صمـوئيل لوتسـاتو (1800-1865)
Samuel Luzzatto
ويُعرَف أيضاً باسم «شادال» المكوَّن منالحروف الأولى لاسمه، فصموئيل هو شموئيل بالعبرية، وهو مفكر إيطالي يهودي وُلد فيتريسته لأسرة سفاردية إيطالية. وهو من نسل موشيه حاييم لوتساتو الشاعر القبَّاليالإيطالي مؤسس الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث. كان أبوه عاملاً عارفاًبالقبَّالاه، حيث تلقَّى تعليماً دينياً، كما درس هو في إحدى المدارس التي أسسهانفتالي فيسيلي بناء على براءة التسامح التي أصدرها جوزيف الثاني. وكانت ثمة مقرراتمُختلَطة، دينية ودنيوية، تدرس في هذه المدارس. تعلم في المدرسة اللغات الحديثةوالجغرافيا والعلوم الطبيعية، وعُيِّن أستاذاً في أول كلية حاخامية حديثة في العالمفي بادوا، وظل في هذا المنصب طيلة حياته. ووفر له منصبه إمكانية التفرغ للبحثالعلمي، فنشر ديوان يهوذا اللاوي عام 1864، كما كتب أول تعليق نقدي على الكتابالمقدَّس وترجم أسفار موسى الخمسة والصلوات العبرية إلى الإيطالية، وكتب العديد منالكتيبات بالإيطالية والعبرية عن النحو والفلسفة والدراسات اللاهوتية، ونُشرترسائله بعد موته في تسعة أجزاء.

تأثر لوتساتو بكل من الاتجاهات الرومانسيةفي عصره وبقيم العقلانية النقدية. وينعكس هذا في أعماله التي تتأرجح بين قبول كل منالعقل والوحي وبين النقد والنقل، فقد هاجم القبَّالاه وتقاليدها. ويُعدُّ لوتساتوأحد كبار المساهمين في علم اليهودية النقدي، كما تناول كتب العهد القديم تناولاًنقدياً، فأكد أن سفر الجامعة أُلف في تاريخ متأخر عن التاريخ الذي يُفترَض أنه تمتأليفه فيه، بل وعارض رؤيته التشاؤمية العدمية. ولكنه، مع هذا، أصر على أن سفرأشعياء من تأليف مؤلف واحد استخدم أساليب مختلفة، في حين يذهب معظم علماء العهدالقديم إلى أن الجزء الذي يلي الإصحاح الأربعين من تأليف أنبياء آخرين. وبرغم موقفههذا، فإنه لم يتردد في إدخال بعض التعديلات على هذا السفر وعلى أسفار العهد القديمباستثناء أسفار موسى الخمسة التي كان يرى أنها وحدها من وحي إلهي. وبيَّن لوتساتوأن كتاب الزوهار لا يمكن أن يكون قد تم تأليفه في القرن الثاني الميلادي كما كانالزعم. ويتجلى تأرجحه، بين الموقف العقلي والعاطفي والإيماني والعلمي والعقلانيواللاعقلاني، في إصراره على أن العهد القديم لا يخاف النور أو النقد، ومع هذا فقدأصر في الوقت نفسه على ضرورة عدم توجيه النقد إليه.

ومن بعض الوجوه، فإنلوتساتو يشبه مندلسون. فهو يحاول المزج بين العقل والوحي، كما يُعرِّف اليهوديةبأنها عقيدة لا تتنافى مع العقل، مع أن شعائرها مُرسَلة من الإله. ويرى لوتساتو أنالعقيدة الوحيدة المطلقة في اليهودية هي الإيمان بالإله الواحد، فهي وحدها الملزمةلليهودي، أما ما عداها فيمكن الأخذ والرد بشأنه، كما أن بوسع اليهود أن يختلفوافيما بينهم بشأن كل القضايا الدينية الأخرى دون أن يُعَدُّوا مهرطقين.وضرب مثلاًبالفيلسوف قريشقش وتلميذه يوسف ألبو اللذين اختلفا مع موسى بن ميمون لأنه لم يميِّزفي عقائده الثلاث عشرة بين العقائد الأساسية والعقائد الفرعية.ورفض قريشقش مفهومحرية الإرادة،وآمن جيرونيدس بقدم العالم،ولم يشك أحد في إيمانهما،ذلك أن جوهراليهودية العقائدي عقلاني عالمي،فهي ديانة العدالة وحب الخير،وهي ديانة تهدف من هذاالمنظور إلى حماية المجتمع الإنساني والإنسانية جمعاء.

ولكن البحث عنالحقائق العامة المطلقة هو مجال الفلسفة. فالإله لا يتواصل مع الإنسان من خلالالحقيقة المجردة المطلقة إذ أن المجتمع الإنساني لا يمكن أن يؤسَّس على مثل هذهالحقيقة. ومن هنا، كان هجوم لوتساتو على ابن ميمون وبن عزرا وإسبينوزا، ومن هناأيضاً تَبرُز أهمية الدين وحتمية الوحي، فالدين لا يهدف إلى نشر الحقيقة المجردةوإنما إلى نشر الفضيلة وهداية الناس إلى طريق الخير. وهو يؤمن بالمعجزات التي وردتفي التوراة، وبأنها حقائق ليست عقلية إذ شاهدها ستمائة ألف يهودي في سيناء. كمايؤمن بمعجزات الأنبياء، فهي أحداث تتجاوز العقل والزمان والمكان والسبب والنتيجةالتي تقع في عالم المحسوسات.

وتتضح ازدواجية العقل والوحي في تمييزه بينالروح الهيلينية والروح العبرانية، وهو نمط إدراكي كان يشكل أساساً فكرياً للحضارةالغربية في القرن التاسع عشر (ثم للعنصرية الغربية بعد ذلك). فالروح الهيلينية هيروح الجمال والشكل والعقل والاتزان والعلم، وهي الروح التي أدَّت إلى تَراكُمالمعلومات، ولكنها أيضاً أدَّت إلى عقلانية لا معنى لها وعالم متقدم بلا روح. أماالروح العبرانية، كما أسلفنا، فلها جانبها العالمي متمثلاً في دعوتها إلى العدلوالحق والخير. ولكن ثمة جانباً آخر لليهودية. ويذهب لوتساتو، شأنه في هذا شأنمندلسون، إلى أن الجانب العقائدي العام في اليهودية ليس مهماً على الإطلاق، فالمهمهو الجانب الشعائري الخاص. بل إنه يذهب إلى أنها دين يُركِّز على الممارسة والشعائروسلوك الإنسان بالدرجة الأولى، فالتوراة لا تهدف إلى ضمان انتشار الحقيقة الصحيحةالمجردة مثل النزعة الهيلينية وإنما إلى إصلاح أخلاق الإنسان من خلال طاعة الشريعةوتنفيذ الأوامر والنواهي بشكل متعيِّن كما في النزعة العبرانية. ولكن هذا ليس الهدفالوحيد للشعائر، فهي تهدف أيضاً إلى الحفاظ على الهوية اليهودية وعلى تَفرُّداليهود وعلى تقوية وعيهم القومي وعلى عزلهم عن الشعوب الأخرى. ومن هنا تسميةاليهودية «الإبراهيمية» (نسبة إلى إبراهيم) لتأكيد خصوصيتها ولتأكيد الجانب الإثنيفيها.

ثم يربط لوتساتو بين الخاص والعام في اليهودية إذ يقول: إن اليهودي،بحفاظه على يهوديته وإثنيته وتَفرُّده، إنما يدافع عن القيم العالمية العامة فيدينه، وبالتالي فحفاظه على هويته فيه خدمة للإنسانية وتخليه عنها لا يخدم الإنسانيةقط وإنما يشكل تخلياً عنها لأن اليهودية هي قلب العالم الذي يمكنه أن يأتي بالتوازنله، ومن ثم يتحول اليهود إلى مركز عملية الخلاص الكونية، وهذا أحد المفاهيمالقبَّالية الأساسية. وهكذا يحدث التداخل بين القومية والدين. وقد كان لوتساتو يرىأن العبرية ليست لغة مقدَّسة وحسب وإنما لغة قومية أيضاً،وكذا الكتاب المقدَّس، فهوكتاب مقدَّس وكتاب قومي. وهذه الصيغة تشبه الصيغة الصهيونية الحلولية التي يتداخلفيها المقدَّس مع القومي.ويُلاحَظ أن نقد لوتساتو للعقل ليس نقداً لحدوده وحسبوإنما يشكل انسحاباً مما هو إنساني وعالمي وعام إلى ما هو يهودي ومحلي وخاص.ولذا،كان لوتساتو يرى أن النضال الحديث من أجل الحقوق المدنية لليهود يشكل خطراً قد يؤديإلى الإبادة، لأن اليهـودية ليسـت ديناً وحسـب وإنمـا هي وعي قومي أيضاً.

موريــتز سـتاينشـنايـدر (1816-1907(
Moritz Steinschneider
أحد مؤسـسي علم اليهـودية، وبخـاصة في حـقل البيبليوجرافيا. وُلد في مورافيا،ودرس دراسات دينية ودنيوية، وأتقن عدداً من اللغات الأوربية من بينها الفرنسيةوالإيطالية كما أتقن العبرية. وذهب إلى برلين حيث تعرَّف إلى زونز وجايجر واستقر فيبرلين عام 1845.

انصب اهتمامه على دراسة علاقة اليهود بالحضارات الأخرى،واهتم بشكل خاص بعلاقة اليهود بالحضارة العربية، ودورهم باعتبارهم مترجمين وناقلينللحضارة العربية والهيلينية في العصور الوسطى في الغرب. وكان موقفه رافضاً تماماًللصهيونية إذ كان يرى أن اليهودية قد ماتت، وأن علم اليهودية هو العلم الذي سيقومبعملية دفنها.

سولومون سـتاينهايم (1789-1866)
Solomon Steinheim
مفكر ديني ألماني يهودي كان يعمل طبيباً. حاول في كتاباته أن يبيِّن الفرق بينالوحي والعقل وأن يبيِّن أن الحقيقة (من ثم) ثنائية. والوحي، في رأيه، يفوق العقلمنزلةً، والشعب اليهودي هو حامل عبء رسالة مُوحى بها من الإله، وهذا هو سرّ بقائه. ويُلاحَظ تأثره بالفلسفة الرومانسية الألمانية وبفكرة الشعب العضوي بعد ربطهابالديباجات الدينية.