164 " كان صلى الله عليه وسلم في غزو تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى

أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا , و إذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى

الظهر , و صلى الظهر و العصر جميعا , ثم سار و كان إذا ارتحل قبل المغرب أخر

المغرب حتى يصليها مع العشاء , و إذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع

المغرب " .



قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 263 :



أخرجه أبو داود ( 1220 ) و الترمذي ( 2 / 438 ) و الدارقطني ( 151 ) و البيهقي

( 3 / 163 ) و أحمد ( 5 / 241 - 242 ) كلهم من طريق قتيبة بن سعيد حدثنا الليث

بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن # معاذ بن جبل #

مرفوعا . و قال أبو داود :

" لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده " .



قلت : و هو ثقة ثبت فلا يضر تفرده لو صح , و لذلك قال الترمذي :

" حديث حسن غريب تفرد به قتيبة , لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره " .

و قال في مكان آخر : " حديث حسن صحيح " .



قلت : و هذا هو الصواب . فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين و قد صححه ابن القيم

و غيره , و أعله الحاكم و غيره بما لا يقدح كما بينته في " إرواء الغليل "

( 571 ) , و ذكرت هناك متابعا لقتيبة و شواهد لحديثه يقطع الواقف عليها بصحته .

و رواه مالك ( 1 / 143 / 2 ) من طريق أخرى عن أبي الطفيل به بلفظ :

" أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك , فكان رسول الله

صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر و العصر , و المغرب و العشاء , قال : فأخر

الصلاة يوما , ثم خرج فصلى الظهر و العصر جميعا , ثم دخل , ثم خرج فصلى المغرب

و العشاء جميعا " .

و من طريق مالك أخرجه مسلم ( 7 / 60 ) و أبو داود ( 1206 ) و النسائي

( 1 / 98 ) و الدارمي ( 1 / 356 ) و الطحاوي ( 1 / 95 ) و البيهقي ( 3 / 162 )

و أحمد ( 5 / 237 ) , و في رواية لمسلم ( 2 / 152 ) و غيره من طريق أخرى :

" فقلت : ما حمله على ذلك ? قال : أراد ألا يحرج أمته " .



فقه الحديث

------------

فيه مسائل :

1 - جواز الجمع بين الصلاتين في السفر و لو في غير عرفة و مزدلفة , و هو مذهب

جمهور العلماء . خلافا للحنفية , و قد تأولوه بالجمع الصوري أي بتأخير الظهر

إلى قرب وقت العصر , و كذا المغرب مع العشاء , و قد رد عليهم الجمهور من وجوه :



أولا : أنه خلاف الظاهر من الجمع .



ثانيا : أن الغرض من مشروعيته التيسير و رفع الحرج كما صرحت بذلك رواية مسلم ,

و مراعاة الجمع الصوري فيه الحرج كما لا يخفى .



ثالثا : أن في بعض أحاديث الجمع ما يبطل دعواهم كحديث أنس ابن مالك بلفظ :

" أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما " . رواه مسلم ( 2 / 151 )

و غيره .



رابعا : و يبطله أيضا جمع التقديم الذي صرح به حديث معاذ هذا " و إذا ارتحل بعد

زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر " . و الأحاديث بهذا المعنى كثيرة كما سبقت

الإشارة إلى ذلك .



2 - و أن الجمع كما يجوز تأخيرا , يجوز تقديما , و به قال الإمام الشافعي في

" الأم " ( 1 / 67 ) و كذا أحمد و إسحاق كما قال الترمذي ( 2 / 441 ) .



3 - و أنه يجوز الجمع في حال نزوله كما يجوز إذا جد به السير , قال الإمام

الشافعي في " الأم " بعد أن روى الحديث من طريق مالك :

" و هذا و هو نازل غير سائر , لأن قوله " دخل " ثم خرج " لا يكون إلا و هو نازل

فللمسافر أن يجمع نازلا و سائرا " .



قلت : فلا يلتفت بعد هذا النص إلى قول ابن القيم رحمه الله في " الزاد "

( 1 / 189 ) :

" و لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الجمع راكبا في سفره كما يفعله كثير من

الناس , و لا الجمع حال نزوله أيضا " .

و قد اغتر بكلامه هذا بعض إخواننا السلفيين في بعض الأقطار , فلذلك وجب التنبيه

عليه .

و من الغريب أن يخفى مثل هذا النص على ابن القيم رحمه الله مع وروده في الموطأ

و صحيح مسلم و غيرهما من الأصول التي ذكرنا , و لكن لعل الغرابة تزول إذا

تذكرنا أنه ألف هذا الكتاب " الزاد " في حالة بعده عن الكتب و هو مسافر , و هذا

هو السبب في وجود كثير من الأخطاء الأخرى فيه , و قد بينت ما ظهر لي منها في

" التعليقات الجياد على زاد المعاد " .

و مما يحمل على الاستغراب أيضا أن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صرح

في بعض كتبه بخلاف ما قال ابن القيم رحمه الله , فكيف خفي عليه ذلك و هو أعرف

الناس به و بأقواله ? قال شيخ الإسلام في " مجموعة الرسائل و المسائل "

( 2 / 26 - 27 ) بعد أن ساق الحديث :

" الجمع على ثلاث درجات , أما إذا كان سائرا في وقت الأولى , فإنما ينزل في وقت

الثانية , فهذا هو الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث أنس و ابن عمر , و هو

نظير جمع مزدلفة , و أما إذا كان وقت الثانية سائرا أو راكبا فجمع في وقت

الأولى , فهذا نظير الجمع بعرفة و قد روي ذلك في السنن ( يعني حديث معاذ هذا )

و أما إذا كان نازلا في وقتهما جميعا نزولا مستمرا , فهذا ما علمت روي ما يستدل

به عليه إلا حديث معاذ هذا , فإن ظاهره أنه كان نازلا في خيمته في السفر ,

و أنه أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر و العصر جميعا ثم دخل إلى بيته , ثم خرج

فصلى المغرب و العشاء جميعا , فإن الدخول و الخروج إنما يكون في المنزل , و أما

السائر فلا يقال : دخل و خرج , بل نزل و ركب .

و تبوك هي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم , و لم يسافر بعدها إلا حجة

الوداع , و ما نقل أنه جمع فيها إلا بعرفة و مزدلفة . و أما بمنى فلم ينقل أحد

أنه جمع هناك , بل نقلوا أنه كان يقصر الصلاة هناك , و هذا دليل على أنه كان

يجمع أحيانا في السفر , و أحيانا لا يجمع , و هو الأغلب على أسفاره أنه لم يكن

يجمع بينهما . و هذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر , بل يفعل للحاجة

سواء أكان في السفر أو في الحضر , فإنه قد جمع أيضا في الحضر لئلا يحرج أمته .

فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع , سواء أكان ذلك لسيره وقت الثانية أو الأولى

و شق النزول عليه , أو كان مع نزوله لحاجة أخرى مثل أن يحتاج إلى النوم

و الاستراحة وقت الظهر و وقت العشاء , فينزل وقت الظهر و هو تعبان سهران جائع

يحتاج إلى راحة و أكل و نوم , فيؤخر الظهر إلى وقت العصر ثم يحتاج أن يقدم

العشاء مع المغرب و ينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره , فهذا و نحوه يباح

له الجمع . و أما النازل أياما في قرية أو مصر و هو في ذلك المصر , فهذا و إن

كان يقصر لأنه مسافر فلا يجمع , كما أنه لا يصلي على الراحلة و لا يصلي بالتيمم

و لا يأكل الميتة . فهذه الأمور أبيحت للحاجة , و لا حاجة به إلى ذلك بخلاف

القصر فإنه سنة صلاة السفر " .