الشعبالعضوي المنبوذ
Pariah Volk
«الشعب العضوي المنبوذ» عبارة قمنا بصياغتهاللتعبير عن نموذج تفسيري كامن في معظم الكتابات الصهيونية والمعادية لليهود. ويعودهذا النموذج إلى الفكر الألماني الرومانسي الذي طرح فكرة الشعب العضوي (بالألمانية: فولك Volk)، والتي ترى أن الانتماء القومي ليس مسألة اختيار أو إيمان، وإنما هورابطة كلية عضوية حتمية تكاد تكون بيولوجية في حتميتها بين الفرد والجماعة التييتبعها والتربة (الأرض) التي تتواجد عليها هذه الجماعة، ومن هنا الحديث عن التربةوالدم. وحسب هذا النموذج، تتسم الأشكال الثقافية والاجتماعية المختلفة التي تسودبين أعضاء هذه الجماعة بأنها هي الأخرى مترابطة ترابطاً عضوياً لا تنفصم عراه،وبأنها فريدة تُعبِّر عن عبقرية الجماعة. ويؤكد نموذج الشعب العضوي الاختلافات بينالجماعات البشرية المختلفة على حساب المساواة بين أعضاء الجنس البشري. ولهذا نجدأنه أفرز مجموعة شعارات ذات طابع عضوي عنصري شبه صوفي، مثل: روح الشعب - أمة واحدةذات رسالة خالدة ـ المصير القومي الواحد الحتمي والأمة فوق الجميع - المجال الحيويللشعب. وقد استُخدم هذا النموذج لتبرير التوسع ولاستبعاد الآخرين بل وإبادتهم. كماتَحكَّم في إدراك الإنسان الغربي لكل المجموعات البشرية وضمنهم اليهود، بحيث أصبحهناك شـعب عضوي ألماني وشـعب عضوي إنجليزي وشعب عضوي يهودي، كل منها مترابط ترابطاًعضوياً ويضرب بجذوره في تربته. وقد تَبنَّى الفكر الصهيوني هذا النموذج التفسيريالذي عبَّر عنه مارتن بوبر في كتاباته حيث يجعل من الشعب العضوي ركيزة أساسية لرؤيةالعالم.

ومن مفارقات الأمور أن إحدى خصائص الشعوب العضوية أنها تَنبُذالعناصر الغريبة عنها والتي تُوجَد بين ظهرانيها مثل اليهود. ولهذا كان النموذجالذي أسبغ على اليهود هوية عضوية فريدة، وحوَّلهم من مجرد أقلية دينية أو جماعةدينية إلى كيان مستقل، يأخذ شكل شعب عضوي له صفات ثابتة محددة يضرب بجذوره فيفلسطين، هو نفسه الذي جعل منهم مادة بشرية غريبة لم تُشكِّل قط جزءاً من التاريخالحقيقي للغرب وإنما وقفت دائماً على هامشه. بل إن وجودهم داخل الحضارة الغربية لميكن دائماً أمراً إيجابياً، ومن ثم فلا مكان لهم في هذه الحضارة، أي أن «الشعبالعضوي» تَحوَّل إلى «شعب عضوي منبوذ». وقد أدَّى هذا النموذج إلى الهجوم علىخصوصية الشعب العضوي اليهودي وإظهار مدى قبحها وضرورة القضاء عليها، فظهرت الدعاوىالمعادية لليهود، كما ظهرت الدعوات إلى دمجهم في المجتمعات الغربية بعد إصلاحهموتطبيعهم، أي بعد أن يتخلصوا من خصوصيتهم وسماتهم السلبية، بأن يتخلوا عن يهوديتهم،وهذا هو فكر عصر الاستنارة والتنوير.

ويمكن القول بأن نموذج الشعب العضويالمنبوذ هو الحلقة التي تربط بين العداء لليهودية والصيغة الصهيونية الأساسيةالشاملة. وتنطلق صهيونية غير اليهود من فكرة أن الفولك أو «الشعب العضوي اليهودي» لا مكان له حقاً في العالم الغربي (وهذه هي نفسها دعوى أعداء اليهود) ولكن يمكنالاستفادة منه كأداة يمكن توظيفها لصالح الغرب في مشروعاته المختلفة التي أصبح منأهمها، مع مرور الوقت، المشروع الاستيطاني في فلسطين. ويستند نموذج الشعب العضويالمنبوذ إلى عنصرين أساسيين في الحضارة الغربية:

1
ـ موقف الحضارة الغربيةالمسيحية من اليهود. ويمكن القول بأن نموذج الشعب العضوي يعود إلى فكرة الشعبالشاهد، أي اليهود بوصفهم أقلية دينية رفضت المسيح، وتقف في ذُلِّها وخضوعهاوتَدنِّيها شاهداً على صدق العقيدة المسيحية وعلى عظمة الكنيسة. ولذا، دافعتالكنيسة الكاثوليكية عن بقاء اليهود كجماعة مستقلة وحمتهم ضد الهجمات الشعبية حتىيقوموا بدورهم في الشهادة. ثم تحوَّلت هذه الفكرة إلى العقيدة الاسترجاعية أوالألفية في الفكر البروتستانتي، وهي عقيدة تُحوِّل اليهود إلى أداة من أدوات الخلاصإذ أنه لا يمكن أن يتم الخلاص النهائي إلا بعودة اليهود.

2
ـ الأمر الآخرالذي يعود إليه نموذج الشعب العضوي المنبوذ هو الدور الذي لعبه اليهود في المجتمعالغربي كجماعة وظيفية وسيطة تشتغل بالتجارة والربا والنشاطات المالية. ويمكن القولبأن الشعب العضوي المنبوذ، في كثير من الأحوال، هو الجماعة الوظيفية التي فَقَدتوظيفتها.

ويُلاحَظ أن كلا الأمرين يضع اليهود على هامش التاريخ الغربي لافي صميمه، كما يجعلهم مجرد أداة إما للخلاص النهائي أو للربح.

ويمكن القولأيضاً بأن نموذج الشعب العضوي المنبوذ هو تعبير علماني عن فكرة الشعب المختاروالشعب المقدَّس (الدينية)، فالشعب المختار شعب مقدَّس، والقداسة تعني الانفصال عنكل الشعوب، فهو شعب عضوي، ولكن إحدى علامات اختياره هي أن كل الشعوب ترفضه، فهو شعبعضوي مقدَّس منبوذ.

وقد تداخل العنصران الديني والدنيوي لبعض الوقت. ومعتَزايُد علمنة الحضارة الغربية، فَقدَ النموذج كثيراً من ديباجاته الدينية ليصبحنموذجاً دنيوياً محضاً. ومن هذا المنظور، تم الهجوم على اليهود لا باعتبارهم قتلةالمسيح وإنما باعتبارهم شعباً عضوياً بالمعنى العرْقي. كما أن استخدام اليهودكوسيلة أخذ يفقد ديباجاته الدينية تدريجياً، حيث أصبح اليهودي غير مُثقَل بأية قيمةوتَحوَّل إلى أداة محضة.

ويمكننا أن نَعُدَّ مارتن لوثر من أوائل المفكرينالذين تعاملوا مع اليهود من منطلق هذا المفهوم في صيغته الدينية، فقد وصف اليهودانطلاقاً من عدائه العميق لهم بأنهم « عبء ثقيل علينا وبلاء وجودنا»، وأشـار إلىأكاذيبهم وطالب بمسـاعدتهم للعـودة إلى أرضهـم في يهـودا « فالتخلص من اليهود هوالهدف الأسمى ». ومن الواضح أن لوثر لم يكن قد أدرك بعد إمكانية الاستفادة منهموإمكانية نفعهم. ويُعَدُّ الفيلسوف إسبينوزا من أوائل المفكرين الذين بَلْورواهذاالمفهوم في صيغته العلمانية، إذ شن هجوماً شرساً على اليهود وطالب بالقضاء علىخصوصيتهم بدمجهم أو عودتهم إلى فلسطين.

وشهدت الفترة نفسها ظهور فكرةالاستفادة من «الشعب العضوي المنبوذ» كأداة. فقد دافع كرومويل عن عودة اليهود إلىإنجلترا بسبب نفعهم وإمكانية استخدامهم كجواسيس. وقد بدأت تظهر فائدة اليهود في تلكالفترة كعنصر استيطاني يمكن استخدامه في المشاريع الاستيطانية في سورينام وكايينوكوراساو.

ويُعَدُّ نموذج الشعب العضوي المنبوذ حجر الزاوية في فكرالاستنارة، فقد هاجم كلٌّ من فولتير وهولباخ اليهود على أنهم شعب عضوي له صفاتهالسلبية الخاصة به. وعرَّف الفيلسوف هردر اليهود بأنهم غرس طفيلي في أوربا يلتصقبكل الشعوب الأوربية ويمتص نخاعها. ويُلاحَظ وجود المفهوم نفسه في كتابات فخته الذيأكّد أيضاً الفساد الأخلاقي عند اليهود وأكد أنهم يُكوِّنون دولة داخل الدولة. ولذا، عارض منحهم الحقوق المدنية والسياسية، إذ أن ذلك لن يتحقق إلا بأن تُقطَعرؤوسهم ذات ليلة وتُوضَع مكانها رؤوس أخرى لا تحوي فكرة يهودية واحدة. وقد اقترحفخته، ومن قبله فولتير، حلاًّ صهيونياً لمشكلة الشعب العضوي المنبوذ، فقال: "لايوجد بديل إلا بغزو أرض الميعاد وإرسالهم إليها، لأنهم لو حصلوا على حقوقهم المدنيةفي أوربا فإنهم سيدوسون على كل المواطنين الآخرين".

وقد بدأت تظهر فيهذه الفترة فكرة نفع اليهود. وقد عبَّر الكاتب الإنجليزي أديسون، محرر مجلةالإسبكتاتور ، عن هذا الجانب من المفهوم بشكل دقيق للغاية في مقال بتاريخ 27 ديسمبر 1712 قال فيه: « إن اليهود منتشرون في جميع المناطق التجارية في العالم حتى أنهمأصبحوا الأداة التي تتحدث من خلالها الأمم التي تفصل بينها مسافات شاسعة، فهم مثلالأوتاد والمسامير في بناء شامخ. ورغم أنهم بلا قيمة في حد ذاتهم، فإن أهميتهممطلقة لأنهم يحفظون للهيكل كله تماسكه ». وما يهمه من اليهود كشعب عضوي، إذن، هوكونهم أداة مهمة وحسب. ولذلك فهو لا يَشُنُّ عليهم هجوماً ولا يُشهِّر بهم، فمايهمه هو توظيف هذه الكتلة البشرية. وستتكفل عملية التوظيف هذه بتخليص أوربا منهمبالطرق السلمية، أي أن نموذج الشعب العضوي المنبوذ تَحوُّل تدريجياً ليصبح نموذجالشعب العضوي المنبوذ النافع (وهذا هو جوهر الصهيونية). وقد طُرحت في عصر الاستنارةإشكالية مدى نفع اليهود وإمكانية إصلاحهم حتى يتسنى الاستفادة منهم.

وهكذاأصبح نموذج الشعب العضوي المنبوذ نموذجاً تفسيرياً أساسياً في الوجدان العقليوالعاطفي في الغرب بما يؤدي إليه من حلول صهيونية واضحة أو كامنة. وقد أصبح هذاالنموذج، مع بداية القرن التاسع عشر، بُعداً أساسياً في الفكر السياسي الغربي تجاهاليهود والشرق. كما تمت مزاوجة المسألة اليهودية (الشعب المنبوذ) بالمسألة الشرقية (الدولة العثمانية وتقسيمها) بحيث يمكن حل المسألة الأولى، أي التخلص من اليهود، عنطريق استخدامهم كمادة بشرية في المسألة الثانية. وكان نابليون من أوائل السياسيينالذين توصلوا إلى هذه الصيغة. فهو أول سياسي يدعو اليهود، من حيث هم يهود، إلىالاستيطان في فلسطين، محاولاً الاستفادة منهم كمادة استيطانية في مشروعهالاستعماري. أما على مستوى فرنسا ذاتها، فقد كان الأمر جدُّ مختلف. فقد أصدرنابليون من التشريعات ما قضى عليهم كشعب عضوي، ووضع الخطط التي أدَّت في نهايةالأمر إلى دمجهم في الأمة الفرنسية.

ونموذج الشعب العضوي المنبوذ هو ذاتهالنموذج الرئيسي وراء فكر بول باستيل زعيم حركة الديسمبريين في روسيا، فقد كان يرىأن اليهود « يحافظون دوماً على روابط وثيقة بدرجة لا تُصدَّق، بسبب الدين والسيطرةالحاخامية على أوجه الحياة جميعاً »، أي أنهم شعب عضوي. والحل هو « إما تخليصاليهود من خصوصيتهم، واستيعابهم استيعاباً تاماً، أو مساعدتهم على تأسيس دولتهمالخاصة المستقلة في منطقة ما من آسيا الصغرى. ولهذا يجب تعيين نقطة تَجمُّع الشعباليهودي بمساعدة بعض الجنود. وإذا تَجمَّع في مكان واحد جميع اليهود الروسوالبولنديين، فإن عددهم سيبلغ أكثر من مليونين، وبعد أن يجتازوا أوربا التركيةفإنهم يستطيعون أن يعبروا إلى تركيا الآسيوية حيث يمكنهم بعد الاستيلاء على أرضكافية لتأسيس دولة يهودية مستقلة». وبهذا، فإن باستيل ينظر إلى اليهود باعتبارهممادة استيطانية يمكنه استخدامها كوسيلة في الصراع الناشب بين روسيا القيصريةوالدولة العثمانية.

وقد أصبح النموذج أيضاً بُعداً أساسياً في الفكرالاستعماري الإنجليزي، فنجد أن لورد شافتسبري يتحدث عن اليهود باعتبارهم عنصراًمستقلاً له سماته القومية المستقلة، ولكنه عنصر طفيلي فاسد. وانطلاقاً من هذا، فقدعارض مَنْحَهم الحقوق الدينية، ولكنه بذل جهوداً كبيرة في سبيل اتخاذ الخطواتاللازمة لتوطينهم في فلسطين. وقد تبنَّت وزارة المستعمرات رأيه منذ عام 1840.

ويستمر هذا الخط ليصل إلى بلفور الذي كان يؤمن إيماناً جازماً بأن اليهودكيان تختلط فيه القومية بالدين. وأنهم كيان غريب على الحضارة الغربية التي لمتسـتطع اسـتيعابهم. وكان بلفور يرى أن اليهـود، بطفيليتهم وعدم انتمائهم، يشـكلونعبئاً على الحضـارة الغربية، فاستصدر عام 1905 من القوانين ما يُوقف مد الهجرةاليهودية إلى إنجلترا. ولكن وزارته وافقت في العام نفسه على مشروع شرق أفريقيا. ثمساهم بلفور، بعد ذلك، في استصدار الوعد الذي سُمي باسمه. والواقع أن كلا المشروعينيهدف إلى تخليص أوربا من اليهود، وذلك عن طريق الاستفادة منهم في مكان آخر.

وفي الفكر الاشتراكي الغربي، ظهر نموذج الشعب العضوي المنبوذ في فكر فورييهوتلاميذه، خصوصاً توسينيل وأدولف إلايزا الذي شبَّه اليهود بالبكتريا القذرة التيتحمل العفن إلى أي مكان تحل فيه. ويُلاحَظ أن الصورة المجازية هنا عضوية، تماماًمثل الشعب العضوي، وهي صورة مجازية استخدمها الزعيم الصهيوني نوردو والزعيم النازيهتلر. وقد تَبنَّى هؤلاء حلاًّ صهيونياً للمسألة اليهودية وطلبوا من اليهود أنيرحلوا إلى "بلادهم"!

وحينما ظهرت الصهيونية بين اليهود، كان هناك تَلازُمأيضاً بين نموذج الشعب العضوي المنبوذ وبين الاستيطان الصهيوني. وقد تَقبَّل كثيرمن الصهاينة هذا النموذج التفسيري وأسسوا عليها نظريتهم الصهيونية، فرددوا أناليهود طفيليون، كريهون لا أخلاقيون، ويجب تطبيعهم عن طريق تطويعهم من أجل خدمةالمشروع الاستعماري الغربي وتوطينهم في فلسطين. وفي أوائل القرن الحالي، كانتالزعامة الصهيونية في ألمانيا تؤكد تَدنِّي اليهود ووضاعتهم وعدم انتمائهم لإسباغالشرعية والمعقولية على المشروع الصهيوني. ولهذا فقد قَبلت المقولات الأساسيةلمعاداة اليهود واستوعبتها في بناء النسق الفكري الصهيوني ذاته. وقد ظهر الفكرالنازي في هذه التربة، وهو فكر ينطلق من فكرة أن الشعب العضوي الألماني والشعبالعضوي اليهودي المنبوذ يجب ألا يختلطا حتى يحتفظ كلٌّ بهويته العضوية. وقد بيَّنألفريد روزنبرج، أهم مُنظِّري العقيدة النازية، إبان محاكمته في نورمبرج، أنهتَبنَّى رؤية بوبر حيث أعلن أن اليهود يجب يعودوا إلى أرض آسيا حتى يمكنهم (هناكفقط) العثور على جذور الدم اليهودي.

وقد وردت في قوانين نورمبرج الفقرةالتالية عن الصهيونية ومبرراتها: "لو كان لليهود [أي الشعب العضوي المنبوذ] دولةخاصة بهـم تضمهـم جميعـاً في وطــن واحـد، لأمكن اعتبار المشكـلة اليهوديــة محلولةحتى بالنسبة إلى اليهود أنفسهم". ومن ثم، فــإن النازيين لم يكونوا ضد المشاريعالاستيطانية الصهيونية التـي تهـدف إلى التخلـص من اليهــود. ولكن، لسوء حظ ألمانياواليهـود، لم يكن لدى ألمانيا مستعمرات في آسيا وأفريقيا (بعد إجهاض مشروعهاالاستعماري على أيدي الدول الاستعمارية الأخرى). وربما، لو وُجدت مثل هذهالمستعمرات الألمانية، لقام هتلر بكفاءته المعهودة بنقل فائض أوربا المنبوذ وانتفعمنه ومن إمكانياته، بدلاً من إبادته وحرقه. ولكن مجال ألمانيا الحيوي في أوربا كانآهلاً بالسكان، ولذا، لم يكن بوسع هتلر سوى إبادة اليهود بدلاً من نقلهم (حسب منطقأوربا العملي المادي).

وقد لاحَظ كثير من المثقفين الألمان اللوثريين أعداءالنازية ذلك التَطابُق بين الفكرة الغربية الخاصة بالشعب العضوي ونموذج الشعبالعضوي كما عبَّر عنها الصهاينة، وقال ريتشارد كودينهوف كاليرجي، وهو من أكبرمناهضي العنصرية، إن القوميتين اليهودية والنازية حركتان حولتا الدنيا والمادة إلىمقولات ميتافيزيقية، أي إلى دين، وكلتاهما تُضفي صفة نسبية على كل القيم باستثناءالقيم العرْقية وعلاقات الدم والتربة، بحيث تختفي جميع المعايير إلا معيارالعرْق. ثم أشار كاليرجي إلى أن كلتا الحركتين قبلتا القول بأن ألمانيا لا يمكنها استيعاباليهود.

وقد اختفى نموذج الشعب العضوي المنبوذ إلى حدٍّ كبير من كتاباتالصهاينة والمفكرين الغربيين بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه لا يزال النموذجالفعال الكامن في كل الكتابات والمشاريع الصهيونية. وقد ظهرت في الآونة الأخيرةفكرة الشعب المقدَّس بين أعضاء جماعة جوش إيمونيم. وعندهم، كذلك، أن هذا الشعب يعيشوحده ولا يُحسَب بين الأمم، فهو شعب مقدَّس عضوي منبوذ. وتَنبُع أهمية فكرة الشعبالعضوي المنبوذ من أنها تُبيِّن العلاقة العضوية الكامنة بين الصهاينة وأعداءاليهود.