مختلف, تحية طيبة, وبعد:
1. يقول الله جل جلاله: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾, (الحجر: 22).

2. التفسير:
- إعراب لواقح في الآية هو حال, والحال هنا لها فائدة لغوية, ألا وهي: (إدماج لإفادة معنيين).
- عكس الرياح اللواقح الرياح العقيم, ومنه قول الله: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾, (الذاريات: 41).

- لواقح لمفردها وجهان:
ü لاقح, وهي الناقة الحبلى؛ وهنا دلالة على تلقيح السحاب.
ü ملقح, وهو الذي يجعل غيره لاقحا، أي: الفحل إذا ألقح الناقة؛ وهنا دلالة على تلقيح النبات.

3. الإعجاز العلمي واللغوي مجتمعين:

أ‌- الإعجاز العلمي:

· لقد تقرر لدى علماء النبات في القرن التاسع عشر أنَّ التلقيح الريحي عملية أساسية في الإخصاب, بعد سلسلة من الدراسات والتجارب العلمية.
· لقد تقرر لدى علماء الأرصاد في القرن التاسع عشر أنَّ للريح الدور الأساسي في عملية تشكيل السحب ونزول الماء, بعد سلسلة من الدراسات والتجارب العلمية.
· هل كان محمد_ صلى الله عليه وسلم _عالم نبات حتى يقرر أنَّ الرياح تلقح النباتات؟!
· هل كان محمد_ صلى الله عليه وسلم _عالم أرصاد جوية حتى يقرر أنَّ الرياح تشكل الغيوم وتنزل القطر؟
· لا جرم أنَّ محمدًا ليس شيئًا من هذا, بل هاتان حقيقتان علميتان أنزلهما الله بعلمه على عبده وحبيبه محمد؛ ليعلم أهل العلم والنزاهة أنَّ هذا القرآن ما كان أن يفترى من دون الله!!

ب‌- الإعجاز اللغوي:

· إنَّ مجيء كلمة (لواقح) حالا جعلتها تفيد هاتين الحقيقتين العلميتين, ولو جاءت صفةً لما أفادت إلا إحداهما:
- فإن كانت الآية: (الرياح اللاقحة), لدلت فقط على تشكيل السحاب ونزول القطر من الرياح.
- وإن كانت الآية: (الرياح الملقحة), لدلت فقط على إخصاب النبات من الرياح.
· إنَّ هذا يسمى في البلاغة الامتلاء الدلالي, أي الإيجاز غير المخل, وهو عسير لا يدركه أي أحد, وهذا من أوجه إعجاز القرآن البلاغي, ومثله: (القصاص حياة).
· إنَّ تركيب الآية يدفع كلَّ تأويل يشكك في الإعجاز العلمي؛ فهي بوجهيها تفيد إعجازًا علميًّا؛ إن أفادت المعنى الأول فهو إعجاز, وإن أفادت المعنى الثاني فهو إعجاز, وهي تفيد الوجهين فحصل الإعجاز العلمي بغلاف الإعجاز البياني!!

· فأنَّى لمحمد الأمي الصحراوي قبل عدة قرون متطاولة أن يعلم هذا لولا أنه من وحي الله له.

وأحبُّ أن أختم مداخلتي بكلام لعبد الدائم كحيل:
والعجيب أن القرآن قد تحدث عن دور الرياح في تلقيح الغيوم، يقول عز وجل: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر: 22]. في هذه الآية معجزات علمية ففي كلمة (أَرْسَلْنَا) دقة علمية فنحن نعلم بأن عملية الإرسال تكون منظَّمة، وهذا ما نجده في خرائط توزع الرياح الملتقطة بالأقمار الإصطناعية. ثم إن هذه الرياح هي لواقح للغيوم، وبسببها ينْزل المطر من السماء، ثم إن هذا الماء الهاطل هو نقي غير ملوث وصالح للشرب، وأخيراً هذا الماء يُختزن في طبقات الأرض وقد يمضي على تخزينه ملايين السنين، إذن في باطن الأرض خزانات ضخمة للمياه.

وباختصار في آية واحدة حقائق علمية متعددة: إرسال الرياح، تلقيح السحاب، إنزال الماء من السماء، صلاحية هذا الماء للشرب، تخزين هذا الماء. والسؤال: هل هذه الحقائق المحكمة والبليغة والدقيقة من صنع البشر؟


ولو اختل شرط واحد من شروط تكون السحاب مثل أن تكون تيارات الرياح ضعيفة وغير قادرة على حمل الكميات الضخمة من الماء للأعلى، فإن هذا سيؤدي إلى قلة الأمطار الهاطلة وبالتالي قلة المياه العذبة على الأرض وزيادة المياه المالحة وبالتالي فساد الحياة.


إن هذه الحقيقة الكونية لم يكن لأحد علم بها زمن نزول القرآن، فلم يكن أحد يعلم شيئاً عن تشكل الغيوم، أو عن دور الرياح أو عن أهمية تلقيح الرياح للغيوم، ولكن العلم الحديث كشف لنا هذه الحقائق، وجاء ذكرها في كتاب الله جلية واضحة لتشهد على صدق هذا الكتاب وصدق رسالة الإسلام.