول الشرع ، وألا يكون في مجال التعبدات ، وأن يرجع إلى حفظ ضروري أو رفع حرج لازم في الدين فيكون من باب ما لا يتم الواجب إلا به .

راجع الباب الثامن من الاعتصام ، فإنني اختصرت منه المقصود ، وقد ناقش الشاطبي رحمه الله شبهات المتمسكين بالاستحسان والمصلحة المرسلة في باب الابتداع بما يقطع الطريق على المتساهلين في الابتداع وعلى المتوسعين في التبديع .

راجع الباب السادس من الاعتصام .

راجع آخر الباب السابع من الاعتصام .
ولا ينبغي أن يفهم من كلامنا أو كلام الشاطبي التهوين من أمر البدعة ، ولكن لما كان يترتب على فهم مراتب البدعة في الدين عمل مهم كالبراء والإنكار والتعاون مع المخالف في أمور أخرى لزم بيان هذه المراتب وأنه لا يجوز التسوية بين كل أنواع البدع لما يترتب على ذلك من مفاسد دعوية وحركية .

أربأ بك أيها القارئ أن تظن من كلامي أن الرعيل الأول لم يحترف الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، بل المقطوع به أنه ما من جيل بذل وضحى في سبيل دينه مثل جيل الصحابة والتابعين ، ولكنني ضربت المثال بحركات التنصير لأمرين :
الأول : أن جهودهم تتزامن مع بدء إرهاصات الصحوة الإسلامية في أواخر القرن الثامن عشر حيث ظهرت الحركات الإصلاحية العملاقة مثل حركة محمد بن عبد الوهاب السلفية في جزيرة العرب ، والحركة الإصلاحية العلمية في الشام والهند واليمن ومصر .
الثاني : أن في ذلك تحفيزا لغيرة المؤمنين على دينهم .

اللغة التايلندية من اللغات الآسيوية الحية المتفرعة عن السنسكريتية ( الهندية القديمة ) وهي لغة صعبة جدا ، ويتحدث بها قرابة ستون مليون شخص أو يزيد ، وهي ليست لغة عالمية ، كما أن حروفها تبلغ أربعة وأربعين حرفا ، وتعتمد على حركات المدود ولهجات الحـروف . والمتعجب منه : كيف أنه استطاع أولئك المنصرون تعلم هذه اللغة الصعبة ودعوة الناس بها ، وفي المقابل كان هناك بعض الدعاة العرب الذين احتاجوا لأكثر من عشر سنين ليتعلموا هذه اللغة ويدعوا الناس بها .

وأكثر من حفل بهذا العلم ( علم الآداب ) هم الحنابلة ، فلقد كان علماؤهم أكثر الناس تصنيفا في هذا العلم ، ويمكنك مطالعة جهدهم في هذا الصدد كتاب ( المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ) لعبد القادر بدران ، ونذكر من كتب الحنابلة في علم الآداب : كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح وغذاء اللباب في شرح منظومة الآداب للنابلسي .

راجع الطريقة الثلاثون لخدمة الدين ( المؤتمرات ) .

ولا نقصد جحود جهاد الطلب الذي أجمع عليه كل من صنف فقه الجهاد ، وهو أن يخرج إمام المسلمين كل زمان مقدر ليجاهد الكفار ويرفع راية الدين . ولكن قصدنا بكلامنا هذا إثبات أن الإسلام قد يكون مآله إلى قلوب العالمين في هذه الأيام حيث المسلمون مستضعفون بالدعوة والقدوة وإصلاح الخلل والمشكلات التي تورطت فيها البشرية عبر أحكام الشرع المطهر .

أي تبقى في مكة ، وكانت هذه الحادثة بعد فتح مكة ، ومرض سعد وخشي أن يبقى بمكة ويتخلف عن اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره الرسول صلى الله عليه وسلم أن التخلف ليس بمقعد إياه عن العمل النافع المقارن للنية الصالحة فيحصل له السبق وإن لم يرجع إلى دار الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم .

تهذيب مدارج السالكين : (1/515) فما بعده .

قال النووي في روضة الطالبين (11/94) : فرع : ما ذكرناه هو حكم الطلب بلا بذل ، فلو بذل مالا ، قال ابن القاص وآخرون : إنه حرام وقضاؤه مردود ، والصحيح تفصيل ذكره الروياني : وهو أنه إن تعين عليه القضاء أو كان ممن يستحب له فله بذل المال ولكن الآخذ ظالم بالأخذ ، وهذا كما إذا تعذر الأمر بالمعروف إلا ببذل مال وإن لم يتعين ولم يكن مستحبا جاز له بذل المال ليتولى ، ويجوز له البذل بعد التولية لئلا يعزل ، والآخذ ظالم بالأخذ ، وأما بذل المال لعزل قاض فإن لم يكن بصفة القضاة ( أي لم يكن أهلا للقضاء ) فمستحب لما فيه من تخليص الناس منه ولكن أخذه حرام على الآخذ ، وإن كان بصفتهم ( أي أهلا للقضاء ) فحرام ، فإن فعل وعُزل الأول ووَلِيَ الباذل قال ابن القاص : توليته باطلة والمعزول على قضائه ، لأن العزل بالرشوة حرام ، وتولية المرشي ( كذا ) والراشي حرام وليكن هذا عند تمهد الأصول الشرعية ، فأما عند الضرورات وظهور الفتن فلا بد من تنفيذ العزل والتولية جميعا كتولية البغاة . أهـ

انظر فتح القدير للشوكاني (3/491) .

على وزن اسم الفاعل ،هو الأول في الخيل المتسابق .

هو التريث في الخطو ، والتمهل في المشي .

المسار ص 9 .

أن يجهر بالجرم .

علو الهمة للشيخ محمد إسماعيل ص 141 . وإنما أوردنا قول الإمام علي رضي الله عنه دون غيره لأن له شاهدا وثيق الصلة بما نحن فيه ، وهو قوله في الصنف الثالث : وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق . وفي كلماته تراه يصف واقع الأمة في كل زمان ومكان ، فالمسلمون لم يؤتوا إلى من الجهل والجهلاء ، تقوض ركن العلم فانهدم بنيان العدل حيث فقد من يحرسه ، وتوصيفه للفئة الثالثة بأنهم أتباع كل ناعق : طارت مثلا ، وهو وصف لا تخطئه عيناك في المجتمعات المتخلفة التي ليس لها العقل المكتسب الذي تميز به الظالم من العادل ، وقوله : يميلون مع كل ريح ، صفة لازمة لمن لا شخصية له ، وهيئة راسخة فيمن تقولب في تمثال غيره لأنه لا شيء أو أنه شيء ليس له كيان أو طعم أو لون أو رائحة شأن كثير من الموائع الهلامية ! وقوله : لم يستضيئوا بنور العلم ، قد يظهر أنه وصف مؤكد ، والحق أنه وصف كاشف ، والمقصود بيان حماقة الـراغبين عن العلـم ، وأنهم يعشون في ظلمة ويبصرون النور ولكنهم { ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون } . وقوله : ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، يشعر أن قليل العلم لا يكفي في العصمة من الضلالة والغواية ، وأن الاستزادة منه سبيل الجادين في النجاة والرغبة في الفوز .

يراجع في فضله وفضل طلبه وشرف العلم والعلماء وآداب طلب العلم : جامع بيان فضل العلم وأهله لابن عبد البر بتحقيق شيخنا أبي الأشبال الزهيري أو صحيح جامع بيان فضل العلم وأهله للمحق السالف ، وفضل العلم وآداب طلبه للشيخ الأديب المتفنن محمد رسلان ، ومن زبد ما صنف في هذا الصدد حلية طالب العلم للعلامة الشيخ بكر أبو زيد .

راجع في كتاب : علو الهمة للشيخ الرباني محمد إسماعيل حفظه الله علو همة السلف الصالح في طلب العلم ، وكذلك ما سطره يراع الداعية الأديب الرفيق سيد العفاني في كتابه : صلاح الأمة في علو الهمة ، فقد أدى بالعجب العجاب ، وأوصيك بكتاب : قيمة الزمن عند العلماء للشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله .

نحو المعالي ( سلسلة رسائل العين ) ص 82 .

راجع علو الهمة للشيخ محمد إسماعيل ( الباب الرابع : الفصل الأول : علو همة السلف في طلب العلم ) .

وموسوعية العالم أو الشيخ لا تشفع في تخريج طلبة العلم الأقوياء في مادتهم ، لأنه بتنقله وعدم مواظبته على علم واحد وعدم تدرجه في تلقين المادة سيجد أن الطلبة حصلوا علوما غير متناسقة وأفكارا غير مرتبة ، فتقل الاستفادة أو تنعدم . وما زال سلفنا وعلماؤنا بَلْهَ مناج التعليم الحديث تنصح بالتدرج والانتقاء ومراعاة المستويات في العملية التعليمية ، ولهم في ذلك عبارات شهيرة مثل قولهم : من ثبت نبت ، وما ورد عن بعضهم في تفسير قوله تعالى : { كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } قال : يعلمون صغار العلم قبل كباره .

هو اسم القاموس المعروف في اللغة للإمام الفيروزبادي .

وفيهم ولأجلهم صنف الشيخ العلامة محمد إسماعيل كتابه : الإعلام بحرمة أهل العلم في الإسلام .

وفيهم ولأجلهم صنف الشيخ العلامة بكر أبو زيد كتابه : التعالم .

أما اشترطه البعض من ضرورة الرواية وعدم الاعتداد البتة بمن أخذ علمه من المطالعة فهذا في زمن الاختيار ، وزماننا يحتاج إلى فقه النوازل الذي يعتبر الضرورة ويلحظ المصلحة بالأخذ ما يحصلها أو يتممها ، ويراقب المفسدة بالأخذ بما يدرؤها أو يقللها . ويمكن لمن عدم الشيوخ بمرة أن يستعيض بأشرطة أهل العلم في شرح الكتب ليحصل الدربة على كيفية مطالعة الكتب وفهم عبارات المصنفين القدماء . وله أصل عند المحدثين وهو الرواية بالوجادة ، قال السيوطي في التدريب ( 2/60 فما بعده ) : القسم الثامن الوجادة ، وهي مصدر لوجد مولد غير مسموع من العرب ، وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها لا يرويها الواجد فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن ، أو قرأت بخط فلان عن فلان ، هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا ، وهو من باب المنقطع وفيه شوب اتصال ، وجازف بعضهم فأطلق فيها حدثنا وأخبرنا ، وأنكر عليه ، وإذا وجد حديثا في تأليف شخص ، قال : ذكر فلان ، أو قال فلان : أخبرنا فلان ، وهذا منقطع لا شوب فيه ، وهذا كله إذا وثق بأنه خطه أو كتابه ، وإلا فليقل : بلغني عن فلان أو وجدت عنه ونحوه ، أو قرأت في كتاب أخبرني فلان أنه بخط فلان ، أو ظننت أنه خط فلان ، أو ذكر كاتبه أنه فلان أو تصنيف فلان ، أو قيل بخط أو تصنيف فلان ، وإذا نقل من تصنيف فلا يقل قال فلان إلا إذ وثق بصحة النسخة بمقابلته أو ثقة لها ( أي : أو بمقابلة ثقة لها ) ، فإن لم يوجد هذا ولا نحوه فليقل بلغني عن فلان أو وجدت في نسخة من كتابه ونحوه ، وتسامح أكثر الناس في هذه الأعصار بالجزم في ذلك من غير تحر ، والصواب ما ذكرناه ، فإن كان المطالع متقنا لا يخفى عليه غالبا الساقط أو المغير رجونا الجزم له ، وإلى هذا استروح كثير من المصنفين في نقلهم ، أما العمل بالوجادة فنقل عن معظم المحدثين المالكين وغيرهم أنه لا يجوز ، وعن الشافعي ونظار أصحابه جوازه ، وقطع بعض المحققين الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة ، وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه هذه الأزمان غيره .أهـ

وأسأل الله عز وجل أن ييسر لي تجميع وترتيب المادة العلمية لهذا المنهج والبحث ، حيث نأت الديار عن أصول هذا البحث ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

إن طرافة هذا الأمر تذكرنا بموجة المدارس النموذجية التي كانت تتسمى بها المدارس في البلاد العربية ، ولم تكن في الواقـــع إلا مدارس أفضل من غيرها ، أما كونها نموذجية بمعنى رقي مستواها وارتفاع قدرها فهذا ما لم يكن له ضابط ولا رابط في تاريخنـــا الحـديث .

وقد أنعم الله على الصحوة المباركة في هذا الزمان برجال ما فتئوا يعيدون أمجاد السلف ويحيون بين الناس سيرتهم فكانوا مشاعل هدى لكل البشر ، وعم بهم الخير والنفع ، أمثال الشيخ الإمام القدوة الوالد العلامة الشيخ أسامة عبد العظيم والشيخ الإمام المتفنن القدوة العلم : محمد بن إسماعيل ، شيخ الثغر السكندري ، والشيخ المحدث العلامة أبي أسحق الحويني الأثري وأسد المنابر الخطيب المصقع الشيخ الهمام محمد حسان والشيخ القدوة المربي الوالد الشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ المتفنن الفقيه الحاذق محمد عبد المقصود والشيخ المحدث العلامة مصطفى العدوي والخطيب الجلد الهصور الشيخ فوزي السعيد والداعية المحدث الشيخ أسامة القوصي وبقية السلف وقدوة الأنام وحسنة الأيام الشيخ الرباني أبي ذر القلموني والقدوة المربي المجاهد الداعية المتفنن الشيخ ياسر برهامي والشيخ الداعية العلم : سعيد عبد العظيم ، والداعية المناضل الشيخ عمر عبد الكافي ، والشيخ المجاهد العلامة الصابر سلمان بن فهد العودة والشيخ المتفنن الداعية المجاهد سفر الحوالي وغيرهم ممن كانت لهم بصمة واضحة على صرخ الصحوة الشامخ ، وممن وقفوا وقفة صامدة في أوجه الطغاة يبلغون الحق ويربون الخلق ويصبرون على لأْوَاءِ الطريق ، فك الله أَسْر الجميع من قبضة الطغاة الظالمين .

التواضع والخمول لابن أبي الدنيا ص 27 .

أي يشير بأصبعه يدعو بها .

سير أعلام النبلاء ، ترجمة محمد بن واسع رحمه الله .

رواه هناد بن السري في كتاب الزهد (1/283) .

ننصح بكتاب النصيحة في الأذكار والأدعية الصحيحة للشيخ محمد إسماعيل حفظه الله .

كتاب النبوءة والسياسة ( الإنجيليون العسكريون في الطريق إلى الحرب النووية ) تأليف : غريس هالسل . ترجمة : محمد السماك . ص 68 .

هذا الكلام نخص به من يجادلون في أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام دعائم الدولة الإسلامية والحكم الشرعي ، ويريدون أن يثبتوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم في حقيقة الأمر لم يكن إلا رسولا كما قال هو عن نفسه ، ولا شك أن هذه مغالطة منشؤها الخطأ في فهم مقصود الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعدم الاستدلال بالنصوص الأخرى القاطعة في هذا الصدد .
ومنه قوله تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) وقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) . وقد أجمع العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين الناس بالشرع المطهر ، وحكم بينهم بمقتضى نصوص الوحي التي نزلت إليه ، وأن ذلك لم يقتصر على شئون العبادة ، بل تجاوز إلى كل شئون الحياة كالسياسة والاقتصاد والأحوال الشخصية وأحكام السلم والحرب .

تفسير القرطبي (12/73) . والمقصود أن الناس لا يجب عليهم أن يأمروا السلطان والعلماء لأنهم مأمورون بأصل الشرع ، بل هو مستحب ، وقد يتجه القول بالوجوب في حال جهل السلاطين والحكام وغفلة العلماء وخوفهم ، فالتذكير أمر عام ينفع الله به كل المؤمنين كما : { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } .

تأمل ما يلي : - ثروة الرجل 100 مليار دولار ( أي مائة ألف مليون دولار ) .
- له مؤسسة خيرية مستقلة عن شركاته التجارية تعمل في المجالات الخيرية .
- أنه يعتزم ولم يتبرع بعد .
- أن وازع التبرع التأثر بمرضى الملاريا والإيدز ( نفس عواطف المنصرين ) .
- أن مؤسسته تحتل الترتيب الخامس عالميا في حجم الاستثمارات .
- أنه سيعلن عن مشروعات مالية تجعل مؤسسته في المرتبة الأولى .
- أن مؤسسته تبرعت ( في إحدى تبرعاتها ) بـ18 مليون دولار لجامعة كيمبردج البريطانية . ( فكيف بالتبرعات الأخرى ؟!!) .
وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي كلام عندها وخطاب






إن المؤسسات الخيرية الغربية ( ومما يصنف معها : المؤسسات التنصيرية ) لا تنتظر مجيء الإحسان إليها ، بل تبادر بالاتصال بكل من تعلم مقدرته على الإنفاق والبذل حتى لو كان عدوا لها ، ولدى تلك المؤسسات أجهزة استشارية في كيفية تحصيل التبرعات ، ومن وسائلها إعداد بيان بالمشروعات المراد تنفيذها والمبالغ المطلوبة لتنفيذ المشروعات ، وليس بخاف أن كثيرا من تلك المؤسسات تتلقى تبرعات من كثير من المسلمين الجاهلين بمصارف تلك المؤسسات .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/324) : رواه البزار وفيه صادق بن عمار ، قال البخاري : لا يتابع على حديثه وبقيه رجاله رجال الصحيح . أهـ وقد صححه الشيخ الألباني في الصحيحة رقم 1664 . والمعونة القوت .

المسار لمحمد أحمد الراشد ص 137 .

من الشائع في ألسنة العامة : الرجوع إلى الحق فضيلة ، وقد سرى معنى هذا المثل في قلوب الناس حتى غدا عقيدة اجتماعية ، وأصبح الرجوع إلى الحق عند الناس متروك لاختيارهم ومروءتهم ، بينما الشرع يقرر أن الإعراض عن الحق اتباع للهوى ، واتباع الهوى يضل عن سبيل الله ، قال تبارك وتعالى : { يا داود إنا جعلناك خليفة فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } .

إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجاهد إلا حينما أذن له الله تبارك وتعالى ، وكانت مراحل تقنين الجهاد توحي بأن المسلمين لم يكلفوا بمرحلة إلا بعد أن استوفوا إمكانياتها ، فكانت مرحلة الدفع أولى المراحل ، كما : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } ، وكان هذا في بداية العهد المدني ، كما نلاحظ أن الجهاد لم يفرض في مكة قط لانعدام القدرة ، بل أمروا بكف الأذى والصبر ، كما قال عز وجل : { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية } ، ثم فرض بعد ذلك جهاد الطلب لما استحكم الإعداد وتهيأت العدة ، : { واقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } . ولا ينبغي أن نمتري أن القدرة شرط ظاهر وواضح في كل تكاليف الشرع عامة ، وفي التكاليف الشاقة التي تتطلب إعدادا وعدة من باب أولى . والقدرة تتفاوت بين المكلفين ، ولها أي القدرة أثر في تحديد مراحل الجهاد ومستوياته ، وأوضح دليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية : ( الآن نغزوهم ولا يغزونا ) . ولنختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد ، حيث قال رحمه الله في الصارم المسلول (2/413) : فكان ذلك عاقبة الصبر والتقوى الَّذين أمر الله بهما في أول الأمر ، وكان إذ ذاك لا يؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية ، وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه ، فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه ، وصارت آية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه ، وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون في آخر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهده خلفائه الراشدين ، وكذلك هو إلى قيام الساعة ، لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام ، فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .أهـ

وما جاء في صحيح مسلم بعد روايته للحديث عن ابن سهم قال عبد الله بن المبارك فنرى أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهذه عبارة قلقة مجملة تحتمل أكثر من معنى ، فقد يكون المراد أن وجوب أحد الأمرين كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن من جاء بعده يجب عليه الغزو بالفعل و لا يجزئه حديث النفس . أو يكون المعنى أن عدم الغزو وإرادته من علامات النفاق على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما بعد ذلك فليس نفاقا بل معصية أو كبيرة ، إذ الفرار من الزحف كبيرة كما ورد في الأحاديث . أو يكون المراد أن وجوب أحد الأمرين كان واجبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط ، أما بعد عهده فليس بواجب ، وهذا الأخير إن صح فيحمل على جهاد الطلب الذي هو فرض كفاية ، وهو الذي يقوم به المسلمون حال التمكين والقوة ، أما جهاد الدفع فهو فرض عين ، لا يسقط إلا بالعجز المتحقق لا بالعجز المظنون المتوهم ، والجهاد بكل أنواعه بالقلب واللسان واليد والمال من نوع جهاد الدفع الذي هو فرض عين لا يحل لمسلم أن يتخلف عنه . والله الموفق .


ونوصي بكتاب : الجهاد للدكتور وكتاب تحصيل الزاد في الجهاد للشيخ سعيد عبد العظيم .

أنصح بكتاب السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى في بيان أحكام المحتسب والقاضي ، والطرق الحكمية لابن القيم ، ومن المعاصرين رسالة مختصرة نافعة باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للشيخ ياسر برهامي .

على رأسهم الشيخ يوسف البدري والمستشار محمد صميدة الذي قام برفع الدعوى ضد كثير من تلك المنكرات في المحاكم .

وقد يتطلب الأمر تغليظا في الكلام وخشونة في اللفظ ، وعند ترتب المصلحة على ذلك فلا مانع من القيام به .

في بعض الأحايين يوجد بعض السائقين الذين لا خلاق لهم في دين الله تبارك وتعالى ، وقد يوقف السيارة ويقول : ليس عندي استعداد لإغلاق هذه الأغنية ، ابحث لك عن سيارة أخرى ، وقد يتطاول البعض ويستخدم البذئ من الألفاظ ، ومثل هؤلاء لا طائل من الإنكار عليهم ، فهؤلاء لن ترهبهم إلا دِرَّةُ عمر وعصاه ، ولكن ينبغي أن يبذل له النصح ثم يترك له السيارة بالمنكر الذي فيها ولسان حاله يقول : ( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) .

روى البخاري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال : ( يا معاذ ابن جبل ) قال : لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : ( يا معاذ ) قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ( ثلاثا ) . قال : ( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار ) قال يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : ( إذا يتكلوا ) . وأخبر بها معاذ عند موته تأثما .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 1/272) : وممن كره التحديث ببعض دون بعض : أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ، ومالك في أحاديث الصفات ، وأبو يوسف في الغرائب .. وعن الحسن أنه أنكر على أنس تحديث الحجاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي .أهـ

أعني بها ادعاء اليقين بنصر الله ، واستعراض مظاهر التوكل على الله بالعزوف عن الأسباب .

الدليل البصير بالدروب الآمنة ليسلكها والخطرة ليتجنبها .

قد بدأت بعض المحاولات الجيدة التي أصبح لها وجود حقيقي بعد أن كانت حلما من أحلام الكرى ، حيث تأسست قناة تليفزيونية تتبنى عرض البرامج الدينية النافعة غير المخلة ، واسمها قناة ( اقرأ ) بيد أن هذه القناة فيما لاحظت من إعلانات برامجها أن لديها فصاما في الجانب التأصيلي الفقهي ، حيث تستجيز القناة عرض المسلسلات - التي تسمى بالدينية - والتي يقوم بأداء الأدوار فيها ممثلون معروفون بدورهم الداعر في إفساد المجتمع من خلال أفلام ومسلسلات أخرى .
ولا يجوز أن تنساق المشاعر الإسلامية الصادقة وراء الوسائل المبررة بالغايات ، وإلا أصبحت الجهود كأنها خبط عشواء أو خطو عمياء ، كما أن بعض تلك المسلسلات التي تسمى دينية تحوي تشويها متعمدا للتاريخ الإسلامي ، وترسم صورة كاذبة عن حياة السلف الصالح رضوان الله عليهم ، مما يعني مزيدا من الانحراف الفكري بل مزيدا من المسخ والتدمير لعقلية المسلم والمسلمات المستقرة في وجدانه وضميره .

وقد تمكنت بعض الشركات من إنتاج أفلام كرتون هادفة مثل : محمد الفاتح وقصة أصحاب الأخدود ، خالية من أية مخالفات شرعية : مثل العنصر النسائي أو الموسيقى ، بالإضافة إلى رصانة الحوار وجمال العرض وقوة التأثير .

جاء في كتاب ( تسريع القراءة ) لمؤلفه لوري روزاكس ما يلي : الطبعة الواحدة من صحيفة نيويورك تايمز تحتوي على معلومات تفوق ما تعلمه شخص في القرن السادس عشر طوال حياته ويصدر خمسون ألف كتاب في الولايات المتحدة سنويا . وتصدر حاليا عشرة آلاف مجلة في الولايات المتحدة وتصدر سبعة آلاف دراسة علمية يوميا في أنحاء العالم .

لا يحتاج إلى بيان أننا لا ننكر مبدأ التكسب من التأليف والنشر ، ولكننا نحارب من يتكسب بدون مقابل ، أو يربح بالغش والخداع والتغرير واستغلال سذاجة الناس ، ومصيبة الكتاب في هذا الزمان أن ابتلي بمجتمع لا يحترمه ، فالقراء قليلون ، والقليل منهم من يتذوق ما يقرؤه ، وأقل القليل من يعمل بما قرأه وعلمه ، فأضحى الكتاب غريبا لا يجد من يدافع عنه وينافح عن قضاياه .
واتحاد الناشرين والكتاب والأدباء .. وهلم جرا صارت لا تغني فتيلا ولا تنفع قطميرا ، إذ لم يعد هَمُّهم إلا الدفاع عن الملحدين والشيوعيين والعلمانيين ومؤلفي الروايات الماجنة والأشعار المنحلة والقصائد المختلة ، ومع أن الكتاب الإسلامي أثبت تفوقه وصدارته بالنسبة لعدد القراء والكمية المطبوعة ( كما تثبت إحصائيات معارض الكتب في الدول الإسلامية قاطبة ) فهو لا يجد من يدافع عن حقوقه ضد المغتالين والخائنين .

المسار ص 374 فما بعدها .

فد منعتها الحكومات بالفعل ، فكأن الأستاذ حفظه الله كان ينظر إلى الغيب من ستر خفي ، ولكن الفرصة ما زالت سانحة لتكوين شركات إعلامية بترخيص حكومي معتمد ، وقد انتشرت بفضل الله مثل هذه الشركات ذات التوجه الإسلامي ، وتعمل بجد على نشر الشريط الإسلامي ، وتساهم بدور فعال في نشر الثقافة الإسلامية وإعلاء مفردات الخطاب الدعوي للصحوة الإسلامية ، ولكنها تحتاج ولا ريب إلى التنسيق فيما بينها وإلى تبني استراتيجية موحدة بدلا من التنافس التجاري المقيت الذي سيؤدي والعياذ بالله إلى ما لا تحمد عقباه .

ولا يفهم من قولنا : المسائل المصيرية : في المجال السياسي والاجتماعي كقضية القدس وتطبيق الشرع ومحاربة إدمان المخدرات ونحو ذلك فحسب ، بل المراد المسائل التي تعد من مهمات الدين إجمالا ، كالصلاة والحجاب ونحو ذلك ، ونشر كتيب عن وجوب اللحية مثلا لن يكون زخما ثقافيا كاذبا إذا اعتبرناه إحياء لسنة مهجورة ، ودعوة إلى المفاصلة الأخلاقية والاجتماعية للمشركين .

ننصح بكتاب ( العرب وعصر المعلومات ) إصدار سلسلة عالم المعرفة ، وزارة الثقافة بدولة الكويت .

يرى الكثير من الدعاة أن توحد الجماعات الإسلامية في هذا الوقت العصيب الذي تمر به الأمة الإسلامية يواجه صعوبات جمة ، كما أن تربص أعداء الدين بتيارات الصحوة المختلفة أكسبها وجلا من محاولة إعلان التوحد لئلا يؤدي إلى حملة استئصالية لكل تيارات الصحوة . ولا شك أن هذه النظرة تحوى بعض الوجاهة ، ولكننا لا ينبغي أن نرضى بهذه الحال ، وأن يكون عملنا منصبا في تهيئة الجو المناسب لإحداث هذه الوحدة ، لا أن نرضى بهذا الوهن والهوان ، ثم نمضي في طريق تأصيل الخلاف والتهاجر ، فهذا والله مما لا يرضي الله تبارك وتعالى ، ونحن نبرأ إلى الله تبارك وتعالى من خلاف مبني على الهوى ، ونبرأ إلى الله من كل من يحاول الوقيعة بين المسلمين ، ويعمل على تأجيج نار الفرقة بينهم ، وهؤلاء لعمر الله أضر على الأمة من أعدائها الحقيقيين ، فإلى الله المشتكى ، وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

فكل إناء بما ينضح ، والفرد في المجتمع ما هو إلا كيس يتلقى ما يلقى فيه ، فهو إن مر بتلك السلسلة التي ذكرناها فلم يجد من يدعوه أو تخاذل الدعاة عن دعوته فسيجد من يملأ كيسه بقضايا أخرى ، ولربما كانت تلك القضايا تصب في العداء للدين ، ويكون الخسران المبين عاقبة الذي قصروا في إيصال الحق إلى الخلق لظنهم أن كلمتهم لا تفيد ، والواقع أن الكلمة الواحدة لا تفيد ، ولكن كلمة منك وأخرى من غيرك ستجعل للمدعو رصيدا ينهض بإيمانه ويدفع بيقينه ليسامت العليين ، وما أدراك ما عليون .

في أواخر القرن السابع عشر تقريبا دفع أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بمحام يسمى هيوستن إلى مقاطعة من المقاطعات المجاورة للولايات المتحدة ، وقال له : إن أمريكا تحتاج إلى تلك المقاطعة ، وليس عندي من مال ولا عتاد ما أمدك به لتأتي إلي بهذه المقاطعة ، فجمع هيوستن ثيابه وذهب إلى تلك المقاطعة واستأجر مكتبا للمحاماة ، وفي بضع السنين عبر محاوراته ومقالاته في الصحف ومداولاته مع الوجهاء أقنع شعب تلك المقاطعة أن يطالب الانضمام إلى الولايات المتحدة ، وقد حدث المتوقع وتم الاستفتاء ، وضمت تلك الولاية التي سموها بولاية هيوستن امتنانا لجهود ذلك المحامي الذي لم يطلق رصاصة واحدة في سبيل ضم مقاطعة تعادل مساحتها مساحة نصف مساحة فلسطين تقريبا ، فهل من مدكر ؟!! ( الخبر مذكور في صناعة الحياة للراشد فليراجع ) .

قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا ) وحمله العلماء على الجدال غير المثمر ، أو الجدال مع من حصل اليقين بعدم استجابته وعناده ، جمعا بين هذا الحديث وبين قوله تعالى : { قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين } المفيد لجواز الجدال .

فقد كتب الله النصر لمن خلا من ذلك كله ، : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } .

اقرأ كتاب الدعوة المؤثرة للأستاذ جمال ماضي ، وفقه الدعوة الفردية للدكتور علي عبد الحليم محمود .

إن بعض الدعاة للأسف الشديد يتعامل مع الشباب بسذاجة شديدة ، ويظن أنه بنصيحة عابرة يمكنه أن ينجب لنا صلاح الدين الأيوبي ، والواقع الأليم يشهد بأن مشكلات الشباب صارت من التعقيد بمكان بحيث لا تحتمل الدور الدعوي الهزيل الذي كنا نقوم به أيام كانت الفتن تمشي الهوينى ، بل يحتاج الأمر إلى معاجلة خاطفة ومعالجة راقية تتناسب طردا مع حجم الفتن التي يتعرض لها الشباب ، وقد أسر إلي الكثير من الشباب بأنهم كانوا على شفير جرف هار ، وكانوا يحتاجون إلى يد قوية وعزم أكيد يجتث لوثة الفجور من قلوبهم ولكنهم وجدوا برودة من بعض الدعاة في فهم حجم مشكلاتهم ، بل برودة في علاجها ، إلى القدر الذي حملهم على تفضيل المضي في الفجور عن أن يخوض تجربة نسك غير واضحة المعالم .
نعم .. إنه واقع أليم يجب أن نعترف به قبل أن نبدأ العلاج ، وإلا فلا علاج ، إننا على وشك الدخول في قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ، وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } ، إن لم نكن دخلنا بالفعل .
ودعوة الشباب لا بد لها من التصور الواضح الذي ذكرناه ، يجب أن يحدد المربي المراحل التربوية التي سيقوم بها مع الشاب ، ويحدد كل مرحلة متطلباتها ويتوقع مشكلاتها ، ولا يظل أسير ردود الأفعال والظروف ، ثم إن ذلك المربي يطور نفسه ويبحث كل يوم عن أفضل السبل للرقي بمستوى من يربيه ويعنى بشأنه .
ومن صفات المربي الصادق أن يعتقد أبوته لكل من يربيه ، فيسبغ عليهم من الشفقة والحرص مثل ما يسبغ على نسله بل أكثر ، وليس بمرب من يرى أبناءه صرعى الفتن والشهوات وهو عن ذلك عَمٍ وغافل .
إن المربي الصادق من يأرق في الليل من حال من أسرته فتنة ، ويضنيه رهق إيماني ألم ببعض من يربيه ، وتَهْمِي عبراته إذا رأى شبيبة الإسلام يتخنثون وعن نهج محمد صلى الله عليه وسلم يتنكبون .


تكاد تتفق كلمة دعاة العصر في القطر المصري على تثمين الدور التربوي الرائد الذي يقوم به الشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله وقد كتب الله له من القبول لدى قلوب الشباب ما نسأل الله أن يجعل شهادة صدق في الدنيا قبل الآخرة ، والله لا يضيع أجر المحسنين .

وأضرب مثلا بكتاب الشيخ محمد حسين يعقوب : ( كيف أتوب ؟!! ) وكتاب ( إلى الهدى ائتنا ) له أيضا ، وكتاب : ( أريد أن أتوب ولكن ! ) للشيخ المنجد ، وكتاب : ( علو الهمة ) للشيخ محمد إسماعيل .
ولا شك أن هناك كثير من الكتب التي عنيت بالجانب التربوي للشباب ، ولكنها تفتقد لسمات ضرورية حتى تؤتي أكلها ويبدوا صلاحها ، أهما : الاختصار وعدم التطويل ، والتركيز والوضوح في طرح المشكلات ، والصراحة وعدم المواربة في علاجها ، والشباب لا يعجبهم اللف والدوران كما يقال فحري أن نخاطبهم بما يعرفون ويعقلون ويفكرون .

من أوسع وأدق ما صنف في مشكلة انتكاس الملتزمين كتاب سماحة الوالد الشيخ محمد حسين يعقوب : إلى الهدى ائتنا ، وفيه أتى كثير من أسباب الانتكاس في عصرنا وعالجها علاجا شرعيا محكما فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا .

وفي كتاب : عودة الحجاب للشيخ محمد إسماعيل نماذج فذة من نساء السلف ممن ضربن المثل في البطولة والريادة ، حري بنساء هذا الزمان أن يقتدين بهن .

نذكر من هؤلاء الدكتور عبد الكريم زيدان حفظه الله الذي ألف الموسوعة الفقهية للأسرة المسلمة ، والتي حاز لأجلها جائزة الملك فيصل رحمه الله ، وكذلك الشيخ المحدث مصطفى العدوي الذي ألف موسوعة أحكام المرأة ، وتضمنت أحكام النكاح والطلاق والزينة والحجاب وغير ذلك مما ينبئ عن تضلع الشيخ حفظه الله من أحكام الشريعة .

قد أفتى بعض أهل العلم لامرأة زوجها تارك للصلاة أنه لا يجوز أن تمتنع عن إعطاء زوجها حق الفراش لأنه تارك للصلاة ، وذلك أن تارك الصلاة فاسق عند ذلك المفتي والصحيح أن المرأة يجوز لها أن تعزر زوجها وتمنعه بعض الحقوق إذا امتنع عن أداء حقوقها فحقوق الله تبارك وتعالى أولى حينئذ ، وكيف تكون عقوبة تارك الصلاة حدا أو ردة هي القتل ثم لا يجوز للمرأة أن تعاقب زوجها بهجر الفراش ، والأصل الذي نتمسك به قوله تعالى : { واهجروهن في المضاجع ..} مع أنه تعالى قد قال : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة } . فلهن مثل ما للرجال من حقوق ، ومنها حق الهجران في المضاجع ، واستثني الضرب لمنافاته حق الزوج من التعظيم والاحترام والذي ثبت بأدلة متضافرة مخصصة لعموم قوله تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } ، والمعروف عدم استساغة ضرب المرأة للرجل .

تم اكتشاف شبكة دولية مقرها في بلجيكا والولايات المتحدة تقوم بترويج دعارة القصر من الأطفال ، وقد اكتشفت هذه الشبكة في بلجيكا إثر بحث الشرطة عن أطفال تم اختطافهم ، وتبين فيما بعد أن قيادات عليا في الشرطة البلجيكية كانت ضالعة في هذه الشبكة ، مما فضح المدنية الغربية أمام كل العالم . ففي الوقت التي خرجت الأصوات المطالبة بحقوق الإنسان والطفل من هناك إذا بهذه الدول أول من تقدم الدليل على كفرها بما تدعو إليه .
ومن أنكى مظاهر الانحلال الذي جرف براءة الأطفال والفتيان انتشار الشذوذ الجنسي بينهم على وجه لا يجرمه القانون ولا يعارضه ، بل يعتبره حقا قانونيا يُجَرَّمُ من يعترض عليه أو يحاربه .
وفي أوائل خمسينات هذا القرن الميلادي أقر مجلس العموم البريطاني قانونا يسمح بالشذوذ الجنسي لمن هم فوق العشرين ، وكان ذلك إثر انتشار موجة الشذوذ بعد الحرب العالمية الأولى ، وقامت المظاهرات في السبعينيات تنادي بخفض السن المسموح له ممارسة الشذوذ دون تجريم إلى ثمانية عشرة سنة ، فاستجاب القانون لنداء الغريزة ، وفي أواخر التسعينات خرج الفتيان بل الأطفال ينادون بالسماح لمن هم في السادسة عشرة بهذا الفجور والعهر . فأي مدنية تلك التي يراد للمسلمين أن يسيروا في ركابها ويخطوا خطوها ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

لقد صار من أدلة التحضر والرقي وملاحقة التطور عند أولئك الذيول أن يطعم الواحد منهم في محلات ماجدونالدز أو محلات البيتزا بأنواعها أو كنتاكي ودونت ، وسامحني أيها القارئ أن أدرجت هذه الأسماء أمام عينيك ، ولكنني تعمدت ذلك لأقرر أن وجود هذه المحلات في بلاد المسلمين مظهر من مظاهر الاستعمار ، بل قل من مظاهر الهزيمة النفسية في قلوب المسلمين .

إن بعض الآباء والأمهات يستحقون أن نشبههم بالذئاب التي ترعى الغنم ، فمجتمعاتنا لم تعد تعر للمثل والقيم احتراما ، فلا بأس أن يشجع الأب ابنته على هواية السباحة ، ويتباهى أمام الناس بأن ابنته بطلة سباحة ، وآخر إذا سمع أن ابنه شرب الدخان أو زنا أو شرب الخمر قال : ( طيش شباب وبكره يعقل ) ، وأم تذهب إلى الموجهة الاجتماعية في المدرسة وتكيل لها من اللوم والتقريع ما تكيل لأن تلك الموجهة تجرأت وأخطرت الأم أن ابنتها تقابل شابا غريبا خارج المدرسة وأنها تكلمه على الدوام دون حياء ، والأعجب أن الأم عللت تصرف ابنتها بأن هذا ضروري حتى تخوض البنت تجربتها في الحياة !
إنها أمثلة حقيقة وحية وليست من دراما التلفاز والسينما ، وهي تلقي ضوءا ساطعا على نماذج الآباء والأمهات المضيعين لذرياتهم .

قال الله تعالى : { وأما السائل فلا تنهر } ، و : { وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا } ، و : { وقولوا للناس حسنا } .

معلوم لدى كثير من الدعاة أن هيئات التنصير تدرب دعاتها على استعمال أساليب الرفق مع الخلق ، والصبر عليهم ، وعدم اليأس منهم ، ومعلوم أن مهنة التمريض نشأت كعلم مستقل في الكنائس الأوربية أوائل القرن الثامن عشر الميلادي حيث كانت الراهبات يقمن بتمريض جرحى الحروب ، ثم تأصلت هذه المهنة في هيئات التنصير واستخدموا في مستشفياتهم التي أسسوها في أصقاع العالم .

نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين .

السمود هو اللهو أو سماع الغناء ، : { أفمن هذا الحديث تعجبون . وتضحكون ولا تبكون . وأنتم سامدون . فاسجدوا لله واعبدوا } .

قال صلى الله عليه وسلم : ( الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) .

المسار ص11 .

لفظ البخاري بإسناده عن عاصم بن سليمان الأحول قال : قلت لأنس بن مالك رضي الله عنه أَبَلَغَك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا حلف في الإسلام ) ؟ فقال : قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري .

انظر الفتح (4/553) فما بعده .

(4/302) .

بشرطين : (1) أن تكون الأسماء لا تحتوي على مخالفة شرعية .
(2) أن ينعقد ولاء المنضوين تحت هذه الأسماء على اسم الإسلام لا اسم الجماعة ، وأن تسمية الجماعة لأجل مصالح نظامية تصب في مصلحة العمل الجماعي ، أو للتميز عن أهل البدع والضلالات أو نح ذلك من المقاصد الشرعية المعتبرة .
ومن قصد بالتسمي مفاصلة أو أهل السنة وبث العبية الجاهلية فقد أجرم وأتى بالمنهي . أما إذا قصد تحصيل مصالح شرعية كالتعريف بوظيفة الجماعة أو تمييز العمل الدعوي حتى لا يحصل الاختلاف ( كما هو معلوم عند المبصرين بالواقع ) فهذا لا شيء فيه ، فإذا وقع التعصب على الاسم من بعض الأفراد كان ذنبه على نفسه ولا تزر وازرة وزر أخرى .
والأدلة على مشروعية التسمي بأسماء مختلفة للجماعات المتعددة في ساحة الدعوة كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع :
أما الكتاب فقوله تعالى : { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهـم } ووجه الدلالة أن الله عز وجل سمى طوائف المسلمين بأسماء مختلفة مع اشتراكهم في اسم الإسلام ( هو سماكم المسلمين من قبل ..) وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وهو دليل السنة ) فكان يعقد في حروبه للمهاجرين لواء وللأنصار لواء ، ولبعض القبائل ألوية خاصة بهم كما حدث في فتح مكة مثلا . وإذا ثبت جواز ذلك مع وجود الإمام الأعظم فأولى أن يثبت مع عدم وجوده ، ولا يقال إن وجوده عاصم من الاختلاف لأننا نزعم أن التسمي بهذه الأسماء إنما هو لمنع الاختلاف ، وفرض المسألة أنه قصد بالتسمية تحقيق مصلحة شرعية ، وإلا فإن الخلاف يحدث مع التعدد وبدونه .
وأما الإجماع فاتفاق الأمة قاطبة بدون نكير على مر القرون على جواز التلقب بالألقاب المذهبية كفلان الحنبلي وفلان الشافعي وفلان الظاهري ، ولا ريب أن هذه الأسماء إنما هي عناوين لمناهج استنباط انتشرت في الأمة وحصل بينها اختلاف في فهم النصوص الشرعية وطرائق الاستدلال ومع ذلك لم يتناكروا هذه التسمية لأن المقصود بها التمييز العلمي والتخصصي وليس الاختلاف والعصبية .
وما زال أهل السنة يتسمون بأسماء مختلفة على مر القرون ليتميزوا عن غيرهم . فطورا سموا أنفسهم بأهل السنة ، وطورا بالجماعة ، وطورا بكليهما ( أهل السنة والجماعة ) وطورا بأهل الحديث وطورا تسموا بالحنابلة في مقابلة الأشعرية وطورا بالسلفيين .
ونعود لنؤكد أن كل المحاذير المذمومة نتبرأ منها ولا نقرها ونقول فيها ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تعصب المهاجرون لبعضهم والأنصار لبعضهم : ( دعوها فإنها منتنة ) .

ولعلك تتساءل أيها القارئ : لماذا لم نذكر الأدلة المفيدة لمشروعية العمل الجماعي ؟ والجواب أن الأدلة الآمرة بالاجتماع أصبحت في حق الدعاة وفي حق كل عامل وباذل لدين الله من قبيل المعلوم من الدين بالضرورة ، بل لا أغلو إذا قلت إنها من بدهيات العقول وأوليات الذهن التي لا تحتاج إلى تنظير واستدلال ، وقد كتبت في ذلك فصلا طويل الذيل ، رأيت ألا أملأ صفحات الكتاب منه لأنني كتبته لنوعيات معينة من الدعاة ، أما إذا أردت الاطلاع على أدلة مشروعية العمل الجماعي بخير عرض فأحيلك على كتابين الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في مشروعية العمل الجماعي ففيهما الغنية إن شاء الله ، وله كتاب ثالث تناول قصية حياة شيخ الإسلام ابن تيمية وبرهن فيه على أن شيخ الإسلام لم يكن مجرد داعية أو عالم يدرس العلوم الشرعية ويفتي الناس ، بل كان رجل دولة ، يخاطب الملوك والسلاطين ويستنفر القادة لمحاربة الأعداد ، ويراسل ملوك دول النصارى والتتر ويرسم الخطوط ويناصح الساسة في شئون الدولة وشئون المسلمين ، بل كان يعارض بعض سياسات الدولة ويجاهر بذلك ، بل كان في بعض الأحيان يقيم الحدود الشرعية بإذن ضمني من سلطان الدولة . وللشيخ المصري في معالم الانطلاقة الكبرى كلام متين في توصيف واقع بعض الدول التي تعاني واقعا إسلاميا عسيرا ينبغي لكل الدعاة أن يقرءوه .

لقد صارت هذه حقيقة لا تخطئها عين ، فالمجامع اللغوية أول ما تأسست كانت مغرمة بتعيين المستشرقين أعضاء دائمين في مجالسهـا ، وكان طلبة الأزهر ودار العلوم في هيام بأساتذة الاستشراق الذين يدرسون علوم اللغة والدين بين أروقة جامعة القاهرة والأزهر أمثال ماسينيون وأضرابه .
وكاد المسلمون يتيهون فرحا عندما أعلن ولي عهد بريطانيا المشهور بفضائحه وفضائح أسرته أن الإسلام دين متسامح وأنه كان ذا دور مهم في بناء الحضارة الغربية .
بل إن الدوائر السياسية والمراقبين يقيّمون باهتمام إعلان رئيس أمريكا التفريق بين الإرهاب وبين الإسلام الصحيح القائم على التسامح والاعتدال . حتى وصلنا إلى الحال التي فيها يصاغ لنا الدين كيف نفهمه ونتمسك به ، فهاهو مؤتمر يعقد في مصر لمناقشة شئون الأقليات المسلمة في دول الغرب ، فإذا بالمجتمعين ( وكان منهم من غير المسلمين ) يشيدون بالأقليات المسلمة التي استطاعت أن تتكيف مع المجتمعات الغربية محتفظة بإسلامها في إطار قوانين تلك الدول . تأمل .
وإن تعجب فاعجب من ملك ينتمي للإسلام وينحدر من النسل المحمدي الشريف ينصح الطالبة المغربية التي تمسكت بحجابها عند دخول المدرسة في فرنسا ألا تتمسك بهذا الحجاب الذي ليس ضروريا في الإسلام وأن تحترم قوانين الدولة التي تتواجد فيها .

مدينتان في إيران مشهورتان بوجود المراجع الشيعية العظمى على مستوى العالم . ويسبقها في المكانة مدينة النجف لولا أنها تحت سيطرة العراقيين ذوي الأغلبية السنية ، بيد أن مدينة النجف ما زالت محط أنظار كل الشيعة في العالم لوجود ضريح علي بن أبي طالب المكذوب فيها .

تراجع قضية الشورى وإشكالاتها السياسية في كتاب السياسة الشرعية للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق .

تنظيم الاجتماعات يخضع لمعيارين مهمين :
الأول : المعيار الموضوعي ، ويشمل :
(1) المقصود من الاجتماع أو المؤتمر ( أهداف المؤتمر ) .
(2) الموضوعات التي ستطرح فيه ( جدول الأعمال ) .
(3) كيفية تناول هذه الموضوعات ( عرض أبحاث ، مناقشات ، تصويت لقرار ) .
(4) التزام أعضاء المؤتمر بأهداف وجدول أعمال المؤتمر .=
(5) وجود آلية لتنفيذ إرادات المؤتمر وتوصياته .
الثاني : المعيار الشكلي ، ولا يقل أهمية عن المعيار الأول ، بل قد يكون الاهتمام به سببا في نجاح المؤتمر ، ويشمل :
(1) وجود فريق إداري لتنظيم المؤتمر يتناسب مع حجمه ، أو وجود الشخصية الإدارية التي تستطيع إدارة الاجتماع بحنكة وجدارة .
(2) معرفة أعضاء المؤتمر والالتزام بالعدد والشخصيات المتفق عليها .
(3) الالتزام بالمواعيد المتعلقة بالمؤتمر بصرامة .
(4) تحديد مدة انعقاد المؤتمر والوقت المسموح به للأعضاء ومدة المناقشات ، مع التوصية بالالتزام بهذه المواعيد بصرامة شديدة .
(5) مراعاة الجوانب الفنية للمؤتمر عند وجود الإمكانيات المتاحة وعلى حسب حجم المؤتمر أو الاجتماع مثل أجهزة الصوت ووجود بعض المشروبات ونحو ذلك .

وفقا لمنهج الشورى الإسلامية فإن الجهة الموكول إليها تداول السياسات العامة للدولة بما فيها تعيين الخليفة وعزله : هي أهل الحل والعقـد ، وهم أصحاب النفوذ العلمي والاقتصادي والعسكري من ذوي الرأي والخبرة ، وهؤلاء كانوا يوجدون في القديم وفق قوانين اجتماعية تلقائية ترقيهم بين ذويهم حتى يكونوا أصحاب الكلمة بين الناس ، وكان للمسلمين الأوائل نظام انتخابي يقوم على أساس اجتماع أصحاب النفوذ من العلماء والاقتصاديين والعسكريين وزعماء العشائر والقبائل من ذوي الرأي والخبرة ، فكان هؤلاء يشكلون مجلس الحل والعقد الذي يوازي البرلمان في الديمقراطيات الغربية ، وكان أهل الحل والعقد يأخذون بمشورة أفراد عشائرهم وقبائلهم عن طريق العرفاء ( جمع عريف بوزن عظيم ) وهو القائم بأمر طائفة من الناس .
ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أذن لهم المسلمون في عتق سبي هوازن ، فقال : ( إني لا أدري من أذن فيكم ممن لم يأذن ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم ) فرجع الناس ، فكلمهم عرفاؤهم ، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أن الناس قد طيبوا وأذنوا .
وقد ظن بعض شراح الحديث أن العرفاء هم من يعينهم الإمام لمشاركته في رعاية شئون الناس ، وهذا ليس بسديد ، فلم يعهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عين العرفاء والأمراء على القبائل ولا الخلفاء من بعده حتى عندما اعتمد عمر بن الخطاب طريقة الديوان في تسجيل أسماء المواطنين . وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الأنصار قائلا : ( قوموا إلى سيدكم ) يعني سعد بن معاذ ، وإنما تسود سعد بين الأنصار بوجاهته ورأيه وكثرة أتباعه .
والصحيح أن زعماء القبائل كان يتم انتخابهم بطريقة ذاتية في القبيلة نفسها ولم يكن الحكام يتدخلون في ذلك .
وإنما ذكرنا ما سبق لأمرين :
الأول : لبيان أن العرب كان لديها نظام سياسي في إدارة شئون الدولة ، وكان متطورا بالدرجة الفائقة مقارنة بغيرهم من الأمم في تلك العصور .
الثاني : لقد جاء الإسلام وزاد النظام السياسي تطورا ، وأرسى مبادئ عامة وأصول قطعية لسياسة الشرعية ، وسكت عن كثير من التفاصيل ، فصارت محل اجتهاد العلماء . فما اعتمده المسلمون من كيفيات في الانتخاب أو إدارة شئون الدولة فيجب أولا : أن يخضع لتلك المبادئ العامة والأصول القطعية ، وثانيا ألا يتعارض مع المصالح الشرعية العامة للأمة .
ومما سبق نعلم أن الشورى كانت تتصاعد من الأفراد العاديين في الأمة عن طريق عرفائهم وزعمائهم ثم يتداول هؤلاء الزعماء والعرفاء الذين يشكلون ( أهل الحل والعقد ) أمور الدولة آخذين في الاعتبار آراء عشائرهم وقبائلهم وذويهم .
وهذا النظام على بساطته من أكثر النظم الإدارية تطورا في العصر الحديث ، حيث يتولد القرار من القاعدة إلى القمة ، وهو عين ما يسمونه المشاركة في اتخاذ القرار . ولكن الشورى الإسلامية تجعل لها إطارا يمنع سيطرة العبية الجاهلية ( وهو ما يسمى في العصر الحديث بالشللية ) أو تغليب المصالح الشخصية لفئات معينة ( سيطرة اللوبي ) أو تدخل العناصر غير المؤهلة لتداول مصالح الأمة العامة مثل السفهاء والفساق أو مقدوحي العدالة على وجه العموم .

إن الشورى لا ينبغي أن تكون وسيلة لتصفية الحسابات أو احتلال المواقع أو تعرية المواقف ، بل المقصود منها الوصول إلى أفضل السبل لخدمة الدين . فليس يعيب أي داعية أن يظهر عوار رأيه أو خطأ فكرته فهو مأجور ولا ريب على اجتهاده ، ولكن الخطأ في أن يتمادى المخطئ في خطئه أو الناقد في تربصه كأنه سبع وقع على فريسة ليجهز عليها .
وهناك مسئولية مشتركة على المخطئ في الرأي والناقد للآخرين ، ألا وهي تقديم البديل ، وهذا هو المقصود بقولنا : أن يكون عمليا ، أي مفيدا في نقده وليس هداميا ( ينقد للنقد ) ، فالمخلص ينقد برفق وينصح بخفاء ويقوم ويرشد ويتمنى أن لو كان الصواب في صف غيره ، وأن لو نسب الخير كله للناس ولم يرجع منه بشيء .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة