التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في ألمانيا وفرنساوإنجلترا منذ الحرب العالمية الأولى حتى الوقت الحاضر
Education of the Jewish Communities in France, Germany, and England from the First World War to the Present
تزايدت وتائر التحديث والتصنيع في العصر الحديث، وتزايد معها تساقطالنظم التربوية الخاصة بالجماعات اليهودية لتحل محلها المؤسسات التربوية الحديثةالعامة، التي أصبحت من أهم وسائل علمنة ودمج أعضاء الجماعات اليهودية.

وصاحبت عملية التحديث التي جرت في غرب أوربا، منذ نهايات القرن الثامن عشر،تحولات عميقة في البنية الاقتصادية والطبقية والسياسية للمجتمعات الأوربية، الأمرالذي كان له أعمق الأثر في وضع الجماعات اليهودية في هذه البلاد، فتساقطت جدرانالعزلة التي عاش أعضاء الجماعات اليهودية داخلها خلال العصور الوسطى في الغرب وتمإعتاق أعضاء الجماعات اليهودية واستيعابهم في المجتمعات المحيطة. وباستيعاب اليهودفي مجتمعاتهم، تساقطت المؤسسات التربوية اليهودية التقليدية؛ مثل المدارسالابتدائية الخاصة (حيدر)، والمدارس الابتدائية الخيرية (تلمود تورا)، والمدارسالتلمودية العليا (يشيفا). ومنذ أواسط القرن التاسع عشر، بدأت أعداد متزايدة منالأطفال اليهود في الالتحاق بالمدارس الحكومية العلمانية، وبدأ التعليم الدينياليهودي يقتصر بشكل متزايد على مدارس التعليم التكميلي (وهي مدارس يحضرها التلاميذاليهود بعد حضورهم المدارس الحكومية ويدرسون فيها بعض المواد اليهودية. وهذهالمدارس يحضرها الطالب في العادة إما مرة في الأسبوع أو لمدة ساعة أو ساعتين كل يومبعد انتهاء اليوم الدراسي، وعادةً ما تكون هذه المدارس ملحقة بالمعبد)، أو مدارساليوم الكامل اليهودية، وهي مدارس تضم مناهجها مواد دراسية غير دينية وتُضاف إليهابعض مواد ذات طابع يهودي. وتتفاوت نسبة المواد غير الدينية إلى المواد الدينية منبلد لآخر، وإن كان النمط الغالب هو غلبة المواد غير الدينية على المواد الدينيةاليهودية.

وبعد الحرب العالمية الأولى، تزايد الاتجاه نحو تحديث وعلمنةتعليم الجماعات اليهودية في أوربا الغربية حيث زاد التحاق أطفال اليهود بالمدارسالحكومية، واقتصر التعليم اليهودي على عدد قليل من الساعات في مدارس تكميلية ذاتبرامج محدودة. كما لم يُؤسَّس سوى عدد قليل من مدارس اليوم الكامل اليهودية التيجمعت مناهجها بين الدراسات غير الدينية والدراسات الدينية التي كانت بدورها ضئيلةللغاية.

1
ـ ألمانيا:

لا يختلف نمط تطور التربية والتعليم عندالجماعة اليهودية في ألمانيا عن النمط العام للتطور في أوربا الغربية ووسطها.ومعهذا، تشكِّل المرحلة النازية انحرافاً عن النمط. فمع ظهور النازية، مُنع الأطفالاليهود من دخول المدارس الألمانية، وذلك انطلاقاً من اعتقاد النازيين بأن اليهوديشكلون شعباً عضوياً له لغته وتراثه وأرضه ومن ثم لا يجوز له أن يندمج في الشعبالألماني. ولذا، أسس النازيون، بالتعاون مع الحركة الصهيونية، مدارس يهوديةابتدائية وثانوية تُركِّز على تعليم العبرية وتهدف إلى تقوية ما يُسمَّى «الهويةاليهودية» المستقلة. كما أسسوا معاهد مهنية لتأهيل الشباب اليهودي الذي يفكر فيالاستيطان في فلسطين أو في أية دولة أخرى. وبلغ عدد الشباب الذين تم تأهيلهم في هذاالمعهد نحو 60 ألف شاب وشابة. وقد اختفت هذه المؤسسات التعليمية بعد تصفية يهودألمانيا من خلال الهجرة أو الإبادة أثناء الحرب العالمية الثانية.

2
ـفرنسا:

بعد الحرب العالمية الثانية،قلَّ عدد أعضاء الجماعات اليهودية فيأوربا الغربية حيث هاجر بعضهم إلى إسرائيل وهاجرت غالبيتهم إلى الأمريكتين.وفي عام 1969، لم يزد عدد المدارس اليهودية في أوربا الغربية عن 40 مدرسـة بعضـها في مدن لميكن يوجـد فيها مدارس يهـودية من قبل،مثل:إستكهولم،مدريد، زيورخ،بازل. ومع هذا،تشيرالإحصاءات خلال هذا العام إلى أن 50% من الأطفال اليهود تلقوا تعليماً يهودياً،و25% منهم نال تعليمه في مدارس تكميلية لا يداومون فيها سوى يوم واحد في الأسبوعولمدة أربع سنوات فقط في أغلب الأحيان،و25% في مدارس اليوم الكامل اليهودية.

وكان لنمو الجماعة اليهودية في فرنسا خلال الخمسينيات والستينيات، نتيجةهجرة يهود شمال أفريقيا، أكبر الأثر في زيادة حجم المؤسسات التعليمية اليهوديةوالتوسع في المدارس وخصوصاً مدارس اليوم الكامل.

وكان الصندوق الاجتمـاعياليهودي الموحَّد (FSJU) قد قام عام 1976، بالتعـاون مـع الوكـالة اليهـودية،بتأسـيس الصـندوق الاستثماري للتعليم (FIPE) الذي عمل على تأسيس مدارس عديدة فيباريس والأقاليم، كما عمل خلال خمس سنوات على زيـادة عـدد الطلـبة المسجـلين بمدارساليوم الكامل إلى الضعف.

وفي عام 86/1987، كان حوالي 20% من الأطفالاليهود، بين أعمار 5 و 17 سنة، مسجلين في مدارس اليوم الكامل اليهودية. ووصل عددهذه المدارس إلى 55 مدرسة في باريس و33 في الأقاليم، شاملةً مراحل الحضانةوالابتدائية والثانوية . كما كان 9700 طفل يهودي يتلقون تعليماً دينياً في 220مدرسة دينية تكميلية في باريس وخارجها .

ويعود هذا التحول في واقع الأمرإلى حركة عامة نشأت في فرنسا واتجهت نحو تأكيد اللامركزية والخصوصية الإقليميةوعارضت مركزية الدولة، كما طالبت بالاعتراف بالخصائص اللغوية والثقافية للأقاليمالفرنسية المختلفة. ومن ثم، بدأت الجماعات اليهودية في فرنسا هي الأخرى بالمطالبةبالاعتراف بهوياتها الدينية والإثنية.

غير أن أشكال الهوية اليهودية تعددتفاتخذت شكلاً دينياً إثنياً بين اليهود القادمين من شمال أفريقيا بتراثهم وتقاليدهمالتي تبلورت في العالم العربي، في حين اتخذت شكلاً إثنياً لادينياً بين اليهودالأوربيين، وخصوصاً بين اليهود ذوي الأصول الشرق أوربية والتراث اليديشي.

وإذا كان تعميق الهوية اليهودية، وإن تعدَّدت أشكالها، له أثر في تزايدالالتحاق بالمدارس اليهودية، فإن الجزء الأكبر من الأطفال اليهود ظَلَّ خارج النظامالتعليمي اليهودي، خصوصاً أن النظام المجاني للتعليم الحكومي الفرنسي كان إحدىأدوات الحراك الاجتماعي بالنسبة لأبناء المهاجرين. وتوفر المدارس الحكومية الفرنسيةفصولاً للعبرية، كما تسمح لطلابها بتلقي تعليم ديني بعد ساعات الدراسة المدرسية.

وتضم الجامعات الفرنسية أقساماً وبرامج للدراسات اليهودية والعبرية. وقدتأسَّست عام 1985 مدرسة للدراسات العليا اليهودية Ecole Des Hautes Etudes du Judaisme ملحقةً بمعهد باريس القومي للغات والحضارات الشرقية، وذلك لتقدم برامجتعليم العبرية الكلاسيكية والحديثة ومقررات دراسية في فكر وتاريخ وحضارة الجماعاتاليهودية. كما يقدم مركز راشي، الذي تديره منظمة الصندوق الاجتماعي اليهودي الموحد،برامج لنيل الدرجة الجامعية في الدراسات اليهودية بالتعاون مع جامعة السوربون - بانشون.

ويوجد نشاط ثقافي وتربوي خارج الإطار المدرسي. فهناك حركاتالشبيبة الصهيونية والدينية وغيرها، وهناك أيضاً مركز الإجازات الذي يقضي فيه نحو 20 ألف طفل يهودي بضعة أسابيع كل عام في جو يعمل على تعميق الهوية اليهودية الدينيةوالثقافية. كما أن هناك حلقات للدراسات اليهودية في 170 مركزاً تغطي باريسوالأقاليم الأخرى تهتم بدراسة التقاليد الدينية اليهودية. ويبدو أن هذه المراكزكانت عاملاً مساعداً في عودة البعض إلى ممارسة الشعائر الدينية.

3
ـإنجلترا:

أصبحت الصورة السائدة للتعليم في إنجلترا، في العقد الأول منالقرن العشرين، هي أن يلتحق الجزء الأكبر من الأطفال الإنجليز اليهود بالمدارسالابتدائية والثانوية الحكومية ويحصلوا على قدر ضئيل من المعرفة بالديانة اليهوديةواللغة العبرية من خلال الدراسات التكميلية. وفي عام 1944، أعطى القانون الإنجليزيلتلاميذ المدارس، ومن بينهم اليهود، الحق في تلقي تعليمهم الديني داخل المدارسالحكومية خلال الفترات المعتادة للدراسة.

وتأسس خلال الأربعينياتوالخمسينيات كثير من مدارس اليوم الكامل وصل عددها عام 1970 إلى 50 مدرسـة تضم 10آلاف طالب. وفي عام 1961، بلغ الطلاب في هذه المدارس نحو 13% من إجمالي عدد اليهودممن هم في سن الدراسة والبالغ عددهم 80 ألف طالب. وزادت النسبة في نهاية السبعينياتإلى 20% أو 13 ألف طالب. أما التعليم التكميلي، فانخفض عدد المسجلين فيه من 22ألفاً عام 1961 إلى 13 ألفاً في أواسط الثمانينيات.

وتضم إنجلترا الآن 81مدرسة يهودية، بين حضانة وابتدائية وثانوية، و6 معاهد دينية عليا، ومعاهد حاخاميةمن أهمها كلية اليهود. كما أن بعض الجامعات الإنجليزية تُقدِّم برامج في الدراساتاليهودية. ويُقدِّم معهد سبيرو للتاريخ والثقافة اليهودية، الذي تأسس عام 1978،فصولاً في التاريخ اليهودي داخل المدارس الثانوية الحكومية والخاصة، كما يُقدِّمبرامج دراسية للكبار فيما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» و«الثقافةاليهودية».

التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية فيأوربا الشرقية منذ الحرب العالمية الأولى حتى الوقت الحاضر
Education of the Jewish Communities in Eastern Europe from the First World War to the Present
أخذ نمط تحديث تربية وتعليم الجماعات اليهودية في أوربا الشرقية شكلاً مغايراً. فقد زاد تعثُّر عملية التحديث في نهاية القرن التاسع عشر وما صاحب ذلك من قمعواضطهاد لجميع الأقليات ومن بينهم أعضاء الجماعات اليهودية، وكذلك توقف الحراكالاجتماعي وإغلاق أبواب المؤسسات التعليمية الحكومية أمام الشباب اليهودي في إطارقوانين مايو 1882، من اغتراب أعضاء الجماعات اليهودية وأدَّى إلى انخراطهم فيالحركات الثورية والعمالية اليهودية (حزب البوند) والصهيونية. وقامت هذه الحركاتبإقامة سلسلة من المؤسسات التعليمية اليهودية الخاصة بها والتي عكست أيديولوجيتهاالسياسية، واتَّسمت هذه المؤسسات بتوجهها العلماني الإثني ـ اليديشي أو الصهيوني. وبقيام الثورة البلشفية تغيَّرت الأوضاع بالنسبة للجماعات اليهودية في الاتحادالسوفيتي (سابقاً)، أما في بولندا وشرق أوربا، فقد اتخذ تَطوُّر تعليم الجماعاتاليهودية شكلاً مغايراً.

1
ـ الاتحاد السوفيتي (سابقاً(

اتجهتالحكومة السوفيتية في بادئ الأمر إلى الاعتراف باللغة اليديشية كلغة قومية للأقلياتاليهودية في الاتحاد السوفيتي، كما اتجهت إلى إقامة شبكة من المدارس اليديشية فيإطار توجهها العام نحو تأكيد الثقافة اليديشية للجماعة اليهودية. وأدَّى هذا إلىزيادة نسبة الطلاب اليهود الملتحقين بالمدارس اليديشية إلى إجمالي الطلاب اليهود من 22% عام 1922 إلى 29,5% عام 1930، ثم إلى 64% عام 1932. إلا أن أعداد اليهود بدأتتنخفض بشكل تدريجي بعد هذا العام، بسبب تزايد التحاقهم بالمدارس والمؤسساتالتعليمية الروسية. وكان عدد الطلاب اليهود في المدارس الثانوية والجامعات الروسيةفي العام الدراسي 1926/1927 نحو 23699 طالباً يشكلون 15و4% من إجمالي الطلاب، ووصلعددهم إلى 60 ألفاً عام 1935 أو 10% من إجمالي الطلاب.

وقد اختفت المدارساليديشية تماماً مع نهاية الثلاثينيات، وزاد التحاق الطلبة اليهود بالمدارسالحكومية في الفترة التالية حتى الثمانينيات. وظل الاتحاد السوفيتي لا يضم أيةمدارس أو مؤسسات تعليمية خاصة للجماعات اليهودية، إلا أنه، مع سياسة البريسترويكا،تم افتتاح مدارس جديدة في الاتحاد السوفيتي من أهمها مدرسة تلمودية عليا يشرف عليهاواحد من أهم علماء التلمود الإسرائيليين. ومع سقوط الاتحاد السوفيتي وهجرة أعدادكبيرة من أعضاء الجماعات اليهودية من روسيا وأوكرانيا وغيرهما من الجمهوريات (منالمراحل العمرية التي تلتحق بالمؤسسات) من المتوقع أن تتغيَّر صورة تعليم أعضاءالجماعات اليهودية.

2
ـ بولندا:

تعمقت في بولندا عزلة الجماعةاليهودية وغربتها بعد قيام الحرب العالمية الأولى. فمن ناحية، كانت البنية الثقافيةوالحضارية للمجتمع البولندي تلفظ اليهود وترفض دمجهم نظراً لميراثهم التاريخيالمرتبط بطبقة النبلاء (شلاختا) وبنظام الأرندا (استئجار عوائد القرى والضياع) وهوفي جوهره تراث معاد لمصالح بولندا القومية.ومن ناحية أخرى،تدهورت الأوضاعالاقتصادية للجماعة اليهودية مع اضطلاع الدولة البولندية الجديدة وطبقة التجارالبولنديين الصاعدة بالوظائف الوسيطة التقليدية لليهود. وقد تأسست شبكة من المدارساليهودية على أيدي الحركات الثورية والعمالية اليهودية والصهيونية تعبيراً عن هذهالعزلة وهذا الانفصال المتزايدين.

وكان للحركة الصهيونية شبكة من المدارستُعرَف باسم «تاربوت Tarbut» تضم مدارس حضانة وابتدائية وثانوية، ومدارس مسائية،ومدرسة زراعية للتدريب على الاستيطان في فلسطين. وزادت هذه المدارس من 15 مدرسة عام 1918 تضم 2575 طالباً إلى 3000 مدرسة عام 1938 يدرس فيها 40 ألف طالب.

كماكانت هناك شبكة من المدارس تشرف عليها المنظمة المركزية للمدارس اليديشية (زيشو). وكانت هذه المدارس تحت رعاية حزب البوند والحركات العمالية اليهودية الأخرى،وبالتالي اتسمت مناهجها باتجاهها الاشتراكي العلماني القوي وبالاهتمام بالثقافةاليديشية. وضمت هذه الشبكة، التي كانت لغة التدريس فيها اليديشية، مدارس حضانةوابتدائية وثانوية ومدارس مسائية وصل عددها في عام 1934/1935 إلى 169 مدرسة يحضرها 15486 طالباً. وأقامت زيشو أيضاً معهدين عاليين لتدريب المعلمين.

كما كانتتوجد شبكة مدارس «شول كولت» وهي اختصار لعبارة يديشية تعني «رابطة المدارسوالثقافة» التي انشق مؤسسوها عن حزب عمال صهيون اليميني نظراً لموقفهم بشأن ضرورةتدريس اللغة العبرية إلى جانب اللغة اليديشية. إلا أن هذه الشبكة لم تنتشر بشكلكبير في بولندا، حيث وصل عدد المدارس التابعة لها عام 1934 ـ 1935 إلى نحو 16 مدرسةحضانة وابتدائية وثانوية ومسائية تضم 3432 طالباً.

كما كانت هناك شبكتان منالمدارس الدينية، الأولى شبكة مدارس يفنه تحت رعاية حزب مزراحي الصهيوني الديني. وكانت مدارسها خليطاً من المدرسة الدينية التقليدية والمدرسة الحديثة. وضمت هذهالشبكة مدارس حضانة وابتدائية وثانوية في أغلبها تكميلية، وكانت العبرية لغةالتدريس فيها. ووصل عدد الطلاب في هذه المدارس عام 1936 إلى نحو 56 ألف طالب.

أما الشبكة الثانية، فكانت شبكة مدارس حوريف التابعة للمؤسسة الدينيةالأرثوذكسية، وتضم المدارس الدينية الأولية (حيدر) والمدارس التلمودية العليا (يشيفا)، وكانت لغة التدريس فيها اليديشية. وبلغ عدد هذه المدارس في أواسطالثلاثينيات 350 مدرسة تضم 47 ألف طالب. كما كانت هناك أيضاً شبكة من المدارسالمخصَّصة للبنات تحت رعاية المؤسسة الدينية الأرثوذكسية هي مدارس بيت يعقوب بلغعددها عام 1938 نحو 230 مدرسة تضم 27 ألف طالبة. كما كانت توجد مدارس دينية تقليديةخاصة غير خاضعة لإشراف أيٍّ من الشبكات سالفة الذكر كانت تضم 40 ألف طالب. وكانلشبكات المدارس مؤسساتها الخاصة لتدريب الحاخامات والمعلمين للتعليم في المدارسالدينية. كما كانت هناك مدرسة حكومية في وارسو تخدم هذا الغرض أيضاً.

وكانلتردي أوضاع اليهود في تلك الفترة واستبعادهم من قطاعات اقتصادية عديدة، أبعد الأثرفي تزايد الإقبال على المدارس التجارية اليهودية التي ضمت عام 1934 نحو 5000 طالب. كما تأسس عام 1925 في فلنا معهد ييفو لدراسة التاريخ واللغة والثقافة اليديشية. وأنشأ المعهد فروعاً له فيما بعد في الولايات المتحدة والأرجنتين، وانتقل مجلسإدارته إلى نيويورك بعد الحرب العالمية الثانية.


ووصل حجم الطلبةالمسجلين في المدارس اليهودية في بولندا إبَّان الحرب العالمية الثانية إلى أكثر من 200 ألف طالب أو 38.8% من إجمالي الطلاب اليهود، 29.5% منهم مسجلون في المدارسالدينية و9.3% في المدارس اليديشية أو العبرية العلمانية. كما التحقت أعداد كبيرةمن أطفال اليهود بالمدارس الحكومية حيث تلقوا تعليمهم بالبولندية. وبلغ عددهم 355.91طالباً أو 61.2% من إجمالي الطلاب اليهود، أي أن عدد الطلبة المسجلين فيالمدارس البولندية كان ضعف عدد المسجلين في المدارس ذات التوجه الديني والإثني (اليديشي) الخاص، مع العلم بأن مقررات هذه المدارس نفسها لم تكن كلها متوجهة هذاالتوجه الخاص، بل إن العنصر الديني أو الإثني لم يكن يتجاوز أحياناً لغة التدريسومادة أو اثنتين. وقد يكون من العوامل التي شجعت الاتجاه نحو الالتحاق بالمدارسالحكومية عدم اعتراف وزارة التعليم البولندية بشهادات المدارس الثانوية اليهودية. ومع هذا، تضاءلت أعداد الطلبة اليهود في الجامعات البولندية حيث انخفض عددهم بنسبة 35% بين عامي1923 و1936، في حين زاد حجم الطلبة من غير اليهود بنسبة 37% خلالالفترة نفسها.

ورغم أن هذه الأرقام تدل على أن نسبة غير قليلة من الشباباليهودي كان يتلقى تعليماً بولندياً، وهو ما يعني تزايد استيعاب اللغة والثقافةالبولندية، إلا أن ذلك لم يؤد إلى دمجهم في المجتمع البولندي مثلما حدث في أورباالغربية في القرن التاسع عشر. وذلك بسبب ما تقدم من أن بنية المجتمع البولنديالثقافية والاقتصادية كانت تلفظ أعضاء الجماعات اليهودية وتسعى إلى طردهم لا إلىدمجهم. وقد أدَّى ذلك إلى هجرة أعداد كبيرة منهم خارج بولندا، بلغت بين عامي 1921و1937 نحو 395.235 فرداً (وكان بين هذه العناصر عدد كبير من زعامات الحركةالصهيونية وقيادات إسرائيل).

أما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تقلص حجمالطلبة اليهود من 320 ألف طالب عام 1939 إلى 25 ألفاً. وقد أُعيد فتح 34 مدرسة تضم 2874 طالباً، ولكن العام الدراسي 1948/1949 شهد تأميم جميع المدارس اليهودية فأصبحتتابعة للحكومة، وكان قد تم من قبل إلغاء اللغة اليديشية كلغة للدراسة كما أُلغيتعليم العبرية. ومع تزايد هجرة أعضاء الجماعة إلى خارج بولندا (تمت تصفيتهم بشكلنهائي في عام 1969 ولم يتبق منهم سوى بضعة آلاف)، أغلقت المدارس التي كان لها صبغةيهودية أو شبه يهودية أبوابها. وفي عام 1986 تم تأسيس معهد دراسة تاريخ وثقافةاليهود في بولندا ويتبع جامعة كراكوف.