جـون تولانـد (1670- 1722)
John Toland
مفكر إنجليزي ودبلوماسي وعالم إنجيلي، وُلد ونشأ كاثوليكياً، ولكنه هربوهو في سن السادسة عشرة ودخل الكنيسة الأنجليكانية. كان نشيطاً للغاية في المناقشاتالدينية والسياسية في عصره (في بداية القرن الثامن عشر). كما كان من أوائل المفكرينالذين اتخذوا موقفاً عقلانياً من الدين، ومن المدافعين عن فلسفة الربوبية، أي عنالإيمان بالرب دون حاجة إلى دين أو وحي إلهي، وهي أولى حلقات علمنة العقل الغربي. وفلسفته، في جوهرها، فلسفة حلولية. ورغم تأثره بالفلسفة التجريبية الإنجليزية (لوك)، إلا أنه ظل عقلانياً على نمط برونو (ترجم بعض أعماله) وديكارت وإسبينوزا (كتب تعليقات على أعماله) ولايبنتس (تعرَّف إليه وتراسلا بعض الوقت)، وسواء أكانتجريبياً أم عقلانياً، فإن تولاند كان حلولياً. ويُقال إنه هو الذي نحت كلمة «بانثيزم pantheism» الإنجليزية.

نشر تولاند عام 1696 كتابه المسيحية لاتحتوي على أية أسرار حيث يذهب فيه إلى أن المسيحية ديانة عقلية يستطيع العقل البشريأن يدركها دون حاجة إلى وحي إلهي، وهذه هي الربوبية. وقد اتُّهم الكتاب بمعاداةعقيدة التثليث وأثار ضجة في حينه ظهرت في عدد الردود عليه التي زادت عن الخمسين. وفي عام 1698، كتب تولاند حياة ملتون التي يثير فيها قضايا تتصل بالعهد الجديد (وهلنصه محرف أو لا؟). وفي العام الذي يليه، نشر كتاب أمينتورا أو الدفاع عن حياة ملتون (1699) طوَّر فيه أطروحته السابقة. ويمكننا رؤية تَصاعُد معدلات العلمنة في كتابهالمنشور عام 1720 بعنوان تيترا ديموس الذي يتضمن مقالاً يُقدِّم تفسيرات علميةطبيعية للمعجزات التي وردت في العهد القديم.

وقد كان تولاند يعرف اللغةالسلتية، فدرس العقائد الدينية البدائية في إنجلترا، كما قام بدراسة العقيدةاليهودية في مراحلها الأولى. واستناداً إلى هذا، ألَّف كتابه خطابات لسيرينا عن أصلالأديان، وحاول أن يُبيِّن فيه (على طريقة الربوبيين) أن الكهنة (القساوسة) همالذين أفسـدوا الدين وتاريخ خلـود الروح بين الوثنيين وأصـل عبادة الأوثان.

وقد بدأ تولاند يتجه نحو الدعوة لما يُسمَّى «الدين الطبيعي» ويُفسِّرمعجزات العهد القديم تفسيراً طبيعياً مادياً. وتعمَّقت اتجاهات المادية الواحديةلديه، فترجم أحد أعمال جيوردانو برونو عام 1514 عن العالم اللامتناهي والعوالماللانهائية. وآخر كتب تولاند هو الحلولية (1720) وهو كتاب غامض يضم شرحاً لفلسفةالحلولية ولبعض الأناشيد الغنوصية التي تسخر من العقيدة المسيحية ومحاولة لتقديمعقائد الحركة الماسونية ودفاع عن الإلحاد.

ولا تنبع أهمية تولاند منكتاباته الحلولية وشبه الوثنية وحسب، وإنما من كتاباته الصهيونية أيضاً، فقد نشرعام 1714 كتاباً يُسمَّى الأسباب الداعية لمنح الجنسية البريطانية لليهود الموجودينفي بريطانيا العظمى وأيرلندا. ويطالب الكتاب بمنح الجنسية البريطانية لليهود حتىيتم اجتذاب المزيد منهم ليستوطنوا في إنجلترا كعناصر نافعة. وبعد أربعة أعوام، نشرتولاند كتاباً آخر بعنوان نازارينوس عن الإبيونيين يضم ملحقاً يحتوي على أفكارصهيونية، فرؤية تولاند رؤية حلولية كمونية مادية تُهمِّش الإله أو تلغيه وتضعالإنسان في مركز الكون، ولذا فإن العالم بأسره يصبح بالنسبة له مادة نافعةاستعمالية يمكن توظيفها. ولكن الإنسان هنا هو كائن لا حدود له ولا قيود عليه، هومرجعية ذاته. ولذا، يتحول التمركز الإنساني الهيوماني حول الإنسان إلى تمركز عرْقيمادي حول الإنسان الغربي. وحينما يُطبِّق تولاند هذا على الآخر (اليهود)، فإنهيرفضـهم تماماً ويُعبِّر عن احـتقاره العـميق لهـــم ولتراثهم التلمودي، الذي يرىأنه لا جدوى من ورائه ويؤدي إلى تشوه ما يسميه «الشخصية اليهودية».

وكحلللمسألة اليهودية، يطرح تولاند حلاًّ علمانياً إمبريالياً، فهو ينظر لليهودباعتبارهم مادة نافعة أو على الأقل مادة يمكن إصلاحها لتصبح نافعة، وهنا تظهرالصهيونية كتطبيق عملي للرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية، إذ يقترح تولاند أنتقوم القوى العالمية (أي الغربية) بمساعدة اليهود على استرجاع أرضهم.

ويمكنأن نرى في كتابات تولاند كل عناصر المُركَّب الإدراكي الغربي الحديث للعالم ولليهود (مقابل المركب القديم الوسيط) وهي رؤية تدور في إطار رؤية حلولية كمونية.


إسحق دي بنتو (1715-1787)
Isaac De Pinto
أحد أثرياء اليهود،وأحد أكبر المساهمين في شركة الهند الشرقية الهولندية. من أصل ماراني برتغالي، وُلدفي هولندا واستقر بين باريس ولندن ابتداءً من عام 1751. له مؤلفات فلسفية عنالمادية، ودراسات عن البورصة والترف والثورة الأمريكية. وقد عارض الثورة الأمريكية،وعبَّر عن تأييده للحقوق الاقتصادية للدول المستعمرة. نشر دي بنتو دراسة عن الدورةالمالية والائتمان بدأ كتابتها أثناء إقامته في باريس عام 1761، وهي محاولة للردعلى نظرية الفيزيوقراط حيث يذهبون إلى أن الزراعة (ومن ثم الأرض) هي المصدر الأساسيلثروة الأمم وليس الصناعة. ودافع عن الائتمان ودورة رأس المال باعتبارهما الأشكالالأساسية في الاقتصاد مقابل ما سماه «جنون الأرض». ورغم أن هذه قضية اقتصادية عامةشغلت المفكرين السياسيين والاقتصاديين في القرن الثامن عشر، إلا أنها ارتبطت بشكلمباشر بالجماعـة اليهـودية التي لم تكن ممثَّلة على الإطلاق في الاقتصاد الزراعي،بل كانت مرتبطة تماماً بالاقتصاد التجاري الصناعي. وقد بيَّن دي بنتو أن الاقتصادالثابت (الزراعي) يُجمِّد المجتمع بأسره مع أن حركية النشاط التجاري (العناصرالخارجية) يمكن أن تحقق حراكاً اجتماعياً. ولم يذكر دي بنتو اليهود مباشرة إلا فيآخر الكتاب، حيث بيَّن أن العهد القديم لا يعارض الإقراض بالربا.

وفيالفترة ذاتها،وإبان إقامته في باريس،نشر فولتير ملحوظاته السلبية عن اليهود، فكتبدي بنتو خطاباً مفتوحاً له عام 1762 بعنوان دفاع الأمة اليهودية: تأملاتنقدية.وجاءت في الكتاب أطروحة شديدة الأهمية،وهي أن الجماعات اليهودية في العالماكتسبت خصائصها الحضارية من المجتمعات التي تعيش فيها،وأنها، لذلك، لا علاقةللواحدة منها بالأخرى. وقد وظَّف هذه الأطروحة في الدفاع عن السفارد البرتغاليين،إذ بيَّن أنهم لا علاقة لهم باليهود الإشكناز، وأنهم (السفارد) لا يختلفون عن شعوبأوربا المستنيرة إلا في العقيدة، بل يتنافسون معهم « في الأناقة والذوق ». ولأنالسفارد من نسـل أنبل عائلات قبيلة يهودا وعاشـوا في إسـبانيا منذ السبي البابلي،فليس لهم أدنى علاقة عرْقية أو ثقافية بالإشكناز،بل إن السفارد يرفضون التزاوج أوالاتجار معهم.وبيَّن دي بنتو أنه يوافق فولتير على ما جاء في مقاله بشأن اليهودالإشكناز. غير أنه ينسب اضطلاعهم بوظائف وضيعة غير شريفة، مثل الربا،إلى معاناتهموعذابهم والإذلال الذي تعرَّضوا ومازالوا يتعرَّضون له.وبهذا، فإن فكر بنتو يعتبرثمرة من ثمرات عصر الاستنارة الذي يحاول تفسير تدهور أحوال اليهود على أساس تدهورأوضاعهم.

وكذلك، فإن دي بنتو قام بتأييد يعقوب رود ريجيز (1715 ـ 1780) حينتقدَّم بالتماس في عام 1760 إلى لويس الخامس عشر يطلب فيه ضرورة طرد اليهود الألمان (الإشكناز) ويهود أفينيون النازحين من الولايات البابوية. وقد وافقته الحكومةالفرنسية على طلبه الذي نُفِّذ في العام التالي.