صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 14 من 14
 

العرض المتطور

  1. #1
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي




    المبحث الثاني عشر: رد التنازع إلى الكتاب والسنة


    إن كل ما تنازعت واختلفت فيه الأمة من أصول الدين وفروعه، يجب رده إلى الكتاب والسنة؛ طلبا لرفع التنازع، ودفع الاختلاف ومعرفة الحق والصواب.
    لقد وقع الاختلاف والتنازع في الدين بين هذه الأمة، - أسوة بالأمم قبلها من اليهود والنصارى - في أصول الدين وفروعه، وذلك على ما أخبر به الوحي كما في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [ هود: 118-119]
    وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]
    وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)) ، وفي رواية: ((كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)) .

    والاختلاف المذكور في القرآن الكريم قسمان: من جهة مدحه أو ذمه، ومن جهة ذاته :
    أولا: من جهة مدحه أو ذمه، وهو نوعان:
    الأول: أنه تعالى يذم الطائفتين المختلفتين جميعا، كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 176]
    وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [ الأنعام: 159]

    الثاني: اختلاف
    حمد الله تعالى فيه إحدى الطائفتين، وذم الأخرى كما في قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [ البقرة: 253]
    فقوله: {وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ} حمد لإحدى الطائفتين، وهم المؤمنون، وذم للأخرى.

    والاختلاف الذي تذم فيه جميع الطوائف المتنازعة، يكون سببه:
    تارة، فساد النية؛ بسبب البغي والحسد؛ وإرادة العلو في الأرض بالفساد، ونحوه، كما     : {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [البقرة: 213].
    وتارة يكون بسبب جهل المختلفين بحقيقة الأمر الذي يتنازعون فيه أو الجهل بدليله، أو دلالته.
    ثانيا: من جهة ذاته: وهو – أيضا – نوعان :

    الأول: اختلاف تنوع: وهو على وجوه:
    أ- أن يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا، كالاختلاف في القراءات التي اختلف فيها الصحابة، فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف وقال: ((كلاكما محسن)) .
    ومن ذلك – أيضا – الاختلاف في صفة الأذان والإقامة، والتشهدات وصلاة الخوف، إلى غير ذلك مما شرع جميعه، وقد يقال: إن بعض أنواعه أفضل من بعض.
    ب – أن يتفق القولان في المعنى والحكم، ويختلفان في اللفظ والعبارة، كالاختلاف في الحدود (التعريفات)، والتعبير عن المسميات، وتقسيم الأحكام، وغير ذلك.
    ج – أن يكون المعنيان مختلفين، لكنهما لا يتنافيان، فهذا قول صحيح وهذا قول صحيح، كاختلاف الصحابة في صلاة العصر أثناء سيرهم إلى بني قريظة .

    د – ما يكون طريقتين مشروعتين، ورجل أو قوم قد سلكوا هذه الطريق، وآخرون قد سلكوا الأخرى، كلاهما محسن في الدين، ثم الجهل أو الظلم يحمل على ذم إحداهما، أو تفضيلها بلا قصد صالح، أو بلا نية، وبلا علم.
    وهذا النوع من أنواع الاختلاف، يكون فيه كل واحد من المختلفين مصيبا، لكن الذم إنما يقع على من بغى على صاحبه، وظلمه.

    الثاني: اختلاف تضاد:
    وهو القولان المتنافيان، فالخطب فيه أشد؛ لتنافي القولين، وقد يكون مع أحد المتنازعين بعض الحق، أو دليل يقتضي حقا، فرد ذلك من الباطل؛ كالاختلاف بين المشبهة والمعطلة في الصفات، فمع المشبهة بعض الحق وهو أصل الإثبات، ومع المعطلة بعض الحق وهو أصل التنزيه والصواب والنجاة في ضم الحقين، والجمع بينهما.
    وهذا النوعان (التنوع والتضاد) إنما يكون المخرج منهما بالرد إلى الله ورسوله، فيظهر ما خفي من الدليل أو الدلالة، فيرتفع التنازع، ويندفع البغي، ويتبين وجه الحق والصواب، ثم يطالب المبطل بالإذعان والانقياد.
    فإن الرجل إذا تكلم بكلام؛ إما أن يكون كلامه ظاهر الصواب، موافقا للأدلة؛ فيقبل كلامه، أو أن يكون ظاهر البطلان مخالفا للأدلة؛ فيرد كلامه، أو أن يكون في كلامه إجمال؛ فيطالب بالتفسير والبيان، فيقبل ما وافق الحق، ويرد ما سواه، وكل هذا يتبين بالرد إلى الله ورسوله. قال شارح الطحاوية: (والأمور التي تتنازع فيها الأمة في الأصول والفروع، إذا لم ترد إلى الله والرسول لم يتبين فيها الحق، بل يصير فيها المتنازعون على غير بينة من أمرهم...









  2. #2
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    المبحث الثالث عشر: ظواهر النصوص مفهومة لدى المخاطبين


    كلام الله وكلام رسوله عربي مبين، وظاهره غاية في البيان، وهو مفهوم لدى المخاطبين من أهل اللسان العربي، ولاسيما ما يتعلق من ذلك بأصول الدين والإيمان، والتي كثر فيها خوض المتأخرين واختلافهم....،

    ومن المعلوم أن القرآن عربي، وأنزل على رسول عربي، وخوطبت به - أول الأمر- أمة عربية، وأن القرآن مقصود به الهداية والإرشاد، فلزم أن يكون بينا للأمة المخاطبة به، ولا يكون كذلك حتى تفهمه وتعقله، ولا يتم ذلك حتى يكون جاريا على معهودها في الخطاب، وعادتها في الكلام، وهكذا كان القرآن الكريم.
    وقد كانت سنة الله في خلقه أن يرسل كل رسول بلسان قومه حتى يحصل المقصود من الرسالة، فيكون الرسول مبينا في كلامه وبلاغه، ويكون المخاطب قادرا على الفهم، متمكنا من الإدراك، وبهذا تقوم الحجة وتنقطع المعذرة: بالبيان من الرسول والفهم من المرسل إليه، ولهذا قال موسى- في تعليل سؤاله الله أن يرسل معه أخاه هارون وزيرا -: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} [ القصص: 34].

    فلو أن الله تعالى خاطب أمة بغير لسانها، لما فهمت خطابه لها، ومن ثم لم تقم الحجة عليها بذلك الخطاب، وقد : {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] قال أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: (... كان معلوما أنه غير جائز أن يخاطب الله جل ذكره أحدا من خلقه إلا بما يفهمه المخاطب، ولا يرسل إلى أحد منهم رسولا برسالة إلا بلسان وبيان يفهمه المرسل إليه، لأن المخاطب المرسل إليه إن لم يفهم ما خوطب به وأنزل إليه، فحاله قبل الخطاب وقبل مجيء الرسالة وبعده سواء، إذا لم يفده الخطاب والرسالة شيئا كان به قبل ذلك جاهلا) .

    فمعاني كتاب الله تعالى موافقة لمعاني كلام العرب، كما أن ألفاظه موافقة لألفاظها، ولهذا كان لا يمكن لأحد أن يفهم كلام الله ورسوله إلا من هذه الجهة، جهة كونه عربيا: في ألفاظه وتراكيب تلك الألفاظ، عربيا في أساليبه ومعانيه، قال الشاطبي رحمه الله: (فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها: أصولا وفروعا، أمران: أحدهما: أن لا يتكلم في شيء من ذلك حتى يكون عربيا، أو كالعربي في كونه عارفا بلسان العرب، بالغا فيه مبالغ العرب، أو مبالغ الأئمة المتقدمين كالخليل وسيبويه والكسائي والفراء ومن أشبههم وداناهم، وليس المراد أن يكون حافظا كحفظهم، وجامعا كجمعهم، وإنما المراد أن يصير فهمه عربيا في الجملة...) .
    فلابد في فهم معاني نصوص الكتاب والسنة من مراعاة معهود العرب في خطابها، فلا يصح العدول عن عرفها في كلامها، كما لا يصح أن يفهم كلام الله ورسوله على نحو لا تعرفه العرب من لغتها وأسلوبها .

    وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بعض معهود العرب في خطابها، وأنها تخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا تريد به العام الظاهر، ومثاله منالقرآن الكريم: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} [ الحجرات: 13] فهذا يعم جميعالناس .
    وتخاطب بالشيء عاما ظاهرا تريد به العام ويدخله الخصوص، ومثاله من القرآن الكريم: قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} [ النساء: 75] فكل أهل القرية لم يكن ظالما، وإنما كان فيهم المسلم، لكنهم كانوا مغلوبين على أمرهم .

    وتخاطب بالشيء عاما ظاهرا تريد به الخاص، مثاله: قوله تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [ التحريم: 6] ودل القرآن على أن وقودها إنما هو بعض الناس، لا كلهم، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [ الأنبياء: 101] .
    وتخاطب بالشيء ظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره، مثاله: قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف: 82] والمراد: أهل القرية، وأهل العير .

    وكل هذا موجود العلم به في أول الكلام أو وسطه أو آخره، ثم قال الشافعي رحمه الله – بعد أن ذكر بعض تصرفات العرب في لسانها وفطرته في الكلام والبيان – قال: (فمن جهل هذا من لسانها، وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة، فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه، ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته: كانت موافقته للصواب – إن وافقه من حيث لا يعرفه – غير محمودة، والله أعلم، وكان بخطئه غير معذور) وذلك لأنه أتى البيت من غير بابه، ورام الوصول إلى الغاية من غير طريقها، ولهذا قال الحسن رحمه الله: (أهلكتهم العجمة؛ يتأولونه – أي القرآن - على غير تأويله) .
    ....والمقصود هنا بيان أن نصوص
    القرآن والسنة عربية في ألفاظها وأساليبها، ولا يفهمها إلا من كان عربيا في لسانه وفهمه، وكلما كان علمه بلسان العرب وأساليبها في الكلام أعمق كان فهمه للكتاب والسنة أرسخ.







  3. #3
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    المبحث الرابع عشر: الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم



    وصف الله تعالى القرآن بأنه كله محكم، وأنه كله متشابه، و في موضع ثالث جعل منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه. و على هذا فينبغي أن يعرف الإحكام والتشابه الذي يعمه، والإحكام والتشابه الذي يخص بعضه .
    أما الإحكام الذي يعمه فمذكور في مثل قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} هود: 1
    قال قتادة رحمه الله: (أي جعلت محكمة كلها، لا خلل فيها ولا باطل) وقال في موضع آخر: (أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بالحلال والحرام) وقال مجاهد رحمه الله: (أحكمت جملة ثم بينت آية آية بجميع ما يحتاج إليه من الدليل على التوحيد والنبوة والبعث وغيرها) وقال ابن كثير رحمه الله: (أي هي محكمة في لفظها مفصلة في معناها فهو كامل: صورة ومعنى) .

    فالقرآن الكريم كله محكم بمعنى أنه متقن مصون من الباطل والفساد؛ صدق في أخباره، حق في أحكامه، عدل في وعده ووعيده، قال ابن تيمية رحمه الله: (فإحكام الكلام إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغي في أوامره) .
    وأما التشابه الذي يعم القرآن فمذكور في مثل قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} [ الزمر: 23] قال مجاهد رحمه الله: (يعني القرآن كله متشابه مثاني) وقال قتادة رحمه الله: (الآية تشبه الآية، والحرف يشبه الحرف) وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (مثاني: قال: القرآن يشبه بعضه بعضا، ويرد بعضه على بعض) وقال سعيد بن جبير رحمه الله: (يشبه بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، ويدل بعضه على بعض) . ونحوه عن السدي .

    فالتشابه الذي يعم القرآن هو تماثل الكلام وتناسبه، بحيث يصدق بعضه بعضا، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، بل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماته، وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر، بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته – إذا لم يكن هناك نسخ – ومثله يقال في الأخبار: فإذا أخبر عن شيء لم يخبر عن نقيضه أو بنفيه في موضع آخر، بل يخبر عنه بما يصدقه ويؤكده، أو يفصله ويبينه كما في القصص مثلا.

    فهذا التشابه الذي يعم القرآن هو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [ النساء: 82] ولهذا كان القول المضاد للقرآن موصوفا بالاختلاف والاضطراب كما في وصف قول المشركين {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [ الذاريات: 8 - 9].
    وهذا التشابه العام لا ينافي الإحكام العام بل هو مصدق له فالكلام المتقن يصدق بعضه بعضا، ويشبه بعضه بعضا في الحق والصدق والعدل .

    أما الإحكام الخاص فإنه ضد التشابه الخاص، وهو المذكور في آية آل عمران . والتشابه الخاص هو مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر، بحيث يشتبه على بعض الناس أنه هو، أو هو مثله وليس كذلك. والإحكام الخاص هو الفصل بينهما بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر، وهذا التشابه إنما يكون في القدر المشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما.

    ثم من الناس من لا يهتدي إلى الفصل بينهما، فيكون مشتبها عليه، ومنهم من يهتدي إلى ذلك، فالتشابه الذي لا يتميز قد يكون من الأمور النسبية الإضافية، بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض، ومثل هذا يعرف منه أهل العلم (الراسخون فيه) ما يزيل عنه هذا الاشتباه، كما إذا اشتبه على بعض الناس ما وعدوا به في الآخرة بما يشاهدونه في الدنيا فظن أنه مثله، فعلم العلماء أنه ليس مثله وإن كان مشابها له من بعض الوجوه .
    وقد يكون المتشابه من الأمور التي لا يعلمها أحد من العباد، بل استأثر الله بعلمها، كما استأثر الله بالعلم بالقدر المميز بين حقائق الدنيا وحقائق الآخرة، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

    المصدر : الدرر السنية
    http://www.dorar.net/enc/aqadia/151










  4. #4
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    المبحث السابع: درء التعارض بين صحيح النقل وصريح العقل


    مما ينبغي اعتقاده أن نصوص الكتاب والسنة الصحيحة والصريحة في دلالتها، لا يعارضها شيء من المعقولات الصريحة، ذلك أن العقل شاهد بصحة الشريعة إجمالا وتفصيلا، فأما الإجمال، فمن جهة شهادة العقل بصحة النبوة وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فيلزم من ذلك تصديقه في كل ما يخبر به من الكتاب والحكمة.
    وأما التفصيل، فمسائل الشريعة ليس فيها ما يرده العقل؛ بل كل ما أدركه العقل من مسائلها فهو يشهد له بالصحة تصديقا وتعضيدا، وما قصر العقل عن إدراكه من مسائلها، فهذا لعظم الشريعة، وتفوقها، ومع ذلك فليس في العقل ما يمنع وقوع تلك المسائل التي عجز العقل عن إدراكها، فالشريعة قد تأتي بما يحير العقول لا بما تحيله العقول.

    فإن وجد ما يوهم التعارض بين العقل والنقل، فإما أن يكون النقل غير صحيح أو يكون صحيحاً ليس فيه دلالة صحيحة على المدعى، وإما أن يكون العقل فاسداً بفساد مقدماته.
    فمن احتج - مثلا- في إنكار الصفات الإلهية بأن لازم ذلك إثبات آلهة مع الله، فقد احتج بعقل غير صحيح؛ بل لا يجوز تسمية ذلك عقلاً أصلاً؛ إذ لا يجوز في العقل وجود موجود مجرد عن الصفات؛ بل هو من أعظم الممتنعات العقلية؛ لأنه يستلزم رفع النقيضين، حيث يقال: هو موجود ولا موجود، ولا يقال هذا في حق المخلوق، فلا يستلزم إثبات المخلوق متصفا بصفات السمع والبصر والكلام والحياة أن يتعدد المخلوق، بحيث تكون كل صفة منها إنسانا قائما بنفسه، وهذا معلوم البطلان في حق المخلوق، وبطلانه في حق الخالق أظهر وأولى فهذا عقل فاسد لا يقاوم النقل الصحيح الصريح من آيات الصفات وأحاديثها.
    وقد يكون النقل مكذوبا والعقل صحيحاً، كما في حديث يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل يا رسول الله: مم ربنا؟ قال: ((من ماء مرور، لا من أرض، ولا من سماء، خلق خيلاً فأجراها فعرقت، فخلق نفسه من ذلك العرق..)) .

    ففي هذا الكتاب وأمثاله لا يقال إنه يعارض دليل العقل، فلا يصلح أن يكون دليلا فضلا عن أن ينسب إلى الشرع ليعارض به العقل، علاوة على أن الأدلة الشرعية تنقضه وتبطله.
    وقد يكون النقل صحيحاً، إلا أنه لا يدل على المعنى المدعى، فيتوهم التعارض بين المنقول والمعقول، كما في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني.. الحديث)) .
    فمن فهم من الحديث أن الله تعالى يمرض أو يجوع ويعطش لم يفهم معنى الحديث لأن الحديث فسره المتكلم به، وبين المراد منه، وهو أن العبد هو الذي جاع وعطش ومرض، وأن الله تعالى منزه عن ذلك

    وقد أطال ابن تيمية رحمه الله الكلام على التعارض المتوهم وذلك في كتابه البديع (درء تعارض العقل والنقل) ومما قاله في ذلك: ليس في المعقول الصريح ما يمكن أن يكون مقدما على ما جاءت به الرسل وذلك لأن الآيات والبراهين دالة على صدق الرسل وأنهم لا يقولون على الله إلا الحق وأنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله من الخبر والطلب لا يجوز أن يستقر في خبرهم عن الله شيء من الخطأ كما اتفق على ذلك جميع المقرين بالرسل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم، فوجب أن جميع ما يخبر به الرسول عن الله صدق وحق لا يجوز أن يكون في ذلك شيء مناقض لدليل عقلي ولا سمعي فمتي علم المؤمن بالرسول أنه أخبر بشيء من ذلك جزم جزما قاطعا أنه حق وأنه لا يجوز أن يكون في الباطن بخلاف ما أخبر به وأنه يمتنع أن يعارضه دليل قطعي ولا عقلي ولا سمعي وأن كل ما ظن أنه عارضه من ذلك فإنما هو حجج داحضة وشبه من جنس شبه السوفسطائية، وإذا كان العقل العالم بصدق الرسول قد شهد له بذلك وأنه يمتنع أن يعارض خبره دليل صحيح كان هذا العقل شاهدا بأن كل ما خالف خبر الرسول فهو باطل فيكون هذا العقل والسمع جميعا شهدا ببطلان العقل المخالف للسمع


    وأن والعقل الصريح عندهم - أي: عند أهل السنة - يوافق النقل الصحيح، وعند الإشكال يقدمون النقل ولا إشكال؛ لأن النقل لا يأتي بما يستحيل على العقل أن يتقبله، وإنما يأتي بما تحار فيه العقول، والعقل يصدق النقل في كل ما أخبر به ولا العكس.
    ولا يقللون من شأن العقل؛ فهو مناط التكليف عندهم، ولكن يقولون: إن العقل لا يتقدم على الشرع - وإلا لاستغنى الخلق عن الرسل - ولكن يعمل داخل دائرته، ولهذا سموا أهل السنة لاستمساكهم واتباعهم وتسليمهم المطلق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]

    وإذا ظهر تعارض بين الدليلين النقلي والعقلي، فلابد من أحد ثلاثة احتمالات:
    الأول: أن يكون أحد الدليلين قطعياً والآخر ظنياً، فيجب تقديم القطعي نقلياً كان أم عقلياً، وإن كان ظنيين فالواجب تقديم الراجح، عقلياً كان أم نقلياً.
    الثاني: أن يكون أحد الدليلين فاسدا، فالواجب تقديم الدليل الصحيح على الفاسد سواء أكان نقلياً أم عقلياً.
    الثالث: أن يكون أحد الدليلين صريحاً والآخر ليس بذاك، فهنا يجب تقديم الدلالة الصريحة على الدلالة الخفية، لكن قد يخفى من وجوه الدلالات عند بعض الناس ما قد يكون بينا وواضحاً عند البعض الآخر، فلا تعارض في نفس الأمر عندئذٍ.
    أما أن يكون الدليلان قطعيين - سندا ومتنا- ثم يتعارضان، فهذا لا يكون أبداً، لا بين نقليين، ولا بين عقليين، ولا بين نقلي وعقلي) .

    وخلاصة اعتقاد أهل السنة في هذا الباب (أن الأدلة العقلية الصريحة توافق ما جاءت به الرسل، وأن صريح المعقول لا يناقض صحيح المنقول، وإنما يقع التناقض بين ما يدخل في السمع وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه) .
    وقد أعمل الصحابة رضي الله عنهم هذا الأصل، وتلقاه عنهم التابعون، وتواترت عبارات أهل العلم بهذا المعنى.
    قال ابن تيمية رحمه الله: فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات، والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم .

    وقال الإمام الشافعي رحمه الله: كل شيء خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط، ولا يقوم معه رأي ولا قياس، فإن الله تعالى قطع العذر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد معه أمر ولا نهي غير ما أمر هو به .
    وقال الإمام مالك رحمه الله: أو كلما جاء رجل أجدل من الآخر، رد ما أنزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم .
    ومن ثمرات الالتزام بهذه القاعدة، إثبات عصمة الشرع الحكيم إذ ليس فيه ما يخالف العقل الصحيح، وسد باب التأويل والتفويض، واستقامة الحياة على الوجه الأتم الأكمل عند نفي التعارض بين وحي الله تعالى وخلقه، فتنعم البشرية بهدي الله وشرعه وتنتفع بما أنعم على خلقه






 

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. من هم أهل السنة والجماعة أرجو المتابعة
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 2010-11-25, 10:34 PM
  2. كلمات في ميزان الاعتقاد (1- أهل السنة و الجماعة)
    بواسطة أبو صهيب المصري في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 2010-11-02, 06:22 AM
  3. التحذير من موقع أهل السنة والجماعة
    بواسطة أمـــة الله في المنتدى القسم الإسلامي العام
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 2010-08-28, 11:04 AM
  4. خصائص أهل السنة والجماعة
    بواسطة أسد الدين في المنتدى العقـيدة الإسلامية
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 2008-08-23, 11:48 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML