صفحة 6 من 6 الأولىالأولى ... 23456
النتائج 51 إلى 54 من 54
 
  1. #51
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    ثانياً: من نهاية القرن الحادي عشر الميلادي حتى بداية عصر النهضة فيالغرب:

    تتسم هذه الفترة من العصور الوسطى بتدهور أحوال اليهود. ويمكناعتبار حروب الفرنجة التي تُعرَف اصطلاحاً باسم «الحروب الصليبية» نقطةً حاسمة فيتواريخ أعضاء الجماعات اليهودية، لا لأنها قامت بالهجوم عليهم ولكن لأنها تزامنت معتحوُّل اقتصادي عميق في المجتمعات الغربية. وقد كانت هذه الحروب تعبيراً عن التحولالمتمثل في ظهور القوى الاقتصادية المسيحية، مثل اللومبارد في إيطاليا والكوهارسينفي جنوب فرنسا وفرسان الهيكل في فرنسا وغيرها من مناطق أوربا، والمتمثل أيضاً فيظهور جماعات رجال المال المحليين. لقد حلت هذه القوى الجديدة محل اليهود في التجارةالدولية أو في تجارة الجملة، وفي مجالات ونشاطات اقتصادية أخرى مثل إقراض المبالغالكبيرة، الأمر الذي دفع اليهود إلى العمل في الربا والتجارة الصغيرة البدائية.واستمر هذا التيار في التَزايُد، وتبلور في القرن الثالث عشر الميلادي، واستمر حتىالقرن الخامس عشر الميلادي، حتى أصبحت كلمة «يهودي» تعني «مرابي». وشهد هذا القرنأيضاً ظهور الملكيات القومية القوية التي بدأت تستقل بنفوذها عن الكنيسة وأصبحت لهامشروعاتها السياسية والاقتصادية المستقلة. وأدَّى هذا الوضع إلى ازدياد احتياج بعضهذه الدول إلى أعضاء الجماعة اليهودية لفترة من الزمن ثم إلى استغنائها عنهم فيمرحلة لاحقة. وساهمت حركات الهرطقة في جنوب فرنسا، من القرن الحادي عشر حتى القرنالرابع عشر الميلادي، في تدهور وضع أعضاء الجماعات اليهودية حين اضطرت الكنيسة إلىاتخاذ موقف متشدد ونشطت محاكم التفتيش.

    ويُعَدُّ يهود إنجلترا مثلاًجيداً على صعود اليهود وتدهور حالهم ثم طردهم وتَحوُّلهم من التجارة إلى الربا ومناعتماد الطبقة الحاكمة عليهم إلى استغنائها عنهم. فهم لم يتأثروا كثيراً بحروبالفرنجة وإن شنت بعض الهجمات عليهم، ولكنهم تأثروا بظهور القوى المالية غيراليهودية، مثل اللومبارد والكوهارسين، الأمر الذي أدَّى إلى إفقارهم. وقد أصدرإدوارد الأول عام 1274 أمراً بمنع اليهود من الاشتغال بالأعمال المالية، وفتح لهمأبواب الزراعة والحرف والتجارة، ولكنه لم يُوفَّق في مساعيه فطردهم عام 1290.والظاهرة نفسها يمكن ملاحظتها بين يهود فرنسا الذين طُردوا من التجارة، حتى بلغتدهورهم حداً كبيراً تحت حكم لويس التاسع (1226 ـ 1270) ثم تم طردهم عام 1306.

    ويتسم وضع يهود إسبانيا في تلك المرحلة بأنه أكثر تركيباً بسبب وضع إسبانياالخاص. فبعد فترة ازدهرت فيها التجارة اليهودية، أقيمت محاكم التفتيش عام 1478،وانتهى الأمر بطرد اليهود من إسبانيا عام 1492 بقرار من فرديناند وإيزابيلا، كما تمطردهم من البرتغال عام 1497. وبلغ عدد اليهود الذين طُردوا نحو مائة وخمسين ألفيهودي، لجأت أعداد كبيرة منهم إلى العالم الإسلامي في شمال أفريقيا والدولةالعثمانية، وهاجر بعضهم إلى فرنسا وهولندا. أما يهود ألمانيا، فكان من الصعب طردهممن بلادهم بصورة كاملة، لأن ألمانيا كانت مقسَّمة إلى عدة إمارات صغيرة ولم تكن بهادولة مركزية قوية. وقد ضمن هذا الوضع استمرارهم إذ كانوا حينما يُطرَدون من إمارةيلجأون إلى أخرى كما كان الحال في إيطاليا، وعلى عكس ما حدث في فرنسا وإنجلتراوإسبانيا حيث كانت توجد سلطة مركزية قوية نسبياً.

    ومع ذلك، يمكننا أن نقولإن معظم المدن الألمانية طردت اليهود في نهاية الأمر. ومع القرن السادس عشرالميلادي، لم تكن هناك جماعات يهودية إلا في ورمز وفرانكفورت، وكانت تُوجَد جيوبيهودية صغيرة متناثرة داخل الإمارات المختلفة. ونتيجة حروب الفرنجة، ولأسباب أخرىأيضاً، بدأ التجار اليهود بدعوة من الملوك البولنديين يسـتوطنون بولندا في القرنالثالث عشـر الميلادي، وذلك لتشـجيع التجارة. وقد كانت هناك عوامل تؤدي إلى تَناقُصعدد أعضاء الجماعات اليهودية من بينها عمليات الطرد، ولكن أهم هذه العوامل كانالاندماج والتنصر الطوعي، كما يقرر إسحق أبرابانيل (الكاتب الأسباني اليهودي فيالعصر الوسيط). ولكن، ورغم هذه العوامل، فقد زاد عدد يهود أوربا الكلي بين القرنينالثاني عشر والثالث عشر الميلاديين بسـبب الارتفاع النسـبي لمسـتواهم المعيـشي أوبسـبب هجرة يهود الخزر، حسب نظرية آرثر كوستلر، أو لمركب من هذه الأسباب جميعاً.ومع حلول القرن الثالث عشر الميلادي، كانت أغلبية يهود العالم تعيش في أوربا. وقدتعرَّض كثير من الجماعات اليهودية في غرب أوربا للهجمات الشعبية أثناء وباء الطاعونأو الموت الأسود إذ أُلقي باللوم على اليهود ووُجِّهت إليهم تهمة نشر الوباء. وقامتالكنيسة ومعها الملوك بمحاولة حماية أعضاء الجماعات اليهودية من غضب الثوراتالشعبية.

    وكان التركيب الاجتماعي لأعضاء الجماعات اليهودية في أوائل العصورالوسطى الغربية هرمياً. وقد شغل أعضاء سبع أسر من مينز وورمز كل المناصب المهمة فيفرنسا وألمانيا، فكان منهم قادة الجماعة اليهودية ورؤساء المدارس التلمودية ومعلموالتوراة. وظل الانتماء الأسري لليهودي أمراً مهماً جداً في تحديد مكانته الاجتماعيةداخل الجماعة اليهودية، تماماً كما كان الأمر بالنسبة إلى المسيحي في المجتمعالإقطاعي الغربي، وظل هذا الوضع حتى القرن الثاني عشر الميلادي. ولكن، مع حلولالقرن الثالث عشر الميلادي، زاد نفوذ أثرياء اليهود، وأصبح بالإمكان إحراز المكانةمن خلال الثروة خارج نطاق الوراثة. وتمتع أعضاء الجماعات في الغرب حتى القرن التاسععشر الميلادي، شأنهم شأن الفئات والطوائف الأخرى، بما نسميه «الإدارة الذاتية»،وذلك في الشئون الخاصة بهم كطائفة دينية، أي فيما يتعلق بالمحاكم والمدارس وشئونالزواج والدفن. وقد قوَّى هذا هيمنة النخبة اليهودية على أعضاء الجماعة الذين كانوايشكلون حلقة الوصل بين أعضاء الجماعة والسلطة الحاكمة في عملية جمع الضرائب وغيرهامن الأمور.

    ومع حلول القرن الثالث عشر الميلادي، أصبح أعضاء الجماعاتاليهودية في المجتمعات الغربية الوسيطة جماعة وظيفية وسيطة تشكل جسماً غريباً بمعنىالكلمة وتعيش على هامش المجتمع أو في مسامه، تؤمن بدين معاد للديانة الرسمية بل تقفمنها موقف النقيض، فاليهود قتلة المسيح وفق التصور المسيحي وهم يقرأون نفس الكتابالمقدَّس (العهد القديم) دون أن يعـوا مضمونه، وهم بحســب القول المسـيحي: " أغبياءيحملون كتباً ذكية "، كما أنهم يرجعون لكتاب ضخم من كتب التفسير يُسمَّى التلمودالذي هو موضع شك العالم المسيحي، ويرتدون أزياء خاصة بهم، ويتسمون بأسماء يهودية،ويتحدثون برطَانَات غريبة وأحياناً بلغة غير لغة أهل البلاد مثل الفرنسية فيإنجلترا والألمانية في بولندا، ويعملون في وظائف هامشية مثل التجارة والربا. وقدأخذت عزلتهم تتزايد حتى تبلورت تماماً داخل الجيتو خلال القرن الخامس عشر الميلادي.ويبدو أن استبعاد اليهود إلى هذا الحد هو الذي أدَّى في نهاية الأمر إلى ظهورالمسائل اليهودية المختلفة في غرب أوربا ووسطها وشرقها. ولم تكن مؤسسات يهود أورباالإدارية والتنظيمية في العصور الوسطى تمتلك بيروقراطية محترفة معترفاً بها من قبَلالدولة المركزية، ولم يكن هناك نظير لرأس الجالوت (المنفى) أو رئيس اليهود (نجيد)،فكان لكل قهال قوانينه الخاصة به (تاقانوت) التي يحدد فيها حقوقه وامتيازاته ويدافععنها ضد يهود المدن المجاورة. وكانت المحكمة التابعة لكل قهال مستقلة تباشر نفوذهامن خلال التهديد بالطرد من الجماعة (حيريم). وانقسام القهالات على هذا النحو كانتعبيراً عن اللامركزية التي كانت تسم النظام الإقطاعي في أوربا (ويختلف وضعالجماعات اليهودية في العصور الوسطى في الغرب في كـثير من الوجـوه عنه في العـالمالإســلامي في الفترة نفسها. ففي العالم الإسلامي، اندمج اليهودي في مجتمعه علىالمستوى الوظيفي والاقتصادي والحضاري. كما أنه، باعتباره عضواً في جماعة دينية، لميكن فريداً بل كان ضمن أقليات دينية أخرى).

    ومن الصعب تحديد عدد اليهودفي كل من أوربا والعالم في ذلك الوقـت. ويبدو أن من العسـير أيضاً الوصـول إلىتقـديرات تقريبية. ولذا، فإن الأرقام أقرب إلى التخمينات التي تستند إلى كم هائل منالوثائق المتضاربة، بل إن الأرقام الخاصة بالعصور الوسطى قد تكون أقل دقة من تلكالخاصة بالعالم القديم حيث كان يُوجَد جهاز إداري تابع للإمبراطورية (الرومانية علىسبيل المثال) التي كانت تقوم بحصر سكانها وفرض الضرائب عليهم. ويبدو أن عدد يهودالعالم كان يبلغ في القرن الثاني عشر الميلادي مليوناً معظمهم في العالم الإسلامي.ولكن، مع القرن الثالث عشر الميلادي، بدأ عددهم يزداد تدريجياً ليصل إلى مليون ونصفمليون، منهم عدد كبير في أوربا. وفيما يلي بيان تقريبي بعدد يهود أوربا خلال الفترةمن عام 1300 إلى عام 1490:

    الدولــــة / عام 1300 عدد اليهود /عددالسكان / عام 1490 عدد اليهود / عدد السكان

    فرنسا /100.000 / 14مليوناً / 20.000 / 20 مليوناً

    الإمبراطورية الرومانية المقدسة
    وضمنذلك سويسرا وهولندا / 100.000 / 12 مليوناً / 80.000 / 12 مليوناً

    إيطاليا / 50.000 / 11 مليوناً / 120.000 / 12 مليوناً

    إسبانيا / 150.000 / 5.5مليون / 250.000 / 7 ملايين

    البرتغال / 40.000 / 600 ألف / 80.000 / مليونواحد

    بولندا / 5.000 / 500 ألف / 30.000 / مليون واحد

    المجر / 5.000 / 400 ألف / 20.000 / 800 ألف

    المجموع / 450.000 / 44 مليوناً / 60.000 / 53مليوناً

    ولم يكن حجم أية جماعة يهودية في أية مدينة يزيد على ألفين.وكانت الجماعة المكونة من عدة مئات تُعتبَر مهمة وكبيرة. ويُلاحَظ أيضاً خلوإنجلترا من اليهود بعد أن كان قد تم طردهم. أما يهود فرنسا، فكانوا يوجدون أساساًفي الإمارات البابوية. ويُلاحَظ أن أغلبية يهود العالم كانت لا تزال في العالمالعربي الإسلامي، وأن الجماعات اليهودية كانت لا تزال متركزة في حوض البحر الأبيضالمتوسط.












  2. #52
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    الشـعب الشاهد
    Witness People
    «الشعبالشاهد» هو أحد المفاهيم الأساسية التي ساهمت في تحديد وضع الجماعات اليهودية فيالغرب كجماعات دينية إثنية داخل التشكيل الحضاري الغربي. وللمفهوم جانبان متناقضانولكنهما مع هذا متكاملان. أما الجانب الأول، فهو رؤية الكنيسة لليهود باعتبارهمالشعب الذي أنكر المسيح المخلِّص عيسى بن مريم الذي أُرسل إليهم، فصلبوه بدلاً منالإيمان به. وقد رأى آباء الكنيسة أن الهيكل هُدم وأن اليهود تشتتوا عقاباً لهم علىما اقترفوه من ذنوب. كما أعلن أحد الآباء أن الكنيسة أصبحت إسرائيل الحقيقية أوإسرائيل فيروس، وأنها إسرائيل الروحية والشعب المقدَّس هو المسيحيون، أما اليهودفهم إسرائيل المادية الزائفة. ودعا الكنيسة إلى أن تطرح ماضيها اليهودي جانباً وأنتتوجه إلى العالم الوثني ككل، أي إلى العالم بأسره. وكل هذا يعني أن آباء الكنيسةلم ينظروا إلى اليهودية باعتبارها مجرد هرطقة دينية وإنما نظروا إليها باعتبارهاعقيدة مستقلة معادية. وربما لو اعتُبرت اليهودية مجرد هرطقة لتم اجتثاث الجماعاتاليهودية وتنصير أعضائها بالقوة كما حدث في العصور الوسطى حينما أبادت الكنيسةالكاثوليكية أتباع الهرطقة الألبيجينية وغيرها من الهرطقات. وتطورت صورة اليهودي فيالوجدان المسيحي، فكان يُرمَز إليه بعيسو مقابل يعقوب، وهو أيضاً قابيل الذي قتلأخاه هابيل، وأصبح كذلك قاتل المسيح.

    أما الجانب الآخر من فكرة الشعبالشاهد، فإنه يعود أيضاً إلى آباء الكنيسة، وخصوصاً القديس بولس، حيث يذهب إلى أنرفض اليهود قبول مسيحهم المخلِّص هو سر من الأسرار. وهم يحملون الكتاب المقدَّسالذي يتنبأ بمقدمه منذ أيام المسيح، ومع هذا ينكرونه، ولذا فقد وُصفوا بأنهم «أغبياء يحملون كتاباً ذكياً » (أي لا يعون فحوى ما يحملون). وتنبأ القديس بولسأيضاً بأن قسوة قلب إسرائىل ستزداد على مر الأيام إلى أن يتنصر الأغيار جميعاً،وحينئذ سيتم خلاص إسرائيل نفسها أي اليهود كشعب بالمعنى الديني. كما تنبأ بأناليهود سيهيمون على وجوههم بلا مأوى ولا وطن حتى نهاية الزمان. وتتواتر الصوروالأفكار نفسها في كتابات القديس أوغسطين، فاليهود مثل قابيل الهائم على وجهه،وشتات اليهود لم يكن فقط عقاباً لهم على رفضهم العهد الجديد وعدم إدراك أن العهدالجديد وضَّح المعاني الخفية في العهـد القـديم بل إن هذا الشُـتات هو نفسـه إحدىالوسائل لنشر المسيحية، كما أن ضعَة اليهود وتَمسّكهم في الوقت نفسه بشعائر دينهمالتي ترمز للمسيحية منذ القدم، دون أن يعوها، يجعل منهم شعباً شاهداً يقف دليلاًحياً على صدق الكتاب المقدَّس وعلى عظمة الكنيسة وانتصارها. وبذا، تحوَّل اليهودإلى أداة لنشر المسيحية (وتمت حوسلتهم لصالح العالم المسيحي). ولعل هذا يفسر حقيقةتهملها كثير من الدراسات، وهي أن محاكم التفتيش كانت تتعقب اليهود المتنصرين لتتأكدمن مدى إيمانهم، أما أعضاء الجماعات اليهودية فلم تكن لها أية صلاحيات لمحاكمتهم.

    وقد ساهم كلا العنصرين المتناقضين السابقين في صياغة السياسة الكاثوليكيةإزاء الجماعات اليهودية، فكانت الكنيسة ترى ضرورة الإبقاء على اليهودية وعلى اليهودكشعب شاهد سيؤمن في نهاية الزمان بالمسيحية، ولذا تنبغي حمايتهم من الهلاك والدمارولكن يجب أيضاً وضعهم في مكانة أدنى من المسيحيين. ولهذا، كانت الكنيسة تقوم بحملاتتبشيرية بين اليهود، ولكنها في الوقت نفسه كانت تمنع تنصيرهم بالقوة وتُحرِّم توجيهتهمة الدم إليهم، ومن هنا كان دور الكنيسة المزدوج فقد ساهمت في اضطهاد اليهودولكنها لعبت في الوقت نفسه دوراً أساسياً في حمايتهم من الجماهير الغاضبة المستغَلةوفي الإبقاء عليهم. وقد تم تلخيص الموقف في العبارة التالية: « أن تكون يهودياً،فهذه جريمة، ولكنها جريمة لا تُوجب على المسيحي أن ينزل بصاحبها العقاب، فالأمرمتروك للخالق ».

    ومن أهم آثار فكرة الشعب الشاهد أنها وضعت اليهود، منالناحية المعنوية والأخلاقية، على حدود التاريخ الغربي والتشكيل الحضاري الغربي،وعمقت حدوديتهم وهامشيتهم بحيث يمكن القول بأن فكرة الشعب الشاهد الكاثوليكي هيالمقابل الديني لمفهوم أقنان البلاط الطبقي الذي حدد وضع اليهود كجماعة وظيفيةوسيطة. ويُلاحَظ أن فكرة الشعب الشاهد تؤكد ضرورة الحفاظ على اليهود كأداة وعنصرغريب لا جذور له في الحضارة الغربية، وذلك ليخدموا غرضاً أو هدفاً غير يهودي.وتعمَّق هذا الإطار الفكري فيما بعد في الفكر البروتستانتي الخاص بالعقيدة الألفيةوعقيدة الخلاص الاسترجاعية التي ترى أن اليهود أداة من أدوات الخلاص، وتمت علمنةالمفهوم فيما بعد فتحوَّل إلى ما نسميه «الشعب العضوي المنبوذ»، أي أن اليهوديشكلون شعباً عضوياً منبوذاً لا مكان له داخل الحضارة الغربية، وهو المفهوم الذييشكل إطار التصور الغربي للجماعات اليهودية منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي،وهو الأساس الفكري لكل من الصهيونية ونزعة معاداة اليهود. ويُلاحَظ أن وعد بلفورينطلق من تَصوُّر مشابه لفكرة الشعب الشاهد، فبلفور يرفض الوجود اليهودي داخلالحضارة الغربية ولكن لم يكن لديه مانع من أن يرعاه مادام موجوداً خارجها وعلىحدودها في فلسطين.

    المواثيـــــق والمزايـــــا والحمايــة
    Charters, Priviliges and Protection
    يُسمَّى الميثاق باللاتينيةكارتا«carta» وفي الإنجليزية، يُسمَّى الميثاق تشارتر«charter». والمواثيق نصوصكانت تُصدرها جهة رسمية تتعهد فيها بتزويد فرد أو مجموعة من الأفراد بحماية خاصةوتمنحهم المزايا وتحدد حقوقهم وواجباتهم. وكان الأمراء والملوك يمنحون أعضاءالجماعات اليهود مثل هذه المواثيق التي كانت تؤكد وضعهم كجماعة وظيفية مالية داخلالمجتمع الإقطاعي الوسيط في الغرب. وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، لميعد هناك قانون عام واحد يسري مفعوله في التشكيل السياسي الغربي كله رغم اعترافالدول بمثل هذا القانون. وكان اليهود قد مُنحوا حق المواطنة حسب مرسوم كاركالا.ولكن، مع انتشار القانون أو العرف الألماني، تَغيَّر الوضع القانوني (فيما بعد)للجماعات اليهودية. وكان القانون الألماني يرى أن الغريب لا مكانة له ولا حقوق، كماكان يمكن قتله دون أن يُعاقَب قاتله، وكان كل من يمنحه المأوى يصبح مسئولاً عنأفعاله، وكذلك كان لا يحق له امتلاك شيء وليس لورثته حق الميراث. وكان الغريب يعيشحسب قانون حاميه، كما كان الاعتداء عليه اعتداءً على حاميه. وكان اليهودي هو الغريبالأساسي في المجتمع، نظراً لأنه لم يكن يعمل لا بالزراعة ولا بالقتال، وهماالمهنتان الأساسيتان في المجتمع الإقطاعي، كما لم يكن اليهودي ملحقاً بأي من المدنأو مؤمناً بالمسيحية. وحسب القانون الألماني، فإن أي فرد لا حقوق له، ولا يتمتعبحماية أية جماعة أو فرد، كان يُوضَع تحت حماية الملك ويصبح من أقنانه. وكانتالحقوق والواجبات تُحدَّد بشكل دقيق ولا تسري إلا على الغرباء. أما أعضاء المجتمع،فكانوا يتعاملون بشكل شخصي داخل إطار الأعراف القائمة. ومن ثم، كان الملوك يُصدرونالمواثيق التي تؤكد وضع اليهود تحت حمايتهم وتمنحهم المزايا. وكان إطار هذهالمواثيق هو المبادئ الأساسية العامة، ثم تنشأ حولها بعد ذلك مجموعة أخرى من الحقوقوالمزايا غير المكتوبة. ومن أشهر المواثيق ما أصدره في ألمانيا رودريجز هاوتسمان (أسقف سبير) عام 1084، والميثاق الذي أصدره الإمبراطور هنري الرابع لبعض اليهود فيبعض المدن عام 1090، وميثاق هنري الرابع ليهود ورمز عام 1090، وميثاق الإمبراطورفريدريك الأول عام 1157 والذي استُخدم فيه مُصطلَح «أقنان البلاط» ربما لأول مرة.وقد استخدم فريدريك الثاني هذا المُصطلَح عام 1236 للإشارة إلى يهود ألمانيا جميعاًكما أصدر ميثاقاً عام 1238 ليهود فيينا. وهناك ميثاق الملك جون الذي أصدره ليهودإنجلترا عام 1201، والميثاق الذي أصدره شارل الخامس ليهود فرنسا عام 1360. وكانتهذه المواثيق تشبه من بعض الوجوه جواز السفر. وعلى سبيل المثال، أصدر لويس التقيعام 820 ميثاقاً كان يحمله اليهود يُطلَب فيه من الأساقفة والنبلاء والحكام وجامعيالضرائب وكل الرعايا المخلصين ألا يتعرضوا لليهود وألا يضايقوهم أو يصادروا أموالهمأو يفرضوا عليهم أية ضرائب أو يطلبوا إليهم أن يزودوا الجنود والموظفين العابرينبالطعام أو المأوى أو يطلبوا منهم هبات أو مساهمات مالية لصيانة الطرق والأنهاروالكباري أو يُحصِّلوا منهم ضريبة مرور.

    بل إن الميثاق كان أكثر من جوازسفر إذ كان يعطي أصحابه مزايا عديدة، ومن هنا أصر اللومبارد والتجار الآخرون علىالحصول على مواثيق شبيهة بتلك التي مُنحت لليهود. ومن أهم المزايا التي حصل عليهاأعضاء الجماعة اليهودية: حرية التجارة، وحرية استيراد العبيد من البلاد السلافيةالوثنية، وحرية بيعهم في الإمبراطورية، وحماية تجارة العبيد بتحريم تنصيرهم أوتعميدهم لأن هذا كان يُعدُّ تأميماً لهم (إن صح التعبير) شريطة أن يلتزم اليهودبعدم الاتجار في العبيد المسيحيين. وأعطت بعض المواثيق اليهود الحق في استئجارالمسيحيين ليكونوا خدماً شريطة ألا يعملوا في أيام الأحد والأعياد. ونصت بعضالمواثيق على أن من حق المرابي اليهودي، عند اكتشاف أن السلعة المرهونة مسروقة، أنيبيعها ويحصل على ما قام بدفعه إن أثبت أنه لم يكن يعرف أنها مسروقة. ومنعت بعضالمواثيق أن يشتغل اليهود بأعمال الصيرفة في مكان يعمل فيه صيارفة مسيحيون. وسمحتلأعضاء الجماعات اليهودية أن يعيشوا حسب قوانينهم وأن تكون لهم مدافنهم الخاصةومعابدهم ومحاكمهم، كما منحتهم حق فض المنازعات التي كانت تقوم فيما بينهم. وسُمحلليهود بحمل سلاح، مع أن هذا الحق كان مقصوراً على النبلاء وبعض رجال الدين، وذلكحتى إذا كانوا لا يضطلعون بأية مهام قتالية. وكان من حق اليهود بناء أسوار حولمنطقتهم السكنية. وقد كان الجيتو في بدايته إحدى المزايا التي كانت تُمنَح لهم. كمامنحتهم بعض المواثيق حق ارتداء زيٍّ خاص بهم حمايةً لهم فلا يعتدي عليهم أحد بالضربأو بغيره. وكانت شهادة اليهود تُقبَل أمام المحاكم، وهو أمرلم يكن متاحاًللكثيرين. وأُعفي اليهود من أشكال الاستجواب المختلفة في العصور الوسطى مثلالاستجواب عن طريق التعذيب، وهي وسيلة بدائية اصطُنعت لمعرفة ما إذا كان المتهمبريئاً أو مجرماً. وأعفت بعض المواثيق أعضاء الجماعة اليهودية من عقوبـة التعـذيبأو الضرب وهي عقـوبة كانت تُطبَّق على الفـلاحين والأقنـان.

    وفي العصورالوسطى، كان الوضع القانوني لأعضاء الجماعات اليهودية يُعدُّ مزية كبرى. فاليهوديلم يكن كالأقنان مرتبطاً بضيعة محـددة أو مكان محـدد، كما لم يكن كالنبلاء مرتبطاًبالأرض على الإطلاق، ولم يكن كرجال الدين مرتبطاً بالكنيسة. ولم تكن تحد من حركتهعشرات القوانين المحلية المتناقضة. وقد أكد مرسوم الملك جون في إنجلترا (عام 1201)هذا الحق بوضوح تام. وكما قال أحد الكُتَّاب اليهود، كان بوسع اليهود أن يتنقلوا منمكان إلى آخر كالفرسان. ووصف كاتب آخر اليهودي في العصور الوسطى بأنه مثل مالكالأرض الذي فقد أرضه ولم يفقد حريته. ووفَّرت المواثيق لليهود الجو المستقر اللازمللقيام بالأعمال المالية والتجارية وحمتهم من هجمات الغوغاء وسكان المدن والحرفيينومحاكم التفتيش والتعميد القسري والاتهامات المختلفة مثل تهمة الدم.

    ولميكن اليهود الجماعة الوحيدة التي تحصل على مواثيق، فاللومبارد والأرمن والحرفيونحصلوا كذلك على مواثيق تحدد حقوقهم وواجباتهم والمزايا التي يحصلون عليها. وكانتالمواثيق تختلف من جماعة إلى أخرى، فالميثاق الذي كان يُمنَح لليهودي الغريب يختلفعن الميثاق الذي يُمنَح للحرفي المقيم. ولذا، لم يكن من الأمور المستغربة فيالمجتمع الأوربي الوسيط أن تُوجَد في المدينة أو القرية الواحدة عدة قوانين مختلفة،فالقوانين التي تنطبق على النبلاء كانت لا تنطبق مثلاً على الفلاحين. وكان نظامالعقوبات يختلف كذلك من جماعة إلى أخرى.

    ويمكن القول بأن المواثيق جعلتاليهود جماعة مميَّزة تتمتع بمستوى معيشي يفوق مستوى كثير من طبقات المجتمعالإقطاعي الغربي الأخرى. ولعل من أهم القرائن على ذلك أنه، رغم وجود ما يشبهالمجاعة في أوربا في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، فلا يوجد أي ذكر لهافي المصادر اليهودية، فقد كان اليهود يعيشون عيشة أرستقراطية جديرة بالتجارالدوليين.

    ولكن يجب الانتباه إلى أن تَميُّزهم هذا حوَّلهم إلى جماعةوظيفية وسيطة وإلى سلعة ممتازة وأداة إنتاج متقدمة راقية ومادة بشرية تمت حوسلتهاتماماً، فاليهودي في نهاية الأمر كان ملكية خاصة للملك أو لأي شخص يعطيه المواثيقوالمزايا. وتستخدم المواثيق عبارات تُضمر حق امتلاك اليهود، مثل «جودايوس هابيري judaeos habere» وتعني «حق امتلاك اليهود» أو «جودايوس تنيري judaeos tenere» أي «حق الاحتفاظ باليهود»، وهي حقوق كان بإمكان الملك أن يبيعها للمدن أو للسلطاتالمحلية، تماماً مثلما تبيع إحدى المدن في الوقت الحاضر امتياز استغلال منجم أو مدطريق سكة حديدية. فاليهودي لم يكن عضواً في المجتمع وإنما كان شيئاً مملوكاً تُفرضعليه ضرائب، وكلما ازدادت الحقوق والمزايا التي كان يشتريها اليهودي ازدادت أرباحمانح الميثاق الذي كان يعتصر اليهودي عن طريق الضرائب وغيرها من الرسوم. كما أنعملية منح الميثاق كانت تدر على الملك عائداً ضخماً حيث كان يتعيَّن على أعضاءالجماعة شراؤها. وإذا نشأت حاجة إلى مزيد من المال، فإن هذه المواثيق كانت تُلغَىلبيعها لهم من جديد حيث لم تكن هناك أية قيود على مانحها كما كان بوسعه أن يبيعاليهود لمالك آخر يمكنه أن يعتصرهم بشكل أكثر كفاءة.

    وكانت المواثيقالوسيلة التي استخدمها الملوك والأمراء لتحويل اليهود إلى أداة يمكنهم عن طريقهاضرب المدن التي كانت تحاول توسيع نطاق سيادتها واستقلالها، بل ضرب كل القوىالاجتماعية التي كان الملك يود التخلص منها أو كبح جماحها.

    ولكل ما تقدَّم،نستطيع أن نقول إن أعضاء الجماعة اليهودية، برغم كل ما تمتعوا به من مزايا وماحققوا من ثراء، ظلوا مجرد إسفنجنة تُعتصَر أو قناة موصلة وأداة لضرب الآخرين. ولعلهذا يفسر عدم مساهمة اليهود في نشأة ما يُسمَّى «الرأسمالية الرشيدة» التي نشأت فيصفوف الجماعات البرتستانتية في هولندا وإنجلترا.

    ويُلاحَظ أن من كانيتنصَّر من اليهود كان يفقد كل المزايا التي أعطيت له بموجب الميثاق، بل كان يفقدكل أملاكه لأنه لم يَعُد من أقنان البلاط. كذلك لم يكن من حق اليهودي أن يغادرالبلد إلا بأمر من الإمبراطور، وإن ضُبط متلبساً بمحاولة الهرب فإنه كان يُعتبَرلصاً يسرق أملاك الملك.

    ومن ناحية أخرى، فإن المواثيق لم تمنح اليهود أيةسلطة سياسية. ولكن هذا الأمر لم يكن مقصوراً على اليهود وحدهم وإنما كان ينطبق علىجميع طبقات المجتمع باستثناء كبار الملاك وكبار رجال الكنيسة.

    وظلتالمواثيق والمزايا والحماية تشكل عنصراً أساسياً في الحضارة الغربية، وبالذات فيوسط وشرق أوربا. فحتى القرن الثامن عشر الميلادي، كانت الدويلات الألمانية تُقسِّماليهود فيها إلى يهود تحت الحماية، وهم أصحاب امتيازات، ويهود خارج الحماية أيأولئك الذين تسللوا وسكنوا في ألمانيا دون وجه حق، وكان يُشار إليهم بأنهم بدونجواز. وتطوَّر هذا المُصطلَح فيما بعد ليقسمهم إلى يهود نافعين ويهود غير نافعين،وهو تقسيم تبنته روسيا القيصرية وغيرها من الدول الأوربية في القرن التاسع عشرالميلادي.

    بل عرفت أوربا المواثيق حتى القرن التاسع عشر الميلادي، فقد قامالنبلاء الإقطاعيون (بويار) في رومانيا بمنح اليهود مواثيق (هيرسفو) حصلوا بمقتضاهاعلى مزايا معيَّنة من بينها الإعفاء من الضرائب لعدة سنين، والحصول على أرض فضاءلإقامة معابدهم. وأسس النبلاء اليهود مدناً صغيرة تشبه الشتتلات، وكان يُطلَق علىهؤلاء اليهود «هيرسوفلتس» أي «الميثاقيون» أو «أصحاب الميثاق». وكان يهودالهيرسوفلتس يُستجلَبون من خارج رومانيا، أي أنهم كانوا في منزلة جماعة وظيفيةاستيطانية. وكانت كلمة «الميثاق» (بالإنجليزية: تشارتر charter) تُطلَق أيضاً علىالامتيازات التي كانت تُمنَح للشركات الغربية الاستيطانية في أفريقيا.

    ولايمكن استبعاد أن هذا كان هو الإطار المرجعي لوعد بلفور الذي يشار إليه في الأدبياتالصهيونية قبل صدوره بلفظ «تشارتر charter» أي «ميثاق»، فهو وثيقة سياسية وضعتاليهود تحت حماية الإمبراطورية الإنجليزية وأعطتهم مزايا وحقوقاً كثيرة شريطة أنيستوطنوا فلسطين ويقوموا على خدمة الإمبراطورية بعد أن أصبحوا أداة لمن منحهمالميثاق. وكان ُيشار للصهاينة بأنهم «تشارترايتس Charterites» أي «الميثاقيون».






  3. #53
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    حــــــق اســــــتبعاد اليهــــــود
    De non Tolerandis Judaeis (Not to Suffer the Presence of the Jews)
    «حقاستبعاد اليهود» ترجمة بتصرف للعبارة اللاتينية «دي نون توليرانديس جوداييس» التيتعني حرفياً «عدم التسامح مع اليهود». وهو حق كان يُعطَى في العصور الوسطى لبعضالمدن الأوربية التي كانت تخشى منافسة التجار اليهود الذين كانوا يحصلون علىالمواثيق والمزايا والحماية. وكان الأباطرة والملوك يضطرون إلى منح بعض المدن هذاالحق على مضض، لأن ذلك كان يعني تقليص ميزانيتهم، كما كان يشكل قيداً على أعضاءالجماعة اليهودية أي أقنان البلاط الذين كانوا يحققون لهم أرباحاً هائلة من خلالحركيتهم وحريتهم. وكان الملوك يضطرون إلى إعطاء هذا الحق للمدن بعد نشوب الثوراتالشعبية والقومية التي كان يشترك فيها النبلاء أحياناً، كما حدث في إنجلترا عامي 1230 و1240، وكما حدث في مدينة برنو عاصمة إقليم مورافيا في تشيكوسلوفاكيا عام 1454. وقد ظل أعضاء الجماعة ممنوعين من دخولها رسمياً حتى عام 1848، ومع هذا سُمحلبعض الأفراد من اليهود بحضور الأسواق داخل المدينة نظير دفع رسم دخول. وقد نجحتوارسو أيضاً في الحصول على حق استبعاد اليهود في عام 1527.

    وكثيراً ما حارباليهود ضد منح المدن هذا الحق. وفي حالة وارسو، على سبيل المثال، كانت المدينةتتمتع بأهمية خاصة من الناحيتين السياسية والمالية، ولذا حارب أعضاء الجماعةاليهودية إلى أن نجحوا في الاستيطان على حدودها بل دخلوها في نهاية الأمر. وحينمابدأ السييم (البرلمان البولندي) وعقد اجتماعاته ابتداءً من عام 1572، سُمح لليهودبدخول المدينة أثناء عقد دوراته، ثم مُدَّت الفترة المسـموح لهم بها إلى أسـبوعينقبل الاجتماعات وأسـبوعين آخرين بعدها. كما سُمح للوسطاء اليهود (بالعبرية:شتدلانيم) الذين كان يبعث بهم مجلس البلاد الأربعة بأن يزوروا وارسو للقيامبالمفاوضات مع العرش والنبلاء. وقد حصل عدد آخر من أعضاء الجماعة على تصريحات بدخولالمدينة والإقامة فيها، فمثلاً كان من الممكن شراء تذكرة دخول وإقامة مدة أربعة عشريوماً. وقد بيَّن إحصاء عام 1765 أنه كان يوجد داخل وارسو 2519 يهودياً، وكثيراً ماكان يتسلل بعض أعضاء الجماعة اليهودية إلى المدن أو يعسكرون خارجها لبيع سلعهم.

    ويمكن رؤية تاريخ الإقطاع في الغرب، الذي ظل قائماً حتى نهاية القرن الثامنعشر الميلادي تقريباً في شرق أوربا ووسطها، باعتباره تاريخ توتر بين الملك من جهة،حيث كان يحاول توسيع نطاق نفوذه، والطبقات القومية والمحلية (التجار والحرفيينوالفلاحين وحتى بعض النبلاء أحياناً) من الجهة الأخرى. وهذه الطبقات كانت تحاول أنتقلص هذا النفوذ لتتمكن من ممارسة نشاطها المالي والتجاري بحرية. وقد كان أعضاءالجماعات اليهودية إحدى الأدوات التي كان يستخدمها الحاكم لتوسيع نفوذه. وكانتالمطالبة بحق استبعاد اليهود واستصدار مثل هذا القرار من خلال الثورة الشعبية أو منخلال شرائه هي رد فعل الطبقات القومية والمحلية.

    المجامعاللاترانية الكنسية
    Lateran Councils
    «المجامع الكنسية» هي مؤتمرات كانتتعقدها الكنيسة الكاثوليكية بشكل غير دوري لمناقشة الأمور المهمة، وهي المجامع التيأرست قواعد العقيدة المسيحية الكاثوليكية كما حددت أطرها وحددت علاقة الكنيسةبالسلطة الدنيوية وباليهود. ومن أهم المجامع، من منظور بعض الجماعات اليهودية فيالغرب، المجمعان الثالث (1179) والرابع (1215) تحت رعاية البابا إنوسنت الثالث.ولعل الخلفية التاريخية لهذين المجمعين تفسر تَشدُّد القرارات التي أصدراها إذ شهدجنوب فرنسا نمو حركات هرطقة في القرن الثاني عشر الميلادي أحرزت شيئاً من النجاححتى اضطرت الكنيسة إلى تجريد حملة ضدها عام 1208، ثم تبعتها محاكم التفتيش عام 1232.

    واكتملت التشريعات المسيحية المتصلة باليهود من خلال قرارات هذينالمجمعين، وأخذت شكلها النهائي الذي استمر حتى عصر النهضة وعصر الإعتاق والانعتاق.فأكدت مقررات المجلس الثالث منع اليهود من استئجار مسيحيين ومنع المسيحيين مناستئجار خادمة أو استخدام ممرضة يهودية أو طبيب يهودي. ولكن المجلس، مع هذا، جعلشهادة المسيحي ضد اليهودي وشهادة اليهودي ضد المسيحي جائزة، كما أوجب حماية اليهودمن التعميد القسري ومن أي هجوم عليهم أو مضايقتهم أثناء أدائهم صلواتهم. أما مقرراتالمجمع الرابع، فطلبت إلى المسيحيين مقاطعة اليهود فيما لو حصلوا على فوائد مرتفعةعلى النقود التي يقرضونها بالربا، ونصت على منع اليهود من الظهور بملابس الزينةخلال الأيام الثلاثة الأخيرة من أسبوع الآلام، وفي يوم الجمعة الحزينة بنوع خاص.وأصبح من غير الجائز تعيين اليهود في المناصب العامة أو تفضيلهم على المسيحيين.وقرر المجلس أنه يتعيَّن على اليهود والمسلمين ارتداء ملابس خاصة بهم وأن يضعواشارة معينة تميزهم، وأصبحت هذه الشارة تُسمَّى «شارة العار» بعد أن كان ارتداء مثلهذه الشارات امتيازاً يكد اليهود من أجل الحصول عليه. وكانت هذه الشارة عبارة عنقطعة قماش مستديرة صفراء وحمراء في فرنسا، وعبارة عن قبعة مميَّزة في ألمانياوالنمسا. وكان الهدف من الزي المميز والشارة منع الاختلاط بين الجنسين من أعضاءالجماعتين والحيلولة دون حدوث التزاوج.

    وأصبح من حق أي راهب دخول المعبداليهودي ليلقي موعظة مسيحية، وعادةً ما كان يصطحب معه يهودياً متنصراً. وبدأت عمليةحرق التلمود منذ ذلك العهد، كما بدأ عقد المناظرات بين المسيحيين واليهود ليبرهنكلٌّ على مدى صحة دينه، وهي مناظرات لم يكن يتمتع فيها اليهود بالحرية الكاملة. ومعهذا، ونتيجةً لأن المجتمع الغربي الوسيط كان بحاجة إلى مهنة اليهود وهي التجارةوالربا، فإن الكثيرين من حكام المدن والأساقفة ومواطني المدن المهتمين بتشجيعالتجارة كانوا يراوغون في تنفيذ القرارات.

    الموت الأسود
    Black Death
    «الموت الأسود» وباء قضى على نحو خمسة وعشرين مليوناً من سكانأوربا. وهو عدد يشكل ما بين ثلث ونصف السكان في الفترة من 1347 إلى 1350. وقدشُخِّص الوباء بأنه نوع من أنواع الطاعون.

    ولم يكن هناك تفسير علمي لهذهالظاهرة في العصور الوسطى، فأصابت الناس بالذهول، وفسرته الجماهير بأنه غضب الرببسبب فساد الناس. كما اتجهت شكوك الناس نحو أعضاء الجماعات اليهودية لأن معدلاتالإصابة بين اليهود كانت أقل نسبياً من المعدلات العامة مع أن أعضاء الجماعاتاليهودية كانوا يعيشون بين الجماهير. ولعل هذا كان يعود إلى عزل اليهود في الجيتوعن بقية السكان وإلى وضعهم الطبقي المتميِّز وقوانين الطعام الخاصة بهم.

    وقد قامت الجماهير بالهجوم على أعضاء الجماعات اليهودية في أنحاء متفرقة منأوربا، لعل أقلها كان في إسبانيا وجنوب فرنسا وأكثرها في الإمبراطورية الرومانيةالمقدَّسة، وخصوصاً ألمانيا. وكانت التهمة الموجهة إليهم هي قيامهم بتسميم الآبارللقضاء على المسيحيين. وتُعَدُّ هذه الهجمات من أشد الهجمات وطأة باستثناء تلك التيتمت أثناء حروب الفرنجة. وطُرد اليهود من عدة مدن. ومما يجدر ذكره أن عمليات الهجوموالطرد لم تكن مقصورة على اليهود رغم أنهم قد يكونون ضحيتها الأساسية، فقد كان سكانالمدن أحياناً يطردون الشحاذين، وفي بعض الحالات قاموا بطرد النبلاء، ووُجِّهت تهمةتسميم الآبار لبعض كبار الرهبان.

    وقد قامت الكنيسة بدور مهم في محاولتهاحماية اليهود، فأصدر البابا كليــمنت السادس مرسوماً للدفاع عن اليهود، كما بيَّنبعض الدوافــع الاقتصــادية الكامنــة وراء الهجــمات مثـل التخلص من الديونوالمنافسة التجارية، وبيَّن أن اليهـود لا يمكن أن يكـونوا مسئولين عن الموتالأسـود لأنه وصل إلى مناطــق لا يوجــد فيهـا يهود. وكذلك حاولت الطبقة الحاكمة منالملوك والأمراء وكبار المموِّلين الدفاع عن اليهود، ولكن هذه المحاولات كانت دونجدوى في بعض الأحيان لأن الهجوم على اليهود كان يأخذ شكل الثورة الشعبية التي لميكن بإمكان السلطة الحاكمة التصدي لها.











  4. #54
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    يتبع مع الباب الثانى: الجـيتو





 

صفحة 6 من 6 الأولىالأولى ... 23456

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثالث
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 69
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:31 AM
  2. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الثاني
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 96
    آخر مشاركة: 2010-10-25, 05:04 AM
  3. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 530
    آخر مشاركة: 2010-10-24, 03:44 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML