بقلم الأب يوتا
اشتقت إلي المشي على الأقدام، فمنذ أن حللت علي هذا البلد لم أتجول في شوارعها إلا مرتين أو ثلاثة، فالبرد ينخر العظام والضباب يسبب لي الكآبة، اشتقت إلي الشوارع المزدحمة في بلدي، بل واشتقت إلي وجوده أبناء الشياطين وما ظننت يوما إني سوف اشتاق إليهم، هم شياطين ولكن من السهل أن تخدعهم، الكلمة الطبية تأسر قلوبهم، ولولا لساني الطويل لكنت أتنفس هواء بلدي واشرب من نيلها، لكني ما أردت التنازل عن إطالة اللسان فهذا حق مقدس .. تمسكي بحقي سبب كآبتي، فلساني الطويل قذف بي إلي هاوية حسبتها ملكوتا.. وها أنا أسير في شوارع لا تعرفني ولا أعرفها، لا أحد يخاطبني بعبارة سيدنا، بل لا أحد يبالي بي، حتى ملابسي الكهنوتية لا تلفت انتباه أحد، في مصر حيثما أحل تحل البركة، أو كهذا يحسب أبناء المسيح فلا يكفون عن تقبيل يدي الطاهرة .. هواء مصر ملوث بزفير بعلزبول لكنه أنعش من هذا الزمهرير، كم أتمني لو تطهر من أبناء الغزاة كما طهرها ثاوفيلوس من اليهود والقديس أثناسيوس من الآريوسيين، فتعود كما كانت أيام كيرلس الكبير.. أين أنت كيرلس يا عمود الدين .. ألا تسمع أنين الكنائس واختناق دقات أجراسها، عادت هيباتيا يا عمود الدين وانحني الصليب أمام الهلال ، سيرابيون عاد إلي وطني فانكمشت جدران الكنائس، أما تصلك أناتها يا قدوس إسرائيل، يا أبانا الذي في السماء أما وعدت أبانا في الأرض بأن تكثر من نسله وتمنحه من نهر مصر إلي الفرات، أما وعدت وحيدك كل الأرض ملكا له يحطم الأمم بقضيب من حديد مثل أناء خزاف يكسرهم، ، هل ندمت أبانا فأعطيت الأرض لنسل الجارية والحديد في يدهم، صاروا كالنجوم وامتلكوا ما وعدتنا وتوغلوا أدغال أفريقيا ..أه يا رب أما قلت ان ابن الجارية لا يرث مع ابن الحرة


دخلت مقهى لأبناء الشيطان ووضعت ثقل همومي على الكرسي .. لم يلتفت إلي احد، ولم تحل البركة في المكان/ طلبت القهوة لأطرد البرودة من جسمي المثقل بالهموم، ارتشفت رشوة وشعرت بالدفء يتسرب في جسدي ومع تسرب الدفء بدأت تتسرب معها أفكار شيطانية إلي عقلي، أبونا السماوي يقول لأبينا الأرضي: لنسلك أعطي هذه الأرض، وقال أيضا : لان جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد، ويقول: ويكون نسلك كتراب الأرض،.. أطل الشيطان من راسي قائلا: أليس ابن الجارية من نسله؟
- اسكت
- اجب علي نفسك
- أخرس
- صدق القدوس وعده وأعطي الأرض لنسل إبراهيم لإبن الجارية أعطيت الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات
صرخت فيه حتى ظننت ان الناس انتبهت لصرختي الداخلية
- ابن الجارية لا يرث مع ابن الحرة
أظن الشيطان سكت، ولكن شيطان آخر كان يسترق النظر إلي، لعله لاحظ شيئا في ملامح وجهي من اثر زجري للبعلزبول، ولعله واحد من أبناء المسيح يود لو يقبل يدي وربما هيئ إلي انه يسترق النظر
نظرت إلي الفنجان الفارغ فوجدت مكتوبا عليه " الله محبة"
أنه بعلزبول يطل هذه المرة من الفنجان،
الله محبة ولا يميز بين ابن الحرة وابن الجارية
- الله لم يتركه يا بعلزبول، لقد باركه وقال وابن الجارية أيضا سأجعله امة لأنه نسلك
- إذن هو نسله
- اذهب عني يا شيطان ... نعم هو نسله لكنه ليس ابن الموعد، فقد كان ثمرة زوجة ثانية
- وهل هذا ذنبه .. أخطأ والده
- ليس هذا شأنك يا بعلزبول .. هي إرادة قدوس إسرائيل .. وكما ورثنا إثم آدم كذلك ورث ابن الجارية إثم أبيه .. لماذا تقهقه أيها اللعين .. وما دخل يعقوب في الموضوع .. نعم يعقوب كان ابن الموعد أيضا.. صحيح سرق البركة، ولكن لأن عيسو كان مستهترا فلم يستحقها
- أديان كل الأرض لا يصنع عدلا
- أنت تحفظ الكتاب المقدس يا لعين وتستخدم نفس الأسلوب الذي استخدمته مع رب المجد اثناء التجربة .. قلت له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل " لأنه مكتوب انه يوصي ملائكته بك.فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك" ثق أيها اللعين ان يوتا هزم العالم .. لقد سرق يعقوب البركة لأنه كان أكثر روحانيا من عيسو فاستحقها
- بالسرقة يا يوتا
- نعم بالسرقة .. ما دخلك أنت أيها اللعين
- هل كان سليمان ابن الموعد يا يوتا
- دعني وحالي أيها اللعين .. ألناس بدأت تلحظ صراعي معك
- علاقة الجارية بإبراهيم كانت شرعية وعلاقة بثشبع أم سليمان مع أبيه .. لم تكن شرعية
- سوف أحرقك يا شيطان سوف أرشم الصليب وأتركك رمادا ان لم تنصرف
انصرف اللعين بقوة الصليب، .. استرقت النظر إلي ذاك الشباب المتردد فوجدته يتحدث مع شاب آخر، وأخذت أفكر في رد ما على سؤال قد يطرحه بعلزبول على ... أيهم أكثر .. أبناء الحرة أم أبناء الجارية. ولدي جواب مفحم، ان حرية يعقوب ورثها أبناء المسيح وأبناء المسيح أكثر من من أبناء عمومتنا الشياطين، ليتك تعود أيها اللعين لن أحرقك، ولماذا تريدني أن أسترق النظر إلي ذاك الشاب، يخرب بيتك .. أنه يقبل رجلا آخر علي فيه
- ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض ... هل هذا نسل مبارك
- اذهب عني الآن يا شيطان سوف لن اسمح لك بالانتصار عليه سوف أوعظه وأرشده
اتجهت إليه فورا وسألته بأدب ان كان يسمح لي بالجلوس معه، لم يفهمني .. يبدوا انه ليس من قومنا وان كانت ملامحه كملامحنا، سألته مرة أخرى بالانجليزية .. ابتسم وأشار إلي بالجلوس، قلت له أنا الأب يوتا كاهن مصري فأجابني وقال أنه القس وليام
فار دمي من سخريته لكني تمالكت نفسي وقلت له اني لا أمزح
- وأنا لا أمزح
قالها بأعصاب هادئة وأضاف
- ليتك تشرفنا في كنيستا هي على بعد خمسة دقائق
- متي تحب أن آتي إليكم
قلتها بلا تردد ودون تفكر
جذب يدي وقال
هيا بنا الآن لتحل البركة علي كنيستنا
نزعت يدي من يده بعنف واتبعته
في الطريق الكنيسة تكلم القس كثيرا واستمعت له بصدر رحب، عندما قبل يسوع كمخلص شخصي كان يسوع يعلم أنه مثيلي الجنس، ولم يرفضه، لقد لمس يسوع قلبه حسب قوله وغير حياته وصار خليقة جديدة، وشعر بالروح القدس تنسكب فيه، فهل يتجاهل تجربته الشخصية ؟ هل يترك الإله المحب لأنه خلقه هكذا وهل الإله المحب يترك خليقته .. أين أنت يا بعلزبول ؟ تري ماذا أقول لهذا اللعين أم أنك أنت هو تجسدت لتخدعني
اقتربنا من الكنيسة فطلبت منه برفق أن نقف قليلا وسألته بأكثر رفقة
- ممكن تسمعني الآن
- تفضل
- لماذا دمر الله سدوم وعمورة
أجاب دون تردد وقال
- انهم أرادوا اغتصاب رجلين وهذا أمر شنيع
- وماذا عن قول بولس الرسول في رسالته إلي كورنثيوس
- لقد أدن بولس المسيئين إلي أنفسهم .. هيا بنا ندخل وسوف أوضح لك النص من اللغة الأصلية
قدمني القس ودخلت وهنالك عند المذبح وجدت للهيكل أربع أرجل وبجانبها أربعة أرجل
صرخت .. مذبح ابنك يا قدوس إسرائيل
فزع الاثنين من صرختي ولما نظر إلي المفعول به صرخت مرة أخري

سقط بكل وزنه علي الهيكل فتحطم وتحطم معه قلبي كما تحطم قلب سائق عربة الإسعاف الأشوري، لكني عرفت ان الله يحبني إذ لم يجعلني مشهورا كشهرة القمص ز.ب، فابتسمت لهذه الخاطرة و ابتسم بعلزبول وهو يكرر
ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض
كتبه الأب بوتا ( مرقس عزيز )

hghf d,jh d,jh