عدد المصاحف العثمانية :

اختلفوا في عدد المصاحف التي استنسخها عثمان رضي الله عنه ، فصوب ابن عاشر أنها ستة : المكي ، والشامي ، والبصري ، والكوفي ، والمدني العام الذي سيره عثمان رضي الله عنه من محل نسخه إلى مقره ، والمدني الخاص به الذي حبسه لنفسه وخو المسمى بالإمام .

وقال صاحب زاد القراء : لما جمع عثمان القرآن في مصحف سماه الإمام ونسخ منه مصاحف فأنفذ منها مصحفاً غلى مكة ، ومصحفاً إلى الكوفة ، ومصحفاً إلى البصرة ، ومصحفاً إلى الشام ، وحبس مصحفاً بالمدينة ، وهذا القول كسابقه في أنها ستة ، وذهب السيوطي وابن حجر إلى أنها خمسة . ولعلهما أراد بالخمسة ما عدا المصحف الإمام فيكون الخلاف لفظياً بينه وبين سابقيه .

وقيل : إنها ثمانية متفق عليها ، وهي : الكوفي ، والبصري ، والشامي ، والمدني العام ، والمدني الخاص ، وثلاثة مختلف فيها وهي المكي ، ومصحف البحرين ، ومصحف اليمن . وقيل إن عثمان رضي الله عنه أنفذ إلى مصر مصحفاً .

ولعل القول بأن عددها ستة هو اولى الأقوال بالقبول . والمفهوم على كل حال أن ثمان رضي الله عنه قد استنسخ عدداً من المصحاف يفي بحاجة الأمة وجمع كلمتها وإطفاء فتنتها . [1]


أين المصحاف العثمانية الآن
:

وليس بين أيدينا دليل قاطع على وجود المصاحف العثمانية فضلا عن تعيين أمكنتها وقصارى ما علمناه أخيرا أن ابن الجزري رأى في زمانه مصحف أهل الشام ورأى في مصر مصحفا أيضا أما المصاحف الأثرية التي تحتويها خزائن الكتب والآثار في مصر ويقال عنها إنها مصاحف عثمانية فإننا نشك كثيرا في صحة هذه النسبة إلى عثمان رضي الله عنه لأن بها زركشة ونقوشا موضوعة كعلامات للفصل بين السور ولبيان أعشار القرآن ومعلوم أن المصاحف العثمانية كانت خالية من كل هذا ومن النقط والشكل أيضا كما علمت نعم إن المصحف المحفوظ في خزانة الآثار بالمسجد الحسيني والمنسوب إلى عثمان رضي الله عنه مكتوب بالخط الكوفي القديم مع تجويف حروفه وسعة حجمه جدا ورسمه يوافق رسم المصحف المدني أو الشامي حيث رسم فيه كلمة من يرتدد من سورة المائدة بدالين اثنين مع فك الإدغام وهي فيها بهذا الرسم فأكبر الظن أن هذا المصحف منقول من المصاحف العثمانية على رسم بعضها وكذلك المصحف المحفوظ بتلك الخزانة ويقال إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتبه بخطه يلاحظ فيه أنه مكتوب بذلك الخط الكوفي القديم بيد أنه أصغر حجما وخطه أقل تجويفا من سابقه ورسمه يوافق غير المدني والشامي من المصاحف العثمانية حيث رسمت فيه الكلمة السابقة من يرتد بدال واحدة مع الإدغام وهي في غيرهما كذلك فمن الجائز أن يكون كاتبه عليا أو يكون قد أمر بكتابته في الكوفة ثم إن عدم بقاء المصاحف العثمانية قاطبة لا يضرنا شيئا ما دام المعول عليه هو النقل والتلقي ثقة عن ثقة وإماما عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك متواتر مستفيض على أكمل وجه في القرآن حتى الآن على أن المصاحف العثمانية نسخت على غرارها الآلاف المؤلفة في كل عصر ومصر مع المحافظة على الرسم العثماني . [2]


الفرق بين الجمع في مراحله الثلاثة :

فالجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورها ولكن مع بعثرة الكتابة وتفرقها بين عسب وعظام وحجارة ورقاع ونحو ذلك حسبما تتيسر أدوات الكتابة وكان الغرض من هذا الجمع زيادة التوثق للقرآن وإن كان التعويل أيامئذ كان على الحفظ والاستظهار .


أما الجمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه فقد كان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في صحف مرتب الآيات أيضا مقتصرا فيه على ما لم تنسخ تلاوته مستوثقا له بالتواتر والإجماع وكان الغرض منه تسجيل القرآن وتقييده بالكتابة مجموعا مرتبا خشية ذهاب شيء منه بموت حملته وحفاظه .


وأما الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه فقد كان عبارة عن نقل ما في تلك الصحف في مصحف واحد إمام واستنساخ مصاحف منه ترسل إلى الآفاق الإسلامية ملاحظا فيها تلك المزايا السالف ذكرها مع ترتيب سوره وآياته جميعا . وكان الغرض منه إطفاء الفتنة التي اشتعلت بين المسلمين حين اختلفوا في قراءة القرآن وجمع شملهم وتوحيد كلمتهم والمحافظة على كتاب الله من التغيير والتبديل


لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
( 64 ) يونس

____________

[1]
مناهل العرفان ج 1 ص 336 .


[2]
مناهل العرفان ج 1 ص 337 ، 338 .