أما الشيء الأولى والمَيْزة الأولى : فهي تقديم التوحيد والشهادتين على غيرها من مفردات الدين ومسائله ، وجَعْل أول واجبٍ على الإنسان هو أن يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يبدأ بالتوحيد .
قرر الإمام ذلك في رسائل ، ومن ذلك : ما جاء في ((مجموع مؤلفاته)) في الرسائل الشخصية في الرسالة الثانية في صفحتها السادسة عشرة ، وبنحوها في ((الدرر السنية)) في مجلدها الثامن وصفحتها الخامسة والسبعين حيث قال في رسالةٍ له : (( قولك أول واجب على كل ذكر وأنثى النظر في الوجود ثم معرفة العقيدة ثم علم التوحيد وهذا خطأ ، وهو من علم الكلام الذي أجمع السلف على ذمه، وإنما الذي أتت به الرسل أول واجب هو التوحيد ليس النظر في الوجود ولا معرفة العقيدة كما ذكرته أنت في الأوراق)) كذا قال ـ يرحمه الله ـ مخاطباً بعضاً من الناس المبطلين .
وإنما كان ذلك كذلك أدلة قامت على تقديم التوحيد على غيره وعلى تقديم الشهادة أو الشهادتين على غيرها، والأدلة في ذلك كثيرة مستفيضة، ومن ذلك : قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى أهل اليمن قال له : ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم )) والحديث مخرج في ((الصحيحين)) ، ويؤخذ منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قدَّم التوحيد على غيره، وجعل الشهادتين مقدمتين على غيرهما من مفردات الدين.

يؤكد ذلك ابن أبي العز ـ رحمه الله ـ في شرحه على الطحاوية، مقرراً إياه في صفحته الخامسة عشرة حيث قال : ((ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك كما هي أقوال أرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يُؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه)) كذا قال ـ يرحمه الله ـ وتقريره لذلك واضح ظاهر، ومن ثم يُعرف ما عليه كثير من المبطلين من الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة وغيرهم في هذه المسألة حيث قدَّموا النظر على غيره أو قدَّموا الشك على غيره، والمقدَّم شرعاً والمأمور به حقاً هو أن تُقَدَّم الشهادتان على غيرهما والتوحيد الحق على ما سواه ، هذا من حيث الأصل الشرعي وهو المراد .