نعود لنستكمل معا باقي الأحداث الهامة من مذكرات سعادة السفير محمد إبراهيم كامل

تشومبي يؤلف الوزارة

وكانت دار سكن السفير تقع في حي كالينا وهو من الأحياء التي كانت مخصصة للبيض بعيدا عن الأحياء الوطنية التي يسكنها الكونجوليون ويظهر الفارق واضحا وجليا بين الأبهة التي كان يعيش فيها المستوطنون البيض والجاليات الأوروبية وتلك الأحياء التي يسكنها الشعب الكونجولي والتي تشبه المعسكرات‏.‏
وكانت مكاتب السفارة في مبني تمتلكه شركة النصر للتصدير والاستيراد في وسط المدينة وتشغل الطابق الأرضي منه مكاتب الشركة بينما تشغل السفارة الطابق الثاني ويقطن الطابق الثالث بعض موظفي السفارة والفنيين الذين كانوا يعملون في محطة اللاسلكي التي تربط السفارة بالقاهرة مباشرة والتي زودت بها السفارة المصرية في بداية إنشائها في شهر سبتمبر عام‏1960‏ والتي يعود إليها الفضل في إنقاذ حياتنا عندما اشتعلت الأزمة بعد ذلك في عام‏1964‏ وكان يديرها طاقم ممتاز من الأفراد المتميزين من القوات المسلحة‏.‏

وفي ميدان فسيح بوسط المدينة في مواجهة مكاتب السفارة البلجيكية كان يقام يوميا سوق يحمل إليه الكونجوليون بضاعتهم كل صباح حيث يفترشون أرض الميدان عارضين مشغولاتهم الفنية وتشمل التماثيل الخشبية والعاجية وسن الفيل وأحجار الملاكيت الجميلة القيمة والتي كانت تستخرج من مناجم النحاس والحراب والأقواس وجلد التمساح والأقنعة الخشبية‏..‏ إلخ‏,‏ ولا شك في أن للكونجوليين حسا فنيا مرهفا‏.‏
وبعد أيام قدمت أوراق اعتمادي إلي رئيس الجمهورية كازافوبو وبعد انتهاء المراسم جلست معه ومع سيريل ادولا رئيس الوزراء لمدة ساعة حاولت أن أبدد فيها شكوكهما نحو الجمهورية العربية المتحدة والتي كانت تناصر بشدة الزعيم لومومبا وايدين استعداد مصر المخلص لبناء علاقات متينة مع الكونجو في المجالات السياسية والاقتصادية‏.‏ وكان كازافوبو يتسم بالحرص والدهاء بينما كان أدولا متطلعا فعلا إلي علاقات جيدة مع مصر التي تحتل مركزا مؤثرا خاصا في إفريقيا‏.‏ ثم شرعت في زيارة السفراء المعتمدين في ليوبولدفيل وكان تمثيل الدول العربية في ذاك الوقت منحصرا علي مصر وتونس والسودان والجزائر‏,‏ كما كان السفراء المعتمدون في ليوبولدفيل يضمون عددا من أكفأ السفراء خاصة من قبل الدول الأوروبية التي كان لها مصالح واستمثارات هائلة في دولة الكونجو كما كان للاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا سفارات هناك‏.‏

وكان من المقرر عقد مؤتمر القمة الإفريقي في القاهرة شهر يوليو عام‏1964‏ وقد أرسلت وزارة الخارجية المصرية تدعو سفراءها المعتمدين في الدول الافريقية للعودة الي القاهرة لحضور أعمال المؤتمر وبعد وصولي إلي ليوبولدفيل بنحو عشرين يوما بدأت تسري شائعات بأن تشومبي قد وصل إلي ليوبولدفيل وبدأنا نتقصي حقيقة هذه الانباء التي اثارت السلك السياسي بين مرحب ومستنكر ولم تشر الصحافة او الاذاعة الكونجولية من قريب او بعيد الي هذا الموضوع واستمرت التكهنات إلي أن تحققت‏,‏ فقبل سفري إلي القاهرة بيومين لحضور مؤتمر القمة الافريقية اصبحت الشائعات بوصوله شبه مؤكدة وفي اليوم السابق لسفري الي القاهرة كنت علي موعد لزيارة السفير الامريكي في الكونجو‏(‏ ماك جودلي‏)‏ وكان رجلا ضخما مرحا وذهبت اليه وفي اثناء حديثي معه في غرفة مكتبه دق جرس التليفون فذهب للرد عليه وعاد ليقول لي ان الرئيس كازافوبو قد كلف تشومبي بمهمة وهو نظام مأخوذ عن النظام البلجيكي الذي يقضي بأن يكلف رئيس الدولة احد السياسيين بتشكيل وزارة وان ذلك لا يعني بالقطع ان يكون المكلف بذلك هو تشومبي نفسه وفي مساء اليوم التالي كان موعد سفري للقاهرة وركبت السيارة بعد الظهر للمطار وكان معي مصطفي حنفي وكنا نستمع لنشرة الاخبار المحلية في راديو السيارة حيث كان النبأ الاول هو ان الرئيس كازافوبو قد استقبل اعضاء الوزارة الجديدة برئاسة مويس تشومبي وقد احتفظ تشومبي لنفسه بوزارة الخارجية الي جانب توليه منصب رئيس الوزراء وحمدت الله علي انني في طريقي الي القاهرة حيث سيتاح لي ان اعاود سؤال وزير خارجيتنا محمود رياض عن موقفنا ازاء هذا الوضع وهو السؤال الذي استنكره عند مقابلتي له قبيل سفري الي الكونجو‏.‏


إنتظرونا ....

إلى اللقاء .