فبجمع الروايات يتبين لنا ما يلي:
1) جاء في رواية بكير من مسمار عند الحاكم في المستدرك (3|117) والنسائي في السنن الكبرى (5|122): «والله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة». وهذه الرواية قال عنها الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة». وعند البزار أن سعداً قال: «فلا والله ما ذكره ذلك الرجل بحرف حتى خرج من المدينة».
بينما الرواية الأخرى التي يرويها ابن إسحاق قد حدثت في مكة. فهل يعقل أن معاوية شاهد سعداً مرة ثانية وسأله مرة ثانية عن عدم سبه لعلي وهو يعلم جوابه؟!

كما أننا نلاحظ اضطراباً كبيراً في الفضيلة الثالثة لعلي:
أ‌- في رواية ابن سابط (عند ابن ماجة) هي حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه».
ب‌- وفي رواية قتيبة بن سعيد عن حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار (عند مسلم والترمذي) هي في قصة مباهلة نصارى نجران المتعلقة بالآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم}.
ت‌- وفي رواية هشام بن عمار عن حاتم عن بكير (في سنن النسائي الكبرى 5|107) هي في قصة الكساء المتعلقة بالآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت}. ورواية أبي بكر الحنفي عن بكير (عند البزار) تشير لقصة الكساء دون ذكر الآية.

ث‌- في رواية ابن إسحاق أن الفضيلة الثالثة لعلي مرة هي مصاهرته للنبي r.
فهذا اضطراب واضح بالحديث، مع ضعف كل تلك الأسانيد، مع العلم أن القصة واحدة. وما رواه ابن إسحاق يشبه أن يكون هو القصة الحقيقة لما حدث بين معاوية وسعد. و بكير بن مسمار رجل صدوق لكنه ليس بالحافظ، فوهم بالقصة واختلط عليه الأمر فأضاف قصة الكساء بدلاً من المصاهرة. أما ابن سابط فقد روى القصة عن ضعيف.
قلت : الحديث قد ثبت صحته من رواية بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ن عن أبيه ، فلا وجه للمقارنة بين روايات ضعيفة ( أ و ث ) ، و بين رواية صحيحة ( ب و ت )، فالاضطراب ناتج عن المقارنة مع الروايات الضعيفة لا أكثر .
كما أن وجود فقرات في رواية ، و لا توجد في أخرى لا يعني بالضرورة وجود اختلاف أو اضطراب في متنه ، فالحديث حديثٌ واحد، ونظرًا لطوله بعض الشيء؛ فإن ترك ذكر بعض الفقرات يكون اختصارًاوتقصيرًا من بعض الرواة أو المصنِّفين، لا اختلافًا في الرواية.

سنناقش الآن ما في رواية بكير بن مسمار (ب و ت) ما توهم الشيخ عفا الله عنه وجود تعارض أو اضطراب في متنه .
و هي هل الآية المذكورة هي آية المباهلة أم آية التطهير ؟
فقد ذكر في رواية قتيبة بن سعيد عن حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار آية المباهلة .
و في رواية هشام بن عمار عن حاتم عن بكير ذكر آية التطهير !!!.
و جمع بينهما النسائي في اسناد واحد ذاكرا آية التطهير كذا في السنن الكبرى (برقم 8342) : أخبرنا قتيبة بن سعيد وهشام بن عمارقالا حدثنا حاتم عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال أمر معاوية سعدا فقال ما منعك أن تسب أبا تراب قال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله r فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله r يقول له وقد وخلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله r أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي وسمعته يقول في يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ولما نزلت زاد هشام ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت﴾ دعا رسول الله r عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم يعني هؤلاء أهلي .
قلت : و هذا لا يعني أن قتيبة بن سعيد قد روى الحديث الذي فيه آية التطهير ، بل قد يكون النسائي قد قرنه مع هشام بن عمار لكونهما رويا حديثا واحدا مع صرف النظر عن اختلافهما في الآية المذكورة في الحديث ، هل هي آية التطهير أم آية المباهلة .
قلت : و الصواب في حديث أبي تراب هذا أن الآية المذكورة فيه هي آية المباهلة كما هي مذكورة في صحيح مسلم ، لأن هشام بن عمار صدوق و أقل ضبطا و اتقانا من قتيبة بن سعيد الثقة الثبت .

تم بحمد الله و فضله تفنيد كلام الشيخ محمد الأمين عفا الله عنه ، و الذي يجب على الناقد اثناء تعرضه لحديث من أحاديث الصحيحين ، أن يتعامل معه بمنهج المتقدمين ، و ليس بمنهج المتأخرين ، كما أنه يدفع عنه ما أستطاع ، ما لم يتبين له قوة العلة ، و استنزافه لكافة الطرق التي تبين عدمها أو كونها غير قادحة ، فالتساهل في تضعيف لا يتفق مع هيبة صحيحي البخاري و مسلم و تلقي الامة لهما بالقبول .

و الله المستعان .