صفحة 5 من 9 الأولىالأولى 123456789 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 88
 

العرض المتطور

  1. #1
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي




    --------------------------------
    1 سورة النور، الآية: 47.
    2 سورة المائدة، الآية: 2.
    ص -79- أحدها: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؛ كالتوكل على الأموات والغائبين ونحوهم من الطواغيت في تحقيق المطالب من النصر والحفظ والرزق أو الشفاعة؛ فهذا شرك أكبر.
    الثاني: التوكل في الأسباب الظاهرة؛ كمن يتوكل على سلطان أو أمير أو أي شخص حي قادر فيما أقدره الله من عطاء أو دفع أذى ونحو ذلك؛ فهذا شرك اصغر؛ لأنه اعتماد على الشخص.
    الثالث: التوكل الذي هو إنابة الإنسان من يقوم بعمل عنه مما يقدر عليه؛ كبيع وشراء؛ فهذا جائز، ولكن ليس له أن يعتمد عليه في حصول ما وكله فيه، بل يتوكل على الله في تيسير أموره التي يطلبها بنفسه أو نائبه؛ أن توكيل الشخص في تحصيل الأمور الجائزة من جملة الأسباب، والأسباب لا يعتمد عليها، وإنما يعتمد على الله - سبحانه، الذي هو مسبب الأسباب وموحد السبب والمسبِّب.
    والتوكل على الله في دفع المضار وتحصيل الأرزاق وما لا يقدر عليه إلا هو من أعظم أنواع العبادة، والتوكل على غيره في ذلك شرك أكبر؛ قال الله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}1، فأمر - سبحانه - بالتوكل عليه وحده؛ أن تقديم المعمول يفيد الحصر، وجعل التوكل عليه شرطا في الإيمان؛ كما جعله شرطا في الإسلام في قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}2، فدل على انتفاء الإيمان والإسلام عمن لم يتوكل على الله أو توكل على غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو من أصحاب القبور والأضرحة وسائر الأوثان.
    فالتوكل على الله فريضة يجب إخلاصها لله، وهو أجمع أنواع العبادة، وأعلى مقامات التوحيد وأعظمها وأجلها؛ لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة؛







  2. #2
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة المائدة، الآية: 1.
    2 سورة يونس، الآية: 84.

    ص -80- فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون كل ما سواه؛ صح إخلاصه ومعاملته مع الله.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وما رجا أحدُ مخلوقا ولا توكل عليه؛ إلا خاب ظنه فيه..." انتهى.
    والتوكل على الله من أعظم منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ فلا يحصل كمال التوحيد بأنواعه الثلاثة إلا بكمال التوكل على الله - سبحانه، قال الله تعالى:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}1، والآيات في الأمر به كثيرة جدّا، و:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه}2.
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - على قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}3:"فجعل التوكل على الله شرطا في الإيمان، فدل على انتفاء الإيمان عند انتفائه".
    وكلما قوي إيمان العبد؛ كان توكله أقوى، وإذا ضعف الإيمان، ضعف التوكل، وإذا كان التوكل ضعيفا؛ كان دليلاً على ضعف الإيمان ولا بد.
    والله تعالى في مواضع من كتابه يجمع بين التوكل والعبادة، وبين التوكل والإيمان، وبين التوكل والتقوى، وبين التوكل والإسلام، وبين التوكل والهداية؛ فظهر أن التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان لجميع أعمال الإسلام، وأن منزلته منها كمنزلة الرأس من الجسد؛ فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن؛ فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل.
    وقد جعل الله التوكل عليه من أبرز صفات المؤمنين؛ فقال - سبحانه و تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}4، أي: يعتمدون عليه


    --------------------------------
    1 سورة المزمل، الآية: 9.
    2 سورة الطلاق، الآية: 3.
    3 سورة المائدة، الآية: 23.
    4 سورة الأنفال، الآية: 2.
    ص -81- بقلوبهم؛ فلا يرجون سواه، وفي الآية وصف المؤمنين حقا بثلاثة مقامات من مقامات الإحسان، وهي: الخوف، وزيادة الإيمان، والتوكل على الله وحده.
    والتوكل على الله - سبحانه - لا ينافي السعي في الأسباب والأخذ بها؛ فإن الله - سبحانه تعالى - قدَّر مقدورات مربوطة بأسباب، وقد أمر الله تبارك تعالى بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل؛ فالأخذ بالأسباب طاعة لله؛ لأن الله أمر بذلك، وهو من عمل الجوارح، والتوكل من عمل
    القلب، وهو إيمان بالله :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}1، و:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}2:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}3.
    وقال بعض
    العلماء: من طعن الحركة "يعني: في السعي والكسب والأخذ بالأسباب"؛ فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل؛ فقد طعن في الإيمان.
    قال الإمام ابن رجب - رحمه الله -: "والأعمال التي يعملها العبد ثلاثة أقسام:
    أحدها: الطاعات التي أمر الله بها عباده وجعلها سببا للنجاة من النار ودخول
    الجنة؛ فهذا لا بد من فعله مع التوكل على الله فيه والاستعانة به عليه؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فمن قصر في شيء من ذلك؛ استحق في الدنيا والآخرة قدرًا وشرعا.
    قال يوسف بن أسباط: "يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له".
    والثاني: ما أجرى الله العادة به في
    الدنيا وأمر عباده بتعاطيه؛ كالأكل عند الجوع، والشرب عند العطش، والاستظلال من الحر، والتدفئة من البرد...


    --------------------------------
    1 سورة النساء، الآية: 71.
    2 سورة الأنفال، الآية: 60.
    3 سورة الجمعة، الآية: 10.
    ص -82- ونحو ذلك؛ فهذا - أيضا - واجب على العبد تعاطي أسبابه، ومن قصر فيه حتى تضرر بتركه مع القدرة على استعماله؛ فهو مفرط يستحق العقوبة، لكن الله - سبحانه و تعالى - يقوي بعض عباده من ذلك على ما لا يقوي عليه غيره، فإذا عمل بمقتضى قوته التي اختص بها عن غيره؛ فلا حرج عليه، ولهذا؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل في صيامه، وينهى عن ذلك أصحابه، ويقول لهم: "إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى"، وقد كان من السلف لهم من القوة على ترك الطعام والشراب ما ليس لغيرهم، فمن كان له قوة، فعمل بمقتضى قوته، ولم يضعفه ذلك عن طاعة الله؛ فلا حرج عليه، من كلف نفسه حتى أضعفها عن بعض الواجبات؛ فإنه ينكر عليه ذلك.
    القسم الثالث: ما أجرى الله العادة به في
    الدنيا في الأعم الأغلب....".
    إلى أن قال: "وقد روي عن ابن عباس؛ قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن متوكلون، فيحجون، فيأتون مكة ويسألون
    الناس، فأنزل الله هذه الآية:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}1.
    وقد سئل أحمد - رحمه الله - عمن يقعد ولا يكتسب ويقول: توكلت على الله؟ فقال: ينبغي للناس كلهم يتوكلون على الله، ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب، قد كان
    الأنبياء يُؤَجِّرونَ أنفسهم، وكان النبي "يؤجر نفسه، وأبو بكر، وعمر، ولم يقولوا: نقعد حتى يرزقنا الله.
    وقال الله تعالى:{فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}2، وخرج الترمذي من حديث أنس؛ قال: "قال رجل: يا رسول الله! أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: أعقلها وتوكل"، وهذا كله إشارة إلى أن التوكل لا ينافي الإتيان بالأسباب المباحة، بل قد يكون جمعها أفضل.


    --------------------------------
    1 سورة البقرة، الآية: 197.
    2 سورة الجمعة، الآية: 10.

    ص -83- وقد لقي عمر بن الخطاب من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا نحن المتوكلون. قال: "بل أنتم المتأكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله".
    4- الشرك في الطاعة:
    اعلموا وفقني الله وإياكم أن من الشرك طاعة
    العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله: قال الله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}1.
    وفي الحديث الصحيح: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي، فقال: يا رسول الله! لسنا نعبدهم. قال: أليس يحلون لكم ما حرم الله؛ فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله؛ فتحرمونه؟. قال: بلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم". رواه الترمذي وغيره.
    وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم فيه اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله بأنه ليس معناه الركوع والسجود لهم، وإنما معناه طاعتهم في تغير أحكام الله وتبديل شريعته؛ حيث نصبوا أنفسهم شركاء لله في التشريع، فمن أطاعهم في ذلك؛ فقد اتخذهم شركاء لله في التشريع والتحليل والتحريم، وهذا من الشرك الأكبر؛ لقوله تعالى في الآية:{وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}2.
    ومثل هذه الآية قوله تعالى:{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ








  3. #3
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    1 سورة التوبة، الآية: 31.
    2 سورة التوبة، الآية: 31.

    ص -84- إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}1.
    ومن هذا طاعة الحكام والرؤساء في تحكيم القوانين الوضعية المخالفة للأحكام الشرعية في تحليل الحرام؛ كإباحة الربا والزنا وشرب الخمر، ومساواة
    المرأة للرجل في الميراث، وإباحة السفور والاختلاط، أو تحريم الحلال؛ كمنع تعدد الزوجات... وما أشبه ذلك من تغيير أحكام الله واستبدالها بالقوانين الشيطانية؛ فمن وافقهم على ذلك ورضي به واستحسنه؛ فهو مشرك كافر والعياذ بالله.
    ومن ذلك تقليد الفقهاء بإتباع أقوالهم المخالفة للأدلة إذا كانت توافق أهواء بعض
    الناس وما يشتهونه؛ كما يفعل بعض أنصاف المتعلمين من تلمس الرخص، والواجب أن يؤخذ من قول المجتهد ما وافق الدليل، ويطرح ما خالفه.
    قال الأئمة - رحمهم الله -: "كل يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
    قال الإمام أبو حنيفة - رحمه الله -: "إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين؛ فهم رجال ونحن رجال"؛ يريد - رحمه الله - أمثاله وأمثال الأئمة الكبار.
    وقد استغل هذه الكلمة بعض أنصاف المتعلمين، الذين جعلوا أنفسهم في مصاف الأئمة المجتهدين، وهم لا يزالون جهالاً، ولا شك أن الإمام أبا حنيفة لا يقصد مساواة
    العلماء بالجهال.
    وقال ملك - رحمه الله -: "كلنا راُّد ومردود عليه؛ إلا صاحب هذا القبر..."؛ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "إذا صَّح الحديث؛ فهو مذهبي".
    وقال: "إذا خالف قولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضربوا بقولي عرض الحائط".





  4. #4
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    -----------------------
    1 سورة الأنعام، الآية: 121.

    ص -85- وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: "عجب لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}1".
    ويقول عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!".
    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - في "فتح المجيد": "فالواجب على كل مكلف إذا بلغه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، وفهم معنى ذلك: أن ينتهي إليه، ويعمل به، وإن خالفه من خالفه...".
    إلى أن قال: "فيجب على من نصح نفسه إذا قرأ كتب
    العلماء ونظر فيها وعرف أقوالهم أن يعرضها على ما في الكتاب والسنة، فإن كل مجتهد من العلماء ومن تبعه وانتسب إليه يذكر دليله، والحق في المسألة واحد، والأئمة مثابون على اجتهادهم؛ فالمنصف يجعل النظر في كلامهم وتأمله طريقا إلى معرفة المسائل واستحضارها وتمييز الصواب من الخطأ بالأدلة التي يذكرها المستدلون، ويعرف بذلك من هو أسعد بالدليل من العلماء فيتبعه".
    وقال رحمه الله على قوله تعالى:{وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}2: "وهذا قد وقع فيه كثير من
    الناس مع من قلدوهم؛ لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالف المقلَّد، وهو من الشرك3، ومنهم من يغلو في ذلك، ويعتقد أن الأخذ بالدليل والحالة هذه يكره أو يحرم؛ فعظمت الفتنة، ويقول: هو أعلم منا بالأدلة..." انتهى.
    وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: "المسألة الخامسة: تغير الأحوال إلى هذه الغاية، حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل

    --------------------------------





  5. #5
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    1 سورة النور، الآية: 63.
    2 سورة الأنعام، الآية: 121.
    3 أي: من الشرك الأكبر.
    ص -86- الأعمال، وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه، ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من دون الله مَن ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين..." انتهى.
    ومن اتخاذ الأخبار والرهبان أربابا طاعة علماء الضلال فيما أحدثوه في دين الله من البدع والخرافات والضلالات؛ كإحياء أعياد الموالد، والطرق الصوفية، والتوسل بالأموات، ودعائهم من دون الله؛ حتى إن هؤلاء
    العلماء الضالين شرعوا ما لم يأذن به الله، وقلدهم فيه الجهال السذج، وعدوه هو الدين، ومن أنكره ودعا إلى اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، عدوه خارجا من الدين، أو أنه يبغض العلماء والصالحين؛ فعاد المعروف منكرًا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، حتى شب على ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وهذا من غربة الدين، وقلة الدعاة المصلحين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    وإذا كان لا يجوز اتباع أئمة الفقه المجتهدين فيما أخطؤوا فيه من الاجتهاد مع أنهم معذورون ومأجورون فيما أخطؤوا فيه من غير قصد؛ إلا أنه يحرم على الخطأ؛ فكيف لا يحرم تقليد هؤلاء المضللين والدجالين، الذين أخطؤوا فيما لا يجوز الاجتهاد فيه، وهو أمر العقيدة؛ لأن العقيدة توقيفية، تتوقف على النصوص، ولكن الأمر كما : {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}1.
    وإلى جانب هؤلاء المغرقين في التقليد الأعمى في الأصول والفروع، إلى جانبهم جماعة أخرى على النقيض منهم، ترى وجوب الاجتهاد على كل أحد، ولو كان جاهلاً لا يحسن قراءة
    القرآن ولا يعرف سيئا عن العلم، ويحرمون





  6. #6
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    1 سورة الروم، الآيتان: 58 ـ 60.
    ص -87- النظر في كتب الفقه، ويريدون من الجهال أن يستنبطوا الأحكام من الكتاب والسنة، وهذا تطرف شنيع، وخطر هؤلاء على المسلمين لا يقل عن خطر الفريق الأول، إن لم يزد عليه، وخير الأمور الوسط والاعتدال؛ بأن لا نقلد الفقهاء تقليدًا أعمى، ولا نزهد بعلمهم نترك أقوالهم الموافقة للكتاب والسنة، بل ننتفع بها، ونستعين بها على فهم الكتاب والسنة؛ لأنها ثروة علمية، ورصيد فقهي عظيم، يؤخذ منه ما وافق الدليل، ويترك ما خالف الدليل؛ كما كان السلف الصالح يفعلون ذلك، خصوصا في زمان الذي تقاصرت فيه الهمم وفشا فيه الجهل؛ فالواجب الاعتدال بلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تساهل، ونسأل الله - عز وجل - أن يهدي ضال المسلمين، ويثبت أئمتهم وقادتهم على الحق؛ إنه سميع مجيب.
    وكما لا يجوز طاعة
    العلماء في تحليل الحرام وتحريم الحلال؛ فكذلك لا تجوز طاعة الأمراء والرؤساء في الحكم بين الناس بغير الشريعة الإسلامية؛ لأنه يجب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله في جميع المنازعات والخصومات وشؤون الحياة؛ لأن هذا هو مقتضى العبودية والتوحيد؛ لأن التشريع حق لله وحده؛ كما :{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ}1، أي: هو الحكم وله الحكم، و:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}2، و:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}3.
    فالتحاكم إلى شرع الله ليس لطلب العدل فقط، وإنما هو في الدرجة الأولى تعبُّد لله، وحق لله وحده، وعقيدة، فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية؛ فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه؛ قال الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه}4، و:{وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ






  7. #7
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة الأعراف، الآية: 54.
    2 سورة الشورى، الآية: 10.
    3 سورة النساء، الآية: 59.
    4 سورة الشورى، الآية: 21.

    ص -88- إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}1.
    وقد نفى الله الإيمان عمن تحاكم إلى غير شرعه؛ :{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} إلى قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}2.
    فمن دعا إلى تحكيم القوانين البشرية؛ فقد جعل لله شريكا في الطاعة والتشريع، ومن حكم بغير ما أنزل الله؛ يرى أنه أحسن أو مساو لما أنزل الله وشرعه، أو أنه يجوز الحكم بهذا؛ فهو كافر بالله، وإن زعم أنه مؤمن؛ لأن الله أنكر على من يريد التحاكم إلى غير شرعه، وكذبهم في زعمهم الإيمان؛ لأن قوله:{يَزْعُمُونَ}: متضمن لنفي إيمانهم؛ لأن هذه الكلمة تقال غالبا لمن يدعي دعوى هو فيها كاذب، ولأن تحكيم القوانين تحكيم للطاغوت، والله قد أمر بالكفر بالطاغوت، وجعل الكفر بالطاغوت ركن التوحيد؛ كما : {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}3، فمن حكم القوانين؛ لم يكن موحدًا؛ لأنه اتخذ لله شريكا في التشريع والطاعة، ولم يكفر بالطاغوت الذي أمر أن يكفر به، وأطاع الشيطان؛ كما :{وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}4
    وقد أخبر الله عن المنافقين أنهم حينما يدعون إلى التحاكم إلى شرع الله يأبون ويعرضون؛ فقال - سبحانه -:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً}5، كما أخبر أنهم يرون الفساد صلاحا؛ لانتكاس فطرهم، وفساد قلوبهم؛ ف: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ





  8. #8
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    --------------------------------
    سورة الأنعام، الآية: 121.
    2 سورة النساء، الآيتات: 60 ـ 65.
    3 سورة البقرة، الآية: 256.
    4 سورة النساء، الآية: 60.
    5 سورة النساء، الآية: 61.

    ص -89- الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}1، فالتحاكم إلى غير الله من أعمال المنافقين، وهو من أعظم الفساد في الأرض.
    قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - على هذه الآية: "قال أكثر المفسرين: ولا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى طاعة غير الله بعد إصلاح الله لها ببعثة الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله؛ فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره بالشرك ومخالفة أمره؛ فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره وطاع متبع غير الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والإتباع للرسول ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته؛ فلا سمع ولا طاعة، ومن تدبر أحوال العالم؛ وجد كل صلاح في الأرض؛ فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك؛ فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله".
    وقد سمى الله كل حكم يخالف حكمه بأنه حكم الجاهلية؛ :{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}2.
    قال ابن كثير - رحمه الله -: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله تعالى، المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات، وكما تحكم به التتار من السياسات المأخوذة عن جنكيز خان، الذي وضع لهم "الياسق"، وهو عبارة عن


    --------------------------------
    1 سورة البقرة، الآيتان: 11 ـ 12.
    2 سورة المائدة، الآية: 50.
    ص -90- كتاب أحكام اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها عن مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا، يقدمونها على الحكم بالكتاب والسنة، فمن فعل ذلك؛ فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله؛ فلا يحكم بسواه في قليل أو كثير..." انتهى كلامه - رحمه الله -.
    ومثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بديلاً من الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير من الدول هي مصادر الأحكام وألغيت من أجلها الشريعة الإسلامية؛ إلا فيما يسمونه بالأحوال الشخصية.
    والدليل على كفر من فعل ذلك آيات كثيرة: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}1، وقوله:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}2، وقوله تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}3.
    وكما قلنا قريبا: إنه يجب تحكيم الشريعة عقيدة ودينا يدان الله به، لا من أجل طلب العدالة فقط.
    هذا؛ ولا بد للعبد من قبول حكم الله، سواء كان له أم عليه، وسواء وافق هواه أم لا؛ :{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}4، و:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}5، و: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ







  9. #9
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    --------------------------------
    1سورة المائدة، الآية: 44.
    2 سورة النساء، الآية: 65.
    3 سورة البقرة، الآية: 85.
    4 سورة النساء، الآية: 65.
    5 سورة الأحزاب، الآية: 36.

    ص -91- فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}1.
    وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به".
    قال ابن رجب - رحمه الله -: "معنى الحديث أن الإنسان لا يكون مؤمنا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته محته تابعة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي وغيرها؛ فيحب ما أمر به، ويكره ما نهى عنه، وقد ورد
    القرآن بمثل هذا المعنى في غير موضع، وذم سبحانه من كره ما أحبه الله أو أحب ما كرهه الله؛ كما : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}2...".
    إلى أن قال: "وصف المشركين بإتباع الهوى في مواضع من كتابه؛ ف:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}3.
    وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا سمي أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا سمّي أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تنشأ من تقديم الهوى على محبة الله ومحبة ما يحبه، وكذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيجب على المؤمن محبة من يحبه الله من الملائكة والرسل و
    الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموما..." انتهى كلامه رحمه الله.
    أمور أخرى تنافي التوحيد:
    هذا؛ وهناك أشياء تنافي التوحيد، وتقتضي الردة عن دين الإسلام؛ منها سوء الظن بالله، ومنها الاستهزاء بشيء فيه الله عز وجل:






  10. #10
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    --------------------------------
    1 سورة القصص، الآية: 50.
    2 سورة محمد، الآية: 28.
    3 سورة القصص، الآية: 50.
    ص -92- 1 - سوء الظن بالله:
    فسوء الظن بالله خطير؛ لأن حسن الظن بالله من واجبات التوحيد، وسوء الظن به ينافي التوحيد.
    وقد وصف الله المنافقين بأنهم يظنون به غير الحق؛ ف:{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}1، وأخبر عنهم في الآية الأخرى أنهم يظنون به ظن السوء، فقال: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}2.
    قال الإمام ابن القيم في تفسير الآية الأولى: "فسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل، وفسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته؛ ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله وأن يظهره الله على الدين كله، وهذا هو ظن السوء الذي ظن المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هذا ظن السوء؛ لأنه لا يليق به سبحانه ولا بحكمته وحمده ووعده الصادق، فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة؛ فذلك ظن الذين كفروا؛ فويل للذين كفروا من النار، وأكثر
    الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده؛ فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله، وليستغفره من ظنه بربه ظن السوء".
    ولو فتشت من فتشت؛ لرأيت عنده تعنتا على القدر، وملامة له، وأنه كان


    --------------------------------
    1 سورة آل عمران، الآية: 154.
    2 سورة الفتح، الآية: 6.
    ص -93- ينبغي أن يكون كذا وكذا؛ فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم؟
    فإنْ تَنْج مِنْ ذي عَظيَمٍة وإلاَّ فَإنِّي لا أَخَالكَ نَاجِيا
    قال ابن القيم - رحمه الله -: "فمن ظن به أنه لا ينصر رسوله ولا يتم أمره ولا يؤيده ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائهم ويظهرهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبدًا؛ فقد ظن بالله ظن السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بجلاله وكماله وصفاته ونعوته؛ فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبي أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به، فمن ظن به ذلك؛ فما عرفه، ولا عرف أسماءه، ولا عرف صفاته وكماله".
    وكذلك من أنكر أن يكون ذلك بقضائه؛ فما عرفه، ولا عرف ربوبيته وملكه وعظمته.
    وكذلك من أنكر أن يكون قدَّر ما قدَّره من ذلك وغيره لحكمة بالغة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد، ظن أن ذلك إنما صدر عن مشيئة مجردة عن حكمة وغاية مطلوبة هي أحب إليه من فواتها، وأن تلك الأسباب المكروهة له المفضية إليها لا يخرج تقديرها عن الحكمة؛ لإفضائها إلى ما يحب، وإن كانت مكروهة له؛ فما قدرها سدى، ولا شاءها عبثا، ولا خلفها باطلاً،{ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}1.
    وأكثر
    الناس يظنون بالله غير الحق، ظن السوء، فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله، وعرف أسماءه وصفاته، وعرف موجب حكمته وحمده:


    --------------------------------
    1 سورة ص، الآية: 27.

    ص -94- فمن قنط من رحمته، وآس من روحه؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن يظن أنه يترك خلفه سدى معطلين عن الأمر والنهي لا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه، بل يتركهم هملاً كالأنعام؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن ظن أنه لا يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازى المحسن فيها بإحسانه والمسيء بإساءته ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسوله وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن ظن أنه يضيع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصا لوجهه على امتثال أمره ويبطله بلا سبب من العبد، وأنه يعاقبه بما لا صنع له فيه ولا اختيار له ولا قدرة ولا إرادة له في حصوله، بل يعاقبه على فعله هو - سبحانه - به، أو ظن به أنه يجوز عليه أن يؤيد أعداءه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله، ويجريها على أيديهم ليضلوا بها عبادة، وأنه يحسن منه كل شيء، حتى تعذيب من أفنى عمره في طاعته، فيخلده في الجحيم في أسفل سافلين، وينعم من استنفذ عمره في عداوته وعداوة رسله ودينه، فيرفعه إلى أعلى عليين، وكلا الأمرين في الحسن عنده سواء، ولا يعرف امتناع أحدهما ووقوع الآخر إلا بخير صادق، وإلا فالعقل لا يقضي بقبح أحدهما وحسن الآخر؛ فقد ظن به ظن السوء.
    ومن ظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل، وترك الحق؛ لم يخبر به، وإنما رمز إليه رموزًا بعيدة، وأشار إليه إشارات ملغزة، ولم يصرح به، وصرح دائما بالتشبيه والتمثيل والباطل، وأراد من خلفه أن
    ص -95- يتعبوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه، وتأويله على غير تأويله، ويتطلبوا له الوجوه والاحتمالات المستكرهة والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابه، بل أراد منهم أن لا يحملوا كلامه على ما يعرفونه من خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل؛ فلم يفعل، بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان؛ فقد ظن به ظن السوء؛ فإنه إن قال: إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبر به هو وسلفه؛ فقد ظن بقدرته العجز، وإن قال: إنه قادر، ولم يبين، وعدل عن البيان وعن التصريح بالحق إلى ما يوهم بل يوقع في الباطل المحال والاعتقاد الفاسد؛ فقد ظن بحكمته ورحمته ظن السوء.
    ومن ظن أنه هو وسلفه عبروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله، وأن الهدى والحق في كلامهم، وأما كلام الله؛ فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال، وظاهر كلام المشركين والحيارى هو الهدى والحق؛ لهذا من أسوأ الظن.
    فكل هؤلاء من الظانين بالله ظن السوء، ومن الظانين بالله غير الحق، ظن الجاهلية..." انتهى كلام ابن القيم في بيان من هم الذين يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، ومن أراد استيفاءه؛ فليراجعه في (زاد المعاد)، والله المستعان.
    2- الاستهزاء بشيء فيه ذكر الله:
    يجب على المسلم احترام كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين، وأن يعرف حكم من استهزأ بذكر الله أو
    القرآن أو الرسول؛ ليكون المسلم على حذر من ذلك؛ فإن من استهزأ بذكر الله أو القرآن أو الرسول أو بشيء من
    ص -96- السنة؛ فقد كفر بالله عز وجل لاستخفافه بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد، وكفر بإجماع أهل العلم.
    قال الله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ...}1الآية.
    وقد جاء بيان سبب نزول هاتين الآيتين الكريمتين؛ أنه ما حصل من المنافقين في بعض الغزوات من سخرية بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فقد روى ابن جرير وغيره عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة "دخل حديث بعضهم في بعض"؛ "أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء "يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء". فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكتك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد
    القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به الطريق".
    قال ابن عمر: "كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة نتقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم:{أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.}2.
    ففي هاتين الآيتين الكريمتين مع بيان سبب نزولهما دليل واضح على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو آيات أو سنة رسوله أو بصحابة رسول الله؛ لأن من فعل ذلك؛ فهو مستخف بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد والعقيدة، ولو لم حقيقة الاستهزاء.
    ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله، وعدم احترامهم، أو الوقيعة فيهم









 

صفحة 5 من 9 الأولىالأولى 123456789 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قواعد الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة
    بواسطة أمـــة الله في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 2011-01-16, 08:38 PM
  2. كلمات في ميزان الاعتقاد (1- أهل السنة و الجماعة)
    بواسطة أبو صهيب المصري في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 2010-11-02, 06:22 AM
  3. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-11-01, 04:51 PM
  4. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-11-01, 04:48 PM
  5. جمعية هداية: المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد
    بواسطة هداية في المنتدى الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-10-30, 04:06 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML