وأما ثاني المميزات فهو تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وهذا مشهور معلوم عن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ ، وقد قُرِّر ذلك في مواضع من رسائله، ومنها: ما ذكره كما في ((مجموع مؤلفاته)) في مجلدها الأول وصفحتها السادسة والخمسين بعد المائة ، وكذا في الصفحة المائتين وفيه في الصفحة الثالثة والستين بعد المائة الثالثة ، وكذا في المجلد الخامس في صفحته الرابعة والعشرين بعد المائة الأولى، وفيه في الصفحة الرابعة والأربعين بعد المائة الأولى، وفيه في الصفحة الثانية والثمانين بعد المائة الأولى أيضاً، ومن ذلك: قوله رحمه الله كما في : ((مجموع كتبه ومؤلفاته)) في مجلدها الأول وصفحتها الواحدة والسبعين بعد المائة الثالثة حيث قال : ((فإذا قيل لك : ما الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ؟ فقل : توحيد الربوبية : فعل الرب مثل الخلق والرَّزْق والإحياء والأماتة وإنزال المطر وإنبات النبات وتدبير الأمور ، وتوحيد الإلهية : فعلك أيها العبد مثل الدعاء والرجاء والخوف والتوكل والإنابة والرغبة والرهبة والنذر والاستغاثة وغير ذلك من أنواع العبادة))، كذا قال .
والمراد أنه مشهور مستفيضٌ عن الإمام قسمة التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وهو في ذلك متبعٌ لجمعٍ من الأئمة وليس مبتدعاً ، إذ التوحيدُ ثلاثة أقسام أشار إلى ذلك ابن جرير الطبري ـ يرحمه الله ـ في ((تفسيره)) وابن منده، وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ وابن قيم الجوزية في آخرين .
أما القسم الأول فيسمى بتوحيد الإلهية، وضابطه هو: إفراد الله بالعبادات التي يفعلها العبد فلا يجعل لله شريكاً فيها .
وأما الثاني : فتوحيد الربوبية، وضابطه : إفراد الله تعالى بأفعاله وخصائصه كالإحياء والرَّزْق ، ونحوها .
وأما الثالث : فتوحيد الأسماء والصفات : أي جَعْل الأسماء والصفات الأكملية لله سبحانه خالق البرية، تلك هي القسمة الثلاثية للتوحيد، ودليلها في ذلك هو الاستقراء كما أن أئمة العربية استقرؤوا كلمات العرب ، فوجدوها لا تخرج عن ثلاثة أقسام : اسمٍ وفعلٍ وحرف ، فكذلك الأئمة هنا رأوا أن الآيات والأحاديث في تقرير التوحيد دلت على تلك القسمة، وقد قرر ذلك جماعات، ومن أولئك : ابن قيم الجوزية ـ يرحمه الله ـ في كتابه : ((مدارج السالكين)) في مجلده الثالث وصفحته التاسعة والأربعين بعد المائة الرابعة، ومن أدلة توحيد الربوبية: قوله سبحانه : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ، ومن أدلة توحيد العبادة والإلهية: قوله سبحانه : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}، وكذا قوله سبحانه : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " ومن أدلة توحيد الأسماء والصفات قوله سبحانه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، تلك قسمة اصطلاحية مشهورة عند الأئمة إلا أنَّ لها أحكاماً رُتبِّت عليها وأشياء كانت تبعاً لها .


يتبع إن شاء الله