2970 " إن أمة من بني إسرائيل مسخت , و أنا أخشى أن تكون هذه . يعني الضباب " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1149 :

أخرجه ابن حبان ( 1070 - موارد ) و الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 314 ) و "
مشكل الآثار " ( 4 / 278 ) و البيهقي ( 9 / 325 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف "
( 8 / 266 ) و أحمد ( 4 / 196 ) و أبو يعلى ( 2 / 231 / 931 ) و البزار ( 2 /
66 / 1217 ) من طرق عن الأعمش عن زيد بن وهب عن # عبد الرحمن بن حسنة # قال :
كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فأصبنا ضبابا , فكانت القدور
تغلي , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره . قال : " فأكفأناها و إنا
لجياع " . و السياق لابن أبي شيبة . و زاد أحمد في رواية : " فأكفئوها .
فأكفأناها " . و لفظ أبي يعلى , و من طريقه ابن حبان : " فأمر فكفأناها و إنا
لجياع " . و قال البزار : " لا نعلم روى ابن حسنة إلا هذا و آخر , و قد خالف
حصين الأعمش , فقال : عن زيد ابن وهب عن حذيفة " . و قال في حديث حذيفة : "
هكذا رواه حصين عن زيد , و خالفه الأعمش و الحكم بن عتيبة و عدي بن ثابت , خالف
كل واحد منهم صاحبه " . قلت : و بيان هذا الذي أجمله البزار فيما يلي : أولا :
حديث الأعمش بسنده المذكور عن عبد الرحمن بن حسنة هذا , قد صرح الأعمش بالتحديث
في رواية للطحاوي , فالسند صحيح . و أما حديثه الآخر الذي أشار إليه البزار ,
فهو في " سنن أبي داود " و غيره بإسناد الأعمش هذا عنه في الاحتراز من البول ,
و قد صححه ابن حبان أيضا , و الحاكم و الذهبي . و هو مخرج في " صحيح أبي داود "
( 16 ) و غيره . ثانيا : حديث عدي بن ثابت , يرويه شعبة عنه عن زيد بن وهب عن
ثابت بن وداعة عن النبي صلى الله عليه وسلم به مختصرا ليس في الإكفاء . رواه
النسائي ( 2 / 199 ) و أحمد ( 4 / 320 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( 2 /
74 / 1365 ) نحوه . و تابعه حصين - و هو ابن عبد الرحمن السلمي - عن زيد بن وهب
به . أخرجه النسائي ( 2 / 198 - 199 ) و كذا أبو داود ( 3795 ) و البخاري في "
التاريخ " ( 1 / 2 / 170 - 171 ) و ابن ماجه ( 3238 ) و الطحاوي كلاهما من طريق
ابن أبي شيبة , و هذا في " المصنف " ( 8 / 273 / 4415 ) و أحمد أيضا , و
الطبراني ( 1366 و 1367 ) من طرق عنه , و زاد النسائي و غيره : " قلت : يا رسول
الله ! إن الناس قد أكلوا منها ? قال : فما أمر بأكلها , و لا نهى " . و هذا
إسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " ( 9 / 663 ) بعد أن عزاه لأبي داود و
النسائي . و تابعه أيضا يزيد بن أبي زياد : سمعت زيد بن وهب الجهني به مختصرا .
أخرجه الطيالسي ( 1222 ) : حدثنا شعبة قال : أخبرني زياد بن أبي زياد به . قلت
: و زياد هذا هو الهاشمي مولاهم , لا بأس به في المتابعات و الشواهد . ثالثا :
و خالفهم الحكم بن عتيبة , فقال : عن زيد بن وهب عن البراء بن عازب عن ثابت بن
وديعة , فزاد في السند البراء بلفظ : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بضب
, فقال : " إن أمة مسخت , و الله أعلم " . أخرجه النسائي و البخاري أيضا , و
الدارمي ( 2 / 92 ) و ابن أبي شيبة ( 8 / 267 ) و البيهقي و الطيالسي ( 1220 )
و أحمد أيضا كلهم من طرق عن شعبة عنه . و خالفهم عبيد الله بن موسى , فقال :
حدثنا شعبة عن حصين عن زيد بن وهب عن حذيفة مرفوعا بلفظ : " إن الضب أمة مسخت
دواب في الأرض " . أخرجه البزار ( 1215 ) : حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا عبيد الله
بن موسى . و قد تبين لنا من هذه الروايات أن مدارها على زيد بن وهب رحمه الله ,
و أن الرواة اختلفوا عليه في إسناده , و في بعض ألفاظه . أما الاختلاف في
الإسناد فيتلخص في الوجوه الأربعة التالية : 1 - الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد
الرحمن بن حسنة رضي الله عنه . 2 - عدي بن ثابت عن زيد بن وهب عن ثابت بن وداعة
أو وديعة رضي الله عنه . 3 - الحكم عن زيد بن وهب عن البراء بن عازب عن ثابت .
4 - الحكم عن حصين عن زيد بن وهب عن حذيفة . و يبدو لي - و الله أعلم - أن هذا
الاختلاف هو من باب اختلاف التنوع لا التضاد , و أن هذه كلها صحيحة ثابتة عن
زيد بن وهب , و ذلك لأن كل رواته من الثقات الحفاظ لا مطعن فيهم و لا مغمز , و
لأن زيدا هذا من كبار التابعين المخضرمين , و قد ذكروا أنه رحل إلى النبي صلى
الله عليه وسلم , فقبض و هو في الطريق , و هو إلى ذلك ثقة جليل , حتى قال
الأعمش راوي الوجه الأول عنه : " إذا حدثك زيد بن وهب عن أحد فكأنك سمعته من
الذي حدثك عنه " . و قد لقي جماعة من كبار الصحابة و روى عنهم مثل عمر رضي الله
عنه , فلا يستبعد عن مثله أن يكون سمع الحديث من الصحابة الثلاثة المذكورين في
تلك الوجوه : عبد الرحمن بن حسنة . ثابت بن وداعة . تارة عنه مباشرة , و تارة
بواسطة البراء . حذيفة بن اليمان . و كثيرا ما يحدث الراوي الحافظ بالواسطة عن
شيخ له , ثم يتيسر له الاتصال بشيخه , و السماع منه مباشرة لما كان سمعه من قبل
بالواسطة عنه . و هذا أمر معروف عند المشتغلين بهذا العلم الشريف . و القول
بصحة هذه الوجوه أولى عندي من ترجيح وجه منها على وجه , لعدم وجود المرجح على
افتراض التعارض , مثل قول البخاري رحمه الله عقب الحديث : " و حديث ثابت أصح ,
و في نفس الحديث نظر , قال ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا آكله و لا
أحرمه " . و أقول : حديث ابن عمر هذا صحيح متفق عليه بين الشيخين , و رواه مسلم
من حديث أبي سعيد كما يأتي , و لكنه يتعارض مع حديث الترجمة , و بخاصة مع الوجه
المذكور عن ثابت بن وداعة الذي رجحه البخاري رحمه الله , فإن فيه قوله عن النبي
صلى الله عليه وسلم : " فما أمرنا بأكلها , و لا نهى " , بل مطابق لحديث ابن
عمر تمام المطابقة . نعم , هو يتعارض - فيما يبدو - مع الأمر بإكفاء القدور ,
المروي في بعض الطرق عن الأعمش كما تقدم , فإنه يستلزم النهي عن أكله , و
لاسيما و فيه أنهم كانوا جياعا . و قد أجاب عنه ابن حبان بقوله عقب الحديث ( 7
/ 340 - الإحسان ) : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد به الزجر عن أكل الضباب
, و العلة المضمرة هي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعافها , لا أن أكلها
محرم " . هذا تفصيل الإجمال المتعلق بالإسناد . و أما الاختلاف في الألفاظ ,
فهو ظاهر مما سبق ذكره من بعض الروايات طولا و قصرا , و الخطب في مثل هذا سهل و
مغتفر , لقاعدة زيادة الثقة مقبولة . لكن المهم من ذلك ما سبق الإشارة إليه
آنفا من الأمر بإكفاء القدور , فإنه يبدو أنه لا مجال لإدخالها في القاعدة
المذكورة للأسباب الآتية : الأول : عدم اتفاق الرواة لحديث الأعمش عليه .
الثاني : أنه لم يذكر مطلقا في الطرق الأخرى عن زيد بن وهب , بل في بعضها ما هو
معارض له , أعني طريق حصين بن عبد الرحمن السلمي التي رجحها البخاري , و صرح
الحافظ بصحتها ففيها : " فما أمر بأكلها , و لا نهى " . الثالث : الأحاديث
الأخرى التي ساقها الهيثمي في " المجمع " ( 4 / 36 - 37 ) مثل حديث الترجمة ,
ليس فيها الأمر المذكور , و هي و إن كانت لا تخلو من ضعف , فبعضها يقوي بعضا ,
فيستشهد بها . و يزيدها قوة حديث أبي سعيد الخدري : أن أعرابيا أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال : إني في غائط مضبة , و إنه عامة طعام أهلي ? قال :
فلم يجبه . فقلنا : عاوده , فعاوده , فلم يجبه ( ثلاثا ) . ثم ناداه رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الثالثة فقال : " يا أعرابي ! إن الله لعن أو غضب على
سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض , فلا أدري لعل هذا منها , فلست
آكلها , و لا أنهى عنها " . أخرجه مسلم ( 6 / 70 ) و الطحاوي ( 4 / 279 ) من
طريق أبي عقيل بشير بن عقبة : حدثنا أبو نضرة عنه . و تابعه داود بن أبي هند عن
أبي نضرة به نحوه , و قال : " فلم يأمر , و لم ينه , قال أبو سعيد : فلما كان
بعد ذلك قال عمر : إن الله عز وجل لينفع به غير واحد , و إنه لطعام عامة هذه
الرعاء , و لو كان عندي لطعمته ! إنما عافه رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
أخرجه مسلم أيضا , و اللفظ له , و ابن ماجه ( 3240 ) و أحمد ( 3 / 5 و 19 و 66
) . و تابعه بشر بن حرب عن أبي سعيد مختصرا . أخرجه أحمد ( 3 / 41 و 42 ) .
2971 " نهى عن ثمن الكلب و السنور " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1155 :

هو من حديث # جابر بن عبد الله الأنصاري # , و له عنه ثلاث طرق : الأولى : أبو
الزبير , و رواه عنه أربعة من الثقات على ضعف في حفظهم : الأول : معقل بن
عبيد الله الجزري عنه قال : سألت جابرا عن ثمن الكلب و السنور ? قال : " زجر
النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك " . أخرجه مسلم ( 5 / 35 ) و البيهقي ( 6 / 10
) .
الثاني : ابن لهيعة : حدثنا أبو الزبير قال : سألت جابرا عن ثمن الكلب و السنور
.. الحديث مثله . أخرجه أحمد ( 3 / 386 ) و هذا لفظه , و ابن ماجه ( 2161 )
مختصرا , و لم يذكر الكلب . لكن ذكره أحمد في رواية أخرى ( 3 / 339 ) و كذا
الطحاوي في " شرحه " ( 2 / 226 ) . الثالث : حماد بن سلمة عنه بلفظ : " نهى عن
ثمن السنور و الكلب , إلا كلب الصيد " . أخرجه النسائي ( 2 / 196 ) و قال عقبه
: " ليس هو بصحيح " . قلت : كأن النسائي يعني زيادة " كلب الصيد " , لتفرد حماد
بن سلمة , و مخالفته للطرق المتقدمة و لغيرها مما يأتي , و للأحاديث الأخرى
المحرمة لثمن الكلب تحريما مطلقا , مثل حديث أبي مسعود البدري , و هو مخرج في "
الإرواء " ( 1291 ) . لكن معنى الاستثناء صحيح دراية , للأحاديث الصحيحة التي
تبيح اقتناء كلب الصيد , و ما كان كذلك حل بيعه , و حل ثمنه كسائر الأشياء
المباحة كما حققه الإمام أبو جعفر الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 225 - 229
) , فراجعه فإنه مهم , و لعله من أجل ذلك سكت - أعني الطحاوي - عن حديث حماد
هذا , و قد رواه بإسناده عنه , و لا أراه جيدا , لأنه لا تلازم بين ثبوت الحديث
دراية و ثبوته رواية , فقد ينفك أحدهما عن الآخر , كمثل هذا , فإنه لم يثبت
مبناه , و لكنه ثبت معناه بدليل خارج عنه , و على العكس من ذلك , فقد يكون
الحديث صحيحا إسناده لا شك في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم , لكن يكون
منسوخا كحديث : " إنما الماء من الماء " . و ما في معناه . فتنبه لهذا فإنه هام
جدا . و إن مما يؤيد قول النسائي في زيادة حماد هذه , أن حمادا مع جلالة قدره و
إمامته في السنة , فقد تكلم بعضهم فيما يرويه عن غير ثابت , هذا مع أن أبا
الزبير مدلس , و قد عنعن الحديث في رواية حماد عنه كما رأيت , و الله أعلم .
على أنه قد تابعه على هذه الزيادة الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير به . أخرجه
أحمد ( 3 / 317 ) و أبو يعلى ( 3 / 427 ) و الدارقطني ( 3 / 73 ) لكن الحسن هذا
ضعيف <1> . الرابع : عمر بن زيد الصنعاني أنه سمع أبا الزبير المكي عن جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الهر . و في رواية : أكل الهر و ثمنه .
هكذا مختصرا رواه عبد الرزاق : حدثنا عمر .. به . و من طريق عبد الرزاق أخرجه
أحمد , و ابنه عبد الله في " زوائد المسند " ( 3 / 297 ) و أبو داود ( 3480 ) و
الترمذي ( 1280 ) و الحاكم ( 2 / 34 ) و البيهقي أيضا , و قال الترمذي : " حديث
غريب , و عمر بن زيد , لا نعرف كبير أحد روى عنه غير عبد الرزاق " . و أما
الحاكم فسكت عنه , و تعقبه الذهبي بقوله : " عمر واه " . و قال ابن حبان في "
الضعفاء " ( 2 / 82 ) : " ينفرد بالمناكير عن المشاهير على قلة روايته , حتى
خرج بها عن حد الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات " . ثم ساق له حديثين منكرين
هذا أحدهما , و الآخر مخرج في " الضعيفة " ( 4379 ) , و " الإرواء " ( 1257 ) .
و بكلام الترمذي و ابن حبان أعله ابن الجوزي في " العلل " ( 2 / 106 ) و لم يزد
. الطريق الثانية : يرويه الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : " نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب و السنور " . أخرجه أبو داود ( 3479 ) و ابن
الجارود في " المنتقى " ( 201 / 580 ) و الطحاوي أيضا في " الشرح " , و " مشكل
الآثار " ( 3 / 273 ) و الحاكم أيضا , و البيهقي , و قال الحاكم : " صحيح على
شرط مسلم " . و وافقه الذهبي , و هو كما قالا . و لا يلتفت إلى قول ابن عبد
البر في " التمهيد " ( 8 / 403 ) : " و حديث أبي سفيان عن جابر لا يصح لأنها
صحيفة , و رواية الأعمش في ذلك عندهم ضعيفة " . و لذلك قال البيهقي عقب الحديث
: " و هذا حديث صحيح على شرط مسلم دون البخاري , فإن البخاري لا يحتج برواية
أبي الزبير ( يعني من رواية معقل المتقدمة ) , و لا برواية أبي سفيان [ هذه ] ,
و لعل مسلما إنما لم يخرجه في " الصحيح " لأن وكيع بن الجراح رواه عن الأعمش
قال : قال جابر بن عبد الله , فذكره . ثم قال : قال الأعمش : أرى أبا سفيان
ذكره <2> . فالأعمش كان يشك في وصل الحديث , فصارت بذلك رواية أبي سفيان ضعيفة
. و قد حمله بعض أهل العلم على الهر إذا توحش فلم يقدر على تسليمه , و منهم من
زعم أن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين كان محكوما بنجاسته , ثم حين صار محكوما
بطهارة سؤره حل ثمنه , و ليس على هذين القولين دلالة بينة . و الله أعلم " .
الطريق الثالثة : يرويه ابن لهيعة أيضا عن خير بن نعيم عن عطاء عن جابر : أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب , و نهى عن ثمن السنور . أخرجه أحمد
( 3 / 339 ) : حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا ابن لهيعة . قلت : و رجاله ثقات رجال
مسلم غير ابن لهيعة , و هو سيىء الحفظ , يستشهد به . لكن ذكر عبد الله بن أحمد
عن أبيه في " العلل " ( 1 / 237 / 1490 ) أن إسحاق بن عيسى لقي ابن لهيعة قبل
احتراق كتبه . و عليه فالسند جيد . و قد تابعه حيوة بن شريح : أخبرنا خير بن
نعيم الحضرمي . أخرجه الدارقطني ( 3 / 72 / 272 ) . و حيوة ثقة , لكن الراوي
عنه وهب الله أبو زرعة الحجري متكلم فيه . و عطاء هو ابن أبي رباح , و قد رواه
عنه قيس بن سعد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : " إن مهر البغي , و ثمن الكلب و
السنور , و كسب الحجام من السحت " . أخرجه ابن حبان ( 1118 ) من طريق حماد بن
سلمة عن قيس بن سلمة به . و هذا إسناد جيد , رجاله ثقات كلهم رجال مسلم غير شيخ
ابن حبان طبعا . فهو شاهد قوي لحديث ابن لهيعة أنه قد حفظه . ثم وجدت له طريقا
رابعا , يرويه أبو أويس : حدثني شرحبيل عن جابر مرفوعا بلفظ : " نهى عن ثمن
الكلب , و قال : طعمة جاهلية " . أخرجه أحمد . و قال الهيثمي ( 4 / 91 ) : " و
رجاله ثقات " . قلت : و شرحبيل - و هو ابن سعد - كان اختلط . و له شاهدان من
حديث ميمونة بنت سعد , و عبادة بن الصامت . أما حديث ميمونة , فترويه آمنة بنت
عمر بن عبد العزيز عنها أنها قالت : يا رسول الله ! أفتنا عن الكلب ? فقال : "
طعمة جاهلية , و قد أغنى الله عنها " . أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 25 / 36
/ 63 ) من طريق إسحاق بن زريق الرسعني ( الأصل : الراسبي ) : حدثنا عثمان بن
عبد الرحمن عن عبد الحميد بن يزيد عنها . قال الهيثمي : " و إسناده ضعيف , و
فيه من لا يعرف " . قلت : كلهم معرفون عندي غير آمنة بنت عمر بن عبد العزيز ,
فإني لم أجد لها ترجمة , و ما أظن أن لها رواية أو لقاء مع أحد الأصحاب , فإن
أباها عمر رضي الله عنه لم يذكروا له رواية عنهم إلا عن أنس لتأخر وفاته رضي
الله عنه و عن سائر الصحابة , ففي السند انقطاع أيضا . و أما عبد الحميد بن
يزيد , فهو مجهول , و هو عبد الحميد بن سلمة بن يزيد الأنصاري كما في " التقريب
" . و عثمان بن عبد الرحمن الراوي عنه , فهو الطرائفي . قال الحافظ : " صدوق ,
أكثر الرواية عن الضعفاء و المجاهيل فضعف بسبب ذلك , حتى نسبه ابن نمير إلى
الكذب , و قد وثقه ابن معين " . و أما إسحاق بن زريق الرسعني , فذكره ابن حبان
في " الثقات " ( 8 / 121 ) و قال : " يروي عن أبي نعيم , و كان راويا لإبراهيم
بن خالد , حدثنا عنه أبو عروبة . مات سنة ( 259 ) " . و أما حديث عبادة فهو نحو
حديث ميمونة . قال الهيثمي : " رواه الطبراني في " الكبير " من رواية إسحاق بن
يحيى عن عبادة , و إسحاق لم يدركه " .

-----------------------------------------------------------
[1] ثم وجدت له بعض الشواهد الأخرى فخرجته فيما يأتي برقم ( 2990 ) , فثبت
الاستثناء رواية أيضا . و الحمد لله .
[2] كذا في " مصنف ابن أبي شيبة " ( 6 / 414 / 1550 ) . اهـ .
2972 " إن الرقى و التمائم و التولة شرك " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1161 :

أخرجه الحاكم ( 4 / 217 ) قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد
الأصبهاني حدثنا أحمد بن مهران حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن ميسرة
بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن الأسدي قال : دخل # عبد الله بن
مسعود # رضي الله عنه على امرأته فرأى عليها حرزا من الحمرة , فقطعه قطعا عنيفا
, ثم قال : إن آل عبد الله عن الشرك أغنياء . و قال : كان مما حفظنا عن النبي
صلى الله عليه وسلم : فذكر الحديث . و قال : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي
. قلت : و هو كما قالا إن شاء الله تعالى , فإن رجاله إلى عبيد الله بن موسى
رجال الصحيح غير ميسرة بن حبيب , و هو ثقة . و قد خولف في إسناده و متنه ممن لا
تضر مخالفته كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . و أما أحمد بن مهران , فهو أبو
جعفر اليزدي , وثقه ابن حبان ( 8 / 48 و 52 ) و روى عنه جمع ,‏غير أبي عبد الله
الزاهد هذا , و له ترجمة في " أنساب السمعاني " ( 3 / 599 ) و " اللسان " ( 1 /
316 ) . و أما أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد , فله ترجمة جيدة في " سير
أعلام النبلاء " ( 17 / 437 - 438 ) و وصفه بـ " الشيخ الإمام المحدث القدوة ..
" , و ذكر عن الحاكم أنه قال فيه : " هو محدث عصره , كان مجاب الدعوة " . و قد
ذكرت آنفا أن ميسرة قد خولف , فأقول : خالفه المسعودي برواية عاصم بن علي :
حدثنا المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن عبد الله : أنه رأى في عنق
امرأة من أهله سيرا فيه تمائم .. الحديث نحوه أتم منه موقوفا كله , و زاد : "
إن الشيطان يأتي إحداكن <1> فيخش في رأسها , فإذا استرقت خنس , و إذا لم تسترق
نخس ! فلو أن إحداكن تدعو بماء فتنضحه في رأسها و وجهها ثم تقول : بسم الله
الرحمن الرحيم . ثم تقرأ *( قل هو الله أحد )* , و *( قل أعوذ برب الفلق )* و
*( قل أعوذ برب الناس )* نفعها ذلك إن شاء الله " . أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 9 / 193 - 194 ) . و المسعودي كان اختلط , فلا قيمة لمخالفته لميسرة
الثقة في إسناده و متنه . على أن أحد الضعفاء قد رواه عن ميسرة عن المنهال بن
عمرو عن أبي عبيدة به مختصرا مثل حديث الترجمة , لكنه أوقفه . أخرجه الطبراني (
8862 ) من طريق أبي إسرائيل الملائي عن ميسرة به . قلت : و اسم أبي إسرائيل
إسماعيل بن خليفة العبسي , و هو سيىء الحفظ , فلا يعارض بمثله رواية إسرائيل
بإسناده المتقدم عن ابن مسعود مرفوعا . و هو إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق
السبيعي , و هو ثقة كما تقدم . على أنه من المحتمل أن يكون أبو عبيدة قد روى
أيضا الحديث أو شيئا من قصة أبيه ابن مسعود , ففي رواية للطبراني ( 8861 ) من
طريق معمر عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم أو عن أبي عبيدة - شك معمر
- قال : رأى ابن مسعود في عنق امرأته خرزا - كذا , و لعل الصواب : حرزا - قد
تعلقته من الحمرة فقطعه , و قال : " إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك " . هكذا
رواه مختصرا . و للحديث طريقان آخران عن ابن مسعود , أحدهما أوهى من الآخر :
الأول : يرويه السري بن إسماعيل عن أبي الضحى عن أم ناجية قالت : دخلت على زينب
امرأة عبد الله أعودها من حمرة ظهرت في وجهها و هي معلقة بحرز , فإني لجالسة
دخل عبد الله .. الحديث نحوه , و فيه المرفوع , و زاد : " فقالت أم ناجية : يا
أبا عبد الرحمن ! أما الرقى و التمائم فقد عرفنا , فما ( التولة ) ? قال :
التولة ما يهيج النساء " . أخرجه الحاكم ( 4 / 216 - 217 ) ساكتا عنه هو و
الذهبي ! و لعل ذلك لظهور ضعفه , فإن السري بن إسماعيل قال الذهبي نفسه في "
الكاشف " : " تركوه " . و فصل أقوال الأئمة حوله في " المغني " . و الطريق
الآخر , كنت قد خرجته في " الصحيحة " ( 331 ) مع طريق قيس بن السكن المتقدمة ,
برواية أبي داود و ابن ماجه و ابن حبان و أحمد بلفظ حديث الترجمة دون القصة و
الروايات الأخرى , و الآن حدث ما يقتضي تفصيل القول فيه هنا , فأقول : مدار هذا
الطريق على يحيى بن الجزار عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب امرأة عبد
الله عن عبد الله .. و قد اختلفوا عليه في إسناده و متنه . أما الإسناد , فقال
أبو معاوية : حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار به . هكذا أخرجه
أحمد , و أبو داود , و من طريقه البيهقي ( 9 / 350 ) و كذا البغوي في " شرح
السنة " ( 12 / 156 - 157 ) من طريق أخرى عن أبي معاوية به . و خالفه عبد الله
بن بشر , فقال في إسناده : عن ابن أخت زينب . مكان " ابن أخي زينب " ! و هي
رواية ابن ماجه . و خالفهما محمد بن مسلمة الكوفي , فجعل عبد الله بن عتبة بن
مسعود , مكان ابن أخي أو أخت زينب . أخرجه الحاكم ( 4 / 417 - 418 ) و قال : "
صحيح الإسناد على شرط الشيخين " ! و وافقه الذهبي ! و هذا من أوهامهما , فإن
يحيى بن الجزار ليس من رجال البخاري مطلقا , و محمد بن مسلمة الكوفي لم نجد له
ذكرا في كتب الرجال , بل و لم يذكره المزي في الرواة عن الأعمش , و لا في شيوخ
الراوي عنه : موسى بن أعين , فكيف يكون إسناده على شرط الشيخين , بل كيف يكون
صحيحا ?! بل إن إسناده منكر لمخالفته لأبي معاوية و عبد الله بن بشر , و هما
ثقتان على خلاف في ابن بشر يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . و ثمة اختلاف آخر في
الإسناد , فضيل بن عمرو عن يحيى بن الجزار قال : دخل عبد الله على امرأة و في
عنقها شيء معقود , فجذبه فقطعه ثم قال .. فذكر القصة مختصرة و حديث الترجمة . و
هو رواية ابن حبان من طريق ابن فضيل عن العلاء بن المسيب عنه . و هذا مرسل كما
ترى , فإن ابن الجزار تابعي أسقط الراوي الواسطة بينه و بين ابن مسعود التي
اتفقت الروايات السابقة على إثباتها على ما بينها من الاختلاف . و كنت خشيت في
"‏الصحيحة " أن تكون الواسطة سقطت من الناسخ , فتساءلت هناك قائلا : " قلت : و
سقط ذكره من كتاب ابن حبان , فلا أدري أكذلك الرواية عنده أم سقط من الناسخ ? "
. و الآن تبين لي أن لا سقط من الناسخ , و أن الرواية هكذا وقعت لابن حبان ,
فإنها كذلك هي في " الإحسان " , و بخاصة أن ابن فضيل قد تابعه النضر بن محمد عن
العلاء بن المسيب به . أخرجه الطبراني ( 10 / 262 / 10503 ) . و الخلاصة : أن
الرواة قد اختلفوا على يحيى بن الجزار على ثلاثة وجوه : الأول : عنه عن ابن أخي
زينب . الثاني : عنه عن ابن أخت زينب . الثالث : عنه مرسلا دون ذكر الابن . و
الأكثر على إثباته كما رأيت , فهو علة الإسناد , لأنه مجهول كما قال المنذري في
" الترغيب " ( 4 / 158 ) و " مختصر السنن " ( 5 / 363 ) . فمن الغرائب قول
الحافظ في " التقريب " : " كأنه صحابي , و لم أره مسمى " ! كذا قال , و كنت
نقلته عنه قديما في " الصحيحة " , دون أن يفتح لي بشيء عليه , و الآن أقول :
إنه مجرد ظن منه لا دليل عليه , فإني أقول : ألا يحتمل أن يكون ابن صحابي ? بل
لعل هذا أولى . ذاك هو وجه الاختلاف في الإسناد على يحيى بن الجزار . و أما
الاختلاف عليه في متنه فهو واسع , و لكني اقتصر الآن على ما لابد لي من بيانه ,
فأقول : هي في الجملة تختلف طولا و قصرا , فأطولها رواية أبي معاوية عند أحمد و
البغوي , و اختصر بعضها أبو داود , و نحوها في الطول رواية عبد الله بن بشر عند
ابن ماجه . و في الروايتين أن زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما كانت تختلف
إلى رجل يهودي فيرقيها ! و هذا مستنكر جدا عندي أن تذهب صحابية جليلة كزينب هذه
إلى يهودي تطلب منه أن يرقيها !! إنها والله لإحدى الكبر . فالحمد لله الذي لم
يصح السند بذلك إليها . و نحوها في النكارة : ما جاء في آخر رواية ابن بشر أن
ابن مسعود رضي الله عنه قال لزينب : " لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان خيرا لك و أجدر أن تشفين : تنضحين في عينيك الماء , و تقولين : أذهب
البأس رب الناس .. " إلخ الدعاء المعروف . فذكر النضح , إنما تفرد به عبد الله
بن بشر دون أبي معاوية , و هذا أوثق منه و أحفظ , و لاسيما و هو مختلف فيه ,
فقال الحافظ في " التقريب " : " اختلف فيه قول ابن معين و ابن حبان , و قال أبو
زرعة : لا بأس به .. و حكى البزار أنه ضعيف في الزهري خاصة " . قلت : فمثله
إنما يكون حديثه حسنا فقط إذا لم يخالف , أما مع المخالفة فلا , فكيف و فوقه
ذاك المجهول الذي لم يعرف حتى في اسمه , و عليه دارت أكثر طرق الحديث , و بعضهم
أسقطه سهوا أو عمدا لجهالته . و أخيرا أقول : العمدة في تصحيح حديث الترجمة
إنما هو طريق قيس بن السكن الأسدي الذي صدرنا به هذا التخريج . و الله الموفق .
( تنبيه ) : على ضوء هذا البيان و التحقيق و التفصيل أرجو من إخواني الكرام
الذين قد يجدون في بعض مؤلفاتي القديمة ما قد يخالف ما هنا أن يعدلوه و يصوبوه
على وفق ما هنا كمثل ما في " غاية المرام " من تصحيح حديث ابن ماجه الذي فيه ما
سبق بيانه من تلكم الزيادتين المنكرتين . و شكرا . ثم وقفت على ما هو أنكر عندي
من استرقاء امرأة ابن مسعود باليهودي , و هو ما روى يحيى بن سعيد عن عمرة بنت
عبد الرحمن أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة و هي تشتكي , و يهودية ترقيها ,
فقال أبو بكر : " ارقيها بكتاب الله " . أخرجه مالك في " الموطأ " ( 3 / 121 )
و ابن أبي شيبة ( 8 / 50 / 3663 ) و الخرائطي في " مكارم الأخلاق " ( 2 / 977 /
1105 ) و البيهقي ( 9 / 349 ) من طرق عنه . قلت : و هذا إسناد رواته ثقات لكنه
منقطع , فإن عمرة هذه لم تدرك أبا بكر رضي الله عنه , فإنها ولدت بعد وفاته
بثلاث عشرة سنة . نعم في رواية للبيهقي من طريق محمد بن يوسف قال : ذكر سفيان
عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل أبو بكر و عندها
يهودية .. إلخ . كذا قال : " عن عائشة " , فوصله عنها , و أظن أنه من محمد بن
يوسف , و هو الفريابي . و هو ثقة فاضل ملازم لسفيان , و هو الثوري , و مع ذلك
فقد تكلم ابن عدي و غيره في بعض حديثه عنه , فأخشى أن يكون وصله لهذا الإسناد
مما تكلموا فيه , فيكون شاذا لمخالفته لتلك الطرق التي أرسلته , أو يكون الخطأ
ممن دونه , فإنهم دونه في الرواية . بعد هذا البيان و التحقيق لا أرى من الصواب
قول ابن عبد البر في " التمهيد " ( 5 / 278 ) جازما بنسبته إلى الصديق : " و قد
جاء عن أبي بكر الصديق كراهية الرقية بغير كتاب الله , و على ذلك العلماء , و
أباح لليهودية أن ترقي عائشة بكتاب الله " ! ثم إنه من غير المعقول أن يطلب
الصديق من يهودية أن ترقي عائشة , كما لا يعقل أن يطلب منها الدعاء لها , و
الرقية من الدعاء بلا شك , فإن الله عز وجل يقول : *( و ما دعاء الكافرين إلا
في ضلال )* . و يزداد الأمر نكارة إذا لوحظ أن المقصود بـ " كتاب الله " القرآن
الكريم , فإنها لا تؤمن به و لا بأدعيته . و إن كان المقصود التوراة , فذلك مما
لا يصدر من الصديق , لأنه يعلم يقينا أن اليهود قد حرفوا فيه , و غيروا و بدلوا
.

-----------------------------------------------------------
[1] الأصل : " أحدكم " . اهـ .
2973 " كان إذا أراد أن يزوج بنتا من بناته جلس إلى خدرها , فقال : إن فلانا يذكر
فلانة - يسميها , و يسمي الرجل الذي يذكرها - فإن هي سكتت , زوجها , أو كرهت
نقرت الستر , فإذا نقرته لم يزوجها " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1168 :

روي من حديث # عائشة و أبي هريرة و أنس بن مالك # . 1 - أما حديث عائشة , فله
عنها طريقان : الأول : عن أيوب بن عتبة عن يحيى عن أبي سلمة عنها قالت : فذكره
. أخرجه أحمد ( 6 / 78 ) . قلت : و رجاله ثقات رجال الشيخين غير أيوب بن عتبة ,
فإنه ضعيف كما في " التقريب " . و الآخر : يرويه فضيل أبو معاذ عن أبي حريز عن
الشعبي عن عائشة به مختصرا دون قوله : " فإن هي سكتت .. " إلخ . أخرجه ابن عدي
في " الكامل " ( 4 / 160 ) و أبي يعلى ( 8 / 4883 ) و علقه البيهقي ( 7 / 123 )
. قلت : و إسناده حسن و لاسيما في المتابعات , رجاله كلهم ثقات غير أن أبا حريز
, و اسمه عبد الله بن حسين البصري كان يخطىء كما في " التقريب " . 2 - و أما
حديث أبي هريرة , فله طريقان أيضا : الأولى : عن أبي الأسباط عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه , و عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله
عنه قالا : فذكره نحو حديث الترجمة أخرجه البيهقي في " السنن " ( 7 / 123 ) و
قال : " كذا رواه أبو الأسباط الحارثي , و ليس بمحفوظ , و المحفوظ من حديث يحيى
مرسل " . ثم ساقه هو و عبد الرزاق في " المصنف " ( 6 / 141 - 142 ) من طريقين
عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة المخزومي قال : فذكره . و هذا بلا شك
أصح مرسلا , و المهاجر مجهول الحال . لكن قد جاء مسندا عن أبي هريرة بطريق أخرى
خير من هذه , فإن أبا الأسباط الحارثي - و اسمه بشر بن رافع - ضعيف . و من
طريقه أخرجه الطبراني أيضا كما سيأتي قريبا بإذن الله تعالى . و الأخرى : قال
البزار في " مسنده " ( 2 / 160 / 1421 - كشف الأستار ) : حدثنا زكريا بن يحيى
حدثنا شبابة حدثنا المغيرة بن مسلم عن هشام عن محمد بن سيرين عنه به مثل حديث
الترجمة دون جملة النقر . و هذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب "
غير زكريا بن يحيى , و هو ابن أيوب , أبو علي الضرير , له ترجمة في " تاريخ
بغداد " ( 8 / 457 ) برواية جمع من الثقات الحفاظ غير البزار , فمثله يمشي
الحفاظ النقاد حديثه , و بخاصة في الشواهد و المتابعات , و لعله لذلك قال
الهيثمي في " المجمع " ( 4 / 278 ) : " رواه البزار , و رجاله ثقات " . و أقره
الحافظ في " مختصر زوائد مسند البزار " ( 1 / 575 / 1019 ) . 3 - و أما حديث
ابن عباس , فله أيضا طريقان : أما الأول , فيرويه أبو الأسباط عن يحيى بن أبي
كثير عن عكرمة عنه . أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 11 / 355 / 11999 )
من طريق يحيى الحماني : حدثنا حاتم بن إسماعيل عنه . و قال الهيثمي ( 4 / 278 )
: " رواه الطبراني , و فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني , و قد وثق , و فيه ضعف
" . قلت : قد تابعه هشام بن بهرام , و هو ثقة عند البيهقي في حديث أبي هريرة
المتقدم / الطريق الأول , و إنما علة هذا الإسناد ضعف أبي الأسباط هذا كما تقدم
هناك . و الطريق الآخر , يرويه بقية بن الوليد : أخبرنا إبراهيم بن أدهم حدثني
أبي أدهم ابن منصور عن سعيد بن جبير عنه به مختصرا نحوه دون قوله : " يسميها ..
" إلخ . أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 4 / 574 ) . و أدهم بن منصور لم
أجد من ترجمه , و سائر رواته موثقون . 4 - و أما حديث أنس , فيرويه عثمان بن
عبد الرحمن الطرائفي عن عبد العزيز بن الحصين عن ثابت البناني عنه نحوه . أخرجه
الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 2 / 146 / 1 / 7255 ) و قال : " لم يروه عن
ثابت إلا عبد العزيز بن الحصين , تفرد به عثمان بن عبد الرحمن " . قلت : قال
الحافظ : " صدوق , أكثر الرواية عن الضعفاء و المجاهيل فضعف بسبب ذلك , حتى
نسبه ابن نمير إلى الكذب , و قد وثقه ابن معين " . و عبد العزيز بن الحصين من
أولئك الضعفاء المشار إليهم , و قد أجمعوا على تضعيفه . و خالف الحاكم فأخرج له
في " المستدرك " , و قال : " إنه ثقة " , و كذلك تعجب منه الحافظ في " اللسان "
. و قال الهيثمي : " رواه الطبراني في " الأوسط " , و فيه عبد العزيز بن الحصين
, و هو ضعيف " . و الخلاصة : إن الحديث صحيح بمجموع طرقه , و بخاصة أن الطريق
الثاني لحديث أبي هريرة حسن لذاته كما تقدم فهو بها صحيح . و الله أعلم . و في
الباب عن عمر , لكن في متنه نكارة , فإن فيه : " يا بنية إن فلانا قد خطبك ,
فإن كرهته فقولي : " لا " , فإنه لا يستحي أحد أن يقول : " لا " , و إن أحببت
فإن سكوتك , إقرار " . و لذلك خرجته في الكتاب الآخر " الضعيفة " ( 4166 ) .
2974 " أمرنا بأربع , و نهانا عن خمس : 1 - إذا رقدت فأغلق بابك , 2 - و أوك سقاءك ,
3 - و خمر إناءك , 4 - و أطف مصباحك , فإن الشيطان لا يفتح بابا , و لا يحل
وكاء , و لا يكشف غطاء , و إن الفأرة الفويسقة تحرق على أهل البيت بيتهم . 1 -
و لا تأكل بشمالك , 2 - و لا تشرب بشمالك , 3 - و لا تمش في نعل واحدة , 4 - و
لا تشتمل الصماء , 5 - و لا تحتب في الإزار مفضيا " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1172 :

أخرجه بهذا التمام ابن حبان ( 1342 - موارد ) : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن
موسى - عبدان - : حدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير
عن # جابر # قال : فذكره مرفوعا . قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات
على شرط مسلم , و قد صرح ابن جريج و أبو الزبير بالتحديث كما يأتي , غير شيخ
ابن حبان : عبدان , و هو الأهوازي , و هو حافظ حجة , له ترجمة جيدة في " تذكرة
الحفاظ " و " السير " ( 14 / 168 - 172 ) . و أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " ( 5
/ 508 ) و أحمد ( 3 / 297 - 298 و 322 ) و كذا مسلم ( 6 / 154 ) من طرق عن ابن
جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله .. فذكر المناهي الخمس دون
النهي عن الشرب , و ذكر مكانها : " و لا تضع إحدى رجليك على الأخرى إذا استلقيت
" . و زاد أحمد : " قلت لأبي الزبير : أوضعه رجله على الركبة مستلقيا ? قال :
نعم . قال : أما ( الصماء ) - فهي إحدى اللبستين - : تجعل داخلة إزارك و خارجته
على إحدى عاتقيك . قلت لأبي الزبير : فإنهم يقولون " لا يحتبي في إزار واحد
مفضيا ? قال : كذلك سمعت جابرا يقول : لا يحتبي في إزار واحد . قال حجاج عن ابن
جريج : قال : عمر ولى <1> مفضيا " . ثم روى مسلم و أبو عوانة و غيرهما من طرق
أخرى عن أبي الزبير النواهي الأربع , و في رواية لهما : " و أن يحتبي في ثوب
واحد كاشفا عن فرجه " . زاد أبو عوانة في رواية له : " مفضيا إلى السماء " .
و أخرجه أحمد ( 3 / 362 ) من طريق حماد : أنبأنا أبو الزبير به , فذكر الحديث
بتمامه بأوامره و نواهيه , مع اختصار بعض الخصال , و زاد : " و أن نكف فواشينا
حتى تذهب فحمة العشاء " . و تابعه الليث بن سعد عن أبي الزبير بالشطر الأول من
الحديث دون النواهي و دون الكف . أخرجه مسلم ( 6 / 105 ) و غيره . و هو مخرج في
" الإرواء " ( 39 ) و رواه عطاء بن أبي رباح عن جابر عند الشيخين , و قد سقت
لفظه و خرجته هناك . بقي شيء واحد , و هو أنني في كل الطرق المتقدمة و من
المصادر المختلفة , لم أجد الخصلة الثانية من النواهي الخمس : " و لا تشرب
بشمالك " , فأخشى أن تكون وهما من بعض الرواة , دخل عليه حديث في حديث كما يقع
ذلك من بعضهم أحيانا , فإن هذه الخصلة ثابتة في أحاديث أخرى منها حديث ابن عمر
بلفظ : " لا يأكلن أحد منكم بشماله , و لا يشربن بها , فإن الشيطان يأكل بشماله
, و يشرب بها " . و هو مخرج فيما تقدم مع غيره مما هو بمعناه ( 1236 ) . (
تنبيه على أمور ) : الأول : وقعت الجملة الأخيرة من النواهي في " الموارد "
هكذا : " و لا تحتب و الإزار مفضي " . و في " الإحسان " ( 4 / 89 / 1273 /
المؤسسة ) : " و لا تحتب في الدار مفضيا " . و زاد تحريفا في الطبعة الأخرى (
رقم 1270 ) : " و لا تخبب في الدار مفضيا " !! و شرحه الجاهل في التعليق عليه
بقوله : " الخبب ضرب من العدو . النهاية 2 / 3 " ! فأقول : نعم هذا هو معنى "
الخبب " , و لكن ما علاقته بهذه الفقرة هنا , و ما معناها ?! أهكذا يكون ضبط
النص من القائم على " مركز الخدمات و الأبحاث العامة " ?! أم الأمر كما قال صلى
الله عليه وسلم : " من تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور " ?! الثاني : لقد
أطال المعلق على طبعة المؤسسة من " الإحسان " في تخريج الحديث , و عزاه لجمع من
المؤلفين منهم مسلم دون أن ينبه على الفرق بين رواية ابن حبان , و رواية مسلم و
غيره التي ليس فيها جملة : " و لا تشرب بشمالك " , و لا لفظة " الإفضاء " ,
فضلا عن قوله في أول الحديث : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع , و
نهانا عن خمس " , فأوهم القراء أن الحديث عند مسلم و الآخرين بهذا التمام ,
أفهكذا يكون التحقيق ?! الثالث : تفسير أبي الزبير للفظ " الصماء " بأن يجعل
داخلة إزاره و خارجته على عاتقه . أقول : لعل هذا يرجح تفسير الفقهاء لـ "
الصماء " , و هو قولهم : أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره , ثم يرفعه من أحد
جانبيه فيضعه على منكبه فتنكشف عورته , و ذلك لأن راوي الحديث أدرى بمرويه من
غيره , و لاسيما إذا كان تابعيا كأبي الزبير , لأنه في هذه الحالة يغلب على
الظن أنه تلقاه من صحابي الحديث , و هو جابر رضي الله عنه . و الله سبحانه و
تعالى أعلم .

-----------------------------------------------------------
[1] كذا الأصل و لم أفهمه . و لعل الصواب " قال ( عمرو ) لي : " , و عمرو هو
ابن دينار . اهـ .
2975 " لا ألبسه أبدا . يعني خاتم الذهب " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1176 :

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 7 / 412 / 5468 - الإحسان ) : أخبرنا عبد الله
بن محمد الأزدي قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الله بن الحارث
المخزومي قال : حدثنا ابن جريج قال : حدثني زياد بن سعد , أن ابن شهاب أخبره أن
# أنس بن مالك # أخبره : أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يوما
خاتما من ذهب , فاضطرب الناس الخواتيم <1> , فرمى به و قال : فذكره . قلت : و
هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير المخزومي فهو من رجال مسلم ,
و غير الأزدي شيخ ابن حبان , و هو حافظ ثقة مترجم في " السير " ( 14 / 166 ) و
" الشذرات " ( 2 / 246 ) و غيرهما . و لهذا الإسناد علتان غريبتان , إحداهما
الاختلاف على عبد الله بن الحارث المخزومي . و الأخرى شذوذ ابن شهاب الزهري عن
الأحاديث الأخرى . أما العلة الأولى , فقال أحمد ( 3 / 206 ) : حدثنا روح حدثنا
ابن جريج , و عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال : أخبرني زياد بن سعد به إلى
قوله : " فطرح النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح الناس خواتيمهم " . لم يذكر
حديث الترجمة : " لا ألبسه أبدا " , و قال : " من ورق " . فهذا اختلاف ظاهر بين
إسحاق بن إبراهيم - و هو ابن راهويه - , و بين أحمد بن حنبل , على المخزومي
شيخهما , فالأول ذكر حديث الترجمة بخلاف الآخر , و كلاهما إمام ثقة حافظ حجة .
و العلة الأخرى - و هي أهم من الأولى - أن في حديث ابن راهويه : " خاتما من ذهب
" , و في حديث أحمد : " خاتما من ورق " , أي فضة , و يبدو جليا لكل باحث أن هذا
هو الأرجح المحفوظ عن ابن جريج لمتابعة روح - و هو ابن عبادة , شيخ أحمد أيضا -
للمخزومي عنده . و قد أخرج هذه الرواية مسلم أيضا ( 6 / 152 ) من طريق ابن نمير
: حدثنا روح به . و تابعه عنده أبو عاصم عن ابن جريج به . و هشام بن سليمان عند
أبي الشيخ في " أخلاقه " ( 114 ) . و تابع ابن جريج إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب
به . أخرجه مسلم , و أبو داود ( 4221 ) و أحمد ( 3 / 160 و 223 ) و علقه
البخاري - كما يأتي - , و ابن حبان ( 5466 ) و أبو يعلى ( 3538 ) . و يونس بن
يزيد الأيلي عن ابن شهاب به . أخرجه البخاري ( 5868 ) و قال : " تابعه إبراهيم
بن سعد و زياد و شعيب , عن الزهري , و قال ابن مسافر : عن الزهري : أرى خاتما
من ورق " . و رواية شعيب وصلها الإسماعيلي كما قال الحافظ في " الفتح " ( 10 /
321 ) و فاته أنه وصلها أحمد أيضا ( 3 / 225 ) . و رواية ابن مسافر - و هو عبد
الرحمن بن خالد بن مسافر , و هو ثقة من رجال الشيخين - وصلها الإسماعيلي أيضا
من طريق سعيد بن عفير عن الليث عنه , قال الحافظ : " و ليس فيه لفظ : " أرى " ,
فكأنها من البخاري " . قلت : أستبعد جدا أن تكون زيادة منه , بل هي الرواية
وقعت هكذا لابن مسافر أو من دونه , لأنه لا يجوز الزيادة في الرواية بالرأي دون
بيانها , و إلا كان ذلك سببا لإسقاط الثقة بأحاديث الثقات كما لا يخفى . و هناك
متابعات أخرى نكتفي منها بما قدمنا , و كلها متفقة على أن المحفوظ عن الزهري في
حديثه عن أنس إنما هو بلفظ : " خاتم من ورق " , و هذا مشكل , لأن المحفوظ في
هذه القصة من حديث ابن عمر , من رواية نافع و عبد الله بن دينار عنه أن الخاتم
المطروح من النبي صلى الله عليه وسلم و من الناس إنما هو خاتم الذهب , و هو
الذي قال فيه : " لا ألبسه أبدا " . رواه الشيخان و غيرهما , و هو مخرج في "
مختصر الشمائل " ( 63 / 84 ) . و لذلك قال ابن عبد البر في " التمهيد " ( 17 /
100 ) عقب حديث الزهري هذا : " و هذا غلط عند أهل العلم , و المعروف أنه إنما
نبذ خاتما من ذهب لا من ورق " , ثم قال : " المحفوظ في هذا الباب عن أنس غير ما
قال ابن شهاب من رواية جماعة من أصحابه عنه , قد ذكرنا بعضهم " . و ذكر الحافظ
نحوه في " الفتح " ( 10 / 320 ) و قال : " قال النووي تبعا لعياض : قال جميع
أهل الحديث : هذا وهم من ابن شهاب , لأن المطروح ما كان إلا خاتم الذهب , و
منهم من تأوله كما سيأتي " . ثم ذكر بعض التأويلات التكلف فيها ظاهر , و لا
عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم , و ما دام أن أهل الحديث حكموا
بوهم ابن شهاب , فلا مسوغ للتأويل . و الخلاصة : أن حديث الترجمة شاذ عن الزهري
عن أنس , و المحفوظ عنه حديث آخر , و فيه أن الخاتم " من ورق " , و لذلك لم
يخرجه مسلم , و إنما أخرجه هو و البخاري من حديث ابن عمر . و لهذا فقد أخطأ
المعلق على " الإحسان " ( 12 / 305 ) بعزوه إياه لمسلم .

-----------------------------------------------------------
[1] أي : اصطنعوها , في " النهاية " : اضطرب خاتما من ذهب " , أي أمر أن يضرب
أو يصاغ , و هو افتعل من ( الضرب ) : الصياغة , و الطاء بدل التاء " . اهـ .
2976 " إذا صلى أحدكم فأحدث , فليمسك على أنفه , ثم لينصرف " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1179 :

أخرجه ابن ماجه ( 1222 ) عن عمر بن علي المقدمي عن هشام بن عروة عن أبيه عن #
عائشة # عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . و من طريق عمر بن قيس عن
هشام بن عروة به . قلت : و هذا إسناد ضعيف من الوجهين , و رجال الأول ثقات كلهم
, إلا أن المقدمي يدلس تدليسا سيئا , قال الذهبي : " ثقة شهير , لكنه رجل مدلس
, قال ابن سعد : ثقة يدلس تدليسا شديدا , يقول : " سمعت " و " حدثنا " ثم يسكت
, ثم يقول : " هشام بن عروة " , و " الأعمش " , و قال ابن معين : ما به بأس , و
قال أبو حاتم : لا يحتج به . و قال : لولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادة ,
غير أنا نخاف أن يكون أخذها عن غير ثقة " . و رجال الوجه الآخر ثقات أيضا غير
عمر بن قيس , و هو المكي المعروف بـ ( سندل ) , و هو متروك كما في " التقريب "
, فأخشى أن يكون مدار الحديث عليه , و أن يكون المقدمي تلقاه عنه , ثم دلسه . و
الله أعلم . ثم وقفت على متابعين له ثقات , فصح الحديث بذلك و الحمد لله , و
خرجتهم في " صحيح أبي داود " ( 1020 ) .
2977 " ألق عنك شعر الكفر , و اختتن . قاله لرجل أسلم " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1180 :

أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " ( 6 / 10 / 9835 ) و من طريقه أحمد ( 3 / 415 )
و أبو داود ( 356 ) و من طريقه البيهقي ( 1 / 172 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 22 / 395 - 396 ) كلهم من طريق عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج قال :
أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده : أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال
: " قد أسلمت " , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ألق عنك شعر الكفر ,
يقول : احلق " . قال : و أخبرني آخر عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر
: فذكره . قلت : و هذا إسناد مجهول , لجهالة شيخ ابن جريج الذي لم يسم , و كذا
عثيم و من فوقه , و في إسناده خلاف ذكرته في " صحيح أبي داود " ( 382 ) . و
أريد أن أنبه هنا أن ابن حبان أورد عثيما هذا في " ثقاته " ( 7 / 303 ) , مع
أنه ذكر أنه روى عنه ابن جريج عن رجل عنه يشير إلى هذه الرواية , فهذا ينافي
بعض الشروط التي وضعها لرواة كتابه هذا في مقدمته ( 1 / 11 - 13 ) و شروط رواة
أحاديث كتابه " الصحيح " التي ذكرها في مقدمته أيضا ( 1 / 83 - 84 ) . فراجع إن
شئت . لكن هذا الحديث حسن المتن عندي تبعا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
كما كنت ذكرت في " صحيح أبي داود " , لحديث قتادة أبي هشام قال : " أتيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : " يا قتادة اغتسل بماء و سدر , و احلق عنك
شعر الكفر " . و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من أسلم أن يختتن , و
إن كان ابن ثمانين " . و قلت هناك : " قال الهيثمي ( 1 / 283 ) : " رواه
الطبراني في " الكبير " , و رجاله ثقات " كذا قال , و أما الحافظ فقال في "
التلخيص " ( 4 / 618 ) : " و إسناده ضعيف " . قلت : و على كل حال يعطي الحديث
قوة , و لعله من أجل ذلك جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى " ( 1 / 44 ) .. " . ثم طبع المعجم الذي فيه
هذا الحديث , فرأيته فيه ( 19 / 14 / 20 ) من طريق قتادة بن الفضل بن قتادة
الرهاوي عن أبيه : حدثني عم أبي هاشم بن قتادة الرهاوي عن أبيه . فتبين لي صواب
تضعيف الحافظ لإسناده , و خطأ توثيق شيخه الهيثمي لرجاله , لأن عمدته في ذلك
على ابن حبان , فقد أورد كلا من ( هاشم بن قتادة الرهاوي ) و ( الفضل بن قتادة
الرهاوي ) في " ثقاته " ( 5 / 503 ) و ( 7 / 317 ) , من المعروف تساهل ابن حبان
في التوثيق , و لاسيما و الرجلان لا يعرفان إلا بهذا الإسناد , و له حديث آخر
كنت خرجته في " الضعيفة " ( 5941 ) لتجرده عن شاهد , بخلاف هذا , فشاهده حديث
الترجمة . و له شاهد مختصر جدا في الختان من رواية الزهري قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " من أسلم فليختتن و لو كان كبيرا " . رواه حرب بن
إسماعيل كما قال الحافظ في " التلخيص " ( 4 / 82 / 1806 - تعليق اليماني المدني
) و عزاه السيوطي في " الدر المنثور " ( 1 / 114 ) للبيهقي , أطلقه , و ذلك
يعني " السنن الكبرى " له , و لم أره فيه , و قد أبعد النجعة , فقد أخرجه
الإمام البخاري في " الأدب المفرد " ( 322 / 1252 ) : حدثنا عبد العزيز بن عبد
الله الأويسي قال : حدثني سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب قال : " كان
الرجل إذا أسلم أمر بالاختتان و إن كان كبيرا " . و هذا إسناد صحيح مقطوع أو
موقوف , فإن الظاهر أن الإمام الزهري لا يعني أن ذلك كان في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم , و لصحة إسناده عنه أوردته في كتابي الجديد " صحيح الأدب المفرد " (
484 / 948 / 1252 ) . و الله سبحانه و تعالى أعلم . و ترجم له البخاري فيه بـ "
باب اختتان الكبير " , و ساق تحته حديث أبي هريرة : " اختتن إبراهيم صلى الله
عليه وسلم , و هو ابن عشرين و مئة " , و هو موقوف , و الصحيح مرفوع بلفظ : " ..
بعد ثمانين سنة " , و قد رواه فيه قبل أبواب برقم ( 1244 ) و هو مخرج في "
الإرواء " ( 78 ) و قد احتج به أحمد لختان الكبير , فروى الخلال في " الوقوف و
الترجل " ( 146 / 183 ) عن حنبل أنه سأل أبا عبد الله عن الذمي إذا أسلم ? قلت
له : ترى أن يطهر بالختانة ? قال : " لابد له من ذلك " . قلت : فإن كان كبيرا
أو كبيرة ? قال : أحب إلي أن يتطهر , لأن الحديث : " اختتن إبراهيم و هو ابن
ثمانين سنة " , قال الله : *( ملة أبيكم إبراهيم )* . قيل له : فإن كان يخاف
عليه ? قال : و إن كان يخاف عليه , كذلك يرجى له السلامة . و في رواية : لابد
له من الطهارة , هذه نجاسة يعني : الأقلف . ثم روى الخلال عن الإمام أحمد أنه
سئل عن حج الأقلف ? فقال : ابن عباس كان يشدد في أمره , روي عنه أنه لا حج و لا
صلاة له . قيل له : فما تقول ? قال : يختتن ثم يحج . ثم ذكر عنه رواية أخرى
فيها التسهيل في أمر الأقلف . و الظاهر أن ذلك إذا خاف على نفسه . و الله أعلم
. ( تنبيه ) : انقلب على الشوكاني حديث الزهري المتقدم ( ص 1181 ) , فجعله في
كتابه " نيل الأوطار " ( 1 / 98 ) من حديث أبي هريرة , و قال عقبه : " و قد
ذكره الحافظ في " التلخيص " و لم يضعفه " ! و قلده على هذا الوهم المعلق على "
كتاب الوقوف و الترجل " ( ص 148 ) و الحافظ إنما ذكره من حديث الزهري كما سبق .
و تنبيه آخر : و هو أن أخانا الفاضل حمدي السلفي قال بعد أن بين ضعف إسناد حديث
الترجمة : " لكن للحديث شاهدان من حديث واثلة بن الأسقع , و قتادة أبي هشام " .
فأقول : حديث قتادة هذا تقدم . و أما حديث واثلة , فهو شاهد قاصر لأنه ليس فيه
: " و اختتن " , و هو مخرج عندي في " صحيح أبي داود " تحت حديث الترجمة , و في
" الروض النضير " برقم ( 893 ) .
2978 " يا فاطمة ! ( هي بنت قيس ) إن الحق [ عز وجل ] لم يبق لك شيئا . قاله صلى
الله عليه وسلم لها حين قالت : خذ من طوقي الذهبي ما فرض الله " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1183 :

أخرجه أبو الشيخ في جزئه " انتقاء ابن مردويه " ( 83 / 30 - طبع الرشد ) , قال
: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث حدثنا محمد بن المغيرة حدثنا النعمان حدثنا
أبو بكر : أخبرني شعيب بن الحباب عن الشعبي قال : سمعت # فاطمة بنت قيس # رضي
الله عنها تقول : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب
, فقلت : يا رسول الله ! خذ منه الفريضة التي جعل الله فيه . قالت : فأخذ رسول
الله صلى الله عليه وسلم مثقالا و ثلاثة أرباع مثقال , فوجهه . قالت : فقلت :
يا رسول الله ! خذ منه الذي جعل الله فيه . قالت : فقسم رسول الله على هذه
الأصناف الستة , و على غيرهم , فقال : فذكره . [ قالت : ] قلت : يا رسول الله !
رضيت لنفسي ما رضي الله عز وجل به و رسوله . قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله
كلهم ثقات من رجال " التهذيب " إلى ( النعمان ) و هو ابن عبد السلام الأصبهاني
. و أما الراوي عنه محمد بن المغيرة فهو الأصبهاني صاحب النعمان , ترجمه أبو
الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " ( 1 / 243 - 244 ) و أبو نعيم في " أخبار
أصبهان " ( 2 / 185 - 186 ) برواية جمع من الثقات عنه , و ذكرا أنه كان صاحب
عبادة و تهجد , صحب النعمان , و سمع عامة أصوله , توفي سنة ( 231 ) , و ذكره
ابن حبان في " الثقات " ( 6 / 105 ) . و أما شيخ أبي الشيخ ( إبراهيم بن محمد
بن الحارث ) , فقد ترجمه أبو الشيخ في " الطبقات " أيضا ( 2 / 136 ) و كذا أبو
نعيم ( 1 / 188 - 189 ) , حدث عنه أبو بكر البرذعي و محمد بن يحيى بن منده ,
سمع من سعيد بن منصور و ذهب سماعه , و كان عنده كتب النعمان عن محمد بن المغيرة
. قال أبو الشيخ : " و حضرت مجلسه فجاء أبو بكر البزار , فأخرج إليه كتب
النعمان , فانتخب عليه , و كتب عنه عن أبيه " . قال : " و كتبنا عنه من الغرائب
ما لم نكتب إلا عنه " . ثم ساق له حديثا واحدا , و هو أبو إسحاق , يعرف بـ (
ابن نائلة ) , من أهل المدينة , و ( نائلة ) أمه , و ساق له أبو نعيم أحاديث
أخرى , عن شيوخ سبعة له عنه , منهم الطبراني , و له في " المعجم الأوسط " أربعة
أحاديث ( 3081 - 3084 - بترقيمي ) و آخر في " المعجم الصغير " رقم ( 275 -
الروض النضير ) . توفي سنة ( 291 ) . قلت : و في الحديث دلالة صريحة على أنه
كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة على حلي النساء , و
ذلك بعد أن أمر صلى الله عليه وسلم بها في غير ما حديث صحيح كنت ذكرت بعضها في
" آداب الزفاف " , و لذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ليأخذ زكاتها منه , فليضم هذا الحديث إلى تلك , لعل في ذلك
ما يقنع الذين لا يزالون يفتون بعدم وجوب الزكاة على الحلي , فيحرمون بذلك
الفقراء من بعض حقهم في أموال زكاة الأغنياء ! و قد يحتج به بعضهم على جواز
الذهب المحلق للنساء , و الجواب هو الجواب المذكور في الأحاديث المشار إليها
آنفا , فراجعه إن شئت في " الآداب " . على أن هذا ليس فيه أنها تطوق به , بخلاف
بعض تلك الأحاديث , فيحتمل أن فاطمة رضي الله عنها كان قد بلغها الحكمان :
النهي عن طوق الذهب , فانتهت منه , و وجوب الزكاة , فبادرت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ليأخذ منه الزكاة , و هذا هو اللائق بها و بدينها رضي الله عنها .
2979 " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه , فقعد له بطريق الإسلام , فقال : تسلم و تذر
دينك و دين آبائك و آباء أبيك ?! فعصاه فأسلم , ثم قعد له بطريق الهجرة , فقال
: تهاجر و تدع أرضك و سماءك , و إنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول ?! فعصاه
فهاجر , ثم قعد له بطريق الجهاد , فقال : تجاهد فهو جهد النفس و المال , فتقاتل
فتقتل , فتنكح المرأة , و يقسم المال ?! فعصاه فجاهد . فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة . و من قتل
كان حقا على الله أن يدخله الجنة . و إن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة ,
أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1186 :

أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " ( 2 / 2 / 187 - 188 ) و النسائي ( 2 / 58
) و ابن حبان ( 385 / 1601 - الموارد ) و البيهقي في " شعب الإيمان " ( 4 / 21
/ 4246 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 5 / 293 ) و من طريقه الطبراني في "
المعجم الكبير " ( 7 / 138 ) و أحمد ( 3 / 483 ) من طريق أبي عقيل عبد الله بن
عقيل قال : حدثنا موسى بن المسيب عن سالم بن أبي الجعد عن # سبرة بن أبي فاكه #
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره . قلت : و هذا إسناد جيد
رجاله كلهم ثقات , و في بعضهم كلام لا يضر , و لذلك قال الحافظ العراقي في "
تخريج الإحياء " ( 3 / 29 ) : " أخرجه النسائي من حديث سبرة بن أبي فاكه بإسناد
صحيح " . و أقره الزبيدي في شرحه على " الإحياء " ( 7 / 270 ) كما أقر المنذري
في " الترغيب " ( 2 / 173 ) ابن حبان على تصحيحه , و كذلك قواه الحافظ , و لكنه
أشار إلى أن فيه علة , و لكنها غير قادحة , فقال في ترجمة ( سبرة ) من "
الإصابة " : " له حديث عند النسائي بإسناد حسن , إلا أن في إسناده اختلافا " .
قلت : هو اختلاف مرجوح لا يؤثر , و قد أشار إليه الحافظ المزي في ترجمة ( سبرة
) من " التهذيب " , فإنه ساقه من طريق أحمد , و قال عقبه : " تابعه محمد بن
فضيل عن موسى بن المسيب . و رواه طارق بن عبد العزيز عن محمد ابن عجلان عن موسى
بن المسيب عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن أبي سبرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم " . و ذكر مثله في " تحفة الأشراف " ( 3 / 264 ) . قلت آنفا : إن هذا
الخلاف لا يؤثر , و ذلك لأن محمد بن عجلان لا يعارض به الثقتان عبد الله بن
عقيل و متابعة محمد بن فضيل , لاسيما و ابن عجلان فيه كلام معروف , و هذا يقال
لو صحت المخالفة عنه , فإن الراوي عنه طارق بن عبد العزيز فيه كلام أيضا , و هو
طارق بن عبد العزيز بن طارق الربعي , هكذا نسبه في " الجرح " , و قال عن أبيه :
" ما رأيت بحديثه بأسا في مقدار ما رأيت من حديثه " . و نسبه في " الثقات " ( 8
---------
/ 327 ) إلى جده , فقال : " طارق بن طارق المكي " , و قال : " ربما خالف
الأثبات في الروايات " . و كذا في " ترتيب الثقات " لابن قطلوبغا ( 1 / 303 / 2
) و في " لسان الميزان " أيضا , لكن تحرف فيه اسم الأب إلى ( بارق ) و هو من
الطابع فيما أظن . و الله أعلم . و قد وصله عنه البيهقي في " الشعب " ( رقم
4247 ) من طريق أبي عبد الله , و هو الحاكم , و ليس هو في " المستدرك " ,
فالظاهر أنه في كتابه : " التاريخ " , و قال البيهقي عقبه : " هكذا في كتابي (
جابر بن [ أبي ] سبرة ) , و كذلك رواه أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري عن أبيه
عن ابن عجلان ... و هو في الثاني و السبعين من ( التاريخ ) " . و كأنه يعني
تاريخ شيخه الحاكم . و والد أحمد بن أبي بكر اسمه ( القاسم بن الحارث بن زرارة
.. ) كما في ترجمة ( أحمد ) , و لم أجد له ترجمة , و لا ذكروه في ترجمة ابنه .
و الله سبحانه و تعالى أعلم . ثم رأيت أبا نعيم قد وصله أيضا في " معرفة
الصحابة " ( 1 / 125 / 1 ) من طرق عن طارق بن عبد العزيز بن طارق به . و قال :
" و هذا مما وهم فيه طارق , تفرد بذكر جابر . و رواه ابن فضيل عن موسى أبي جعفر
عن سالم عن سبرة بن أبي فاكه , و [ هو ] المشهور " . و رواية ابن فضيل هذه
وصلها أبو نعيم في ترجمة ( سبرة بن الفاكه ) من طرق عنه . و ذكر الحافظ في
ترجمة ( جابر ) حديثه هذا , و قال : " قال ابن منده : غريب تفرد به ( طارق ) ,
و المحفوظ في هذا عن سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي فاكه " . و جملة القول
أن الحديث صحيح من رواية سالم عن سبرة رضي الله عنه , و قد صححه من تقدم ذكرهم
, و احتج به ابن كثير في " التفسير " ( 2 / 204 ) و ساقه ابن القيم في " إغاثة
اللهفان " مساق المسلمات . و أما المعلق عليه ( ابن عبد المنان ) , المتخصص في
تضعيف الأحاديث الصحيحة , فقد جزم في تعليقه عليه ( 1 / 134 ) بأن إسناده ضعيف
مخالفا في ذلك كل من ذكرنا من المصححين له و المحتجين به , معللا إياه بأن سالم
بن أبي الجعد لم يصرح بالسماع من سبرة . متشبثا في ذلك بما ذهب إليه البخاري و
غيره أنه لا يكفي في الحديث أو الإسناد المعنعن لإثبات اتصاله المعاصرة , بل
لابد من ثبوت اللقاء و لو مرة , خلافا لمسلم و غيره ممن يكتفي بالمعاصرة . و
الحقيقة أن هذه المسألة من المعضلات , و لذلك تضاربت فيها أقوال العلماء , بل
العالم الواحد , فبعضهم مع البخاري , و بعضهم مع مسلم . و قد أبان هذا عن وجهة
نظره , و بسط الكلام بسطا وافيا مع الرد على مخالفه , بحيث لا يدع مجالا للشك
في صحة مذهبه , و ذلك في مقدمة كتابه " الصحيح " , و كما اختلف هو مع شيخه في
المسألة , اختلف العلماء فيها من بعدهما , فمن مؤيد و معارض , كما تراه مشروحا
في كتب علم المصطلح , في بحث ( الإسناد المعنعن ) . و لدقة المسألة رأيت الإمام
النووي الذي انتصر في مقدمة شرحه على " مسلم " لرأي الإمام البخاري , قد تبنى
مذهب الإمام مسلم في بعض كتبه في " المصطلح " , فقال في بيان الإسناد المعنعن
في كتابه " التقريب " : " .. و هو فلان عن فلان , قيل : إنه مرسل . و الصحيح
الذي عليه العمل , و قاله الجماهير من أصحاب الحديث و الفقه و الأصول أنه متصل
بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسا , و بشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا , و في اشتراط
ثبوت اللقاء , و طول الصحبة و معرفته بالرواية عنه خلاف .. " . و نحوه في كتابه
" إرشاد طلاب الحقائق " ( 1 / 185 - 189 ) . 1 - و هذا الذي صححه النووي في
كتابيه المذكورين , هو الذي تبناه جمع من الحفاظ و المؤلفين في الأصول و
المصطلح , فمنهم : الطيبي في كتابه " الخلاصة في أصول الحديث " ( ص 47 ) , و
العلائي في " التحصيل " ( ص 210 ) . 2 - و الذهبي في رسالته اللطيفة المفيدة :
" الموقظة " , فإنه و إن كان ذكر فيها القولين : اللقاء و المعاصرة , فإنه أقر
مسلما على رده على مخالفه , هذا من جهة . و من جهة أخرى فقد أشار في ترجمته في
" سير النبلاء " ( 12 / 573 ) إلى صواب مذهبه و قوته , في الوقت الذي صرح بأن
مذهب البخاري أقوى , فهذا شيء , و كونه شرط صحة شيء آخر كما هو ظاهر بأدنى نظر
. 3 - و الحافظ ابن كثير في " اختصار علوم الحديث " . 4 - و ابن الملقن في "
المقنع في علم الحديث " ( 1 / 148 ) و في رسالته اللطيفة " التذكرة " ( 16 / 11
) . 5 - و الحافظ ابن حجر , فإنه رجح شرط البخاري على نحو ما تقدم عن الذهبي ,
فإنه سلم بصحة مذهب مسلم , فقال في " النكت على ابن الصلاح " ( 1 / 289 ) مدللا
على الترجيح : " لأنا و إن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال , فلا يخفى أن
شرط البخاري أوضح في الاتصال " . و كذا قال في " مقدمة فتح الباري " ( ص 12 ) و
نحوه في رسالته " نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر " ( ص 171 / 61 - بنكت الأخ
الحلبي عليه ) . قلت : و كونه أوضح مما لا شك فيه , و كذلك كونه أقوى , كما نص
على ذلك الإمام الذهبي كما تقدم , فهو كسائر الصفات التي تميز بها " صحيح
البخاري " على " صحيح مسلم " كما هو مسلم به عند جمهور العلماء , فهو شرط كمال
و ليس شرط صحة عندهم . 6 - الإمام الصنعاني , فإنه ناقش الحافظ ابن حجر فيما
استدل به لشرط البخاري في بحوث ثلاثة ذكرها في كتابه " توضيح الأفكار " , و
ألزمه القول بصحة مذهب مسلم , و إن كان شرط البخاري أقوى . و قد كنت ألزمته
بذلك في تعليق لي موجز , كنت علقته على " نزهته " , نقله عني الأخ الحلبي في "
النكت عليه " ( ص 88 ) , فليراجعه من شاء . و لقوة الإلزام المذكور , فقد
التزمه الحافظ رحمه الله كما تقدم نقله عنه آنفا , و الحمد لله . ثم قال
الصنعاني رحمه الله تعالى ( 1 / 234 ) : " و إذا عرفت هذا فمذهب مسلم لا يخلو
عن القوة لمن أنصف , و قد قال أبو محمد بن حزم في " كتاب " الإحكام " : <1>
7 - اعلم أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول فهو على اللقاء و السماع سواء
قال : " أخبرنا " أو " حدثنا " , أو " عن فلان " أو " قال فلان " , فكل ذلك
محمول على السماع منه . انتهى . قلت : و لا يخفى أنا قد قدمنا عنه خلاف هذا في
حديث ( المعازف ) فتذكره " . هذا و إن مما يسترعي الانتباه و يلفت النظر - أن
المذكورين من الحفاظ و العلماء جروا فيما كتبوا في " علم المصطلح " على نحو مما
جرى عليه سلفهم في التأليف , أعني به ابن الصلاح في " مقدمته " , و قلما
يخالفونه , و إنما هم ما بين مختصر و ملخص و مقيد و شارح , كما يعلم ذلك الدارس
لمؤلفاتهم فيه , و هذه المسألة مما خالفوه فيها , فإن عبارة النووي المتقدمة في
الاكتفاء بالمعاصرة و إمكانية اللقاء هي منه تعديل لعبارة ابن الصلاح المصرحة
بشرطية ثبوت اللقاء , و على هذا التعديل جرى المذكورون آنفا , و أكدوا ذلك
علميا في تصحيحهم للأحاديث المروية بأسانيد لا يمكن التحقق من ثبوت التلاقي بين
الرواة في كل الطبقات , هذا يكاد يكون مستحيلا , يعرف ذلك من مارس فن التخريج ,
و لم يكن من أهل الأهواء , و ها هو المثال بين يديك , فهذا الحديث من رواية
سالم بن أبي الجعد عن سبرة رضي الله عنه , فقد صححه من تقدم ذكرهم , و منهم
الحافظ العراقي الذي أقر في شرحه على " المقدمة " ابن الصلاح على شرطية اللقاء
, و لم أجد له قولا يوافق الذين اكتفوا بالمعاصرة , و مع ذلك فقد وافقهم عمليا
حين صحح إسناد هذا الحديث , فإن سالما هذا لم نر من صرح بلقائه لسبرة , و لكنه
مقطوع بتابعيته و معاصرته للصحابة , بل و روايته عن جمع منهم , و نصوا أنه لم
سمع من بعضهم , و ليس منهم ( سبرة ) , هذا , و مع ذلك فقد تشبث مضعف الأحاديث
الصحيحة , و مخرب كتب الأئمة بالتعليق عليها - بشرطية اللقاء , فقال في تعليقه
على كتاب ابن القيم " إغاثة اللهفان " ( 1 / 134 ) : " إسناده ضعيف , فإن سالما
لم يرو عن سبرة غير هذا الحديث , و لم يصرح بالسماع منه , و هو معروف بالإرسال
عن جمع من الصحابة , فلا يثبت له الحديث إلا إذا صرح بالسماع منه .. " ! فيقال
له : أثبت العرش ثم انقش ! فإن الشرط المذكور ليس لك عليه دليل إلا التقليد , و
أنت تتظاهر بأنك لا تقلد , و هذا أمر واجب لو كنت من أهل العلم بالكتاب و السنة
, و أصول الحديث و الفقه , و لا نرى أثرا لذلك في كل ما تكتب , إلا التحويش دون
أي تحقيق أو تفتيش , و لذلك فالواجب عليك إنما هو الاتباع , فهو خير لك بلا شك
من التخريب و التضعيف لمئات الأحاديث الصحيحة عند العلماء , و قد تبلغ الألوف
إذا مضيت في مخالفتك لـ *( سبيل المؤمنين )* . و أنا على مثل اليقين أن الرجل
صاحب هوى و غرض - الله أعلم به - دلنا على ذلك أسلوبه في تخريج الأحاديث , فإنه
ينشط جدا , و يتوسع ما وسعه التوسع في التضعيف المذكور , و يتتبع الأقوال
المرجوحة التي تساعده على ذلك , مع التمويه على القراء بإعراضه عن ذكر الأقوال
المعارضة له , و بالإحالة إلى بعض البحوث التي تخالف قوله !! و أما إذا كان
الحديث قويا , و لا يجد سبيلا إلى تضعيفه و نسفه , انقلب ذلك النشاط إلى فتور و
خمول , و اختصر الكلام عليه في بيان مرتبته اختصارا مخلا دون بيان السبب ,
كقوله مثلا ( 1 / 130 ) : " حديث حسن إن شاء الله " ! ثم يسود خمسة أسطر في
تخريجه دون فائدة تذكر , موهما قراءه بأنه بحاثة محقق ! مع أنهم لا يدرون ما
مقصوده من تعليق التحسين بالمشيئة الإلهية , أهو للتشكيك أم التحقيق ?! و الأول
هو اللائق بالمضعف للصحيحة ! و له أحاديث أخرى من هذا النوع ( ص 220 و 292 و
294 ) و انظر ( ص 183 و 212 و 224 و 272 و 277 و 297 ) ثم إن قوله عن سالم بن
أبي الجعد أنه أرسل عن جمع من الصحابة , فهو لا يفيد انقطاعا هنا , لأنهم نصوا
على أنه لم يدركهم , أو لم يسمع منهم , و ليس سالم منهم , و حينئذ وجب حمله على
الاتصال على مذهب الجمهور , و هو الراجح كما سبق تحقيقه . و مثال ثان لما ذكرت
آنفا , كان الإمام مسلم قد ضربه مثلا في أنواع أخرى لما نحن فيه , و احتج بها
أهل العلم و صححوها , حديثان من رواية ربعي بن حراش عن عمران , أحدهما في إسلام
حصين والد عمران , و فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له قبل أن يسلم و بعد
أن أسلم : " قل : اللهم قني شر نفسي , و اعزم لي على أرشد أمري " . قال النووي
عقبه في شرحه لمقدمة مسلم : " إسناده صحيح " . و كذا قال الحافظ في " الإصابة /
ترجمة ( حصين ) " . و يبدو للناظر المنصف أهمية هذا المثال , و خاصة بالنسبة
للنووي , فإنه كان قبل هذا التصحيح بصفحات قد رد على الإمام مسلم مذهبه , فإذا
به يجد نفسه لا يسعه إلا أن يوافقه , و ما ذلك إلا لقوته في واقع الأمر . و هذا
عين ما أصاب مضعف الأحاديث الصحيحة , فإنه لما جاء إلى هذا الحديث ( 1 / 107 )
و خرجه , جود إسناده ! فلا أدري أهو من الغفلة و قلة التحقيق , أم هو اللعب على
الحبلين , أو الهوى , و إلا لزمه أن يضعفه كما فعل بحديث الترجمة لاشتراكهما في
العلة عنده , و هي عدم تحقق شرط اللقاء , أو أن يصححهما معا , اكتفاء بالمعاصرة
, و هو الصواب . و قد أشار الحافظ إلى هذا الاكتفاء في آخر ترجمة ( ربعي ) ,
فإنه لما نقل عن ابن عساكر أن ربعيا لم يسمع من أبي ذر تعقبه بقوله : " و إذا
ثبت سماعه من عمر , فلا يمتنع سماعه من أبي ذر " . فهذا مما يؤكد أنه يتبنى
الاكتفاء بالمعاصرة . و يحضرني مثال ثالث , و هو حديث محمد بن عبد الله بن
الحسن العلوي , المعروف بـ ( النفس الزكية ) , رواه عن أبي الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة مرفوعا : " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير , و ليضع يديه
قبل ركبتيه " <2> . لقد صحح هذا الحديث جمع من الحفاظ , منهم عبد الحق الإشبيلي
, و الشيخ النووي , و قواه الحافظ في " الفتح " ( 2 / 291 ) و في " بلوغ المرام
" , و هم يعلمون أن اللقاء بين النفس الزكية و أبي الزناد غير معروف , كما أشار
إلى ذلك الإمام البخاري بقوله في ترجمة ( النفس الزكية ) من " التاريخ الكبير "
( 1 / 1 / 139 ) : " لا أدري سمع من أبي الزناد أم لا ? " . قلت : و هكذا يجد
الباحث في كتب تخريج الأحاديث عشرات بل مئات الأحاديث قد صححها الحفاظ و
العلماء مكتفين في ذلك بالمعاصرة , غير ملتزمين فيها شرط اللقاء , و ما ذاك إلا
عن قناعة منهم بأن هذا الشرط إنما هو شرط الكمال , و ليس شرط صحة , فإن تحقق
فبها و نعمت , و إلا ففي المعاصرة بركة و كفاية , على هذا جرى السلف , كما شرح
ذلك الإمام مسلم في " مقدمته " , و تبعهم على ذلك الخلف من الحفاظ الذين سمينا
بعضهم , و اشتد إنكار مسلم على مخالفيهم غيرة منه على السنة المطهرة , و خوفا
منه أن يهدر منها شيء , و ما قدمنا من الأمثلة يؤيد ما ذهب إليه رحمه الله . و
بالله التوفيق .

-----------------------------------------------------------
[1] قلت : ذكر ذلك في بحث له في المدلس ( 1 / 141 - 142 ) و هو من حجتنا على
ابن حزم و من قلده من الغابرين و المعاصرين في إعلال حديث ( المعازف ) الذي
رواه البخاري معلقا على هشام بن عمار بالانقطاع بينهما . و قد فصلت القول في
الرد عليه تفصيلا في كتاب خاص سيصدر قريبا إن شاء الله تعالى .
[2] تنبيه : لقد وقفت على رسالة لأحد متعصبة الحنابلة المعاصرين في تضعيف هذا
الحديث الصحيح , جاء فيها تجاهلات و مكابرات عجيبة , أذكر ما تيسر منها :
1 - جعل قول البخاري الآتي معارضا لمن وثق النفس الزكية ! 2 - تجاهل بروك الجمل
على ركبتيه اللتين في مقدمتيه كما هو الثابت في كتب اللغة , و في أثر عمر الذي
ذكره ( ص 42 ) محتجا به و هو عليه : أنه كان يخر في صلاته بعد الركوع على
ركبتيه كما يخر البعير : يضع ركبتيه قبل يديه ! هذا هو بروك البعير أن يضع
ركبتيه قبل يديه . و بذلك يكون قد هدم كل ما بنى , على أنه كان على شفا جرف هار
! . اهـ .