حكم الأذان والإقامة للنساء

ذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس على المرأة أذان ولا إقامة، مستدلين بأثر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: » ليس على النساء أذان ولا إقامة « رواه البيهقي، وهو ضعيف لأنه من رواية عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، وعبد الله ابن عمر هو العمري المكبّر، وهو ضعيف(1).
وهو مذهب أحمد بن حنبل رحمه الله(2).
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستحب لهن الإقامة دون الأذان، وهو قول في مذهب الشافعي رحمه الله(3). والقول الثاني
في مذهب الشافعي رحمه الله أن الأذان والإقامة يستحبان للنساء(4).
والصحيح الراجح أن عليهن أذان وإقامة إذا صلين وحدهن جماعةً، كجماعة النساء في البيت، أو صلت المرأة منفردة للأدلة التالية:
1ـ عن عائشة رضي الله عنها: » أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن «(5).
2ـ أنه يشملهن قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء: » أسبغ الوضوء ثم تشهد فأقم « (6)لأن النساء شقائق الرجال .
3ـ سئل ابن عمر رضي الله عنهما: هل على النساء أذان ؟ فغضب وقال: » أنا أنهى عن ذكر الله «(7).

فائدة:
قال النووي:
وإذا قلنا تؤذن، فلا ترفع الصوت فوق ما تُسمع صواحبها، اتفـق الأصحاب عليه، ونص عليه في الأم، فإن رفعت فوق ذلك حرم كما يحرم تكشفها بحضرة الرجال لأنه يفتتن بصوتها كما يفتتن بوجهها، وممن صرح بتحريمه: إمام الحرمين، والغزالي، والرافعي، وأشار إليه القاضي حسين، وقال السرخسي في الأمالي: رفع صوتها مكروه(1).

بيان أن الأذان شعار الإسلام
ومتى تواطأ قوم على تركه قوتلوا على ذلك
أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً،لم يكن يغزو بنا حتى يُصبح وينظر، فإذا سمع أذاناً كفَّ عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم « قال: فخرجنا إلى خيبر، فانتهينا إليهم ليلاً، فلما أصبح ولم يسمع أذاناً ركب وركبت خلف أبي طلحة ، وإنّ قدمي لتمس قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: » اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ «(1).

قال ابن المنيرّ: قصد البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها، استيفاء ثمرات الأذان، فالأولى فيها فضل التأذين لقصد الاجتماع للصلاة، والثانية فيها فضل أذان المنفرد لإيداع الشهادة له بذلك، والثالثة فيها حقن الدماء عند وجود الأذان(2).
قال الخطابي: فيه أن الأذان شعار الإسلام، وإنه لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه(3). وقال صاحب كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة(4): وأجمعوا على أنه إذا اتفق أهل بلد على ترك الأذان والإقامة قوتلوا لأنه من شعائر الإسلام فلا يجوز تعطيله .
قلت: وفي هذا رد على الذين يقولون عند إنكار الزيادة على الأذان المشروع: ( إذا كان إنكاركم يؤدي إلى الخلاف وتفريق الكلمة، فترك الأذان أولى لأنه سنة والاجتماع واجب ) .

وفساد هذا القول ظاهر، وهو من السخافة بمكان، ذلك أن قائله لم يتأسس بالعلم الشرعي، ولم يتأصل بالقواعد الشرعية، ولو أنَّه كلما
حنقت فرقة من الفرق المنحرفة عن السُّنَّة على سنة من السنن تركنا تلك السنة لأدى ذلك إلى تجريد الدين من سننٍ كثيرة هي من شعائر الإسلام .

وقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الشبهة بقوله صلى الله عليه وسلم : » فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة «(1).
فأمر باتباع سنته وترك الاختلاف عليها، لا ترك السنة والاجتماع بدونها !!

وهذا بخلاف أن يترك المسلم سنةً أو مستحباً من المستحبات مرةً أو مرتين أو بعض المرات لتأليف القلوب، فهذا من باب تحديث الناس بما يعرفونه، فإذا كانوا لا يعرفون سُنَّةً معيَّنة وخاف أن ينفروا منه، أو ينحرفوا عنه إلى أهل البدعة فلا بأس أن يتدرج معهم بغية تفهيمهم، وهذا معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا )(2).

وقد أكد شيخ الإسلام أن أي طائفة من طوائف المسلمين اجتمعت على ترك شعيرة من شعائر الإسلام تقاتل عليها
فقال: ( وأيما طائفة انتسبت إلى الإسلام، وامتنعت من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة، فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين، حتى يكون الدين كله لله)(3).

وجوابنا هذا هو باعتبار الرد العام على مقولتهم الفاسدة
وأما الرد الخاص، أي الذي هو بخصوص هذه المسألة بعينها، فيجب فيه تحقيق المناط في أمرين اثنين:

الأول: هل الأذان سنة كما ذهبوا إليه وتساهلوا فيه هذا التساهل(1).
الثاني: هل الزيادة على الأذان فعل أم ترك ؟
أما جوابنا على السؤال الأول فقد سبق وبيّنا أن الأذان واجب بالأدلة الكثيرة، وإذا كان واجباً فلا يجوز تركه لا للتأليف ولا لغيره .
قال الخطابي رحمه الله:

الأذان شعار الإسلام، وأنه لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلدٍ اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه(2).
وأما جوابنا على السؤال الثاني، فإن الزيادة على الأذان فعل مطلوب تركه، وفرق بين ما كان المطلوب فعله والمطلوب تركه، فقد يُتساهل في الأول إن كان سنةً أو مستحباً، فيترك تأليفاً للقلوب، أو لئلا يفهم الناس، كما بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وكما ترك رسول الله  إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم . وأما الثاني فلا يجوز التساهل فيه .

والتعليل: أن الأول إن كان مستحباً فهو جائز الترك، وأما الثاني فبدعة محرم الفعل
وفرق بين ما يجوز تركه فيترك لمصلحة التأليف ـ وليس دائماً كما أسلفنا ـ وبين ما يحرم فعله فلا يُفعل .