ولا شـك في أن هذا الوضع يخلق كثيراً من المشكلات لليهود في العالم. وقد تنبَّه سير إدوين مونتاجو، العضو اليهودي الوحيد في الوزارة البريطانية التي أصدرت وعد بلفور، إلى هذا البعد حيث احتج على إصدار هذا الوعد لأن الاتهام بازدواج الولاء، بحسب رأيه، اكتسب لأول مرة أساساً موضوعياً. وتحاول الصهيونية التوطينية التغلب على هذا الوضع الذي يسبب الحرج لأعضاء الجماعات اليهودية، بأن تعود إلى الصيغة الصهيونية الإثنية التي ترى أن اليهـود ينتمـون سياسياً إلى الوطن الذي يعيشون فيه، مع أنهم، من ناحية القيم الدينية والثقافيـة والروحيـة، ينتمون إلى مركزهم الروحي (أو الإثني) في إسرائيل. ويحاول الصهاينة في الولايات المتحدة أن يُذيبوا ازدواج الولاء داخل النمط الأمريكي العام بحيث تصبح علاقة الأمريكي اليهودي بإسرائيل مثل علاقة الأمريكي الإيطـالي بإيطـاليا، وبالتالي يصـبح لليهودي وطنان قوميان: الأول هو مسقط الرأس الذي هاجر منه، والثاني هو البلد الذي هاجر إليه.
المصالـح اليهودية
Jewish Interests
«المصالح اليهودية» عبارة تفترض أن ثمة مصالح يهودية محددة متفقاً علىها بين «اليهود» (أعضاء الجماعات اليهودية)، وأنهم يدافعون عنها علناً أو سراً متى وأينما سنحت لهم الفرصة، وهو افتراض شائع في الكتابات الصهيونية والمعادية لليهود. وتذهب الكتابات التي تتبني مثل هذا النموذج التفسيري إلى أن اليهود لا يدينون بالولاء إلا لما يُسمَّى «المصالح اليهودية»، وبالتالي فهم لا يعملون إلا من أجلها.
ولكن من الثابت تاريخياً أنه لم تكن هناك مصالح يهودية واحدة، بل إن الصراعات بين الجماعات اليهودية المختلفة حقيقة تاريخية. وكثيراً ما كانت تستعدي جماعة ما السلطات على جماعة أخرى وتطالب بطردها. ويظهر الصراع في حق حظر الاستيطان (حيريم هايشوف)، أي حق أية جماعة يهودية في أن ترفض إيواء أي يهودي من جماعة أخرى، وهو حق كانت تسعى الجماعات اليهودية في أوربا في العصور الوسطى للحصول عليه. ولعل أهم الصراعات عبر التاريخ هو الصراع بين الإشكناز والسفارد في العالم الغـربي، والذي لا يزال له أصـداؤه في إسـرائيل حتى الآن. وكذلك، فإن مصالح الدولة الصهيونية تتعارض في كثير من الأحيان مع مصالح الجماعات اليهودية كما اتضح في حادثة بولارد على سبيل المثال، أو في تَورُّط الإسرائيليين في تجارة المخدرات في كولومبيا. وقد فجرت الانتفاضة قضية التعارض بين مصالح الجماعات اليهودية ومصالح إسرائيل، إذ أن منظر الجنود الإسرائيليين (ممثلي الدولة اليهودية) وهم يكسرون أذرع الشباب الفلسطيني، لم يُحِّسن الصورة الإعلامية ليهود العالم، ولم يخدم مصالحهم، مع أنه يخدم مصلحة الدولة التي يُقال إنها «يهودية»!
ونحن نرى أن أعضاء الجماعات اليهودية لهم مصالح مختلفة باختلاف الزمان والمكان، ولتفسير سلوكهم لابد من العودة إلى سياقهم الحضاري والتاريخي والإنساني العريض، لأن النموذج التفسيري الذي يُركِّز على المصالح اليهودية والمرجعية اليهودية سيعجز عن تفسير كثير من جوانب هذا السلوك.
وفي مجموعة المداخل التي تلي هذا المدخل سنتناول سيَر بعض مشاهير اليهود ممن شغلوا مواقع مهمة تجعلهم في موضع التأثير في صنع القرار (ابتداءً من بيرنيكي عشيقة الإمبراطور تيتوس وانتهاءً بكيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة). وسنحاول أن نُبيِّن أن سلوكهم السياسي وغير السياسي (في معظم الأحيان) لم تكن تحكمه المصالح اليهودية وإنما مجموعة من العناصر الأخرى المرتبطة عادةً بمصالح الدولة التي ينتمي لها عضو الجماعة اليهودية.
المفضلات