3
ـ بلاد شرق أوربا الأخرى:

ولا يختلف النمط السائد في بقية بلاد شرق أوربا بين الحربين العالميتينالأولي والثانية، عن النمط الذي ساد روسيا وبولندا. وبعد الحرب العالمية الثانيةاختفت المؤسسات التعليمية الخاصة بأعضاء الجماعات اليهودية تقريباً، واختفى التعليماليهودي من سائر بلاد أوربا الشرقية فيما عدا المجر ورومانيا حيث تمت هذه العمليةبدرجة أقل. ففي المجر، تمت إعادة فتح المعهد اللاهوتي في بودابست، والذي ظل المؤسسةالوحيدة من نوعها في شرق أوربا، وقد تلقى جميع حاخامات البلاد الاشتراكية تدريبهمفيه. وتم فتح مدارس ابتدائية وثانوية، إلا أن عدد الأطفال المسجلين فيها لم يتعد قط 200 ـ 300 طفل من إجمالي تعداد الجماعة اليهودية في المجر والبالغ 80 ألفاً. وفيعام 1987، تم افتتاح أول مركز للدراسات اليهودية في الكتلة الشرقية في بودابستبالتعاون بين مؤسسة التراث اليهودي وكلية القانون في جامعة بودابست. ومع تحسُّنالعلاقات بين المجر وإسرائيل، بدأت الوكالة اليهودية تنشط في المجر، خصوصاً في مجالتعليم العبرية، وقد تم إرسال مدرسين إلى بودابست لهذا الغرض. وهناك تفكير أيضاً فيفتح مدرسة يوم كامل يهودية. ورغم أن الحكومة المجرية أعطت موافقتها المبدئية، إلاأن المسألة تأجلت نتيجة خلافات داخل الجماعة اليهودية ونتيجة تخوف السلطات فيبودابسـت من أن تطـالب الكنيسـة الكاثوليكية بمدارس مماثلة. أما رومانيا، فلا يوجدفيها سوى بعض الفصول الدينية التقليدية يحضرها حوالي 500 طالب في 25 بلدةومدينة.

التربية والتعليم عند يهود الشرق منذ الحرب العالميةالأولى حتى الوقت الحاضر
Education of Eastern Jewry from the First World War to the Present
كان لانتشار مدارس الأليانس أكبر الأثر في تحديث المدارساليهودية التقليدية. وفي عام 1865، تأسست إحدى كبريات المدارس في بغداد، وتضمنتمناهجها الدراسات اليهودية إلى جانب دراسة اللغتين العربية والتركية. وفي عام 1947،وصل عدد مدارس الأليانس في العراق إلى عشر مدارس تضم 6000 طالب. وقد أُغلقت هذهالمدارس جميعاً بعد حرب 1948 وإقامة دولة إسرائيل. كما فتحت الأليانس أول مدرسة لهافي طهران عام 1898، ووصل عدد المدارس التابعة لها في إيران خمس عشرة مدرسة تضم 6200طالب عام 1960. وشهدت المدارس اليهودية في إيران تدهوراً في أعدادها بعد أن هاجرتأعداد كبيرة من أعضاء الجماعة عقب قيام الثورة الإيرانية الإسلامية في عام 1979.

وفي مصر، بين عامي 1927 و1928، بلغ عدد الطلاب اليهود المسجلين في المدارسالمصرية، حيث كانت العربية لغة الدراسة، حوالي 7168 طالباً مقابل 653 في المدارسالأجنبية التي كانت تحظى برعاية الجماعة اليهودية والأليانس. وعند قيام الدولةالصهيونية، كان ما يزيد على 90% من الطلبة اليهود مسجلين في مدارس أجنبية.

وفي بلاد المغرب العربي، بلغ عدد مدارس الإليانس عام 1939 نحو 45 مدرسة تضم 15,800طالب. ويُلاحَظ أن المستوى التعليمي لأعضاء الجماعة كان مرتفعاً بالمقارنةبسائر السكان، فكان الطلاب اليهود يشكلون عام 1930 نحو 25% من طلاب المدارس، بينماكانت نسبتهم لإجمالي السكان 2,9% فقط. وقد نشطت في تلك الفترة أيضاً المنظمةالصهيونية، فحاولت إحياء اللغة والثقافة العبرية ونشر الفكر الصهيوني بين يهودالمغرب.

وفي تونس،كانت نسبة الطلاب اليهود المسجلين عام 1930 في المدارسالحكومية نحو 75% من مجموع الطلاب اليهود،وكان الباقون مسجلين في المدارس الخاصةالتي كانت غالبيتها من مدارس الأليانس. وكان الطلاب اليهود يشكلون 15,3% من إجماليعدد الطلاب في المدارس،في حين كانت نسبتهم لإجمالي عدد السكان 2,5%. ولكن المدارسالحكومية في تونس (قبل الاستقلال) لم تكن عربية إذ كانت مقرراتها الدراسيةفرنسية،كما كان التوجه العام فرنسياً.

أما في الجزائر، فكان لاكتساب أعضاءالجماعة اليهودية الجنسية الفرنسية، ودخولهم المدارس الحكومية المخصَّصة للمستوطنينالفرنسيين، أكبر الأثر في سرعة علمنتهم واندماجهم في المجتمع الفرنسي. وقد أقامالأليانس بعض المدارس اليهودية التي وفرت لهم قدراً من التعليم الديني اليهودي. وبعد الحرب العالمية الثانية، عملت الأليانس على توسيع شبكة مدارسها بمساعدة سلطاتالاحتلال الفرنسي حيث وصل عدد طلابها عام 1960 إلى 30 ألف طالب. وتلقت الأليانسدعماً من يهود أوربا والولايات المتحدة.

وقامت منظمة أوزار هاتوراه، وهيمنظمة أرثوذكسية يهودية، ومنظمة جماعة لوبافيتش الحسيدية، بفتح مدارس للبنينوالبنات ومدارس دينية عليا وكليات تدريب للمعلمين. وقد ساهمت الأليانس مع منظمةأوزار هاتوراه في تحديث وإصلاح التعليم الديني اليهودي التقليـدي من خـلال إدخالإصـلاحات على مناهجـه وأساليب التدريس فيه، ونجحت هذه المجهودات في زيادة عددالدارسين في هذه المدارس في المغرب، حيث كان عدد الدارسين في مدارس الأليانس عام 1970 نحو 7800 قياساً بنحو 7100 في المدارس التقليدية المعدلة.

ومع إقامةدولة إسرائيل واستقلال كثير من بلاد المغرب العربي وتزايد الشعور القومي العربي،تزايد أيضاً الاهتمام في مدارس الأليانس بالمضمون القومي للمناهج وزادت مقرراتاللغة العبرية والمواد اليهودية. وأقامت الأليانس مدرسة في الدار البيضاء لتدريبمدرسي اللغة العبرية، وعمل خريجوها في مدارس الأليانس في بلاد البحر الأبيض المتوسطوإيران (وفيما بعد في إسرائيل وأمريكا اللاتينية وغرب أوربا وكندا).

أما فيالهند، فمنذ خمسينيات القرن العشرين، تولى مدرسون إسرائيليون (أرسلتهم الوكالةاليهودية) عملية نشر التعليم العبري بين أعضاء الجماعة، وأسسوا شبكة واسعة لهذاالغرض. وقد لعب هؤلاء أيضاً دوراً حيوياً في تشجيع هجرة أعضاء الجماعة إلى إسرائيل. وقد هاجر معظم بني إسرائيل، إما إلى إسرائيل أو إلى إنجلترا، ولم يبق منهم في الهندسوى بضع مئات.

وفي إثيوبيا بحثت المنظمات اليهودية العديدة التي كانت ترغبفي مد نشاطها بين يهود الفلاشاه عن عناصر قيادية بينهم. وقد وقع الاختيار بالفعلعلى بعض الأشخاص، ولكنهم لم يشكلوا قيادات سياسية حقيقية نظراً لطبيعة الجماعةاليهودية في إثيوبيا والتي اتَّسمت باللامركزية والتبعثر وعدم الوحدة. وقد نشبتخلافات عديدة بين القيادات الدينية التقليدية في القرى من ناحية والقيادات السياسيةومدرسي العبرية الذين تلقوا تعليمهم في إسرائيل من ناحية أخرى. وقد رجحت كفةالقيادات السياسية في آخر الأمر، نظراً لنفوذهم ووضعهم المتميِّز بفضل الأموال التيكانوا يتلقونها من المنظمات اليهودية، وبفضل اعتراف الهيئات الأجنبية بهم وبفضلصلاتهم بالحكومة، ولذلك فقد نجحوا في استقطاب شباب الجماعة.

وبعد مجيءالنظام الماركسي إلى الحكم عام 1974، مُنع النشاط الديني كما مُنع تعلُّم العبرية. وكانت المنظمة اليهودية الوحيدة التي سُمح لها بالعمل هي منظمة إعادة التأهيلوالتدريب (أورت) التي أقامت 19 مدرسة (ضمت 2200 طالب) تقدم تعليماً مهنياً وعاماًودينياً. ووجه بعض أعضاء الجماعة في إثيوبيا، والجماعات المؤيدة لهم، النقد لنشاطهذه المنظمة التي كانت تعمل على تحسين أوضاعهم في إثيوبيا وهو ما لم يشجع علىهجرتهم إلى إسرائيل. وقد أوقف نشاط هذه المنظمة عام 1981، ولكن جميع المدارسوالمعابد أُعيد فتحها مرة أخرى عام 1983 وسُمح بحرية العبادة الدينية.

وقدصُفِّيت الجماعة اليهودية تقريباً في إثيوبيا مع عملية التهجير الأخيرة التي صاحبتسقوط النظام الماركسي.
التربية والتعليم عند الجماعات اليهوديةفي الولايات المتحدة الأمريكية
Education of the Jewish Communities in the U. S. A
كان لتعثر التحديث في شرق أوربا، وتزايد العنصرية في أوربا بصفة عامة،أعمق الأثر في دفع أعداد كبيرة من أعضاء الجماعات اليهودية إلى الهجرة بحثاً عن فرصللحراك الاجتماعي. وشكلت هجرتهم جزءاً من هجرة كبرى حملت ملايين البشر من أوربا إلىالمجتمعات الاستيطانية، خصوصاً الولايات المتحدة، تلك الهجرة التي وصلت ذروتها فيالفترة بين عامي 1881 و1914 واستمرت حتى الحرب العالمية الثانية ثم بدأت تخبو بعدذلك.

وتأثر تعليم اليهود في الولايات المتحدة بطبيعة المجتمع الأمريكيالعلماني المفتوح الذي اتسم بقدرته على استيعاب وصهر وأمركة المهاجرين، وعلى فتحمجالات وفرص انتماء ثقافي كامل أمامهم. كما تأثر نمط التعليم اليهودي الديني بنموذجالتعليم البروتستانتي في الولايات المتحدة، خصوصاً مدارس الأحد والمدارس التكميليةالملحقة بالمعبد اليهودي.

وكان التعليم اليهودي في الولايات المتحدةهامشياً إلى حدٍّ كبير،سواء من حيث عدد الدارسين أو من حيث ساعات الدراسة. وترتبعلى ذلك تآكل الهوية الدينية اليهودية لتحلّ محلها هوية إثنية يهودية جديدة لاتستند إلى أي معرفة حقيقية بالديانة أو الثقافة اليهودية. وزاد ذلك بدوره من عواملذوبان أعضاء الجماعة اليهودية، والذين يشكلون حوالي نصف يهود العالم، في مجتمعهمالأمريكي.

1
ـ في القرن التاسع عشر:

تأسَّست أولى مدارس الأحداليهودية عام 1838 على يدي ربيكا جراتز في فيلادلفيا، وانتشرت بشكل سريع خلالالستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر. كما تأسَّست أول مدرسة يوم كامل يهوديةعام 1842 في نيويورك، وانتشرت في عدة مدن أمريكية.

وبعد أن بدأت المدارسالحكومية العلمانية تحلّ محل المدارس التابعة للطوائف الدينية في خمسينيات القرنالتاسع عشر، بدأت مدارس اليوم الكامل اليهودية تغلق أبوابها إلى أن اختفت تماماًعام 1870. وبالتالي، اقتصر التعليم اليهودي في تلك الفترة على مدارس الأحد والمدارسالتكميلية الملحقة بالمعبد والتي تأسست في كثير من التجمعات اليهودية.

وفيمجال تعليم اليهود خلال القرن التاسع عشر، تركزت الجهود على التعليم الابتدائي ولمتشمل المرحلة الثانوية. ومع ظهور اليهودية الإصلاحية والمحافظة، كان لابد أن تتبعهامؤسسات تربوية عالية لتخريج النخبة الدينية الجديدة. فتأسست عام 1875 كلية الاتحادالعبري لتدريب الحاخامات، كما أُسِّست كلية اللاهوت اليهودية عام 1886 لتخريجالحاخامات المحافظين.

2
ـ من مطلع القرن التاسع عشر حتى الحرب العالميةالثانية:

استقرت صورة تعليم اليهود في الولايات المتحدة على هذا النمط إلىأن جاءت موجات هجرة يهود اليديشية من أوربا الشرقية بين عامي 1880 و1920. واتجهالمهاجرون الجدد إلى إرسال أولادهم إلى المدارس الأمريكيـة الحكوميـة رغبةً منهم فيالانخراط سريعاً في المجتمع الأمريكي. وساهمت مساعدات أعضاء الجماعة اليهوديةبالولايات المتحدة في أمركة القادمين الجدد وتعليمهم الإنجليزية كما ساهمت في تراجعالإقبال على دراسة اللغة اليديشية أو العبرية. وقد أسسوا مدارس دينية تكميلية أُطلقعليها «حيدر»، ورغم اختلافها عن مثيلتها في شرق أوربا إلا أن مستواها كان متدنياً. ومن هنا، كان لهذه المدارس أثر سلبي، بل وعملت على إبعاد طلابها عن العقيدةوالتقاليد اليهودية.

ومع اتجاه المهاجرين الجدد إلى الاستقرار، أُسِّستمدارس تكميلية أخرى أفضل حالاً أُطلق عليها اسم «تلمود تورا» رغم اختلافها هيالأخرى عن المدارس التي كانت تُسمَّى بهذا الاسم في أوربا الشرقية حتى القرن التاسععشر. وأُقيمت هذه المدارس بمجهودات جماعية، وكانت مفتوحة لجميع أعضاء الجماعةاليهودية بصرف النظر عن انتماءاتهم المذهبية. وتضمنت مناهج هذه المدارس دراسة اللغةالعبرية والأدب المكتوب بها إلى جانب دراسة التوراة والعبادات والصلوات والاحتفالاتوالتاريخ. وقد جاء مدرسو هذه المدارس مُحمَّلين بالأفكار الصهيونية فاهتموا بإحياءاللغة العبرية. وتأسَّست أول مدرسة عبرية حديثة في الولايات المتحدة عام 1897 ثمانتشرت هذه المدارس في نيويورك وبعض المدن الأخرى.

وأُسِّست أول مدرسةتلمودية عليا (يشيفا) عام 1886. وتم دمجها عام 1915 بمدرسة عليا أخرى لتصبح كليةلاهوت واحدة ثم أصبحت فيما بعد جزءاً من جامعة يشيفا. كما شهدت هذه الفترة بدايةتأسيس مدارس اليوم الكامل لتقديم تعليم علماني وديني، ووصل عددها إبَّان الحربالعالمية الأولى إلى أربع مدارس. وظهرت كذلك المدارس اليديشية العلمانية عام 1911،إلا أنها تطورت خلال العشرينيات. وقد ضمَّت المدارس اليديشية شبكة من المدارسالابتدائية والثانوية ومعاهد لتدريب المعلمين ومعسكرات تعليمية. وفي عام 1908، نجدأن 100 ألف طالب يهودي كانوا يحضرون مدارس يهودية تكميلية، منهم 37.1% في مدارسالحيدر، و26.5% في مدارس الأحد، 26.2% في التلمود تورا، و9.65% في المدارس الملحقةبالمعبد، وحوالي 0.6% فقط في مدارس اليوم الكامل.

وفي عام 1910، تأسس فينيويورك مكتب التعليم اليهودي Bureau of Jewish Education للإشراف والتنسيق بينالمؤسسات التعليمية اليهودية بصرف النظر عن انتماءاتها المذهبية أو الأيديولوجية. واهتم المكتب بتوحيد المناهج الدراسية بين المدارس المختلفة وخَلْق كوادر منالمعلمين الأكفاء. كما أُسِّست أول مدرسة ثانوية يهودية عام 1913. ووصل عدد هذهالمدارس عام 1940 إلى 30 مدرسة. وتأسست في تلك الفترة أيضاً المعسكرات الصيفيةالتعليمية، ومعاهد تدريب المعلمين التي كان أولها كلية جراتز في فيلادلفيا عام 1897.

كما تأسَّست عام 1939 الجمعية الأمريكية للتعليم اليهودي American Association for Jewish Education (AAJE) من أجل دعم الجهود وتنسيقها في مجال تعليماليهود، وأُقيمت 32 مدرسة ومكتباً للتعليم اليهودي للإشراف على شبكة المدارساليهودية المحلية في أنحاء البلاد.

3
ـ بعد الحرب العالمية الثانية:

شهد نمط تعليم اليهود تحوُّلاً آخر مع تزايد أمركة المهاجرين اليهود وتزايداندماجهم في المجتمع الأمريكي خلال الثلاثينيات، وكذلك مع تحسُّن أوضاعهمالاقتصادية وتزايد انخراطهم في الحياة الثقافية العامة. فمن ناحية، بدأت اللغةاليديشية تفقد أهميتها، وانعكس ذلك في انخفاض نسبة الطلاب المسجلين في المدارساليديشية من إجمالي حجم طلاب المدارس اليهودية (من 5% عام 1946 و3% عام 1950 إلىأقل من 2% عام 1958). واختفت هذه المدارس تماماً في الوقت الحاضر، بل إن اجتماعاتمعهد الييفو المتخصص في دراسة اليديشية أصبحت تدار الآن بالإنجليزية. ومن ناحيةأخرى، تزايد الحراك الاجتماعي لأعضاء الجماعة وبدأت عملية خروجهم من الأحياء التيكانوا قد تمركزوا فيها عند وصولهم، فأخذوا ينتشرون بين الضواحي والأحياء الأرقى. لذا، نجد أن المدارس الدينية من نمط الحيدر والتلمود تورا بدأت تشهد تدهوراً حاداً. وفي المقابل، تزايد التحاق الأطفال اليهود بالمدارس التكميلية المسائية الخاضعةلإشراف المعابد التي أسسها أعضاء الجماعة في الأحياء التي استقروا فيها. وقد كان 88% من الأطفال المسجلين في المدارس اليهودية عام 1958 يحضرون مدارس تكميلية تحترعاية المعبد، وهي إما مدارس مسائية يذهب إليها الطفل اليهودي مرتين أو خمس مرات فيالأسبوع بعد الانتهاء من دراسته، أو مدارس الأحد التي يذهب إليها الطفل مرة واحدةفي الأسبوع (ومن ثم سميت مدارس اليوم الواحد).

وكان قد تبلوَّر أيضاً، خلالفترة الثلاثينيات، الاتجاه إلى تحديد أطر الحياة الدينية وتنظيماتها وفقاً للانتماءالمذهبي سواء كان هذا الانتماء أرثوذكسياً أو محافظاً أو إصلاحياً. وبالتالي، أصبحلكل مذهب مدارسه ومؤسساته التعليمية الخاصة. وأدَّى كل ذلك إلى تفتُّت المجهودات فيمجال التعليم اليهودي بعد أن كانت خاضعة لإشراف جهة مركزية محايدة. وأصبح هناك عددكبير من المدارس الصغيرة المعزولة عن بعضها تعمل على تعميق الانتماء إلى المذهبوالمعبد على حساب الانتماء إلى الجماعة اليهودية الأكبر. وهذا في حد ذاته يعكس منناحية فيدرالية الولايات المتحدة ولا مركزيتها من ناحية أخرى.

ومع أن حجمالتسجيل في المدارس اليهودية زاد خلال الأربعينيات والخمسينيات من 200 ألف تلميذعام 1936/ 1937 إلى 266 ألفاً عام 1950 ثم إلى 553 ألفاً عام 1959(ويرد فيالإحصاءات أن 80% من الأطفال اليهود تلقوا في الفترة 1950 ـ 1960 شكلاً من أشكالالتعليم اليهودي خلال المرحلة الابتدائية)، إلا أن هذه الزيادة صاحبها انخفاض حادّفي ساعات الدراسة. فمدارس الأحد (مدارس اليوم الواحد)، على سبيل المثال، لا تقدِّمسوى 64 ساعة دراسة سنوياً. وساعات الدراسة المحدودة هذه لا تسمح باستيعاب القدرالكافي من المواد الدينية أو الثقافية أو اللغة العبرية. كما أشارت بعض الدراساتإلى أن مدرسي المدارس التكميلية الملحقة بالمعبد غير مؤهلين بالقدر الكافي للتدريسوخصوصاً في مجال الدراسات اليهودية. كما أن الجزء الأكبر من التلاميذ يتركزون فيالسنوات الثلاث أو الأربع الأولى من الدراسة، أي أن الطفل اليهودي لا يتلقى فيالمتوسط أكثر من 3 ـ 4 سنوات من التعليم اليهودي المنتظم.

أما مدارس اليومالكامل، فظلت تمثل الإطار الأمثل لتأهيل الطالب اليهودي في مجال الديانة والثقافةاليهودية. ورغم زيادة أعداد هذه المدارس من 17 مدرسة عام 1935 إلى 258 عام 1962،وزيادة نسبة التسجيل فيها من 4% عام 1958 إلى 13.4% من إجمالي طلاب المدارساليهودية عام 1967، إلا أنها ظلت تشكل الأقلية بين المدارس اليهودية الأخرى، كما أنمقرراتها كانت مُختلَطة (دينية علمانية). ومما يذكر أن غالبية هذه المدارس كانت تحترعاية الحركة الأرثوذكسية، وبعضها كانت تحت رعاية الحركة المحافظة والاتجاهاتاليديشية - العمالية. وخلال السبعينيات، زاد حجم التسجيل في مدارس اليوم الكامل،حيث ارتفع من 75 ألف طالب عام 1972 إلى 90.675عام 1978/1979. ووصلت نسبة المسجلينفي مدارس اليوم الكامل عام 1984 إلى 28% من إجمالي الأطفال اليهود الحاصلون على نوعمن أنواع التعليم اليهودي في الفئة العمرية 3 ـ 17 سنة.

وفي الفترة بينعامي 1958 و1983، زاد الالتحاق بمدارس اليوم الكامل بنسبة 145%، في حين انخفضالتسجيل في المدارس التكميلية خلال الفترة نفسها بنسبة 48%. ومن أسباب هذه الزيادةنمو حجم الأسر الأرثوذكسية في الولايات المتحدة والتي تضم عدداً أكبر من الأطفالوتحرص على توفير تعليم يهودي لأولادها من خلال مدارس اليوم الكامل. ولكن ثمة سبباًآخر أكثر أهمية وهو أن أعضاء الطبقات اليهودية الوسطى التي تعيش في المدن الكبرىوجدوا أنفسهم محاطين بأعضاء الأقليات (السود والأسبان)، الأمر الذي أدَّى إلى تدهورمستوى المدارس الحكومية وزيادة الشغب والجريمة فيها. وبالقياس إلى ذلك فإن مدارساليوم الكامل اليهودية تقدم مستوى تعليمياً أرقى نظير تكلفة معقولة، سواء في مجالالدراسات اليهودية أو في مجال الدراسات غير اليهودية.

إلا أن حجم الزيادةفي التسجيل في مدارس اليوم الكامل لم يعوض النقص الذي حدث في حجم التسجيل فيالمدارس التكميلية، وبالتالي انخفض حجم التسجيل الإجمالي في المدارس اليهودية منأكثر من نصف مليون عام 1959 إلى 372.417 فى الثمانينيات، وذلك من إجمالي تعدادأعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة البالغ 5.835.000 شخص. وتُقدَّر نسبةالتسجيل في المدارس اليهودية بنحو 39 - 43% من مجموع الأطفال بين 3 و17 سنة. و36% منهم مُسجَّلون في المدارس التابعة للحركة الإصلاحية، و20% مُسجَّلون في المدارسالتابعة للحركة المحافظة، و8% مُسجَّلون في مدارس مختلطة.

وأبرز مؤسساتالتعليم العالي اليهودية جامعة يشيفا في نيويورك. كما تضم 350 جامعة في أنحاءالولايات المتحدة أقساماً للدرسات العبرية واليهودية. وقد تأسَّست عام 1981 منظمةخدمة التعليم اليهودي لأمريكا الشمالية Jewish Education Service of North America لتحل محل الجمعية الأمريكية للتعليم اليهودي. وهي أساساً جهة استشارية تساهم فيالتخطيط بعيد المدى للتعليم الخاص باليهود وفي دعم الموارد المخصصة له.

كماتُوجَد في الولايات المتحدة مؤسسات ثقافية اجتماعية وشبابية يهودية تقوم بدور تربويوتثقيفي مثل المراكز الخاصة باليهود والحركات الشبابية، وخصوصاً الصهيونية منها. وتقوم هذه المؤسسات بمحاولة تنمية وعي الفرد بانتمائه اليهودي من خلال النشاطاتالثقافية والاجتماعية ودورات تعليم العبرية والمعسكرات الصيفية. كما تقيم الحركاتالإصلاحية والمحافظة والأرثوذكسية معسكرات صيفية تعليمية خاصة بها، بعضها فيإسرائيل، تركز فيها على تعليم اللغة العبرية وعلى ما يُسمَّى «الثقافةاليهودية».