ويتضح هذاالخط بوضوح في كتابات دوهرنج الذي كان عداؤه لليهود يستند إلى عداء صريح لليبراليةالسياسية والاقتصادية، إذ كان يرى أن اليهود استغلوا الجو الليبرالي السياسيوالاقتصادي ليدمروا المجتمع الألماني المتماسك ويهيمنوا عليه. وقد ذهب دوهرنج إلىأن « جمجمة الإنسان اليهودي ليست جمجمة إنسان مفكر، فهي ملأى على الدوام بالرباوالشئون التجارية ». ويؤلف اليهود في نظره « عرْقاً وضيعاً لا مثيل له ». وتكتسبفكرة الحفاظ على الشرف العرْقي بعداً اشتراكياً في كتاباته إذ يؤكد ضرورة إزاحةالهيمنة اليهودية من عالم المال لتحقيق هذا الهدف. ويجب أن نضيف أن ما دعم الصورالنمطية الإدراكية هو وضع اليهود المتدني حضارياً واقتصادياً وثقافياً. فالجيتو كانمن أقذر الأماكن في أوربا، كما أن المتسول اليهودي كان ظاهرة عامة. ومع نهايةالقرن، كانت الجماعات اليهودية في الغرب في حالة انكسار وانحلال، بعد أن تم ضربقيادتها الدينية التقليدية وبعد أن فُرض عليها التحديث والعلمنة بكل قسوة وسرعة. وكذلك، كان القَوَاد اليهودي والبغي اليهودية يمثلان حقائق مادية صلبة. وكانتالحركات الثورية تضم في صفوفها أعداداً كبيرة من الشباب اليهودي. وكان كثير منالفضائح المالية وأعمال الغش يرتكبها يهود. كل هذا يعني أن الصور الإدراكية كانتذات أساس واقعي، ولكنه كان أساساً واقعياً مجرداً تماماً من سياقه التاريخي حتى بداوكأنه حقيقة كاملة.

لكن العنصر الأساسي الذي ساهم في ترسيخ الصور الإدراكيةالكريهة عن اليهود، وفي تصاعد الهجمات ضدهم، هو الظاهرة الإمبريالية. فقد كان القرنالتاسع عشر هو عصر التوسع الإمبريالي الغربي الذي انتهى بالهيمنة على كل أنحاءالمعمورة ووضع الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية موضع التنفيذ على مستوىالعالم. وصاحب هذه العملية ظهور مجموعة من الأفكار والنظريات والصور الإدراكيةالعرْقية التي تحاول تسويغ سيطرة الإنسان الأبيض على بقية الأعراق. فضلاً عن أنالفلسفة النيتشوية كانت تكتسح أوربا، وهي فلسفة تنظر إلى الواقع باعتباره صراعاً لايهدأ، صراع الجميع ضد الجميع، ويستند فيه البقـاء لا إلى الحـق والخير والجمـالوإنما إلى الحركية والقـوة والإرادة. كما سادت أوربا آنذاك الفلسفة الداروينيةالاجتماعية، وهي أساساً رؤية للعلاقات الاجتماعية من خلال نموذج ينقل القيم التيزعم داروين أنه اكتشفها في عالم الطبيعة إلى المجتمع الإنساني.

وكانت هذهالداروينية من أهم مصادر الفكر الصهيوني بخاصة، والفكر الإمبريالي بعامة، فكان يتمتبرير إبادة الملايين في أفريقيا واستعبادهم في آسيا على أساس أن هذا جزء من عبءالرجل الأبيض ومهمته الحضارية، فهو يبيد الملايين ليؤسس مجتمعات متقدمة متحضرة! ولكن الرجل الأبيض هو أساساً الرجل الأقوى الذي لا يكترث كثيراً بالخير أو الشر. ولم يكن من الممكن إدراك الواقع بطريقتين مختلفتين: إحداهما ليبرالية خاصة بأوربا،والثانية إمبريالية عنصرية خاصة بالمناطق التي تقع خارجها. فالعنصرية رؤية متكاملةللإله والطبيعة والتاريخ والإنسان. وكان محتماً أن تقع أكبر الأقليات في أوربا،وأكثرها انتشاراً وبروزاً، ضحيةً لهذا التحول الإدراكي والاجتماعي.



تاريـــخ معــاداة اليهـــود منــذ القـــرن الثامـــن عشـر
History of Anti-Semitism since the Eighteenth Century
تتمثل السمة الأساسية في أدبيات معاداة اليهود في العصر الحديث أن تُنسَب إلى اليهودي صفات خفية ثابتة لصيقة به لا يمكنه التخلص منها إذا شاء أن يفعل. فبينما كان بوسع اليهودي في الماضي أن يتخلص من هويته تماماً عن طريق التنصر ودخول الكنيسة التي كانت تفتح له دائماً ذراعيها، فإن هذا البديل لم يَعُد مطروحاً في العصر الحديث، مع ظهور النظريات المادية التفسيرية (للإنسان والكون) التي تفسر الكون في إطار مجموعة من القوانين المادية الحتمية التي تخضع لها الظاهرة. إذ أن سمات اليهودي وخصائصه أصبحت خصائص وراثية وسمات بيولوجية ذات جذور مادية عرْقية ومن ثم لا يمكنه الفكاك منها مهما بذل من جهود. بل إن اندماج اليهود، ورغبة بعضهم في الهرب من يهوديتهم تشبُّهاً بالأغلبية، هما في الواقع (حسب الرؤية الحديثة لمعاداة اليهود) مؤشرات على نجاحهم في التخفي والتمسك بالهوية!

ويمكننا أن نقول إن ثمة أسباباً كثيرة أدَّت مجتمعة إلى تَفجُّر موجة معاداة اليهود في أواخر القرن الماضي:

1 ـ أدَّت الثـورة الصـناعية والثـورة الليبرالية، وظهـور الـدولة القـومية، إلى فقـد اليهـود لدورهم التقلـيدي كجماعة وظيفية وسيطة، إذ ظهرت طبقات محلية يمكنها أن تضطلع بهذا الدور. كما أن الدولة القومية استوعبت كثيراً من الوظائف التي كان يقوم بها أعضاء الجماعة. وقد تحوَّل معظم أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب إلى طبقة وسطى في نهاية الأمر، ولكن الفجوة الزمنية بين الفترتين أدَّت إلى تَفجُّر مشاعر الكراهية ضد قطاع بشري لم يَعُد له أي نفع ولم يكتسب وظائف جديدة بعد.

2 ـ تكتسب الدولة القومية شرعيتها من التاريخ المشترك والثقافة المشتركة. ويستند النقد الاجتماعي العلماني (للمجتمع الإقطاعي والديني) إلى هذين العنصرين، ومن ثم يتحدد الانتماء أو عدم الانتماء بمقدار مشاركة المواطن في هذا التاريخ والثقافة. وقد كانت الجماعات اليهودية عادةً ذات هوية مستقلة نوعاً عن محيطها الثقافي، الأمر الذي كان يجعلها تقع معنوياً خارج دائرة العقد الاجتماعي مع أنها كانت فعلياً داخل دائرة المجتمع، وهو ما ولَّد كثيراً من العداء تجاه أعضاء الجماعات اليهودية.

3 ـ تعثُّر التحديث في وسـط أوربا وشرقها في نهاية القرن التاسع عشـر.

4 ـ وجود أغلبية يهود العالم في أوربا الشرقية (يهود اليديشية) في بلاد لم تَسُد فيها المُثُل القومية الليبرالية، وفي مناطق حدودية مُتنازَع عليها، وفي روسيا (البلد الذي كانت تحكمه بيروقراطية متخلفة لا تفهم وضع اليهود).

5 ـ ارتباط اليهود بالحركات الثورية العلمانية اليمينية واليسارية. فقد كان اليهود رمزاً واضحاً للمجتمع الصناعي الرأسمالي الجديد، وبالتالي أصبحوا هدفاً للجماهير التي اقتلعها الاقتصاد الجديد وألقى بها في المدن والمصانع للعمل تحت ظروف غير إنسانية. ومن ثم أصبح اليهودي بالنسبة إلى البورجوازيات الصغيرة الضعيفة، في كلٍّ من ألمانيا وبولندا وروسيا، هو العائق الأساسي الذي يقف حجر عثرة في طريق نموها الاقتصادي لأنه غريم قوي. كما كان الجميع يرون في اليهودي يسارياً ثورياً يهدد المجتمع من أساسه. ويبدو أن عدداً كبيراً من أعضاء الجماعات اليهودية انضموا للأحزاب الشيوعية الحاكمة في روسيا وشرق أوربا، واشتركوا في عمليات قمع المعارضة التي قامت بها الأحزاب الشيوعية الحاكمة، فارتبط أعضاء الجماعات اليهودية في الذهن الشعبي بهذه النظم. ورغم عدم وجود يهود في كثير من بلاد أوربا الشرقية، إلا أن العداء لليهود لا يزال مستمراً بسبب العداء الراسخ للشيوعية.

6 ـ مع الإعتاق السياسي والاقتصادي لليهود، لم تعد الجماعة اليهودية جماعة وسيطة مغلقة تعيش في مسام المجتمع داخل الجيتو ويمكن التسامح معهما، بل خرج أعضاؤها إلى المجتمع ليلتحموا بالبناء الطبقي والاجتماعي والثقافي للمجتمع، وقد حققوا حراكاً اجتماعياً وطبقياً كبيراً، وانتشروا بأعداد كبيرة في أنحاء أوربا بسبب الانفجار السكاني الضخم بينهم. وأدَّى كل هذا إلى احتكاك واسع المدى بين أعضاء الجماعات اليهودية وبين بعض قطاعات المجتمع تحت ظروف لم تكن مواتية تماماً بسبب الثورة الصناعية التي حرمت الملايين من الأمن التقليدي الذي كانوا يتمتعون به في المجتمع الزراعي.

7 ـ انتشر اليهود في المجتمعات الغربية بعد أن ضعفت هويتهم وقيمهم الدينية، وبعد أن اقتُلعوا من محيطهم الثقافي المألوف لهم. ولذا، كانت تنتشر بينهم ظواهر مثل الغش والسرقة، الأمر الذي عزز من الصور الإدراكية السلبية عنهم.

8 ـ أصبح كثير من اليهود ممن يمكن تسميتهم «يهود غير يهود»، أي يهود ليس فيهم من اليهودية سوى الاسم، فقد تآكلت هويتهم الدينية والإثنيـة تماماً، ومع هذا اسـتمرت المجتمـعات الغربية في تصنيفهم يهوداً. وهذا أمر جعل الناس يشعرون أن اليهود يوجدون في كل مكان وزمان.

9 ـ هؤلاء اليهود غير اليهود كان لابد من تعريفهم بطريقة ما. وقد تم تعريفهم بطريقة عرْقية مجردة حيث كان التعريف الديني التقليدي غير ممكن. فالعنصر المشترك بين الشحاذ اليهودي من شرق أوربا والموسيقار اليهودي من غربها والتاجر اليهودي من وسطها، لم يكن الدين أو حتى هوية قومية بعينها، وإنما كان خاصية مادية عرْقية افتراضية كامنة غير ظاهرة ولا واضحة المعالم، وهي الخاصية البيولوجية اليهودية التي كان الجميع يفترضون وجودها برغم عدم ظهورها.

10 ـ من المفارقات التي تستحق التسجيل أنه مع تزايد الحقوق المعطاة لأعضاء أية أقلية يزداد العداء لها؛ ذلك لأن الأقلية حينما يتم حصرها تلزم مكانها، وحينما تتم عملية القمع بموجب القانون أو بحكم البنية الاقتصادية والسياسية للمجتمع، يقل العنف الفردي إذ تتكفل المؤسسات بعملية العنف. ومن هنا، لم تكن ثمة عمليات اختطاف وشنق للزنوج في جنوب أفريقيا في حين كانت هذه الظاهرة منتشرة في الولايات المتحدة، ومن هنا أيضاً كان خلو إسرائيل من العنف الشخصي (على الأقل حتى نشوب الانتفاضة). وقد تزايد الكره الفردي الموجه لليهود مع تزايد معدلات الإعتاق والعلمنة. كما تزايد الهجوم عليهم لأنه هجوم على خطر خفي غير ظاهر، إذ أن اليهودي المندمج لا يتصرف كما يتصرف اليهودي بشكل يسهل رصده، وإنما يتصرف بشكل " طبيعي " باعتباره فرداً عادياً في المجتمع، الأمر الذي يجعل من رصده عملية مستحيلة.

11 ـ ظهور الإمبريالية الغربية، والنظريات العرْقية والداروينية التي صاحبتها، والتي جعلت من الصراع حقيقة أساسية في الوجود الإنساني وقبلت القوة العضلية معياراً أساسياً.

12 ـ من أهم أسباب تزايد مشاعر العداء لليهود الانفجار السكاني بين يهود اليديشية في شرق أوربا في وقت سادت فيه أفكار مالتوس وزاد الحديث عن وجود فائض سكاني لابد من التخلص منه. وقد صدَّرت شرق أوربا ملايين اليهود إلى وسطها وغربها وإلى الولايات المتحدة. وكان يهود شرق أوربا كتلة متميِّزة متخلفة متحللة، وكان وصولهم يصعِّد مشاعر الكراهية ضدهم. وكان السكان لا يميِّزون بين اليهود الوافدين واليهود الأصليين إذ أن الجميع مجرد «يهود». ولم يكن الوافدون يهوداً وحسـب، وإنما أجانب وغرباء أيضـاً. وكان اليهـود مرتبطين أحياناً بالعدو، كما هو الحال في فرنسا، وخصوصاً في الألزاس واللورين، فاليديشية التي كانوا يتحدثون بها كانت رطانة ألمانية.

13 ـ أدَّى ظهور وسائل الإعلام الحديثة إلى وجود قنوات تنقل الفكر العنصري بسهولة ويسر إلى ملايين الناس وتشيعه بينهم.

14 ـ تزامن كل هذا مع الكساد الاقتصادي في أواخر القرن، الأمر الذي زاد من حدة التوتر الاجتماعي.

وقد أدَّت كل هذه الأسباب مجتمعةً إلى تحوُّل كُره اليهود من مجرد عواطف إنسانية كامنة إلى حركات سياسية. ويعود التاريخ الحديث لمعاداة اليهود على أساس عرْقي إلى عام 1873 (في وسط أوربا)، وذلك مع انهيار البورصة التي كان لبعض المموِّلين اليهود ضلع فيها، ومع الصعوبات الاقتصادية التي بدأت تطل برأسها. وقد أسس قس البلاط الألماني، أدولف ستوكر، حزباً مسيحياً اجتماعياً عام 1878، وتوجه إلى البورجوازية الصغيرة وكذلك إلى المهنيين الذين كانوا يتصورون أنهم ضحية هيمنة الرأسمالية اليهودية على الاقتصاد. وطرح الحزب مفهوماً عضوياَ للقومية يستبعد اليهود ويراهم خطراً على الأمن. وفي هذه الفترة، ظهرت كتابات دوهرنج وترايتشكه وغيرهما. وفي عام 1880، أُسِّست في برلين عصبة المعادين لليهود. وقدَّم المعادون لليهودية عريضة للحكومة الألمانية موقعة من 225 ألف شخص تطلب إلى الحكومة أن توقف جميع أشكال الهجرة اليهودية التي كانت تتدفق من الجيب البولندي وأن تصدر تشريعات لاستبعاد اليهود. وقد عُقد أول مؤتمر دولي لمعاداة اليهود في عام 1882 وضم ثلاثة آلاف مندوب.

وفي عام 1893، حققت الأحزاب المعادية لليهود في ألمانيا أكبر نجاح انتخابي لها حين حصلت على ستة عشر مقعداً بعد أن نالت ربع مليون صوت. أما في النمسا، فقد شهد عام 1871 نشر كتاب عن التلمود من تأليف أوجست رولنج، ترك أثراً عميقاً في حركة معاداة اليهود.

وفي عام 1895، تم انتخاب كارل ليوجر زعيم أعداء اليهود رئيساً للبلدية في فيينا. وقد حاول الإمبراطور أن يوقف تعيينه ورفضت الحكومة المصادقة على التعيين، ولكنه تقلَّد منصبه في نهاية الأمر عام 1897 بعد أن أعيد انتخابه ثلاث مرات. وظل العداء لليهود يتصاعد إلى أن وصل إلى ذروته مع انتخاب هتلر ووصول النازيين إلى الحكم.

وقد كانت معاداة اليهود في فرنسا سلاحاً مهماً في يد بعض العناصر الملكية والكنسية المعادية للثورة الفرنسية ومُثُلها. وشهدت هذه الفترة نشر كتاب درومون فرنسا اليهودية. وفي أواخر عام 1892، وقعت فضيحة قناة بنما التي لعب فيها بعض المموِّلين اليهود دوراً ملحوظاً. وشهد عام 1894 حادثة دريفوس أحد ضباط الأركان العامة للجيش الفرنسي والذي اُتهم بأنه خان بلاده وسلم بعض المعلومات المتعلقة بأمنها إلى ألمانيا. وقد دافعت عنه القوى الليبرالية، في حين وقفت القوى المحافظة والمعادية لليهود ضده.

وشهدت روسيا أشكالاً مختلفة من معاداة اليهود، وبخاصة بعد اغتيال القيصر ألكسندر الثاني عام 1881 حيث صدرت قوانين مايو (1881)، وانتشرت موجة من المذابح من أشهرها مذبحة كيشينيف عام 1903. وبعد عام 1905، ظهرت جماعات المائة السود بدعم خفي من الحكومة كما يُقال، وقامت بالهجوم على اليهود في عدة مدن، كما وُجِّهت تهمة دم ضد بيليس عام 1911 وبُرِّئ منها.

أما في بولندا، فإن الطبقة الوسطى الصاعدة ناصبت الجماعة اليهودية الوسيطة العداء بسبب احتفاظها بهوية غربية مستقلة (يديشية) وبسبب تاريخ التحالف الطويل بينها وبين النخبة الإقطاعية الحاكمة. وقد نظم البولنديون حركات مقاطعة ضد اليهود في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وكانت الحكومة تتفاوت في موقفها من التأييد لحركات العداء أو محاولة وقفها. ثم قام النازيون بإبادة أعضاء الجماعة اليهودية في بولندا ضمن من أبادوا من ملايين أخرى.

وبعد الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي، تغيرت بنية المجتمع ومؤسساته وتوجيهاته. وواجه أعضاء الجماعات اليهودية شيئاً من التمييز العنصري، ولكن هذا لم يكن نابعاً من سياسة الدولة التي كانت تُجرِّم معاداة اليهود، وإنما كان أمراً عادياً يسم علاقة الأقلية بالأغلبية. ولعل أكبر دليل على تَراجُع معاداة اليهود تَزايُد معدلات الاندماج والزواج المختلط.

ومع هجرة يهود اليديشية وحرب البوير (1899) التي وقف ضدها كثير من قطاعات الرأي العام في إنجلترا، شهدت إنجلترا موجة من العداء لليهود، وقيل إن المصالح المالية اليهودية كانت وراء دخول إنجلترا هذه الحرب. وقد ازداد الحديث عن الخطر اليهودي بشكل مبالغ فيه، وصدرت قوانين الغرباء عامي 1902 و1905 لمنع دخول الأجانب، أي اليهود.

أما في الولايات المتحدة والدول الاستيطانية الأخرى، مثل: جنوب أفريقيا وكندا وأمريكا اللاتينية، فلم يجابه اليهود أية معاداة إلا في جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية، بخاصة في الثلاثينيات، ولكنها تلاشت بمرور الوقت وبتناقص عدد أعضاء الجماعة.

ويمكننا تقسيم بلاد العالم الغربي، من منظور معادة اليهود، إلى أربعة أقسام: