أما الأمر الأخير والميزة الأخيرة الثانية عشرة : فهو ما يتعلق في منهجه رحمه الله في التعامل مع مسائل الفقه والفروع، حيث إنه قرر في ذلك شيئين معلومين لمن تتبع رسائله وكتبه وتقريراته رحمه الله :
الشيء الأول : أن الحق ليس منحصراً في المذاهب الأربعة الفقهية مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ورضي عنهم ، ولا ريب أن الله لم يأمرنا أصالةٍ باتباع هذه المذاهب الأربعة ، ولا بالتزام مذهبٍ منها البتة ، وإنما جاء ذلك واضحاً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون ذلك على فهم السلف الأول .
وأما الشيء الثاني : فهو ما يتعلَّق باتباع الدليل ، فهو يدور معه أنّى دار، حتى ولو خالف شيخه وقدوته الإمام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ ، ومن ذلك : ذهابه إلى أن الإسبال تحت الكعبين للرجال لغير كبرٍ وخيلاء حرام ولا يجوز . والمعروف عن شيخ الإسلام ابن تيميَّة على ما نقله ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) والسفاريني في ((غذاء الألباب)) وجماعة أن شيخ الإسلام لم يذهب إلى تحريم ذلك، بل قطع بعدم تحريم الإسبال في الحالة السابقة ، وسكت عن الكراهة. كذا قال ابن مفلح ـ يرحمه الله ـ .
وعليه فإن هاتين القاعدتين هي المقررة في رسائله وفتاويه واستعمالاته ـ يرحمه الله ـ ، وإليه جاءت الإشارة في أمر الأدلة في : ((ثلاثة الأصول)) في أولها حيث ذكر أنه يجب على كل مسلمٍ ومسلمة إتباع دين الإسلام بالأدلة ، ومراده كذا لعله أن يعرف الإنسان الإسلام على وجهٍ معلوم ليس على وجهٍ تقليدي مذموم، فإن ذلك لابد للإنسان منه. كذا هو المفهوم من كلامه ، وفيه إشارة إلى ذلك . ولا ريب أيها الأحبة أن الإنسان إذا عَلِم الحق بدليله ، واستبان له بدليله، فالواجب عليه أن يتّبعه ، ولو خالف المذاهب الأربعة كلها ، ولو خالف مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد أو غيرهم ، إذ الإنسان إذا علم الحق بدليله وجب أن يدور معه حينئذٍ ، ولذلك انعقد الإجماع على ذلك على ما حكاه جماعة، وقاله الشافعي ـ يرحمه الله ـ .
تلك هي مزايا دعوة الإمام المجدد داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بها تعلم دعوته ، وتدري طريقته، فليس مبتدعاً شيئاً جديداً، ولا آتٍ بدين إرهابي كما يقوله بعض الناس، ولا شيئاً من ذلك الذي يُزعم من باطلٍ لا يصح عنه ـ يرحمه الله ـ .
إنما كانت تلك الكلمات في هذا الزمان بياناً للحقيقة، وحصراً لما عليه ذلك الإمام ـ يرحمه الله ـ .
سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يُميتنا وإياكم على السنة، وأن يقينا مصرع أهل البدعة، اللهم اجعلنا دعاة إلى سبيلك، هداةً إلى دينك، اللهم اجعلنا عالمين عاملين، هداةً متقين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد .

المصدر : بتصرف يسير من محاضرة للشيخ صالح الأسمري بعنوان مزايا دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله


مزايا دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله

الشيخ صالح بن محمد بن حسن الأسمري