159 " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها , فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من

عذاب القبر الذي أسمع منه . قال زيد : ثم أقبل علينا بوجهه فقال : تعوذوا بالله

من عذاب النار , قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار , فقال : تعوذوا بالله من

عذاب القبر , قالوا : نعوذا بالله من عذاب القبر , قال : تعوذوا بالله من الفتن

ما ظهر منها و ما بطن , قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها و ما بطن ,

قال : تعوذوا بالله من فتنة الدجال , قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال " .



قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 244 :



أخرجه مسلم ( 8 / 160 - 161 ) من طريق ابن علية قال : و أخبرنا سعيد الجريري

عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن زيد بن ثابت قال أبو سعيد : و لم أشهده من

النبي صلى الله عليه وسلم و لكن حدثنيه # زيد بن ثابت # قال :

" بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له , و نحن معه

إذ حادت به , فكادت تلقيه , و إذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة - شك الجريري -

فقال : من يعرف أصحاب هذه الأقبر ? فقال رجل : أنا قال : فمتى مات هؤلاء ?

قال : ماتوا في الإشراك فقال ... " فذكره .



و أخرجه أحمد ( 5 / 190 ) : حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا أبو مسعود الجريري به

إلا أنه قال : " تعوذوا من فتنة المحيا و الممات " , بدل " تعوذوا من الفتن ما

ظهر منها و ما بطن " .

و أخرجه ابن حبان ( 785 ) بنحو رواية مسلم , لكن لم يذكر فيه زيد بن ثابت .



غريب الحديث

-------------

( تدافنوا ) أصله تتدافنوا فحذف إحدى التاءين . أي : لولا خشية أن يفضي سماعكم

إلى ترك أن يدفن بعضكم بعضا .

( شهباء ) : بيضاء .

( حاصت ) أي حامت كما في رواية لأحمد أي اضطربت .

( خربا ) بكسر الخاء و فتح الراء جمع خربة , كنقمة و نقم .

( تبتلى ) أي تمتحن . و المراد امتحان الملكين للميت بقولهما : " من ربك ? " :

" من نبيك " .



من فوائد الحديث

-----------------

و في هذه الأحاديث فوائد كثيرة أذكر بعضها أو أهمها :



1 - إثبات عذاب القبر , و الأحاديث في ذلك متواترة , فلا مجال للشك فيه بزعم

أنها آحاد ! و لو سلمنا أنها آحاد فيجب الأخذ بها لأن القرآن يشهد لها , قال

تعالى : ( و حاق بآل فرعون سوء العذاب . النار يعرضون عليها غدوا و عشيا .

و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) .

و لو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها , فهي وحدها كافية لإثبات هذه

العقيدة , و الزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل

في الإسلام , لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام كالأربعة و غيرهم , بل هو مما

جاء به بعض علماء الكلام , بدون برهان من الله و لا سلطان , و قد كتبنا فصلا

خاصا في هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا , أرجو أن أوفق لتبييضه و نشره على

الناس .

2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ما لا يسمع الناس , و هذا من خصوصياته

عليه الصلاة و السلام , كما أنه كان يرى جبريل و يكلمه و الناس لا يرونه و لا

يسمعون كلامه , فقد ثبت في البخاري و غيره أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما

لعائشة رضي الله عنها : هذا جبريل يقرئك السلام , فقالت : و عليه السلام

يا رسول الله , ترى ما لا نرى . و لكن خصوصياته عليه السلام إنما تثبت بالنص

الصحيح , فلا تثبت بالنص الضعيف و لا بالقياس و الأهواء , و الناس في هذه

المسألة على طرفي نقيض , فمنهم من ينكر كثيرا من خصوصياته الثابتة بالأسانيد

الصحيحة , إما لأنها غير متواترة بزعمه , و إما لأنها غير معقولة لديه ! و منهم

من يثبت له عليه السلام ما لم يثبت مثل قولهم : إنه أول المخلوقات , و إنه لا

ظل له في الأرض و إنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه , بينما إذا داس على

الصخر علم عليه , و غير ذلك من الأباطيل .

و القول الوسط في ذلك أن يقال : إن النبي صلى الله عليه و آله وسلم بشر بنص

القرآن و السنة و إجماع الأمة , فلا يجوز أن يعطى له من الصفات و الخصوصيات إلا

ما صح به النص في الكتاب و السنة , فإذا ثبت ذلك وجب التسليم له , و لم يجز رده

بفلسفة خاصة علمية أو عقلية , زعموا , و من المؤسف , أنه قد انتشر في العصر

الحاضر انتشارا مخيفا رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس , حتى

ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من

البشر الذين ليسوا معصومين , فهم يأخذون منها ما شاؤوا , و يدعون ما شاؤوا ,

و من أولئك طائفة ينتمون إلى العلم , و بعضهم يتولى مناصب شرعية كبيرة ! فإنا

لله و إنا إليه راجعون , و نسأله تعالى أن يحفظنا من شر الفريقين المبطلين

و الغالين .

3 - إن سؤال الملكين في القبر حق ثابت , فيجب اعتقاده أيضا , و الأحاديث فيه

أيضا متواترة .

4 - إن فتنة الدجال فتنة عظيمة و لذلك أمر بالاستعاذة من شرها في هذا الحديث

و في أحاديث أخرى , حتى أمر بذلك في الصلاة قبل السلام كما ثبت في البخاري

و غيره . و أحاديث الدجال كثيرة جدا , بل هي متواترة عند أهل العلم بالسنة .

و لذلك جاء في كتب العقائد وجوب الإيمان بخروجه في آخر الزمان , كما جاء فيها

وجوب الإيمان بعذاب القبر و سؤال الملكين .

5 - إن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل بعثته عليه الصلاة و السلام معذبون بشركهم

و كفرهم , و ذلك يدل على أنهم ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة نبي ,

خلافا لما يظنه بعض المتأخرين . إذ لو كانوا كذلك لم يستحقوا العذاب لقوله

تعالى : ( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) . و قد قال النووي في شرح حديث

مسلم : " أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ? قال : في النار ..." الحديث .

قال النووي ( 1 / 114 طبع الهند ) :

" فيه أن من مات على الكفر فهو في النار , و لا تنفعه قرابة المقربين , و فيه

أن من مات على الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل

النار , و ليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة , فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة

إبراهيم و غيره من الأنبياء صلوات الله تعالى و سلامه عليهم " .