البابالثانى: إسبانيا الإسـلامية (الأندلس)



إسبانيــاالإسـلامية (الأندلـس)
Moslem Spain (Al Andalus)
حينما وصل طارق بن زيادإلى إسبانيا الكاثوليكية عام 711، كانت حالة أعضاء الجماعة اليهودية فيها متردية،بل يُقال إن معظمهم تحولوا إلى يهود متخفين. ويبدو أنهم، مع وصول أنباء الفتحالعربي، بدأوا يتحسـسون إمكانية تغيير أوضاعهم. ولذا عاونوا الفاتحين المسلمين، كماعاونهم بعض المسيحيين. فقاموا، على سبيل المثال، بثورة في طليطلة ضد القوط واستولواعلى حصن المدينة وفتحوا أبوابها للفاتحين. وحاول المسلمون الاستفادة من الجماعةاليهودية، فكانوا بعد فتح أية مدينة يوطنون اليهود فيها لحراسـتها حتى يتفرغالمسلـمون للفتح. وقد كان هذا أمراً مهماً ولا شك للفتح العربي نظراً لقلة جنودالمسلمين. ويُقال إن عملية توطين اليهـود تمت في مـدن مهمة، مثل: قرطبة وغرناطةوطليطلة وأشبيلية. وقد ثار السكان المسيحيون في أشبيلية بعد فتحها وفتكوا بأعضاءالجماعة اليهودية، ولكن المسلمين استعادوها بعد ذلك (وقد لعب أعضاء الجماعةاليهودية الدور نفسه بعد أن استعاد المسيحيون إسبانيا، فكان المسيحيون يوطنونهم فيالمدن المفتوحة أو يتركون أعضاء الجماعة اليهودية ويطردون المسلمين).

وقداسـتفاد أعضـاء الجماعـة اليهــودية من الفتـح الإسلامي إذ استـولوا على بعض بيــوتالنبـلاء المســيحيين الذين فرُّوا وتركــوا ثرواتهــم، وكانت مثل هذه الثرواتتُعدُّ مصدراً أساسياً لرأس المال. بل يُقـال إن الثــورة التجارية التي حــدثت فيالعالم الإســلامي كانت تعتـمد إلى حدٍّ مـا على تحرير هذه الثروات المجمدة داخلالقصور والأديرة. ومع هذا، يجب عدم المبالغة في الدور الذي لعبه أعضاء الجماعةاليهودية، فقد كانوا أقلية صغيرة جداً لا يُعتَد بها، كما أن الجماعة اليهــوديةكانت لا تعـرف شـيئاً عن فنون الحرب بالإضافة إلى أن مستواها الثقافي والحضاري كانمتدنياً إلى أقصى درجة. ولعل أهم دور لهم هو ما لعبوه بوصفهم كثافة سكانية مهما تكنضآلتها النسبية، وبوصفهم مصدراً للمعلومات.

وقد استقلت إسبانيا الإسلاميةعن الخلافة العباسية بوصول عبد الرحمن الداخل الذي أسس فيها حكم الأسرة الأموية (757 ـ 787) وخلفه ابنه هشام الأول (788 ـ 795) الذي بدأت في عصره عملية الاندماجالحضاري والاجتماعي لليهود ـ فبدأوا يدرسون في مدارس الدولة.غير أنه نشب تَمرُّدبين اليهود في عصر الحكم الأول (796 ـ 822) في مقاطعة الأندلس عام 818 وحدث تمردآخر في طليطلة عام 828 بالاشتراك مع المسيحيين المستعربين،وقد قُضيَ على هذهالتمردات.

وشهد القرنان العاشر والحادي عشر الميلاديان تَشرُّب اليهودالحضارة العربية الإسلامية، وتَحسُّن أحوالهم المعنوية والروحية والمادية، وتعريبأسمائهم ولغتهم ورؤيتهم، وَتأثُّر آدابهم الدنيوية والدينية بالتراث العربيالإسلامي. وقد وصل اليهود في الفترة نفسها إلى مكانة عالية رفيعة، فعملوا فيالوظائف الإدارية والمالية حيث كان يعمل بعضهم في وظيفة يهود البلاط، واشتغلوابالتجارة المحلية والدولية التي كانت تصل حتى حدود الصين أو كانت تدخل إلى أوربا،واحتكروا بعض أنواع التجارة مثل تجارة العبيد (ومنهم العبيد والجواري البيض) الذينكانوا يحضرونهن من بلاد الصقالبة، واشتغلوا بالحرف مثل الصباغة كما اشتغلوابالزراعة. وقد برز اليهود في وظائف محددة مثل التجارة الدولية والترجمة بسبب وضعهموثقافتهم، فقد كانوا يجيدون العربية والعبرية وبعض اللغات الأوربية، الأمر الذيحوَّلهم إلى حلقة وصل وجماعة وظيفية وسيطة بين العالمين الإسلامي والمسيحي، وخصوصاًأنهم كانوا ينتقلون بسهولة ويسر بين إسبانيا المسلمة وإسبانيا المسيحية، فكاناليهودي ينشـأ في إسـبانيا المسـيحية مثلاً ثم ينتقل إلى إسبانيا المسلمة أو العكس.

وقـد تَركَّز اليهـود في المدن مثل قرطبة وطليطلـة وأشبيلية وسرقسطة. ووصلبعض اليهود إلى أعلى الوظائف الحكومية بما في ذلك أعلى مراتب الوزراء كما هو الحالمع حسداي بن شفروط الذي كان يعمل طبيباً ودبلوماسياً في بلاط عبد الرحمن الثالث (912 ـ 961) والحكم الثاني (961 ـ 972). وقد تحوَّلت الأندلس إلى أهم مراكزاليهودية في العالم. وتمثَّل هذا في قيام عدة حلقات دراسية دينية مستقلة عن العراق (في قرطبة وغرناطة وطليطلة وأشبيلية). وقد أُسِّست هذه الحلقات التلمودية بتشجيع منالطبقات الثرية اليهودية في شبه جزيرة أيبريا التي كانت في حاجة إلى حلقات تصدرفتاوى تتفق مع أوضاعها الجديدة وتنازع العراق (المركز التقليدي للحلقات) فيالقيادة. كما أن الحلقات كانت محطة أساسية في الشبكات التجارية. وكانت الفتاوىوالسلع تعبر من خلال القنوات نفسها. ومن أهم الحلقات، تلك التي أسسها حسداي بنشفروط في قرطبة عاصمة الأمويين والتي عيَّن لها العالم اليهودي الإيطالي موسى بنحانوخ رئيساً.

وقد اندمجت النخبة اليهودية في محيطها العربي تماماً،واستوعبت أعداد كبيرة منها الفلسفات العقلانية والدنيوية التي كانت الأندلس تربةخصبة لها. وتذهب بعض الدراسات إلى أنه، نتيجةً لهذا، فقدت الجماعة اليهودية أيةهوية دينية واضحة، وأنه لذلك لم يَعُد هناك من اليهودية (عند استرداد المسيحيينإسبانيا) سوى قشرة رقيقة كان من السهل على النظام المسيحي الجديد أن يقنع أعضاءالجماعة بطرحها جانباً، من خـلال القـسر أحياناً ومن خلال الإغراء أحياناً أخرى،فتنصرت أعداد كبيرة منهم. ولكن يمكن القول أيضاً بأن ما حدث هو أن اليهودية،باعتبارها نسقاً دينياً، اكتسبت أبعاداً حضارية إسلامية كما هو واضح في فلسفة موسىبن ميمون. ولذا، لم يمكنها الاستمرار تحت الحكم المسيحي، ولم تكن لديها فرصة للتكيفلتظهر يهودية جديدة ذات أبعاد كاثوليكية. وحينما ظهرت، أخذت شكل المارانية، أييهودية المارانو. ولا تزال الكتب الدينية اليهودية تفسر النكبة التي ألمت بالسفارد (يهود شبه جزيرة أيبريا) وطردهم من شبه الجزيرة، بأنه عقاب لهم لتخليهم عن عقيدتهم.

ومع تفكك الخلافة الأموية والحكم المركزي في إسبانيا، انقسمت إسبانيا إلىدويلات وإمارات إسلامية صغيرة فيما يُعرَف بحكم الطوائف (1008). فاستخدم الأمراءكثيراً من اليهود مثل صمويل بن نغريلة وزير أمير غرناطة. وكان اليهود يعملونمستشارين ماليين وسياسيين، وفي البعثات الخارجية للدول، ويهود بلاط، وملتزمي ضرائب.

وبعد استيلائهم على سدة الحكم عام 1086، قام المرابطون بتطهير جهاز الدولةمن اليهود، فتدهورت أحوالهم لبعض الوقت، ولكن الأمور عادت إلى نصابها بعد قليل. ومعصعود أسرة الموحدين عام 1146، لم يَعُد اليهود يتمتعون بذلك الوضع الممتاز، ومُنعتاليهودية في الأندلس، كما أخذ الحكم الإسلامي في الانحسار التدريجي بعد ذلكالتاريخ.

ويُقال إن العصر الإسلامي في الأندلس كان يمثل العصر الذهبيلليهود إذ ازدهر الفكر اليهودي الديني والفلسفي نتيجة الاحتكاك بالمسلمين العرب.واكتسبت اللغة العبرية أعماقاً جديدة من خلال علاقتها بالعربية، ودخلت عناصر الحياةعلى الشعر العبري كما هو واضح في أشعار يهودا اللاوي (هاليفي) وموسى بن عزرا. وكتبالمؤلفون اليهود موشحات لم تكن تحاكي الموشحات العربية بشكل عام وحسب وإنما قلدتموشحات عربية بعينها دون تعديل أو تحوير. ونشأ فن المقامة في العبرية وتُرجمتمقامات الحريري وكليلة ودمنة، وظهر موسى بن ميمون أهم المفكرين الدينيين اليهود علىالإطلاق، الذي كان لفكره العربي الإسلامي اليهودي أعمق الأثر في الفكر اليهودي فيكل أنحاء العالم.

ويبدو أن الجماعات اليهودية في الأندلس لم يكن يربطهاتنظيم واحد وليس لها منصب مثل رأس الجالوت (المنفى) في بغداد أو الحاخام باشي فيالأستانة الذي يشكل ما يشبه القيادة المركزية، وإنما كانت كل جماعة تشكل مجموعةمستقلة يطلق عليها اسم «الجماعة» يترأسها المقدم الذي يشكل حلقة الوصل بين الجماعةوالدولة أو الدويلة أو الإمارة. وربما كان انعدام المركزية بين الجماعات اليهوديةانعكاساً للوضع السياسي في شبه جزيرة أيبريا، فقد كانت إسبانيا من أكبر دول أورباولم تتمتع بالحكم المركزي إلا في فترات قصيرة. وكما رأينا، انحل الحكم الإسلامي إلىحكم أمراء الطوائف الذي كان يشبه الإقطاع الغربي من بعض النواحي. وقد استمرت هذهاللامركزية حتى بعد أن قام المسيحيون باستعادة إسبانيا.

الأندلــــس
Al Andalus
انظر: «إسبانيا الإسلامية (الأندلس)».

العصـــر الذهـــبي لليـــهود
The Golden Age of the Jews
«العصر الذهبي لليهود» عبارة تُستخدَم للإشارة إلى الوجوداليهودي في الأندلس،وخصوصاً في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين،ويُقصَد بهاالفترة التي حقق أعضاء الجماعة اليهودية في أثنائها إنجازات حضارية هائلة من خلالالتفاعل مع الحضارة العربية الإسلامية.