رابع المزايا : أن المشركين زمن بعثة سيد المرسلين كان الخلل عندهم في توحيد الإلهية ظاهراً ، خلافاً لتوحيد الربوبية فقد كانوا مقرين به ، قرر ذلك الإمام محمد ـ يرحمه الله ـ في رسائل ومسائل، وهو معلوم مستفيضٌ عنه ، ومن ذلك قوله كما في : ((مجموع مؤلفاته)) في مجلدها الأول وصفحتها السادسة والخمسين بعد المائة الأولى .
قال : ((فإذا تحققتَ أنهم مُقِرُّون بهذا ـ أي بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت إلى آخره مما يتعلق بتوحيد الربوبية ـ ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرفتَ أن التوحيد الذي جحده هو توحيد العبادة، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم على هذا الشرك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده ، كما : {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ، فإقرارهم بتوحيد الربوبية ـ والكلام لا يزال للإمام – رحمه الله – ـ لم يدخلهم في الإسلام وإن قَصْدَهُم الملائكة والأنبياء والأولياء يُرِيدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك : هو الذي أحل دمائهم وأموالهم)) ثم قال بعدُ ـ يرحمه الله ـ : ((وهذا التوحيد هو معنى قولك : لا إلا الله)) ، كذا قال ـ يرحمه الله ـ ويدل على صحة ذلك في الجملة: أدلة كثيرة ، ومن ذلك قوله سبحانه : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ، وكذا قوله عز من قائل : {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}، وهاتان الآيتان فيهما دلالة على أن الكفار زمن بعثة النبي المختار أفضل صلاة وأتم تسليم كانوا مقرين بتلك الحقيقة مذعنين لها إلا أنهم كانوا يصرفون العبادة لغير الله سبحانه وهذا لا يمنع ـ أعني تقرير ذلك ـ أن يكون هناك من يجحد كل أنواع التوحيد فلا يأتي بتوحيد الربوبية ولا غيره إلا أن الأصل العام هو ما سبق .