الشاة المسمومة


ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن مِشْكَم، شاة مَصْلِيَّةً، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقيل لها‏:‏ الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع، فَلاَكَ منها مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال‏:‏ ‏(‏إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم‏)‏، ثم دعا بها فاعترفت، فقال‏:‏ ‏(‏ما حملك على ذلك‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ قلت‏:‏ إن كان ملكًا استرحت منه، وإن كان نبيًا فسيخبر، فتجاوز عنها‏.‏


وكان معه بِشْر بن البراء بن مَعْرُور، أخذ منها أكلة فأساغها، فمات منها‏.‏


واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولا، فلما مات بشر قتلها قصاصا‏.‏




فوائد من حادثة الشاة المسمومة ومحاولة اليهود قتله عليه افضل السلاة والسلام



الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذا الموقف -واعتراف اليهود اعترافًا صريحًا بأنهم دبروا لقتله صلى الله عليه وسلم- عفا عنهم جميعًا؛ وهذا من أبلغ مواطن الرحمة في حياته عليه الصلاة والسلام، بل إنه عفا عن المرأة التي قدمت له الشاة، وسُئِل مباشرة صلى الله عليه وسلم ألا تقتلها؟ قال: "لاَ". ولم يقتل المرأة، وكان أحد الصحابة وهو بشر بن البراء بن معرور قد أكل مع رسول الله عليه الصلاة والسلام وقت أكله من الشاة المسمومة، وكما هو مشهور أن الشاة المسمومة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تأكل مني؛ فإني مسمومة". فالرسول صلى الله عليه وسلم لَفَظَ الشاة وأمر الصحابة ألاّ يأكلوا، ولكن هذا الصحابي بشر بن البراء بن معرور كان قد ابتلع قطعة من اللحم من هذه الشاة المسمومة فمات بها، فلما مات بشر بن البراء بن معرور ، أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحدَّ على المرأة التي قَدَّمت الشاة، فقتلها به. وبالجمع بين الروايات نجد أنه من كل أرض خيبر لم تقتل إلا امرأة واحدة؛ لأنها قتلت رجلاً من المسلمين أكل من الشاة المسمومة.


الفائدة الأولى:
رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل الهدية من اليهودية و هي من هي عداوة له صلى الله عليه و سلم و هذا من أخلاقه عليه السلام تواضعا و حبا للسلم و الأمان. و احتراما لحق جير انه اليهود في المدينة .و اليهودية علمت من صفات النبوة رغم كبريائها و صلفها المعهود منها و من بني ملتها أنه لا يأكل الصدقة . أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه و سلم شاة مصلية بخيبر فقال لها: ما هذه؟ قالت: هدية .وتحذرت أن تقول من الصدقة فلا يأكلها.
الفائدة الثانية:
مات بشر بن البراء رضي الله عنه وغيره وهم رجال و لم يمت النبي صلى الله عليه و سلم لأن الله حماه و لم يمت إلا في الأجل الذي قدر له ربه أن يموت فيه.في مصنف عبد الرزاق:
واحتجم النبي صلى الله عليه و سلم على الكاهل وأمر أن يحتجموا فمات بعضهم.
و الأحلى في الأمر أنه ورد في بعض كتب السيرة أنها سألت أي الأعضاء يحبها النبي صلى الله عليه و سلم فقيل لها الذراع فأكثرت فيه من السم.
الفائدة الثالثة:
لقد أظهرت اليهودية سبب تسميمها للشاة بغية اغتيال رسول الله صلى الله عليه و سلم.
إنه الميزان و المعيار و هي ذكرته : إن كان نبيا لم يضره السم و إن كان غير ذلك مات .
في سنن البيهقي قالت:
إن كان نبيا فلن يضره وإن لم يكن نبيا استرحنا منه
في مصنف عبد الرزاق قالت:
إن كنت كاذبا أن يستريح منك الناس وإن كنت نبيا لم يضرك .
فهل مات رسول الله في حياة تلك اليهودية و هي تنظر إليه يتلوى من الألم ؟
لا و الله بل رد الله كيدها في نحرها و عاش رسول الله صلى الله عليه و سلم و أكمل دعوته .قال الله تعالى :
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا".
المائدة3
نعم إنه رسول الله حقا و صدقا و يتحداها رسول الله صلى الله عليه و سلم قائلا :
« ما كان الله ليسلطك على ذاك ». قال أو قال « عليَّ ».
قال محمد بن يوسف الصالحي الشامي في كتابه :
سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد:
جزم بإسلامها سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها: " وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك، وقد استبان لي أنك صادق، وأنا أشهدك ومن حضرك أني على دينك، وأن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، قال: وانصرف عنها حين أسلمت.
و قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم:
وقوله ( "ما كان الله ليسلطك على ذاك أو قال علي" فيه بيان عصمته ( من الناس كلهم كما قال الله تعالى: {والله يعصمك من الناس} وهي معجزة لرسول الله ( في سلامته من السم المهلك لغيره وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة وكلام عضو منه له فقد جاء في غير مسلم أنه ( قال : إن الذراع تخبرني أنها مسمومة... وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي روينا تسميتها هذه في مغازي موسى بن عقبة ودلائل النبوة للبيهقي.
الفائدة الرابعة:
النبي صلى الله عليه و سلم علم أن الشاة مسمومة و من علامات النبوة إخبار الشاة له قال صلى الله عليه و سلم :
فإنها أخبرتني أنها مسمومة.
فمن هذا الذي تحدثه الشياه المصلية التي فارقها روحها؟
قال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي في عون المعبود:
وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه و سلم في سلامته من السم المهلك لغيره وفي إعلام الله تعالى بأنها مسمومة وكلام عضو ميت له كما جاء في الرواية الآتية أنه صلى الله عليه و سلم قال إن الذراع تخبرني أنها مسمومة.
الفائدة الخامسة:
النبي صلى الله عليه و سلم يحرص على منفعة أصحابه فقد قال لهم:
ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة.
نعم يحرص على أرواحهم و حياتهم .



الفائدة السادسة:
النبي صلى الله عليه و سلم يعاقب الجاني و لا يدع المجرم يمشي على رجليه مزهوا بجريمته.قال ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد:
قيل: إنه عفا عنها في حقِّه، فلما مات بشر بنُ البراء، قتلها به.
فعفوه عنها من حلمه و قدرته عند المقدرة و قتله لها من عدله الذي أطبق الأرض.
في مصنف عبد الرزاق :
قال الزهري فأسلمت فتركها النبي صلى الله عليه .
نعم لقد عفا عنها و هو القادر أن يبطش بها.
الفائدة السابعة:
النبي صلى الله عليه و سلم رغم إساءة اليهودية إليه فإنه عفا عنها .في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه: قالوا ألا نقتلها قال « لا ».
النبي صلى الله عليه و سلم و رغم إساءة المرأة اليهودية إليه فإنه أحسن إليها.



نقلا عن الاخ/ الصارم الصقيل