ثامن المزايا : ما يتعلق بحماية التوحيد ؛ إذ إن الإمام محمد رحمه الله اشتهر بحمايته للتوحيد ، وتتبُّع ما قد يدخل على التوحيد بمطعنٍ أو خدشٍ أو نحو ذلك، وهذا أمر مستفيضٌ عنه من مسائل وفي رسائل وكتب له، ومن ذلك: ما قرره في ذلك ـ يرحمه الله ـ حيث كما في ((مجموع مؤلفاته)) في القسم الرابع منها في الصفحة الثالثة والسبعين بعد المئتين حيث قال : ((لا يجوز إبقاء مواضع الشرك بعد القدرة على إبطالها يوماً واحداً، فإنها شعائر الكفر وهي أعظم المنكرات ))كذا قال ، ولاشك أن مواضع الشرك ومحالّ الكفر إذا عُلمتْ في أي مكانٍ كان، فإن الواجب إنكارها، وإبعادها وكف شرها عن الإسلام والمسلمين، ويدل على ذلك أدلة عن السلف يرحمهم الله ، ومن ذلك (وهو واضح) ما جاء عند ابن سعدٍ في ((طبقاته)) وابن أبي شيبة في ((مصنفه)) وصحّح سنده الحافظ ابن حجرٍ ـ يرحمه الله ـ كما في ((فتح الباري)) في مجلده السابع وصفحته الثامنة والأربعين بعد المئة الرابعة ، وفيه جاء مُسنداً إلى عبد الله بن عون عن نافع أنه قال : كان الناس يأتون الشجرة التي يُقال لها : شجرة الرضوان، فيصلون عندها، قال : فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأوعدهم فيها ، وأمر بها، فَقُطِعت، وإنما فُعِل ذلك من قِبَل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إيغالاً في حماية التوحيد، واستئصالاً لما قد يأَتي بذلك الكفر أو الشرك أو الغلو المُوجِب لذلك .
ومن الأمثلة التي وقعت للإمام محمد بن عبد الوهاب ـ يرحمه الله ـ ، واشتهرت عنه ، حمايةً للتوحيد : هدم القباب التي على القبور والمباني التي بُنيَت عليها، خصوصاً القبور التي تُعَظَّم من قِبَل الناس ؛ ليفعلوا عندها المنكرات والاستغاثات المحرمات، وغير ذلك من طقوسٍ ومبتَدَعَات .
وقد قرر ذلك الإمام محمد ـ يرحمه الله ـ ذلك كما في ((مجموع مؤلفاته)) في القسم الثالث في صفحته السبعين حيث قال : ((أما بناء القباب عليها ـ يعني القبور ـ فيجب هدمها ، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر، وكذلك الصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء ، فكذلك لا أعلمه يصل إلى ذلك، ولكن هذه الأمور من أسباب حصول الشرك، فيشتدّ نكير العلماء لذلك ، كما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وذكر العلماء أنه يجب التغليظ في هذه الأمور؛ لأنه يفتح باب الشرك))، كذا قال ـ يرحمه الله ـ .
وعليه ؛ فإن البناء على القبور محرَّمٌ ولا يجوز، على ما يفيده أحاديث ، ومن ذلك : ما جاء في ((صحيح مسلم)) من حديث جابر وفيه قال : نُهيَ أن يُجَصَّصَ القبر وأن يُبنَى عليه(( ومن ذلك ما جاء في ))الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً رضي الله عنه وأرضاه إلى الفيافي والقفار ألا يدع قبراً مُشْرِفاً إلا سَوَّاه ـ أي مبنياً عالياً ـ إلا وأن يسوِّيَه بالأرض كل ذلك تتبعاً لذلك .
ومن ذلك أيضاً : بناء المساجد على القبور ؛ فإنها من البدع الحادثات ويحرم بناء المساجد على القبور ، واختلف الفقهاء هل الصلاة فيه تكون باطلة أم أنها مكروهة مع النهي عن ذلك .
إلا أن القول المرجَّح المختار والذي تدلُّ عليه النصوص، ومنها ما سبق هو حُرْمة البناء على القبور ، وأنه يُفصَّل في ذلك فإن كان القبر سابقاً للمسجد هُدِم المسجد، وإن كان العكس فإن قُدِرَ على نبش الجثة التي فيه وأخذ رُفاتها إلى محلٍّ بعيد كان وإلا أُبعد ذلك المسجد .