آرون إيزاك (1730 – 1816)
Aron Isak
مؤسس الجماعة اليهودية في السويد وأول يهودي يُسمَح لهبالإقامة فيها بصفة دائمة. وُلد في ألمانيا، واشتغل بائعاً متجولاً، ثم تعلَّم حفرالأختام ليصبح ماهراً ومتميِّزاً في هذه الحرفة. وخلال حرب السنوات السبع (1756 ـ 1763)، كانت له تعاملات مع الجيش السويدي حيث تعرَّف إلى كثير من ضباطه الذين شجعوهبعد انتهاء الحرب على الهجرة إلى السويد نظراً لعدم وجود أحد يحترف مهنة حفرالأختام بها (أي أن دعوته ليستوطن في السويد تمت باعتباره صاحــب كفــاءة غيرمتوافرة في المجتمع المضـيف). وبالفعل، وصل إلى السويد عام 1774 ولكنه وجد أن إقامةاليهود بها ممنوعة وفقاً للقانون وتحت تأثير المؤسسة الدينية البروتستانتيةاللوثرية، التي كانت تشترط على أي مهاجر لا يعتنق المذهب اللوثري أن يُغيِّر دينه. ورفض إيزاك اعتناق المسيحية ودخل مفاوضات طويلة مع الحكومة السويدية حتى يُسمَح لهولغيره من اليهود بالاستقرار في السـويد وممارسـة شـعائرهم الدينية بشكل شرعي. ولمتكن الحكومة السويدية (وعلى رأسها الملك) تعارض استقرار إيزاك أو غيره من اليهود فيالسويد. ومن المؤكد أنها كانت على يقين من نَفْع اليهود والفائدة التي يمكن أنتجنيها من وراء استيطان أعضاء الجماعات اليهودية بها باعتبارهم جماعة وظيفيةتُحوسَـل لصالح الطبقة الحاكمة والملك بسبب نفعها لهم. ولذلك فقد خططت الحكومة لفتحباب الهجرة أمامهم، ولكن مساعيها في هذا المجال قُوبلَت بالرفض والمقاومة من كلٍّمن المؤسسة الدينية وأعضاء الطبقة المتوسطة والجماهير الشعبية.

ولابد أنأعضاء الطبقة البورجوازية الناهضة في السويد كانوا على علم بدور يهود الأرندا فيبولندا، التي كانت على علاقة وثيقة بالسويد والتي احتلت السويد أجزاء منها بعضالوقت، ذلك أن طبقة النبلاء من الشلاختا استخدمت يهود الأرندا في ضرب البورجوازيةالبولندية وإحباط كل جهودها في تحقيق شيء من التراكم الرأسمالي والمشاركة فيالسلطة. ولذا، فإننا نجد أن معارضة استقرار أعضاء الجماعات اليهودية لم تكن مقصورةعلى المؤسسة الدينية، فقد قادها أعضاء البورجوازية في السويد، وبخاصة تلك القطاعاتالتي كانت ستُضار بشكل مباشر من استقرار اليهود، مثل فئة الصياغ وتجار الجواهرالمسيحيين، بل انضم للمعارضة بعض اليهود المتنصرين (ربما بسبب تخوفهم مما قد تشكلههجرة أعضاء الجماعة اليهودية على نطاق واسع من منافسة لهم، ومن تهديد لمكانتهمالاجتماعية).

وبدأت عملية توطين اليهود في السويد بفتح باب الهجرة أمامهمعام 1745، فوقفت المؤسسة الدينية والبورجوازية ضد هذا الإجراء. ولكن عمدة إستكهولمشجع آرون إيزاك على البقاء في السويد بعد أن رُفـض طلـبه أول مرة، أرشده إلىالإجراءات اللازمة لتقديم التماس للمـلك، وقد قُبل هذا الالتماس وسُمح لإيزاكبالإقامة هو وشقيقه وشريكه وأسرهم، كما سمحت السويد عام 1779 بحرية العبادةالدينية.

وتدعَّم وضع إيزاك بالتدريج، وبخاصة بعد أن قدم للملك السويديخدمات مهمة خلال حربه ضد روسيا (1788 ـ 1789)، واستقر وضع الجماعة اليهودية كماتزايد عدد أفرادها، وترأسها إيزاك بعد أن استقر في إستكهولم حتى وفاته. وفي عام 1804، انتهى إيزاك من كتابة مذكراته التي دبجها باليديشية.

حاييـمسالومون (1740-1785)
Haym Salomon
تاجر ومالي أمريكي يهودي، وأحد الشخصياتالبارزة في حرب الاستقلال الأمريكية. وُلد في بولندا ثم هاجر إلى الولايات المتحدةعام 1775 حيث عمل في عدة مهام من تلك التي كان يضطلع بها أعضاء الجماعات اليهودية (السمسرة ـ العمل كمتعهد عسكري ـ التجسس ـ الترجمة)، وهو ما يُبيِّن تأثير الموروثالاقتصادي فيه. فافتتح أولاً مكتباً للسمسرة والتجارة بالعمولة في نيويورك، واستطاعبفضل درايته الواسعة باللغات وخبرته المالية وعلاقته الوثيقة بالعديد من الشخصياتالمالية والتجارية الأوربية أن يتقدم سريعاً في وطنه الجديد. ثم عمل عام 1776 متعهدتموين للجيش الأمريكي. وبعد احتلال البريطانيين لمدينة نيويورك، سُجن بتهمة التجسس،ثم أُفرج عنه وعُيِّن مترجماً في قسم التموين في الجيش البريطاني. كذلك نجح سالومونفي إدارة تجارة مربحة للتموين في نيويورك في ظل الوجود البريطاني. ولكنه قام فيالوقت نفسه بتقديم المعلومات للجانب الأمريكي والمساعدة في تهريب السجناءالأمريكيين والفرنسيين، وهو ما اضطره إلى الفرار إلى فيلادلفيا عام 1778 عقب افتضاحأمره. وفي فيلادلفيا أسس مكتباً جديداً للسمسرة في الأوراق المالية والتجارية وقدمخدماته المالية للجيش الفرنسي المتمركز في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانيعمل سمساراً ومديراً لماليته. وفي عام 1781، اختير سالومون ليصبح مساعداً لروبرتموريـس رئيس مكتب المالية (وقد وصفـه موريـس بأنه "نافع للصالح العام"). وقد أشرفسالومون على أغلب المعاملات المالية المهمة للدولة الأمريكية الجديدة، كما قامبتدبير قروض بلا فائدة لعدد كبير من الشـخصيات الأمريكية المهمة (من بينهم بعضالرؤسـاء اللاحقين). وفي عام 1784، وسَّع نطاق أعماله فافتتح في نيويورك بيتاًللسمسرة والبيع بالمزاد، كما ساهم في تأسيس أول معبد يهودي في فيلادلفيا، وعمل منأجل إقرار حقوق اليهود السياسية، وكان عضواً نشيطاً في الحركة الماسونية. وقدتبيَّن بعد وفاته أنه مات مفلساً.

كريســـتيان دوم (1751-1820(
Christian Dohm
كاتب ومؤرخ ألماني وأحد المدافعين عن إعتاق اليهود وإصلاحهمودمجهم. درس اللاهوت وانخرط في سلك الحكومة الروسية، وكان يعمل مشرفاً على الأرشيفالملكي حيث قابل موسى مندلسون ونشأت بينهما صداقة. وقدألَّف كتابه بخصوص إصلاحمكانة اليهود المدنية عام 1781 بناءً على طلب أحد أصدقائه لمناقشة أحوال يهودالألزاس واللورين والدفاع عنهم. وقد طرح دوم فكره منطلقاً من فكرة المنفعة ونفعاليهود، ومن فكر آدم سميث، وكذلك من فكرة القانون الطبيعي وتطبيقها في عالمالاقتصاد. ويعني هذا أنه انطلق من الإيمان بضرورة علمنة القطاع الاقتصادي علمنةتامة وتجريده من أية خصوصية قومية أو أخلاقية، بحيث يصبح الهدف الأوحد هو إنتاجالثروة وتعظيمها بكل السـبل المتاحة. ولتحقـيق هذا، لابد من تجنـيد أكبر عدد ممكنمن البشر، فكلما زاد عدد المنتجين زاد النفع ومن ثم زاد الرخاء. وقد أشار دوم إلىالولايات المتحدة (التجربة العلمانية الشاملة الكبرى) باعتبارها مثالاً على دولةنجحت في تجربتها الاقتصادية بسبب عدم التفرقة بين الناس، فهم بالنسبة إليها مادةبشرية منتجة، وأعطتهم جميعهم حقوقهم المدنية حتى يصبحوا نافعين منتجين. وانطلاقاًمن هذا المفهوم الليبرالي العلماني، بدأ دوم في النظر إلى المسألة اليهودية مشيراًإلى أن شخصية اليهود الشريرة، ووضعهم المتدني في المجتمع، وضعف خدماتهم للاقتـصادالقومي، ليـست نابعة منهم هم أنفـسهم ولا من دينهم. وقد لاحظ دوم أن العقيدةاليهودية تشجِّع اليهود على ضيق الأفق، وأنهم يتسمون بالمبالغة في البحث عن الربحبأية طريقة وبحب الربا، وهي عيوب ساعدت على تفاقمها العزلة التي يضربونها علىأنفسهم بسبب مبادئهم الدينية وسفسطتهم الحاخامية. وأضاف أن الجرائم التي يرتكبهااليهود، مثل خرق قوانين الدولة التي تحدُّ من التجارة واستيراد وتصدير السلعالممنوعة وتزييف النقود والمعادن الثمينة، هي نتيجة طبيعية وحتمية لعيوب الشخصيةاليهودية. ولكنه يُلاحظ أن اليهود يتَّسمون أيضاً بالحكمة والعقل الثاقب، وهممجدُّون ومثابرون ويمكنهم أن يشقُّوا طريقهم في أي موقف. ولنلاحظ أن الصفات الحميدةالتي يكتشفها في اليهود هي ما يمكن أن نصنفه باعتباره صفات إجرائية (أو علمانية) لاعلاقة لها بالأخلاق، فهم مادة بشرية جيدة.

ماذا حدث إذن لليهود حتى تشوَّهتشخصيتهم على هذا النحو؟ يرى دوم أن عوامل مختلفة مثل التعصب المسيحي، وموقف الدولةمنهم منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية، ومنعهم من الاشتغال بالزراعة، ولَّدت الشكّفي نفوسهم تجاه المسيحية والدولة القومية، فاهتموا بمصالحهم الاقتصادية دون مصالحالدولة، واشتغلوا بالتجارة اليهودية الصغيرة وحدها، وانهارت شخصيتهم، وازدادواتمسكاً بديانتهم المفعمة بكره المسيحيين.

ويرى دوم أن اليهود من الممكن أنيصبحوا مواطنين يدينون بالولاء لوطنهم إذا أُلغيَت التفرقة ضدهم واضطهادهم، وإذا تمتلقينهم القيم العلمانية الجديدة التي تضمن الولاء للدولة (المطلق الجديد). ثميقترح استصدار عدة تشريعات تهدف إلى تحسين وضع اليهود، ومن ثم إصلاح شخصيتهم،فاقترح أن يحصل اليهود على حقوقهم المدنية كاملةً، وإلغاء القيود المفروضة علىحركتهم الاقتصادية، وأن يتم تشجيعهم على الاشتراك في الثقافة السائدة (أي أن يتخلواعن ثقافتهم اليديشية) وإتاحة فرص التعليم العلماني أمامهم. كما ذهب دوم إلى ضرورةالإشراف على مدارس اليهود لاستبعاد العناصر غير الاجتماعية في ثقافتهم التي تشجِّععداءهم للأغيار. ونادى بضرورة أن يتم تشجيعهم على الاشتغال بالحرف اليدوية، وأنيتعلموا العلوم والفنون كافة، وأن يتعلموا احترام الدول واحترام كل واجباتهمتجاهها. كما طالب دوم بمنحهم حرية العبادة، وبناء المعابد، وحرية الالتحاق بالمدارسالمسيحية أيضاً. فاليهود بهذه الطريقة يمكن أن يصبحوا نافعين بالنسبة إلى دولة تريدأن تزيد من عدد سكانها وقوتها الإنتاجية. واليهود على كل حال مفضلون عن أي مستوطنينجدد لأنهم ذوو جذور في البلاد التي يقطنونها أكثر من الأجنبي الذي عاش في البلد بعضالوقت. وقد لاحظ دوم أنه قد بدأ يظهر رعيل جديد من المثقفين اليهود من دعاة التنويريتبنون هذه الأفكار المستنيرة.

ومـع هـذا، طالب دوم بأن يُعتَق اليهــود لاباعتبـارهم أفـراداً، وإنما باعتبارهم مجموعة عضوية متماسكة، وأن يظلوا جماعة قوميةدينية تبقى داخل الجيتو لها مؤسسات الإدارة الذاتية الخاصة بها، وألا يشـغلواوظائـف عامـة مهمَّة حتى لا يثيروا حفيظة المواطنين المسيحيين. ومعنى هذا أن دومكان يود تحويل اليهـود إلى مادة نافعة متماسكة تعيش في وسط المجتمع الألماني فيمكنهالاستفادة منها، على ألا تصـبح جــزءاً منه، وأن يظل اليهـود في المجتمع دون أنيكونوا منه. وهذه هي بقايا رؤية اليهود كشعب شاهــد أو أداة للخــلاص أو جمــاعةوظيفــية. وهي الرؤية الصهيونية لليهود ولإسرائيل في الشرق العربي، وهي أيضاًالرؤية النازية لأعضاء الجمـاعة اليهـودية. وانطــلاقاً من هـذا، تم تأسيسمعســكرات الاعتـقال النازيـة وجيتو وارسـو النازي. وغني عن القول أن الفيلسوفمندلسون عارض هذا الجانب من المشروع.