البابالثانى عشر: الهيكل
الهيـــكل والعبــــادةالقربانيـــة المركزيـــة
The Temple and the Central Sacrificial Cult
«الهيكل» كلمة يقابلها في العبرية «بيت همقداش»، أي «بيت المقدس»، أو «هيخال»،وهي كلمة تعني «البيت الكبير» في كثير من اللغات السامية (الأكادية والكنعانيةوغيرهما). والبيت الكبير أو العظيم هو الطريقة التي كان يُشار بها إلى مسكن الإله،فكلمة «فرعون» تعني «البيت الكبير» وهي تشبه إلى حدٍّ ما عبارة «الباب العالي». وقدتبدَّت الطبقة الحلولية اليهودية التي تراكمت داخل التركيب الجيولوجي اليهودي فيشكل تقديس الأرض الذي تمثَّل في عبادة يسرائيل والعبادة القربانية المركزيةالمرتبطة بالدول العبرانية المتحدة (1020 ق.م) التي قام الكهنة بالإشراف على إقامةشعائرها. ومركز هذه العبادة القربانية هو الهيكل.
ومن أهم أسماء الهيكل «بيت يهوه»، لأنه أساساً مسكن للإله وليس مكاناً للعبادة (على عكس الكعبة مثلاً).ومن هنا، ورغم أنه كان مصرَّحاً للكهنة بل لعبيد الهيكل بالدخول فيه، فلم يكنيُسمَح لهم بالتحرك فيه بحرية كاملة. ولم يكن يُسمَح لأحد على الإطلاق بدخول قدسالأقداس إلا الكاهن الأعظم في يوم الغفران.
والهيكل أهم مبنى للعبادةاليسرائيلية، ومركز العبادة القربانية المركزية. وبعد هدمه عام 70م، لم يحل محلهمبنى مركزي مماثل. وكان يحج إليه اليهود في أعياد الحج الثلاثة: عيد الفصح، وعيدالأسابيع، وعيد المظال. وبعد العودة من بابل، كان السنهدرين يجتمع في إحدى القاعاتالملحقة به.
وفي بداية عباداتهم كان العبرانيون، أعضاء جماعة يسرائيل،يحملون في تجوالهم تابوت العهد الذي كان يُوضَع في خيمة الشهادة أو الاجتماع. ومعاستقرارهم في كنعان كانوا يُقدِّمون الضحايا والقرابين والهبات للآلهة في هيكل محليأو مذبح متواضع مبني على تل عال يُسمَّى «المذبح» أو «المحرقة». وكان هذا الوضعتعبيراً عن استقلالية القبائل وعلاقتها الفيدرالية. ومع هذا كان تابوت العهديُعَدُّ مركز العبادة اليسرائيلية. وبعد تدمير شيلوه (1050 ق.م)، وبعد استيلاءالفلستيين عليه أحضره داود إلى جبل صهيون في القدس حيث بنى خيمة له. وقد ظهرت مراكزالعبادة اليسرائيلية في أماكن مختلفة، ولكن أياً منها لم يفلح في أن يصبح مركزاًدينياً لكل القبائل العبرانية المتناثرة. ولذا فمع تَركُّز السلطة في يد الملوكتركزت العبادة القربانية نفسها في مكان واحد هو الهيكل في القدس. والتي كانت تقععلى الحدود بين عديد من القبائل، كما أنها لم تكن تابعة لأيٍّ من القبائل باعتبارأنها من المدن التي تم الاستيلاء عليها مؤخراً. ولكل هذا، أصبحت القدس مركزاًدينياً للقبائل العبرانية، ومن ثم لعبادة يسرائيل القربانية. وتاريخ بناء الهيكل هوأيضاً تاريخ تَحوُّل عبادة يسرائيل (البدوية المتجولة أو القبلية الفدرالية) إلىالعبادة القربانية المركزية (المستقرة).
الهــــيكل:مكانـته فـــي الوجـــــدان اليهــــودي
TheTemple: Its Status in the Jewish Imagination
يشغل الهيكل مكانة خاصة في الوجدان اليهودي، كما يعبِّر عن التيارالحلولي، فهو يُسمَّى «لبنان» لأنه يُطهِّر يسرائيل من خطاياها ويجعلها بيضاءكاللبن (وبذلك تم ربط الكلمة العبرية «لبن» بكلمة «لبنان»). وكان التصور أنه يقع فيمركز العالم فقد بُنيَ في وسط القدس التي تقع في وسط الدنيا (فقدس الأقداس الذي يقعفي وسط الهيكل هو بمنزلة سُرَّة العالم، ويُوجَد أمامه حجر الأساس: النقطة التيعندها خلق الإله العالم). والهيكل كنز الإله مثل جماعة يسرائيل، وهو عنده أثمن منالسماوات بل من الأرض التي خلقها بيد واحدة بينما خلق الهيكل بيديه كلتيهما. بل إنالإله قرَّر بناء الهيكل قبل خلق الكون نفسه، فكأن الهيكل مثل اللوجوس (أو الكلمةالمقدَّسة)، أو ابن الإله في اللاهوت المسيحي.
ويبدو أن الحاخامات اليهودقد أخضعوا الهيكل، منذ البداية، لكثير من التأملات الكونية. ويذهب أحد العلماء إلىأن هذه التأملات هي وحدها التي تفسر معمار الهيكل وتصميمه. وقد أورد يوسيفوس بعضهذه التأملات، فذكر أن الفناء الذي يحيط بالهيكل بمنزلة البحر، والمقدَّس هو الأرض،وقدس الأقداس هو السماء، والرقم (12)، وهو تعداد كثير من الأشياء الشعائرية، هوشهور السنة. بل إن رداء الكاهن الأعظم كان له أيضاً المغزى الكوني نفسه.
ويبدو أن الصورة المجازية الأساسية في القبَّالاه هي المقابلة بين الإنسانوالكون، فالإنسان كون صغير (ميكروكوزم) يشبه الكون الأكبر (ماكروكوزم)، وهو تَصوُّريعود إلى التأملات المبكّرة للحاخامات حيث كانوا يرون أن الهيكل يشبه جسم الإنسان.
ويشكل هدم الهيكل صورة أساسية في الوجدان الديني اليهودي، فهو يُذكَر عندالميلاد والموت. وعند الزواج، يُحطَّم أمام العروسين كوب فارغ لتذكيرهم بهدم الهيكل (وقد يُنثَر بعض الرماد على جبهة العريس). وفي الماضي، حينما كان اليهودي يطليمنزله، كان الحاخامات يوصـونه بأن يترك مربعاً صـغيراً دون طـلاء حتى يتذكر واقعةهدم الهيكل. وفي كل عام، يُحتفَل بذكرى هدم الهيكل بالصيام في التاسع من آب. وعندكل وجبة، ومع كل صلاة في الصباح، يتذكر اليهود الأتقياء الهيكل، ويصلون من أجل أنتتاح لهم فرصة العودة إلى الأرض المقدَّسة والاشتراك في بناء الهيكل. كما تُتلَىصلاة خاصة في منتصف الليل حتى يُعجِّل الإله بإعادة بناء الهيكل. ويذهب الشرعاليهودي إلى أن اليهودي يتعيَّن علىه أن يمزِّق ثيابه حينما يرى الهيكل لأول مرةوبعد مرور ثلاثين يوماً من آخر مرة رآه فيها. وفي القبَّالاه، يشكّل قدس الأقداسالمخدع الذي يضاجع فيه الملك، أي الإله، عروسه ماترونيت أو الشخيناه (وهي التعبيرالأنثوي عن الإله، وهي أيضاً جماعة يسرائيل). ومن ثم، فإن هدم الهيكل يعني نفيالشخيناه، أي جماعة يسرائيل. ولكن هذا النفي ينعكس على الإله نفسه « فالملك بدونهاليس بملك وليس بعظيم ولا يُسبِّح أحد بحمده » على حد قول الحاخامات، أي أن هدمالهيكل يؤدي إلى شتات الشخيناه/الشعب وإلى نفيها. ومن ثم، فإن هدم الهيكل يؤدي إلىشتات الإله وبعثرته ونفيه. وهذا ممكن داخل إطار حلولي حيثيصبح الإله متوحداًتماماً مع مخلوقاته لا يفصل بينهما فاصل، وحيث يعني نفي الواحد نفي الآخر.
ويرى الصهاينة أن ظهور الصهيونية يعود إلى اللحظة نفسها التي هدم فيهاتيتوس الهيكل وفرض على اليهود الشتات. وهم، بهذا، يعلمون الصورة الأساسية فيالوجدان اليهودي، ويتبنونها كصورة أساسية في فكرهم السياسي، فيعمقون تَزاوُج الدينيوالدنيوي. ويقوم الصهاينة بالتأريخ لوقائع تاريخ العبرانيين، وتواريخ أعضاءالجماعات اليهـودية في فلسـطين، بمصطلحات مثـل «الهـيكل الأول» و«الهـيكل الثاني».ويشير بن جوريون وكثير من العلماء الإسرائيليين إلى دولة إسرائيل باعتبارها «الهيكلالثالث».
هيـــكل ســـليمان
Solomon's Temple
اشترىداود أرضاً من أرونا اليبوسي ليبني فيها هيكلاً مركزياً، ولكنه لم يشرع هو نفسه فيعملية البناء (وتبرر التوراة ذلك بأن الرب منعه من ذلك لوقوعه في خطأ قتل أورياالحيثي)، فوقعت المهمة على عاتق ابنه سليمان الذي أنجزها في الفترة 960 - 953 ق.م.ولذا، فإن هذا الهيكل يُسمَّى «هيكل سليمان» أو «الهيكل الأول». وحسب التصوراليهودي، قام سليمان ببناء الهيكل فوق جبل موريا، وهو جبل بيت المقدس أو هضبة الحرمالتي يُوجَد فوقها المسجد الأقصى وقبة الصخرة. ويُشار إلى هذا الجبل في الكتاباتالإنجليزية باسم «جبل الهيكل» أو «تمبل ماونت Temple Mount»، وهو بالعبرية «هرهبايت»، أي «جبل البيت» (بيت الإله).
ومن الصعب الوصول إلى وصف دقيق لهيكلسليمان، فالمصدران الأساسيان لمثل هذا الوصف هما كتاب الملوك الأول (6/8)، والأخبارالثاني (2/4) في العهد القديم، وهما مختلفان في عديد من التفاصيل المهمة. كما أنالمصادر الأخرى تعطي تفاصيل تناقض أحياناً تلك التي وردت في هذين المصدرينالأساسيين.
وهيكل سليمان جزء من مُركَّب معماري ملكي يضم قصر الملك ومبانيأخرى، مثل: بناء للصناع، وقاعة للاجتماعات، وبهو للعرش، وبـهو للمحكمـة العليا،وبناء كبير للحريم، وبيت لابنة فرعون زوجة سليمان. وكان هذا المركب المعماري ملحقاًبه المذبح الصغير الذي يضم تابوت العهد. وكان يحيط بكل هذه المباني فناء واسع. وكانمثل هذه المركبات المعمارية أمراً شائعاً في الشرق الأدنى القديم. وقد أُقيم هيكلسليمان مكان المذبح الصغير، يحيط به فناء مقصور عليه، أعلى من الفناء الخارجي، ومنثم فهو يفصله عن المركب المعماري الأكبر. وكان أفراد الشعب، أو (العبرانيون أوجماعة يسرائيل) يجتمعون في هذا الفناء في مواسم الحج والمناسبات الأخرى. وكانت هناكعدة بوّابات يمكن دخول فناء المعبد من خلالها. وثمة إشارة إلى البوابة العليا،وبوابة الملك، والبوابة الجديدة، وبوابة المجلس، وبوابة السجن، ولكننا لا نعرفمواقعها الحالية على وجه الدقة. وتبلغ أبعاد هيكل سليمان 90 قدماً طولاً و30 قدماًعرضاً و45 قدماً ارتفاعاً. وهو لا يختلف كثيراً في تقسيمه الثلاثي (المدخل، والهيكلأو البهو المقدَّس، وقدس الأقداس) عن الهياكل الكنعانية. كما تم العثور على هيكل فيسوريا، بجوار قصر ملكي يعود تاريخه إلى القرن الثامن أو التاسع قبل الميلاد، يكاديكون نسخة من هيكل سليمان.
ولوصف محتويات الفناء (كما يراها المتقدم منالخارج إلى الداخل)، نقول: على يمين الداخل إلى المعبد، ساحة تسميها بعض المراجعساحة الكهنة. وعلى مقربة من المعبد نفسه، هناك حوض مصبوب من البرونز لحرق الذبائح،وعلى اليسار يوجد حوض يُسمَّى «بحر النحاس» أو «البحر المسبوك»، وهو إناء ضخمقاعدته مكونة من اثنى عشر ثوراً تمثل القبائل العبرانية، وتتجه كل ثلاثة منها إلىإحدى الجهات الأصلية. وكان الكهنة يغتسلون في هذا الحوض، ولكن بعض الباحثين يذهبونإلى أنه ذو دلالة رمزية فقط وليست له أية وظيفة عملية. ويبدو أنه كان هناك أيضاًعشرة أحواض من النحاس تُغسَل فيها الذبائح.
ثم يصعد الداخل عشر درجات (1) (الأرقام تقابل تلك الموجودة في مخطط هيكل سليمان) في مرقاة تفضي إلى رواق معمَّد،وهناك سيجد عمودي ياقين (2) وبوعز (3) يقفان بلا سقف يحملانهما، ويُقال إنهما قديكونان رمزين لآلهة دينية بدائية قديمة. ويذهب أحد علماء العهد القديم إلى أنهماكانا يُستخدمان كمذبحي نار تُحرَق فيهما شحوم الحيوانات، أو ربما كانا رمزين لشجرةالحياة أو مبخرتين. ويذهب أحد العلماء إلى أن كلمتي «ياقين» و«بوعز» هما أول كلمتينفي شعارين ملكيين، أولهما يقول: "ليؤسس (ياقين) الرب عرش داود ومملكته لورثته إلىالأبد"، ويقول الثاني: "بمقدرة (بوعز) الرب سيفرح الملك". كما أن هناك رأياً آخريذهب إلى أن العمودين هما رمز الشمس والقمر، أو رمز عمود الدخان وعمود النار اللذينكانا يتقدمان العبرانيين في الصحراء. وبعد العمودين، توجد قاعة المدخل (4) بعداها 25, 16 و32 قدماً، ويُطلَق عليها لفظ «أولام» (والكلمة من الأكادية وتعني الواجهة)،ووظيفتها فصل الهيكل (المقدَّس) عن العالم الخارجي (المدنَّس). ويُوجَد في الواجهةباب المعبد الخارجي الذي يفتح على البهو المقدَّس(5)، والذي يُشار إليه باسم «بيتهامقداش» أي «البيت المقدَّس» أو «بيت أدوناي»، أي «بيت الإله». وهو أيضاً «الهيكل»و«الحرم» و«المقدَّس»، وبعداه 65 و32.5 قدم، وهو الجزء الذي كانت تتم فيه معظمشعائر العبادة القربانية، فكأنها هي الهيكل وما عداها ملحقات.
وكانت حوائطالبهو المقدَّس وأرضه مغطاة بخشب السرو، وكانت الحوائط مطعمة بالذهب ومنقوشة عليهاصور نخيل وأزهار وملائكة. أما سقفه وأبوابه فكانت من خشب الأرز، يقف على جانبيهعشرة شمعدانات ذهبية (مينوراه)، خمسة عل كل جانب، ويُقال إنها كانت موضوعة على عشرموائد. كما أن الهيكل كان يضم مذبحاً للبخور مطعماً بالذهب (ويُلاحَظ أن الأوانيالقربانية الموجودة خارج الهيكل مصنوعة من البرونز أو النحاس، أما داخله فمن الذهب،وهو ما يرمز إلى تَزايُد درجات القداسة). وكان الهيكل يضم أيضاً مائدة «خبزالتقدمة» أو «خبز الوجه» الذي يُقدَّم لوجه الإله. وهذه عادة وثنية حيث كان الكهانيقومون بإطعام الإله (كما كان الحال عند المصريين القدماء). وكان هـذا الجزءالداخلي من الهـيكل مزوداً بنوافذ، ولا يدخله سوى الكهنة، وإن كان يُسمَح عندالضرورة بدخول عبيد الهيكل للقيام بالأعمال التي لا قداسة لها. ويلي ذلك بابان منخشب الأرز مطعمان بالذهب ويفتحان على غرفة مربعة (32.5× 32.5 قدم) لا نوافذ لها،أرضها أكثر ارتفاعاً من أرض الهيكل، ولذا فإن ارتفاع الحجرة كان 32.5 قدم أيضاً وهوما يجعلها مكعباً تماماً. هذه الغرفة هي قدس الأقداس (6) التي لا يدخلها سوى كبيرالكهنة في يوم الغفران، فينطق باسم يهوه الذي كان محرَّماً على اليهود النطق به.وفي داخل محراب قدس الأقداس نفسه، يوضع تابوت العهد أو تابوت الشهادة، وعلى يمينهويـساره كان هنـاك تمثالا مـلاكين (كروبين) مذهبان من خشـب الزيتون بارتفـاع 10أذرع وطـول جنـاح الملاك 5 أذرع، وهما رمز الحماية الإلهية. وتابوت العهد أهمالأشياء الشعائرية لأنه إذا كان الهيكل بيت الإله، فالتابوت هو المكان الذي يرمزإلى وجوده في الهيكل، وإلى حلوله بين الشعب. والهيكل يتجه من الغرب إلى الشرق،وتحيط به مبانٍ من ثلاثة طوابق من جميع الجوانب ما عدا البوابة، وقد كانت هذهالمباني مقسمة إلى حجرات وصوامع لتخزين الأواني والكنوز والهدايا بل أحياناًالأسلحة (7). وقد بُني الهيكل على هيئة قلعة الأمر الذي كان يدعم دوره في السياسةالمحلية والدولية كمصدر للشرعية.
وكان العبرانيون القدامى يجهلون أصول فنونالهندسة والعمارة وألوان الفنون الأخرى، نظراً لحياتهم البدوية كرعاة، ونظراً لعدموجود تقاليد حضارية ثابتة لديهم، على خلاف الحال في مصر وبعض البلاد المجاورة. ولكلهذا، فحينما بدأ سليمان في تشييد الهيكل، استجلب المهندسين والبنائين من صيدا وصور،إذ ساعده ملكها وحليفه حيرام فصنع له أواني الهيكل التي قام بتنفيذها رجل نصف يهوديمن صور. أما الأعمال التي لا تحتاج إلى كثير من المهارة، فقد حُشد لها 180 ألف عامل (30 ألف عبراني و150 ألف كنعاني، وكان هناك ثلاثة آلاف يعملون رؤساء للعمال). وكانالعمال مسخرين على ما جرت به العادة في تلك الأيام. وقد تم استيراد القسم الأعظم منمواد البناء من فينيقيا. وثمة إشارة في العهد القديم، وفي الأساطير الدينيةاليهودية، إلى عدم استخدام أية أدوات حديدية في قطع أحجار البناء. وقد كرس سليمانجزءاً كبيراً من ثروة الدولة والأيدي العاملة فيها لبناء الهيكل. ولذا، فبعدالانتهاء منه، قامت عدة ثورات انتهت بانقسام الدولة العبرانية المتحدة وتساقطالعبادة القربانية المركزية.
وكما أسلفنا، لا يختلف هيكل سليمان في معمارهعن الهياكل الكنعانية التي يبدو أنها تأثرت بالطراز الفرعوني الذي أخذه الفينيقيونمن مصر وأضافوا إليه ما أخذوه من الآشوريين والبابليين من ضروب التزيين. ولذلك، فإنالطراز الذي بُني عليه الهيكل يُسمَّى «الطراز الفرعوني الآشوري»، وذلك على عكسهيكل هيرود الذي اتبع أساليب المعمار اليوناني الروماني. وقد كان العبرانيونيعتقدون أن هيكل سليمان إحدى عجائب العالم، لكن هذا كان راجعاً إلى جهلهم بأن هناكمعابد مصرية وآشورية عجيبة في ضخامتها.
وقد فقد الهيكل كثيراً من أهميتهعند انقسام مملكة سليمان إلى مملكتين صغيرتين (928 ق.م)، إذ شيَّد ملوك المملكةالشمالية مراكز مستقلة للعبادة. فبنى يربعام معبدين أو هيكلين أحدهما في دانبالشمال والآخر في بيت إيل، وجعل فيهما عجولاً ذهبية، واتخذهما مزاراً ملكياًمقدَّساً له. وقد أحاط المعبدين بهالة من القدسية حتى يضرب العبادة المركزية ويحولدون ذهاب مواطني مملكته إلى هيكل القدس. ورغم التحالفات التي كانت تُعقَد أحياناًبين ملوك الشمال والجنوب، فإن الهيكل لم يستعد قَطّ مركزيته القديمة. ومن المعروفكذلك أن أونياس الثالث (أو الرابع)، الكاهن اليهودي الأعظم الذي خُلع من منصبه فيفلسطين، فرّ إلى مصر وشيَّد معبداً آخر (في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد) فيلينتوبوليس على موقع أحد المعابد المصرية القديمة، وذلك بهدف تقديم الخدمات الدينيةللجماعة اليهودية في مصر. وقد تم ذلك بإيعاز من البطالمة لخلق مركز جذب يهودي فيمصر يهيمن عليه البطالمة. وكثيراً ما كان ملوك اليهود يضطرون إلى إدخال العباداتغير اليهودية تعبيراً عن تحالفاتهم السياسية. فأنشأ سليمان مذابح لآلهة زوجاتهالأجنبيات، الأمر الذي يتنافى مع مبدأ التوحيد. كما أن العبادات المختلفة كانتتعبيراً عن التبعية السياسية، فقد أدخل منَسَّى العبادة الآشورية تعبيراً عن خضوعهللآشوريين. وهجم فرعون مصر شيشنق على مملكة يهودا ونهب نفائس الهيكل، كما هاجمهيوآش ملك المملكة الشمالية ونهبه هو الآخر. وقد هدم نبوختنصر البابلي هيكل سليمانعام 586 ق.م، وحمل كل أوانيه المقدَّسة إلى بابل.
المفضلات