بسم الله الرحمن الرحيم


(توطئـة)


الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على مَنْ لا نبيَّ بعدَه نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نَهْجه واقتفى أثرَه إلى يوم الدين

أما بعد


فإن الناظرَ في أحوال الأمم والشُّعوب قبلنا - وبخاصة الظالمين منهم - ممَّن أهلكه الله – تعالى - لَيَأْخذ من ذلك عظات وعبرًا؛ كيف لا وقد قال - سبحانه

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .يوسف: 111.


إنَّ في تأمُّل مصير الظالمين وما جرى عليهم من الإهلاك عبرةً لكلِّ جبَّار عنيد؛ نعم؛ الجبَّارُ الذي ما كان يَهْدَأُ له بال في الدُّنيا إلَّا وهو يرى بأمِّ عينيه دماءَ الأبرياء من المؤمنين تنـزف على يد زبانيته المجرمين، فما يحرك له ذلك ساكنا؛ بل وكأنَّ شيئًا لم يكن!!! وهو – زيادة على ذلك - قد أطلق لنفسه العنان، فأغرقها في الشَّهَوات والشُّبُهات؛ منتهكًا بذلك الحرمات، ضاربًا بالشَّرع المطهَّر عرضَ الحائط

وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. البروج: 8- 9.


أَيُّها الأخ الكريم


ما المصيرُ الذي صار إليه أولئك الطُّغاة الذين ملكوا القوَّةَ والمالَ وأسبابَ البقاء والغَلَبة؟!

ألم يأخذهم الله جميعًا بعدما فَتَنوا النَّاسَ وآذَوهم طويلًا!

فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40].

وهكذا يكون مصيرُ كلِّ ظالم ومتجبِّر على مَرِّ الأزمان والدُّهور، ولا يَبْقى إلَّا حماية الله – تعالى - وركنه القويّ الرَّكين.
إنَّها حقيقةٌ ضخمة عُني بها القرآن الكريم؛ حيث قرَّرها في نفوس الفئة المؤمنة، فكانت بذلك أقوى من جميع القوى التي وَقَفَتْ في طريقها، وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض، ودكَّت بها المعاقلَ والحصونَ.

لقد استقرَّتْ هذه الحقيقةُ الضَّخمةُ في كلِّ نفس، وعمَّرت كلَّ قلب، واختلطت بالدم، وجرت معه في العروق، ولم تَعُدْ كلمة تقال باللِّسان، ولا قضية تحتاج إلى جدل؛ بل بديهة مستقرة في النَّفس لا يجول غيرها في حسٍّ أو خيال.

قوَّةُ الله هي القوة، وولاية الله هي الولاية، وما عداها فهو واهنٌ ضئيلٌ هزيلٌ مهما علا واستطال، ومهما تَجَبَّرَ وطَغَى، ومهما مَلَكَ من وسائل البَطْش والطُّغيان والتَّنكيل.


أيُّها الأخ المبارك


وبعد هذا الاسترسال المفيد - بإذن الله - نقول إنَّ هذا الكتابَ

"وماذا بعد الظلم"

يدور حولَ بسط عدد من النَّماذج التي استعرضها الحافظ ابن كثير – رحمه الله - في كتابه العظيم (البداية والنهاية) لنهاية كثير من الطُّغاة والظالمين؛ بدءاً بفرعون وقومه حتى العصر الذي عاش فيه ابن كثير – رحمه الله.

وحقيقةً.. إنَّ كتابَ "البداية والنهاية"

كتاب جليل القدر، عظيم النفع لمن تأمله، وهذا ما دعانا إلى إصدار الجزء الأول من هذه السِّلسلة المبارَكة؛

(إحياء كتب التراث الإسلاميّ)؛

سائلين الله – تعالى - أن يجعلَها خالصةً لوجهه، نافعةً لعباده؛ إنَّه أعظمُ مسؤول، وأكرمُ مأمول.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

,lh`h fu] hg/gl ? ( Hp]he jhvdodm ihlm ,rww ,hrudm uk kihdm hg/gl )