مختلف, تحية طيبة, وبعد:
1. إذا جعل الله معجزة النبي أي نبيٍّ فيما برع به قومه وحذقوا, فليس هذا انتقاصًا له, بل هو زيادة في إقامة الحجة على المخالفين, وتبكيت لهم وتقريع. فتأمَّل. وليس بالضرورة أن تكون المعجزة فيما برعوا به وحذقوا؛ لأنَّ المعجزة هي الشيء الخارق للعادة. فتدبر!!
2. أمَّا فيما يخصُّ هذا الكون العظيم, فإنَّه معجزة ساحقة, وهو دليل كافٍ لإثبات وجود الله, ومع هذا وجدنا من يلحد بالخالق. إذن, إن كان الكون بهذه العظمة ومع ذلك لم يهتد به بعض الناس إلى خالقهم, فكيف سيهتدون بمعجزةٍ إلى صدق النبي الذي أتى بها؟!
3. حديثك عن النقل المتواتر فيه خلط للحابل بالنابل؛
أ‌- فالأسطورة لا يعرف أصلها, وشيوعها في جيلٍ ما لا يغني عن الحق شيئا. أمَّا المعجزة, فمعروف صاحبها, ومعروف من نقلها عنه, وهذا لا يمتُّ إلى الأسطورة بصلة.
ب‌- وكتابة التاريخ بشكل فيه تزوير, ليس له صلة بموضوعنا, وما يشتهر فيه هو شيوع لإشاعة مشكوك في أصلها. أمَّا المعجزة, فهي أتت من إنسان ضعيف, وليس السلطان في يده ليزور الحقائق, بل هو في يد عدوِّه, وعدوُّه حريص على أن يطمس معالم سلطانه وبرهانه.
ت‌- وأمَّا ما يشيعه بعض الحكام من أمور, ثمَّ يقومون ببثها في أوساط الناس, فلا دخل له بموضوعنا, ولا تصدق عليه بوجه. والمعجزة التي نتحدث عنها, مهما زعمت حولها من مزاعم, فهي شامخة, وإنِّي لأرجو أن تهدمها أو تهتدي بها.
ث‌- وقولك هذا: (إن أتاك رسول ولم تؤمن رغم معجزته فما هو السبب؟ السبب أكيد ليس عنادك!) قول مدحوض بالحقائق, وسأضرب لك مثالا على تهافته: زميلنا الحبيب (حبيب حبيب) كان مسيحيًّا, وكان مشرفًا في إحدى منتديات النصارى, ودخل بمناظرة مع أخينا الحبيب (ذي الفقار), ومنَّ الله عليه بالإسلام. والشاهد من هذه الحادثة التي رأيناها وعشناها هو أنَّ أخانا (حبيب حبيب) لم يسلم فور اقتناعه بصدق نبوة محمد, بل استحوذ عليه الكبر والعناد حينًا, ثمَّ تدارك نفسه وأسلم, ولولا تداركه لنفسه لما أسلم مع اقتناعه, كبرًا وعنادًا.
4. قولك: (هل هذا يعني أن أبو لهب كان من ذوي اﻷلباب لمجرد اعتباره أن محمداً يكذب؟) لا أدري كيف استنتجته؟! بل أبو لهب من ذوي الجهل؛ لأنَّه كذَّب محمدًا؛ مع عجزه عن مجاراة القرآن!!
5. قولك: (طيب لم طلبوا معجزة لو كانت معجزته اﻷصلية فعالة!). أهل الحق آمنوا ونصروا, أمَّا من طلب تكرار المعجزات فأمثالهم لا يؤمنون: ﴿وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾, (يونس: 97).
6. قولك: (ولكن ما هو الشيء الذي أعجز البشر في رسائل اﻷنبياء؟؟ دون الخوض طبعا بصحة الحوادث التي لم نرها!) جوابه:
أ‌- إبراهيم_ عليه السلام _ألقي في وادٍ مليء بالحطب وقد أضرمت به النار, ومن شدة النار رموه بالمنجنيق, وأصبحت النار جنةً عليه: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾, (الأنبياء: 69). هل من أحد غير الله قادر على ذلك؟!
ب‌- موسى_ عليه السلام _لحقه فرعون وقومه, ولمَّا وصلوا للبحر خاف المؤمنون الهلاك, فشقَّ الله لهم طريقًا في البحر, ثمَّ أغلق البحر على فرعون: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾, (الشعراء: 63). هل من أحد غير الله قادر على ذلك؟!
ت‌- عيسى_ عليه السلام _قام بما لم يقم به أحد من قبل ولا من بعد: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾, (آل عمران: 49). هل من أحد غير الله قادر على ذلك؟!
7. والآن نبدأ بسبر غور نبوة رسول الله محمد, صلى الله عليه وسلم: