5511- (بل أنت عُتْبَةُ بنُ عَبدٍ).
ضعيف. أخرجه الفسوي في "التاريخ" (2/349)، و الطبراني في "المعجم الكبير" (17/120/296)، و ابن قانع في " معجم الصحابة" من طرق عن محمد بن شعيب بن شابور: ثنا محمد بن القاسم الطائي قال : سمعت يحيى ابن عتبة بن عبد يحدث عن أبيه:أنه أتى في أناس يريدون أن يغيروا أسماءهم، قال: فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاني و أنا غلام حدث، فقال: "ما اسمك"؟ فقلت :عتلة بن عبد. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :... فذكره، و زاد:

(12/11)
"أرني سيفك". فسله، فسله، فلما نظر إليه؛ فإذا و سيف فيه دقة و ضعف فقال : " لا تضرب بهذا؛ و لكن اطعن به طعناً".
قلت : و هذا إسناد ضعيف؛ يحيى هذا لا يعرف إلا في هذه الرواية، و بها أورده ابن حبان في "ثقاته" على قاعدته في توثيق المجهولين، و لم يورده البخاري في " التاريخ" ، و لا ابن أبي حاتم في "الجرح و التعديل"، مع أنهما ذكراه في شيوخ الطائي الراوي عنه هنا. و ذكر الثاني منهما أنه روى عنه أيضاً يحيى بن صالح الوحاظي الثقة و غيره، فهو مجهول الحال ، و لعله في "ثقات ابن حبان"؛ فقد قال الهيثمي (8/53):
(رواه الطبراني من طرق، و رجال بعضها ثقات)!
كذا قال ، و إنما له طريق واحدة، هي طريق يحيى هذا ، و إنما الطرق التي أشار إليها عن ابن شابور فقط، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أول التخريج.
5512- ( كلُّ سارحَةٍ و رائحةٍ على قومٍ؛ حرامٌ على غيرِهم).
ضعيف جدا. أخرجه الفسوي في " المعرفة و التاريخ" (2/431-432)، والطبراني في "الكبير" (8/207/7732) عن سليمان بن سلمة الحمصي قال: ثنا بقية قال : ثنا سلامة بن عميرة المنابحبي – حي من اليمن- عن لقمان ابن عامر الوصابي – حي من اليمن – عن أبي أمامة مرفوعا.
قلت : وهذا إسناد ضعيف جدا ؛ آفته سليمان هذا؛ فإنه متروك متهم، و قد مضت له أحاديث في المجلد الثاني برقم (586،594،779)، و قول الهيثمي

(12/12)
(4/163) بعد أن عزاه للطبراني:
( وفيه سليمان بن سلمة الخبائري؛ وهو ضعيف).
ففيه تساهل؛ لأن الخبائري أسوأ حالاً، بشهادة الهيثمي نفسه في بعض الأحاديث التي أشرت إليها آنفاً.
و قال المناوي بعد أن نقل قول الهيثمي المذكور:
( وقال غيره: فيه الحسن بن علي المعمري "الأصل :العمري؛ و هو خطأ"، أورده الذهبي في "الضعفاء" وقال: حافظ رفع موقوفات قليلة. وسليمان بن سلمة الخبائري تركه أبو حاتم و غيره. و (بقية) ضعفوه).
و لنا عليه مؤاخذتان:
الأولى: إعلاله بالمعمري لا وجه له؛ لأمرين:
أحدهما : أن رفعه موقوفات قليلة مع كثرة حفظه لا يخرجه من العدالة و الإحتجاج به، و ما أحسن ما قال الحافظ البرديجي: ( ليس بعجب أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب).
وقا الحافظ : في آخر ترجمته من "اللسان":
(فاستقر الحال آخرا على توثيقه؛ فإن غاية ما قيل فيه: إنه حدّث بأحاديث لم يتابع عليها و قد علمت من كلام الدارقطني أنه رجع عنها، فإن كان أخطأ فيها كما قال خصمه فقط رجع عنها، و إن كان مصيبا فيها كما كان يدعي فذاك أرفع له و الله أعلم).

(12/13)
و الآخر: أن المعمري لم ينفرد به؛ فقد تابعه الحافظ الفسوي فقال: حدثني سليمان بن سلمة الحمصي به، و السياق له.
و الأخرى : إعلاله ببقية و قوله: "ضعفوه"؛ فليس بجيد؛ لأنه إنما ضعفوه لتدليسه، و هنا قد صرح بالتحديث كما ترى.
و في الحديث علة أخرى لم يتعرض لذكرها المناوي و لا الهيثمي، و هي سلامة ابن عميرة؛ فإني لم أجده له ترجمة ، فهو من مشايخ بقية المجهولين، و قد قال العجلي :(بقية ثقة ما روى عن المعروفين، و ما روى عن المجهولين فليس بشيء). و قال يعقوب بن شيبة:(صدوق ثقة، و يتقى حديثه عن مشيخته الذين لا يعرفون، و له أحاديث مناكير جداً).
و مما سبق؛ يظهر جليّاً أن إسناد الحديث ضعيف جدا، فقول المناوي في [التيسير] : "إسناده ضعيف"؛ مردود، مع أنه قد ذكر في [الفيض] –كما تقدم- أن فيه الخبائري المتروك.
(تنبيه) : قوله: (المنابحبي)؛ كذا وقع في "المعرفة" ولم أعرف هذه النسبة، و أظنها محرفة؛ فإني لم أجدها في شيء من كتب الأنساب و غيرها . و الله أعلم.
5513- (مَنْ لَمْ يَقْرَأْ خَلْفَ الإمامِ؛فَصَلاتُهُ خِدَاجٌ).
موضوع بذكر (الإمام). أخرجه الفسوي (2/432) عن شيخه المتقدم سليمان الحمصي قال : حدثنا المؤمل بن عمر أوقعنب العتبي: حدثنا يوسف أبو

(12/14)
عنبسة خادم أبي أمامة قال: سمعت أبا أمامة يقول :... فذكره مرفوعاً.
قلت : و هذا إسناده ضعيف جداً؛ لما علمت آنفاً من حال سليمان هذا ، و أنه متروك متهم.
و اللذان فوقه؛ لم أعرفهما.
لكني وجدت في ترجمة أبي أمامة صدي بن عجلان في [الإصابة] حديثاً آخر له؛ من رواية وهب بن صدقة : سمعت جدي يوسف بن حزن الباهلي: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : ... فذكره.
قلت: فالظاهر أنه هذا؛ و لكن لم أجد له ترجمة أيضاً، و مثله حفيده وهب بن صدقة . فالله أعلم.
و قد روي الحديث بإسناد آخر مظلم؛ من طريق سليمان بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سوار: نا عمرو بن ميمون بن مهران: حدثني أبي ميمون بن مهران عن أبيه مهران مرفوعاً به.
أخرجه البيهقي في [القراءة خلف الإمام] (62/131)، و ابن عساكر في "التاريخ" (13/326/2)، و كذا الطبراني في " الأوسط" (2/293/9322)؛ دون قوله : "خلف الإمام" وقال :
(لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به سليمان بن عبد الرحمن).
قلت : الظاهر لي أنه التميمي الدمشقي ابن بنت شرحبيل، و هو صدوق يخطئ ؛ كما في "التقريب".
و قال الذهبي في "الكاشف" :

(12/15)
(مفت ثقة؛ لكنه مُكْثِرٌ عن الضعفاء). و ذكر في "الميزان" أن أبا حاتم قال :(صدوق؛ إلا أنه من أروى الناس عن الضعفاء و المجهولين).
قلت: و عبد الرحمن بن سوار؛ لم أجد له ترجمة، فالظاهر أنه من المجهولين الذين أشار إليهم أبو حاتم آنفاً.
و قال الهيثمي في "المجمع" (2/111) –بعد عزوه للطبراني-: ( وفي إسناده جماعة لم أعرفهم).
كذا قال ! و ليس فيه ممن لا يعرف سوى ابن سوار هذا.
و شيخ الطبراني الوليد بن حماد الرملي؛ ترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" برواية جماعة عنه، و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا، و قد تابعه عند البيهقي : عبد الله بن حماد الآملي؛ إن لم يكن تحرف اسمه من
الناسخ . و الله أعلم.
و جملة القول ؛ أن علة هذا الإسناد ابن سوار هذا، و من فوقه ثقات من رجال "التهذيب" ، غير مهران والد ميمون الجزري، فأورده في "الإصابة" و ساق له حديثين بهذا الإسناد، هذا أحدهما- من رواية ابن السكن و قال:
( قال ابن السكن: لا يروي عن ميمون شيء إلا من هذا الوجه).
قلت : و كأنه يشير إلى عدم ثبوت صحبته، وقد ذكره البخاري في الصحابة ؛ كما قال البغوي و نقله العسقلاني، و لم يورده البخاري في "التاريخ الكبير". و الله أعلم.

(12/16)
و إنما حكمت على الحديث بالوضع؛ لوهاء سنده، و لمخالفته للحديث الصحيح المعروف بلفظ:
(من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب؛ فهي خداج) يقولها ثلاثاً.
رواه مسلم و غيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، و هو مخرج في "صحيح أبي داود" (779)، و زاد في رواية:
(فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام؟ فقال :اقرأ بها في نفسك يا فارسي!).
قلت : فهذه الزيادة موقوفة على أبي هريرة، فجعلها سليمان الحمصي و ابن سوار في صلب الحديث مرفوعاً!
و أما حديث عبادة : ( ... فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).
فهو ضعيف بهذا اللفظ؛ له ثلاث علل ؛ كما شرحته في "ضعيف أبي داود" (146-147)، و إنما صح مختصراً بلفظ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
أخرجه الشيخان و غيرهما ، و هو مخرج في "صحيح أبي داود" (780)، و لو صح باللفظ الأول ؛ فهو لا يدل على وجوب قراءة المؤتم للفاتحة، و إنما الجواز كما بينه العلامة اللكنوي في [ إمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة بالفاتحة خلف الإمام] (ص 209).
و يؤكد ذلك أنه صَحَّ بلفظ:

(12/17)
( فلا تفعلوا ؛ إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب).
أخرجه عبد الرزاق في "الصنف" (2/128)، و أحمد (5/410)، و البخاري في "جزء القراءة"، و البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (161/129-130) و قوّاه.
و إسناده صحيح.
و على هذا اللفظ اعتمدت في كتابي "صفة الصلاة" و دلالته على الجواز؛ بل الجواز المرجوح أوضح من اللفظ الأول كما هو ظاهر؛ إذا لوحظ قوله: "إلا أن ..."، فلا يصح إذن اعتباره شاهداً لحديث الترجمة كما قد يتوهمه بعضهم ممن لا فقه عندهم!
نعم؛ لو صح الحديث الآتي بعده لكان شاهداً قويا له ؛ لكن فيه ما سأبينه .
5514- (لا صَلاةَ لمنْ لمْ بقرأْ بفاتِحَةِ الكتابِ خَلْفَ الإِمَام).
منكر بزيادة (خلف). أخرجه البيهقي في "القراءة خلف الإمام" ( ص56) من طرق عن محمد بن سليمان بن فارس : حدثني أبو إبرهيم محمد بن يحيى الصفار – و كان جارنا- : ثنا عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. قال أبو الطيب : قلت لمحمد بن سليمان : (خلف الإمام) ؟ قال : (خلف الإمام). و قال: (إسناد صحيح)!
قلت : و فيه نظر من وجهين:

(12/18)
الأول : أن أبا إبراهيم محمد بن يحيى الصفار ما رأيت له ترجمة، و هو من طبقة أبي عبد الله محمد بن يحيى النيسابوري الإمام المخرج له في "الصحيحين"، و ما أظن أن البيهقي توهم أنه هو لمعرفته بالرجال و اختلاف كنيتيهما ، و تميز الأول عن الإمام بلقب (الصفار).
و الآخر: أنه قد خالفه الحسن بن مكرم فقال : أنا عثمان بن عمر به ؛ دون قوله : "خلف الإمام".
و الحسن هذا؛ روى عنه جمع من الثقات الحفاظ ، ووثقه الخطيب، فراجع "تاريخه" إن شئت (7/432).
أخرجه البيهقي في "القراءة" (12/22).
و تابعه الإمام الدارمي؛ فقال في "سننه" (1/283) : أخبرنا عثمان بن عمر به ؛ دون الزيادة.
وعثمان هذا ؛ هو ابن عمر بن فارس العبدي ، ثقة من رجال الشيخين.
و تابعه جمع عن يونس به : عند البيهقي (13/25).
و تابعه أيضاً عبد الله بن وهب : أخبرني يونس به .
أخرج مسلم (2/9) ، و أبو عوانة (2/125)، و الدارقطني في "سننه" (1/322/18)، و البيهقي أيضاً (12/21) و كذا في "السنن" (2/61).
و يونس هذا ؛ ثقة ثبث محتج به في "الصحيحين".
و قد تابعه معمر : عند عبد الرزاق (2/93/2623)، و مسلم ، و أبي عوانة ،

(12/19)
و النسائي (1/145) ، و البيهقي أيضاً (13/26و27) و في "السنن" (2/374)، و أحمد (5/322).
و صالح : عند مسلم ، و أبي عوانة، و البيهقي (12/23) و في "السنن" (2/375)، و أحمد (5/321).
و سفيان بن عيينة: عند الستة و غيرهم ، و هو مخرج في "صحيح أبي داود" (780). و رواه عنه : ابن الجارود أيضاً في "المنتقى" (185).
و جمع آخر : عند البيهقي (14/28-31).
كل هؤلاء الثقات و غيرهم رووه عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة؛ بدون الزيادة.
فهي زيادة منكرة ؛ بل باطلة دونما شك أو ريب.
و لعل أبا الطيب- و هو محمد بن أحمد الذهلي- كان يرى ذلك؛ كما يشعر به سؤاله لمحمد بن سليمان عنها، و كأنه كان سؤالا استنكارياً. و الله أعلم.
فإن قيل : هل خفيت على البيهقي هذه الروايات الدالة على خطأ الصفَّار هذا لو فرض أنه ثقة عنده؟
فأقول : ما أظن ذلك يخفى على من دونه علماً و معرفة، و لكنه التعصب المذهبي يحمل صاحبه على تجاهل
الحقيقة؛ انتصاراً للمذهب. نسأل الله السلامة!
5515-(مَنْ أرادَ كَنْزَ الحديثِ؛ فَعَلَيْهِ ب"لا حَوْلَ و لا قوةَ إلا بالله").
ضعيف. أخرجه البخاري في "التاريخ" (2/1/282/970) تعليقاً،

(12/20)
ووصله الفسوي في " المعرفة " (2/ 445)، والطبراني في " الكبير " (18/ 301/ 773) من طريق خالد بن يزيد عن عبد الله بن مسروح عن ربيعة بن يورا عن فضالة بن عبيد مَرْفُوعًا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ ربيعة بن يورا؛ أورده. البخاري في " التاريخ " لهذه الرواية، وكذا ابن أبي حاتم (1/ 2/ 475)، ولم يذكرا فيه جَرْحًا ولا تَعْدِيلًا، فهو في عداد المجهولين.
وأما ابن حبان ؛ فأورده في (الثقات) !
وعبد الله بن مسروح؛ لعله خير من ربيعة؛ فقد أورده البخاري وابن أبي حاتم لهذه الرواية أَيْضًا ؛ لكن قال أبو حاتم:
(أراه هو صاحبه عقبة بن عامر ).
قلت: ترجمته عنده قبيل هذا، وذكر أنه روى عنه مرثد بن عبد الله اليزني وخالد بن يزيد الصدفي. يعني: الراوي لهذا الحديث. وأظن أن (الصدفي) محرف (المصري) ؛ فإنه لم ينسبه النسبة الأولى أحد ممن ترجم له، ومنهم ابن أبي حاتم (1/ 2/ 358).
وقال الهيثمي في " المجمع " (10/ 99): " رواه الطبراني من طريق عبد الله بن يزيد عن ربيعة بن يورا، وعبد الله ؛ لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".
كذا وقع فيه: " عبد الله بن يزيد "! وكأنه سبق نظر أو قلم ؛ ولذلك لم يعرفه، وإنما هو عبد الله بن مسروح، وقد ترجمه من ذكرنا، ويحتمل اِحْتِمَالًا كَبِيرًا أن

(12/21)
يكون في " ثقات ابن حبان ".
(تنبيه): تحرف اسم (يورا) في بعض المصادر، فوقع في " المجمع ": (بورا) بالباء الموحدة، وفي " المعرفة " : (نورا) بالنون، وقال محققه الفاضل الدكتور العمري:
" هكذا في الأصل، ولم أجده" !
وقوله: " الحديث " ؛ هكذا في المصادر الثلاثة، وفي " المجمع ": (
الجنة ) !
5516- (يخرجُ ناسٌ مِنَ المشرقِ، فَيُوَطِّئونَ للمهديِّ سُلْطَانَهُ).
ضعيف. أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة والتاريخ " (2/ 497)، وابن ماجه (4139- الأعظمي) من طريق ابن لهيعة عن أبي زرعة عمرو بن جابر الحضرمي عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مَرْفُوعًا.
قلت: وهذا إِسْنَاد ضعيف ؛ من أجل ابن لهيعة وشيخه ؛ قال البوصيري في
" الزوائد " (250/ 1):
" هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف عمرو بن جابر وابن لهيعة ".
قلت: ابن لهيعة ضعفه معروف. وأما الحضرمي ؛ فقد اختلفوا فيه، والأكثرون على تضعيفه، ووثقه الفسوي وغيره، وقال ابن لهيعة نفسه:
" كان ضعيف العقل، كان يقول: علي في السحاب. كان يجلس معنا فيبصر سحابة فيقول: هذا علي قد مرّ في السحاب. كان شَيْخًا أحمق ". وقال أحمد:
" روى عن جابر مناكير، وبلغني أنه كان يكذب ".
وجزم الحافظ بضعفه في (التقريب ).
@ 23
5517- (إنَّ العَبْدَ يَلْبَثُ مُؤْمِنًا أَحْقَاباً ، ثمّ أحْقَاباً ثمّ يموتُ والله عنه سَاخِطٌ ،وإنَّ العبدَ يلبثُ كَافِرًا أحقاباً ، ثمّ أحقاباً ثمّ يموتُ والله عنه راضٍ. ومَنْ ماتَ همّازاً لَمّازاً ملقباً للناسِ ؛كان عَلامَتُهُ يومَ
القيامةِ أَنْ يَسِمَه اللهُ على الخُرْطُومِ مِنْ كلا الشّفتين ).
ضعيف. أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة" (2/ 515- 516)، والطبراني في " الأوسط " (2/ 259/ 8965) من طريق أبي صالح: حدثني الليث: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عبد الملك بن عبد الله عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو مَرْفُوعًا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه علل:

(12/22)
الأولى: أبو صالح هذا- وهو عبد الله بن صالح- ؛ كاتب الليث. ومن طريقه
رواه ابن أبي حاتم ؛ كما في " تفسير ابن كثير " وغيره. وبه أعله الهيثمي، فقال في " المجمع "(213/7): " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه عبد الله بن صالح، وثقه
عبد الملك بن شعيب ؛ وضعفه غيره ".
قلت: وفيه كلام كثير، والذي يتلخص منه وانتهى إليه الحفاظ المتأخرون أن
فيه ضَعْفًا، فقال الذهبي في " الميزان ":
" له مناكير ". وقال في " الكاشف ":
" فيه لين ". وقال الحافظ في " التقريب ":

(12/23)
" صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة ".
الثانية: سعيد بن أبي هلال؛ فإنه كان اختلط؛ كما قال الإمام أحمد.
الثالثة: عبد الملك بن عبد الله ؛ هو التجيبي؛ كما في ترجمة شيخه الصدفي
من " تهذيب المزي " ، والظاهر أنه مصري ؛ لأن (التجيبي) نسبة إلى (تجيب)، محلة بفسطاط مصر؛ كما في " أنساب السمعاني "، ولم أعرفه، وفي " الجرح والتعديل " (2/ 2/ 354- 355) جماعة من طبقته لم ينسب أحد منهم هذه النسبة، ولم يحك فيهم جَرْحًا ولا تَعْدِيلًا.
وعيسى بن هلال الصدفي؛ ذكره الفسوي في ثقات التابعين في مصر، وفي ترجمته ساق الحديث. وكذلك ذكره ابن حبان في " الثقات "! (3/ 193)، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ".
قلت: فمثله حسن الحديث؛ لكن أشار الذهبي إلى تليين توثيقه بقوله في
" الكاشف ":
" وُثِّق " ؛ بل قال في حديث آخر له ذكره في " الكبائر " (ق 28/ 2):
" ليس إسناده بذاك ". وقال أبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب " (ق 198/ 1):
" حديث غريب ".
ولعلي أتوجه إلى تخريج الحديث المشار إليه في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى، ولذلك لم ينشرح الصدر لتقوية حديث الترجمة لو صح إسناده إليه. والله أعلم.

(12/24)
قلت: والحديث من جملة الأحاديث الضعيفة التي سَوَّدَ بها الشيخ الصابوني كتابه " مختصر تفسير ابن كثير، (3/ 535)! زَاعِمًا في المقدمة أنه جرد منه الأحاديث الضعيفة! وهو في ذلك غير صادق! ولا هو أهل لذلك! كما شرحت ذلك بعض الشيء في مقدمة المجلد اَلرَّابِع من " سلسلة الأحاديث الصحيحة "، وقد تم طبعه، وتداولته الأيدي في منتصف هذه السنة (1404)، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وقد لقينا عَنَتَا كَبِيرًا في سبيل طباعته لجهل القائمين على الطباعة بطرق تصحيح التجارب، وإهمالهم وإخلالهم بالمواعيد؛ بحيث أنه تحمل إخراجه إلى حيز الوجود أكثر من سنة ! والله المستعان.
5518- (إن أبي إِبْرَاهِيم- عليه اَلسَّلَام- هَمَّ أن يَدْعُوَ عليهم- يعني: أهل العِراقِ-، فأوحَى اَللَّه تعالى إليه: لا تَفْعَل؟ فإنِّي جَعَلتُ خَزَائِن علمي فيهم، وأَسْكَنْتُ الرحمة في قُلُوبهمْ).
موضوع. أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (1/ 24- 25)، ومن طريقه
ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1/ 62) عن أبي عمر محمد بن أحمد الحليمي قال: نبأنا آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب عن معن بن الوليد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(اللهم بارك لنا في صاعنا ومُدِّنا، وفي شامنا وفي يَمَنِنا، وفي حِجازنا ".
قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله! وفي عراقنا؟ فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم. فلما كان في اليوم الثاني قال مثل ذلك، فقام إليه
الرجل فقال: يا رسول الله ! وفي عراقنا؟ فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم. فلما كان في اليوم الثالث قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله ! وفي عراقنا؟ فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم. فولى الرجل وهو يبكي، فدعاه

(12/25)
النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
" أمن العراق أنت؟ ".
قال: نعم. قال:... فذكره.
قلت: وهذا موضوع ؛ المتهم به الحليمي هذا، من ولد حليمة السعدية، ظئر النبي صلى الله عليه وسلم، قال السمعاني في " الأنساب ":
" حدث عن أدم بن أبي إياس أربعة أحاديث مناكير بإسناد واحد، والحمل عليه فيها ". وقال الذهبي في " الميزان":
" يروي عن آدم بن أبي إياس أحاديث منكرة باطلة، قال أبو نصر بن ماكولا:
الحمل عليه فيها ". ثم ساق له الحديث التالي لهذا. وزاد في "اللسان ":
" وقال ابن عساكر: منكر الحديث ".
قلت: ومن فوقه كلهم ثقات من رجال البخاري ؛ غير معن بن الوليد، ولم أجد له ترجمة، وهو غير معن بن الوليد بن هشام الغساني الدمشقي ؛ فإنه متأخر عن هذا، سمع منه أبو حاتم، وترجمه ابنه (4/ 1/ 278) مُوَثَّقًا.
وإن مما يؤكد وضع هذا الحديث أن طرفه الأول، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة
إلى قول
الرجل: " وفي عراقنا " ؛ قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره، كما خرجته في " الصحيحة " (2246) من طرق عنه صلى الله عليه وسلم، ليس في شيء منها هذه الزيادة في مَدْح العراق ؛ بل فيها قوله صلى الله عليه وسلم جَوَابًا على قول الرجل: " وفي عراقنا؟ ":
(بها الزلازل والفتن، وفيها يطلع قرن الشيطان(.

(12/26)
فثبت بطلان حديث الترجمة.
5519- (إذا كان يَوْم اَلْقِيَامَة؟ نُصِبَ لإبراهيم مِنْبَرٌ أمامَ العَرْشِ، ونُصِبَ لي مِنْبَر أمام العرش، ونُصِب لأبي بكر كرسيّ فيجلس عليه، وينادي مناد: يا لَكَ من صِدِّيقٍ بين خليل وحبيب!).
موضوع. أخرجه الخطيب (4/ 386-387) بسند الذي قبله عن معاذ مَرْفُوعًا.
وقد عرفت آفته.
5520- (دَخَلَ إِبْلِيس العراق فقضى حَاجَته، ثم دخل اَلشَّام فطردوه حتى بَلَغَ (بُسَاق)، ثم دَخَلَ مِصْر فَبَاضَ بها وفَرَّخَ وبَسَطَ عَبْقَرِيَّهُ) (1).
ضعيف. أخرجه يعقوب الفسوي في" المعرفة، (2/ 748- 749)، وأبو الشيخ في " العظمة " (12/ 28/ 2 )، والطبراني في " الكبير " (12/ 340/ 13290) من طريق ابن شهاب عن يعقوب بن عبد الله بن المغيرة بن الأخنس عن ابن عمر مَرْفُوعًا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ؛ رجاله ثقات غير يعقوب بن عبد الله ؛ فإني لم أجده في شيء من كتب الرجال هكذا: (ابن عبد الله )، وإنما فيها: (ابن عتبة ابن المغيرة بن الأخنس)، وهو ثقة، من السادسة عند ابن حجر في (التقريب) ، فإن كان هو فالإسناد منقطع، ومن الغريب أن الحافظ الهيثمي مر على هذا دون أي تنبيه؟ فقال (60/10):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)العبقري : ضرب من البُسُط . كما في (القاموس ).

(12/27)
" رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ؛ من رواية يعقوب بن عبد الله بن
عتبة بن الأخنس (!) عن ابن عمر. ولم يسمع منه، ورجاله ثقا ت ".
كذا وقع في كتابه " المجمع " جمع بين (عبد الله) و (عتبة) فقال: (ابن
عبد الله بن عتبة)، ولم يذكر (المغيرة)، وهو خلاف ما في كتب التراجم كما
تقدم، فالظاهر أنه خطأ مطبعي أو من تصرف بعض النساخ أو المصححين ؛ فقد وقع
في نحوه الأستاذ صلاح الدين المنجد في تعليقه على " ابن عساكر " ؛ فإنه صحح
اسم (عبد الله) فجعله (عتبة) وقال في التعليق: " في الأصل (عبد الله)، وهو خطأ "!
وإنما الخطأ ما فعل ؛ فإنه في الأصول كلها التي وقفنا عليها: (عبد الله) ؛
لاسيما وابن عساكر رواه من طريق الفسوي!
ثم إن للحديث طَرِيقًا أخرى: عند ابن عساكر، يرويه بسنده عن خطاب بن
أيوب: ثنا عباد بن كثير عن سعيد عن قتادة عن سالم عن ابن عمر به نحوه ؛ دون
ذكر (بساق).
وخطاب بن أيوب ؛ ذكره ابن أبي حاتم (1/ 2/ 386) بغير هذه الرواية، ولم يذكر فيه جَرْحًا ولا تَعْدِيلًا.
وعباد بن كثير ؛ هو الثقفي البصري ؛ متروك، قال أحمد:
"روى أحاديث كذب ".
هذا ؛ ولعل أصل الحديث موقوف، وهم بعض الرواة فرفعه ؛ فقد قال أبو عذبة: قدمت على عمر بن الخطاب رابع أربعة من الشام ونحن حجاج، فبينا نحن عنده

(12/28)
أتاه آت من قبل العراق، فأخبر أنهم قد حصبوا إمامهم، وقد كان عمر عوضهم منه مكان إمام كان قبله فحصبوه، فخرج إلى الصلاة مغضباً ، فسها في صلاته، ثم أقبل على الناس فقال:
من ههنا من أهل الشام؟ فقمت أنا وأصحابي، فقال:
يا أهل الشام! تجهزوا لأهل العراق ؛ فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ. ثم قال: اللهم! إنهم قد لبّسوا علي، فلبِّس عليهم، وعجِّل لهم الغلام الثقفي ؛ يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم!
أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (2/ 529، 754) عن شريح بن عبيد، و (2/ 755) عن عبد الرحمن بن ميسرة ؛ كلاهما عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن: أبو عذبة ؛ أورده ابن أبي حاتم برواية شريح عنه، ولم يذكر فيه جَرْحًا ولا تَعْدِيلًا ؛ لكن قد روى عنه أَيْضًا عبد الرحمن بن ميسرة ؛ كما ترى، وذكره الفسوي في ثقات التابعين المصريين. والله أعلم.