الإثنية اليهـوديـة
Jewish Ethnicity
انظر: «اليهودية الإثنية».

الرؤية المعرفية العلمانية الإمبرياليةوالجماعات اليهوديـة
The Secular Imperialist Epistemological Outlook and the Jewish Communities
كان للرؤية المعرفية الإمبريالية والتشكيل الاستعماريالغربي أثر واضح في أعضاء الجماعات اليهودية. ويتضح هذا في فكر نيتشه الذي اكتسحكثيراً من المفكرين اليهود في القرن التاسع عشر (انظر: «النيتشوية والمفكرون منأعضاء الجماعات اليهودية»)، وفي تمثُّل كثير من المفكرين اليهود لأفكار داروين (علىسبيل المثال، انظر: «جومبلوفيتش، لودفيج») والفكر الصهيوني بأسره هو أساساً إفرازمن إفرازات الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية والأفكار البرجماتية (انظر: «كالن، هوارس»).

هذا على مستوى الفكر. أما على المستوى السياسي والاجتماعيوالتاريخي، فقد قامت الدولة القومية المطلقة في الغرب بترشيد أعضاء الجماعاتاليهودية وبتحويلهم إلى مادة بشرية وبطرح الحل العلماني الإمبريالي للمسألةاليهودية، أي تصدير المادة البشرية اليهودية إلى الخارج وبطرح الفكرة الصهيونيةوفرضها على أعضاء الجماعات اليهودية.

ولا يمكن فهم حركة انتقال الجماعاتاليهودية إلى الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وجنوب أفريقيا وفلسطين إلا فيإطار حركة الاستعمار الاستيطاني الغربي،وبخاصة الأنجلو ساكسوني. كما لا يمكن فهمتركُّزهم في الولايات المتحدة إلا باعتبارها التجـربة الاستيطانية الكبرى التياستوعبت حوالي80% من الفائض البشري في أوربا.

ويمكن القول بأن مصير يهودالعالم أصبح مرتبطاً تماماً بالإمبريالية بعد أن تركَّز يهود العالم في العالمالغربي، وبخاصة في الولايات المتحدة وإسرائيل. فالمصير اليهودي أصبح هو نفسه مصيرالإمبريالية. ولعل هذا يُفسِّر تصهيُن الجماعات اليهودية في العالم وتراجُعالجماعات المعادية للصهيوينة.

الاســـتعمار الاســـتيطاني الغـــربيوالجماعــات اليهوديـة
Western Settler Colonialism and the Jewish Communities
يمكن القول بأن نمط هجرة أعضاء الجماعات اليهودية هو حركة تنقُّل تتم دائماًداخل إطار حركة الإمبراطوريات الكبرى التي تيسر لهم هذه الحركة وتتيح لهم فرصالحراك وتوظفهم كجماعة وظيفية استيطانية أو مالية. وإذا كان التهجير البابلي قد تمقسراً، فإن حركة الهجرة العبرانية (اليهودية) التي تعاظمت بالتدريج حتى وصلت ذروتهامع نهاية الألف الأولى قبل الميلاد (حين أصبح عدد اليهود خارج فلسطين أكثر من ضعفعددهم داخلها)، هذه الحركة كانت هجرة تلقائية بحثاً عن الفرص الاقتصادية وتتم فيإطار الإمبراطوريات الهيلينية والرومانية. ويمكن القول بأن هجرة يهود شرق أوربا إلىالولايات المتحدة وكندا وفلسطين وغيرها من الدول الاستيطانية بأعداد هائلة حتىانتقلت الكتلة البشرية اليهودية من أوربا (روسيا ـ بولندا) إلى الولايات المتحدةوإسرائيل (فلسطين)، وهي الأخرى هجرة تلقائية تمت داخل إطار إمبراطوري، فهي تتم داخلالتشكيل الاستعماري الغربي وتجربته الاستيطانية في أنحاء العالم.

وقد اشتركأعضاء الجماعات اليهودية كمموِّلين ومستثمرين في كثير من النشاطات المرتبطةبالاستيطان الغربي (شركتا الهند الشرقية والغربية الهولنديتان وغيرهما من الشركات،وتجارة العبيد...إلخ). كما اشتركوا في التجارة المثلثة (العبيد من أفريقيا - المشروبات الكحولية والسلع من أوربا - المولاس من جزر الهند الغربية). واشترك كثيرمن المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية في الاستثمار في جنوب أفريقيا والولاياتالمتحدة الأمريكية. كما اشتركت أعداد من أعضاء الجماعات اليهودية في عمليةالاستيطان نفسها. وفي بداية الأمر، كان أعضاء الجماعة جزءاً من النشاط الاستيطانيالهولندي فاستوطنوا ابتداءً من منتصف القرن السابع عشر جزر الهند الغربية (مثل: ترينداد، وسورينام، والمارتينيك، وجاميكا، وجزر الباهاما). ولكن سورينام كانت أهمالتجارب الاستيطانية الأولى. وقد استوطن اليهود كذلك معظم بلاد أمريكا اللاتينية،وبخاصة في الأرجنتين التي وطَّن فيها المليونير هيرش آلاف اليهود، والتي كانتتُعَدُّ أهم تجربة استيطانية زراعية في العصر الحديث باستثناء تجربة إسرائيل.

ويُلاحَظ أن هذه النشاطات الاستيطانية كانت تدور إما في إطار الاستعمارالهولندي أو في إطار الاستعمار الإسباني البرتغالي، والمادة البشرية الأساسية هناهي يهود السفارد (المارانو). ولكن المادة الاستيطانية الحقيقية كان مصدرها يهوداليديشية (الإشكناز) من شرق أوربا الذين كانوا يشكلون أغلبية يهود العالم الساحقةمع نهاية القرن التاسع عشر. وكان النشاط الاستيطاني الأكبر ليهود اليديشية داخلالتشكيل الاستيطاني الأنجلو ساكسوني، فاتجهت ملايين اليهود إلى جنوب أفريقيا وكنداونيوزيلندا وأستراليا وهونج كونج، لكن غالبيتهم (85% اتجهت إلى الولايات المتحدة،أهم التجارب الاستيطانية، ثم إلى إسرائيل التي تلي الولايات المتحدة في الأهمية،وهي تجربة استيطانية تمت برعاية إنجلترا ثم الولايات المتحدة، أي التشكيل الأنجلوساكسوني في جانبه الاستيطاني.

والإطار التفسيري السابق يجعلنا نرى مدىارتباط الجماعات اليهودية في العالم (الغربي بالذات) بالتشكيل الاستعماريالاستيطاني الغربي، ويضع يدنا على الحقائق الأساسية التالية في واقع أعضاء الجماعاتاليهودية في العالم:

1
ـ الدياسبورا اليهودية (أي انتشار أعضاء الجماعاتاليهودية في أرجاء العالم) ليست انتشاراً عشوائياً وإنما انتشار يصاحب انتشارالتشكيل الاستعماري الغربي، وبخاصة في جانبه الاستيطاني، فهجرة أعضاء الجماعاتاليهودية لا تحددها حركيات التاريخ اليهودي أو الطبيعة اليهودية وإنما حركياتالاستعمار الغربي، وبخاصة الاستعمار الأنجلو ساكسوني في جانبه الاستيطاني. ولا يمكنفهم تركُّز أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة إلا باعتبارها التجربةالاستيطانية الكبرى.

2
ـ لا تشكل إسرائيل استثناء من هذه القاعدة، فهي جزءمن نمط وحركية غربية هي الإمبريالية الغربية التي جعلت العالم مسرحاً لنشاطها سواءفي أستراليا أو أمريكا اللاتينية أو جنوب أفريقيا أو فلسطين. فالمشروع الصـهيونيجزء لا يتجزأ من التشـكيل الاستعماري الاستيطاني في الغرب، وما كان بمقدوره أنيتحقق دون إمكانيات الإمبريالية الغربية ودون طموحاتها أو آلياتها. واستيطان اليهودفي فلسطين هو نقل لفائض بشري غربي إلى بقعة في آسيا أو أفريقيا حيث يتم تحويله إلىدولة وظيفية استيطانية تقوم على خدمة مصالح الغرب نظير أن يقوم هو على حمايتها. فإسرائيل من هـذا المنظـور هي إعـادة إنتـاج لنمط قديم، على حين أن وعد بلفور، ثمدعم حكومة الانتداب للمستوطن الصهيوني، ثم دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، وتوقيعالاتفاق الإستراتيجي معها، يبين أن الدولة الصهيونية هي امتداد لارتباط أعضاءالجماعات اليهودية بالاستعمار الاستيطاني الأنجلو ساكسوني.

3
ـ بل يمكنالقول بأن يهود الشرق والعالم الإسلامي تم تحويلهم إلى مادة استيطانية تابعةللتشكيل الاستيطاني الغربي من خلال مدارس الأليانس والدعاية الصهيونية وهجرة أعدادضخمة من اليهود الإشكناز إلى العالم العربي. وهذه العمليات كلها أفقدتهم هوياتهمالمحلية المختلفة وأحلَّت محلها هوية يهودية عالمية اسماً ولكنها استيطانية فعلاًجوهرها فك الصلة بين اليهودي ووطنه، ومن ثم يتم استيعابه في المنظومة الاستيطانية. وبالفعل، حينما أُعلن إنشاء إسرائيل، هاجرت الأغلبية الساحقة من يهود البلادالعربية إليها وظل الباقون يجلسون على حقائبهم في انتظار السفر إما إلى الولاياتالمتحدة أو إلى إسرائيل.