رحم الله شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب وألحقنا به في الصالحين .
دعاة العلمانية لا يريدون أن يروا الإسلام في شبابه عائدين مغترفين من منابعه .. لأنهم يوقنون أن في هذا هلكتهم واندثار فكرتهم .
على أنهم قد تصدمهم قالات شيوخهم ومن اتخذوهم أرباباً من دون الله في ابن عبد الوهاب رحمه الله .
ومن هذا قول ( طه حسين ) وهو كبير كبرائهم في مجلة (الهلال) عدد مارس (1933م) الموافق ذي الحجة (1351هـ) تحت عنوان (الحياة الأدبية في جزيرة العرب) في الشيخ ابن عبد الوهاب
رحمه الله :

«إن الباحث عن الحياة العقلية الأدبية في جزيرة العرب لا يستطيع أن يُهمل حركة عنيفة نشأت فيها أثناء القرن الثامن عشر فلفتت إليها العالَم الحديث في الشرق والغرب، واضطرته أن يهتم بأمرها، وأحدثت فيها آثارًا خطيرة هان شأنها بعض الشيء ولكنه عاد فاشتد في هذه الأيام وأخذ يؤثر في الجزيرة وحدها، بل في علاقاتها بالأمم الأوروبية أيضًا، هذه الحركة هي حركة الوهابيين التي أحدثها محمد بن عبد الوهاب شيخ من شيوخ نَجد.


نشأ محمد بن عبد الوهاب في بيت علم وفقه وقضاء، تثقف على يد أبيه، ثم رحل إلى العراق، فسمع من علماء البصرة وفقهائها، وأظهر فيها آراءه الجديدة القديمة معًا، فسخط عليه الناس وأُخْرِجَ من البصرة، وكان يريد أن يذهب إلى الشام فحال الفقر بينه وبين ذلك، فعاد إلى نَجد وأقام مع أبيه حينًا يُناظر ويدعو إلى آرائه حتى ظهر أمره وانتشر مذهبه، وانقسم الناس فيه قسمين فكان له الأنصار، وكان له الخصوم، وتعرضت حياته آخر الأمر للخطر، فأخذ يعرض نفسه على الأمراء ورؤساء العشائر ليجيروه ويحموا دعوته حتى انتهى به الأمر إلى قرية الدرعية، وهناك عرض نفسه على أميرها محمد بن سعود فأجاره وبايعه على المعونة والنشر، ومن ذلك اليوم أصبح المذهب الجديد مذهبًا رسميًا يعتمد على قوة السياسة تؤيده وتحميه بل تنشره في أقطار نَجد بالدعوة اللينة حينًا وبالسيف والحرب في أكثر الأحيان، وعن هذا التحالف بين الدين والسياسة نشأت في الجزيرة العربية دولة سياسية عظم أمرها واشتد خطرها».

وقال طه حسين:

«قلت: إن هذا المذهب الجديد قديم، والواقع أنه جديد بالنسبة إلى المعاصرين، ولكنه قديم في حقيقة الأمر؛ لأنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية، هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي خالصًا لله وحده، ملغيًا كل واسطة بين الله وبين الناس، هو إحياء للإسلام العربي وتطهير له مما أصابه من نتائج الجهل ومن نتائج الاختلاط بغير العرب، فقد أنكر محمد بن عبد الوهاب على أهل نجد ما كانوا قد عادوا إليه من جاهلية في العقيدة والسيرة، كانوا يعظمون القبور ويتخذون بعض الموتى شفعاء عند الله ويعظمون الأشجار والأحجار، ويرون أن لَها من القوة ما ينفع ويضر، وكانوا قد عادوا في سيرتهم إلى حياة العرب الجاهليين فعاشوا من الغزو والحرب ونسوا الزكاة والصلاة، وأصبح الدين اسمًا لا مُسمى له، فأراد محمد بن عبد الوهاب أن يَجعل من هؤلاء الأعراب الجفاة المشركين قومًا مسلمين حقًّا على نحو ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأهل الحجاز منذ أكثر من أحد عشر قرنًا.

«ومن الغريب أن ظهور هذا المذهب الجديد في نَجد قد أحاطت به ظروف تذكر بظهور الإسلام في الحجاز، فقد دعا صاحبه إليه باللين أول الأمر فتبعه بعض الناس، ثم أظهر دعوته فأصابه الاضطراب وتعرض للخطر، ثم أخذ يعرض نفسه على الأمراء ورؤساء العشائر كما عرض النبي نفسه على القبائل، ثم هـاجر إلى الـدرعية وبايعه أهلها على النصر كما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولكن ابن عبد الوهاب لم يرد أن يشتغل بأمور الدنيا فترك السياسة لابن سعود، واشتغل هو بالعلم والدين، واتخذ السياسة وأصحابها أداة لدعوته، فلما تم له هذا أخذ يدعو الناس إلى مذهبه، فمن أجاب منهم قبل منه، ومن امتنعَ عليه أغرى به السيف وشب عليه الحرب، وقد انقاد أهل نَجد لهذا المذهب وأخلصوا له وضحوا بحياتهم في سبيله على نحو ما انقاد العرب للنبي صلى الله عليه وسلم وهاجروا معه.

«ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب، وحاربوه في داره بقوى وأسلحةٍ لا عهد لأهل البادية بها لكان من المرجو جدًّا أن يوحد هذا المذهب كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول، ولكن الذي يعنينا من هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب، وقد كان هذا الأثر عظيمًا خطيرًا من نواح مُختلفة، فهو أيقظ النفس العربية ووضع أمامها مثلاً أعلى أحبته وجاهدت في سبيله بالسيف والقلم والسنان، وهو قد لفت المسلمين جميعًا وأهل العراق والشام ومصر بنوع خاص إلى جزيرة العرب». اهـ

تم تثبيت الموضوع