3/الشبهة فى قول الرسول اذا علا ماء الرجل ماء المرأة ذاكرا وان علا ماء المرأى ماء الرجل آنثا


أولا:نص الحديث

{عن ثوبان مولى رسول الله عليه وسلم ، قال :
كنت قائما عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود ,
فقال :

السلام عليك يا محمد -
الحديث بطوله - إلى أن قال : جئت أسألك عن الولد ؟
فقال :
ماء الرجل أبيض ،وماء المرأة أصفر
فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة : أذكرا بإذن الله ،وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله ،}

(صحيح مسلم كتاب الحيض 315)

ثانيا أراء الفقهاء حول الحديث :

ذكر ابن القيم رحمه الله : "وقد أجرى الله العادة بأن التوالد لا يكون إلا بين أصلين يتولد من بينهما ثالث ومني الرجل وحده لا يتولد منه الولد ما لم يمازجه مادة أخرى من الأنثى وقد اعترف أرباب القول الآخر بذلك وقالوا لابد من وجود مادة بيضاء لزجة للمرأة تصير مادة لبدن الجنين ولكن نازعوا هل فيها قوة عاقدة كما في مني الرجل أم لا وقد أدخل النبي :: هذه المسألة في الحديث الذى رواه مسلم في صحيحه من حديث ثوبان مولاه حيث سأله اليهود عن الولد فقال "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنث بإذن الله" نعم لمني الرجل خاصة الغلظ والبياض والخروج بدفق ودفع فإن أراد من مني المرأة انتفاء ذلك عنها أصاب ومني المرأة خاصته الرقة والصفرة والسيلان بغير دفع فإن نفي ذلك عنها أخطأ وفي كل من الماءين قوة فإذا انضم أحدهما إلى الآخر اكتسبا قوة ثالثة وهي من أسباب تكوين الجنين.

و قال أيضا رحمه الله : والسبب الموجب مشيئة الله فقد يسبب بضد السبب وقد يرتب عليه ضد مقتضاه ولا يكون في ذلك مخالفة لحكمته كما لا يكون تعجيزا لقدرته وقد أشار في الحديث إلى هذا بقوله "أذكر وأنثى بإذن الله"وقد     {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى : 49 - 50]

فأخبر سبحانه أن ذلك عائد إلى مشيئته وأنه قد يهب الذكور فقط والإناث فقط وقد يجمع للوالدين بين النوعين معا وقد يخليهما عنهما معا وأن ذلك كما هو راجع إلى مشيئته فهو متعلق بعلمه وقدرته"(6) وقال ابن حجر رحمه الله : " والذى يظهر ما قلته وهو تأويل العلو فى حديث عائشة وأما حديث ثوبان فيبقى العلو فيه على ظاهره فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث والعلو علامة الشبه فيرتفع الإشكال، وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة بحيث يصير الآخر مغمورا فيه فبذلك يحصل الشبه، وينقسم ذلك ستة أقسام:

الأول أن يسبق ماء الرجل ويكون أكثر فيحصل له الذكورة والشبه، والثاني عكسه، والثالث أن يسبق ماء الرجل ويكون ماء المرأة أكثر فتحصل الذكورة والشبه للمرأة، والرابع عكسه، والخامس أن يسبق ماء الرجل ويستويان فيذكر ولا يختص بشبه، والسادس عكسه" (٧) ، وقال النووي رحمه الله : "عند قول "النبي صلى الله عليه وسلم" " إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر " : هذا أصل عظيم في بيان صفة المني وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب ، قال العلماء : مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقه بعد دفقه ويخرج بشهوة و يتلذذ بخروجه وإذا خرج استعقب خروجه فتور ورائحة كرائحة طْلع النخل ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين ، .. ( وقد يتغير لون المني بأسباب منها ) .. أن يمرض فيصير منيه رقيقا أصفر أو يسترخي وعاء المني فيسيل من غير التذاذ وشهوة أو يستكثر من الجماع فيحمر ويصير كماء اللحم وربما يخرج دما عبيطا ، ثم إن خواص المني التي عليها الاعتماد في كونه منيا ثلاث : أحدها الخروج بشهوة مع الفتور عقِبه . والثانية : الرائحة التي شبه رائحة الطَّلع كما سبق . الثالث : الخروج بدْفق ودْفعات ، وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيا ولا يشترط اجتماعها فيه ، وإذا لم يوجد شيء منها لم يحكم بكونه منيا وغلب على الظن كونه ليس منيا هذا كله في مني الرجل ، وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق وقد يبييض لَفضل ُقوتها ، وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما أحدهما أن رائحته كرائحة مني الرجل والثانية التلذذ بخروجه وفتور قوتها عقب خروجه . وقال أيضا رحمه الله : " العلو والسبق بمعني واحد فتكون اللفظتان معناهما واحد ، قال العلماء : يجوز أن يكون المراد بالعلو هنا السبق، ويجوز أن يكون المراد الكثرة والقوة أي بحسب كثرة الشهوة فإن كانت للرجل أذكر "بإذن الله" وإن كانت المرأة أكثر شهوة أنث "بإذن الله" ( ٨) ، وقال القرطبي رحمه الله : " ...والذي يتعين تأويله الذي في حديث ثوبان ، فيقال : إن العلو معناه سبق الماء إلى الرحم، ووجهه: أن العلو معناه الغلبة ، ويؤيد هذا التأويل قوله في الحديث: " إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أنثا "( ٩) ، كما ذكر الزرقاني مثل ذلك : " إن العلو الوارد في الأحاديث معناه سبق الماء إلى الرحم، ووجهه: أن العلو لما كان معناه الغلبة والسابق غالب في ابتدائه في الخروج قيل غلبه وعلاه، ويؤيده أنه ورد في رواية مسلم " إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أنثا "( ١٠)

=*=*=*=*=*=*=
٦. ابن القيم ، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي ، التبيان في أقسام القرآن .
٧. ابن حجر ، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني ، فتح الباري .
٨. النووي ، محيي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف بن موري بن حسن بن حزم ، شرح النووي علي صحيح مسلم .
٩. القرطبي ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري ، الجامع لأحكام القرآن.
١٠ . الزرقاني ، محمد بن عبد الباقى بن يوسف ، شرح الزرقاني علي موطأ مالك ، دار الكتب العلمية، بيروت .


تفسير الحديث في ضوء المكتشفات الحديثة:

قبل تقدم العلم ، كان السائد أن مسئولية ولادة طفل ذكر أو أنثي تتحملها المرأة وحدها ، و لا يوجد أي دور للرجل في تحديد جنس الطفل ، و مع تطور العلوم و تقدم وسائل البحث العلمي واكتشاف نوعين من الحيوانات المنوية ؛ هما النوع الحامل للصبغي (Y) , والنوع الحامل للصبغي (X) ، ومنذ ذلك الإكتشاف وعلماء الأحياء يعتبرون أن الذكر هو المسئول عن تحديد جنس الطفل ولا يوجد أي دور للمرأة في هذه العملية ، وعلي العكس من ذلك كانت الأحاديث الشريفة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم منذ القرن السابع الميلادي تنص بشكل واضح و صريح علي أن تحديد نوع الجنين مسئولية مشتركة بين الرجل والمرأة وهذا , الحديث الذي رواه ثوبان مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر بصدق عن اشتراك الرجل و المرأة في ذلك ، و النص في الحديث "ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة : أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " ، أي أن علو ماء أحدهما يكون سببا في اكتساب جنس من علا ماؤه ، و في ضوء المكتشفات الحديثة لخصائص الأمشاج الكهربائية، يكون العلو المقصود العلو الكهربائي وهو علو حقيقي و ليس علوًا معنويًا،
ولتوضيح ذلك لابد من استرجاع بعض قواعد علم الطبيعة التي تخص الشحنة الكهربائية : يوجد نوعان من "الشحنات الكهربائية" (Electric charge) ، وهما "الشحنة الموجبة" (positive) ويرمز لها بالرمز (+) : وتعني نقصان عدد كبير من الإلكترونات في الجسم ، و "الشحنة السالبة" (negative) و يرمز لها بالرمز (-) : وتعني تجمع عدد كبير من الإلكترونات في الجسم ، وكما سبق إيضاحه ، تتجاذب الشحنات ذات الطبيعة المختلفة ، فإذا اقترب جسيمان مشحونان بشحنات ذات طبيعة مختلفة، وكانت للجسيمان حرية الحركة، فإن كلا منهما يجذب الآخر، وإذا كان أحد الجسيمين بروتونًا، والآخر إلكترونًا، فإن البروتون هو الذي يجذب إليه الإلكترون، عند اقترابهما ؛ لأن كتلة البروتون أكبر بكثير من كتلة الإلكترون ، وأيضا تتنافر الشحنات ذات الطبيعة المتماثلة : أي أن شحنتين موجبتين أو شحنتين سالبتين ، إذا اقتربتا لمسافة معينة، تظهر بينهما قوى ميكا###ية ، تعمل على دفع الشحنة ذات الكتلة الأقل ، بعيدًا عن الشحنة ذات الكتلة الأكبر ، بناء علي هذه الحقائق الكهربائية ، تكون الشحنة الموجبة هي الأعلى كهربائيًا نظرًا لقدرتها علي جذب الإلكترونات من الشحنة السالبة ، و بتطبيق القواعد السابقة علي الخصائص الكهربائية للبييضة و للحوين المنوي عند عملية التخصيب ، نجد أنه عندما تكون البييضة "سالبة الشحنة" فإنها تجذب إليها الحوين المنوي (Y) (الذي يحمل شحنة موجبة) وينتج "طفل ذكر"، وبما أن الحامل للصبغي "الشحنة الموجبة" هي الأعلى حسب قواعد الطبيعة يكون مني الرجل هو الأعلى و بذلك يكون علو مني الرجل سببًا في إنجاب "طفل ذكر" ،وهذا يطابق ما أوضحه الحديث النبوي بشكل مذهل " فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة : أذكرا بإذن الله " ، و أما إذا كانت البييضة موجبة الشحنة فإنها تجذب إليها الحوين المنوي الحامل للصبغي (X) (الذي يحمل شحنة سالبة) و ينتج "طفل أنثى" ،وهذا ما أوضحه أيضا الحديث النبوي " وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " ، أي هناك دور مشترك للرجل والمرأة في تحديد جنس الطفل ، ومن خلال العرض السابق يتضح لنا صدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم و يقدم إعجازًا علميا جديدًا يضاف إلي ما سبق من معجزات نبوية و التي لابد أن تكون وحيا من الله العليم الذي يعلم كل شيء ، ما نعلم وما لا نعلم ، يقول الله تعالي : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك : 14]

الاستنتاج والخلاصة

يعتبر تحديد جنس الجنين من القضايا التي شغلت أذهان البشر منذ قديم الزمان ، ليس فقط على مستوي العامة و لكن علي مستوي العلماء والباحثين ، ففي البداية كانت المرأة تتهم بأنها هي المسئولة عن تحديد جنس الطفل ، وبعد تقدم العلم واكتشاف وجود نوعين من الحوينات المنوية ، انتقلت المسئولية إلي الرجل فقط ، إلا أن الحديث النبوي الشريف الذي رواه ثوبان ، في الجزئية التي سأل فيها اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الولد ، أشار بوضوح تام إلي أن تحديد نوع الجنين ، ذكرًا كان أو أنثى ، يكون بمشاركة الرجل والمرأة معًا ،و ليس بأحدهما فقط ، يقول الحديث :" ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة : أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " ، و لقد ثار الجدل كثيرًا حول هذا الحديث علي مر الزمان بين العلماء و الفقهاء من جهة و بين الفقهاء أنفسهم سوءًا السابقين أو المعاصرين ، فلقد شكك البعض في صحة الحديث وافترض الاشتباه علي الراوي وأن المقصود الشبه وليس الذكورة والأنوثة ، و البعض الآخر لإيمانه بصدق الحديث و ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حاولوا التوفيق بينه و بين الأحاديث الواردة عن الشبه ، ومحاولة إيجاد علاقة بين العلو و السبق ، كلٍ علي قدر اجتهاده في ضوء المتاح من العلوم و المعرفة لديهم في ذلك الوقت ، ولقد كان هذا الجدل سببًا للطعن في السنة المطهرة من أعداء الدين و المضللين وبالرغم من تيقننا من أن الحديث لا مطعن فيه ، وثقتنا بأن سيدنا "محمد صلى الله عليه وسلم" لا ينطق عن الهوى ، إلا أن العلم لم يتمكن من تزويدنا بأدلة مادية تجعلنا قادرين علي الرد علي هؤلاء الملحدين و المشككين ، وأخيرا وبعد مرور ما يقرب من ألف وخمسمائة سنة ، يظهر الحق و يثبت العلم أن الرجل والمرأة يشتركان في تحديد جنس الطفل ، وذلك اعتمادًا علي خصائص غير مرئية وهي الشحنة الكهربية للأمشاج ، وأن نوع الجنين يتبع نوع الوالد الذي يكون عناصر منيه أعلى ،مصدقًا لما أخبر به نبينا العظيم منذ مئات السنين ويكون استخدام لفظة العلو في الحديث تعبيرًا مدهشًا حيث يعبر بكل دقة ووضوح عن الغلبة والقهر ، و بذلك يكون هذا العلو علوًا حقيقيًا و ليس معنويا كما كان يعتقد من قبل ، وأخيرًا ، بعد أن ظهر لنا جليًا الأسباب التي تعمل علي ترجيح نوع علي آخر ، فإننا نقر بأن ذلك كله معلق بمشيئة الله سبحانه وتعالي وحده ، الذي خلق الأسباب وقادر علي الخلق بالأسباب وبدونها ، عز في علاه ، قال تعالي :
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)}
[الشورى : 49 - 50]

الباحث
أ.د. جمال حامد السيد حسانين
أستاذ مشارك التشريح والأجنة بكلية الطب البشري
جامعة الزقازيق - جمهورية مصر العربية
باحث متعاون مع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة








التقرير كاملا فى هذا الرابط

http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=28364


يتبع بشبهه أخرى ....