المنظمات الطلابية
من المحتمل أن تكون أكثر النشاطات المثيرة للجدل التي تقوم بها الولايات المتحدة في بناء الشبكات هو دورها في تمويل NSA؛ التي تم الكشف عن نشاطاتها السرية في مجلة رامبارتس (Ramparts) في عام 1967 49.
وقد أدى الكشف عن هذه الأسرار إلى تحقيقات أكثر قامت بدورها بالكشف عن العديد من العمليات الأخرى السرية الشبيهة لها والتي كانت تديرها IOD التابعة لـ CIA. ومن بين هذه العلاقات التي تم الكشف عنها كان دعم CIA لمؤسسة الحرية الثقافية وعلاقاتها الوطيدة بالجماعات الاتحادية. وقد أنهى هذا الإعلان بشكل فعال على محاولات CIA السرية في تحدي ومعارضة منظمات الجبهة السوفيتية في قطاعات مثل قطاع الشباب والعمل والمفكرين والفنانين والصحفيين وأساتذة الجامعة.
وقد اشتركت CIA في مؤسسات الشباب للعديد من نفس تلك الأسباب التي جعلتها مشتركة في مجالات أخرى من مجالات المجتمع المدني. وفي أواخر الأربعينيات، احتكر الاتحاد السوفيتي المنظمات الدولية الخاصة بالطلاب والشباب. وقد كان كل من الاتحاد الدولي للشباب الديمقراطيين (WFDY)والاتحاد الدولي للطلاب(IUS)؛ وهما المنظمتين الوحيديتين المعنيين بأمور الشباب والطلاب ومعترف بهما من قبل الأمم المتحدة، منظمات موالية للسوفيتيين بشكل فعال. حيث قام كل من WFDY و IUS باتباع منهج وطريقة ستالين حيث عارضو وهاجموا خطة مارشال ودعموا غزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية ودعموا العدوان الأمني لستالين50.
وقد قامت WFDY برعاية المهرجانات الطلابية والشبابية التي أدت إلى قدوم مئات الآلاف من الطلاب من أفريقيا وآسيا وأوروبا إلى ما تم تسميته بالمحافل الاجتماعية والثقافية. ومع ذلك فقد كانت هذه المحافل سياسية إلى درجة عالية حيث قدمت النسخة الشيوعية من الأحداث الحالية وعرضت الحياة في الدول الشيوعية في أحسن وضع ممكن. وقد تم إنفاق مبالغ ضخمة من الأموال على استضافة وعمل الحفلات والمهرجانات. فعلى سبيل المثال، أنفقت حكومة ألمانيا الغربية 48 مليون دولار لبداية مرحلة المهرجان الطلابي والشبابي الدولي الثالث في برلين51.
أما عن الجهود الغربية التي كانت مبذولة لمعارضة الجماعات الطلابية والشبابية فقد كانت محدودة حتى قبل عام 1950. ففي عام 1947، تم تأسيس NSA في ماديسون وويسكونسين. وقد انشقت NSA، العضو في IUS التي تسطير عليها الشيوعية، عن تلك المنظمة في عام 1948 عقب فشلها في إدانة الانقلاب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا. وقد فشلت محاولات NSA في تأسيس منظمة طلابية دولية وهذا بسبب نقص الأموال والمهارات التنظيمية. وببعض المساعدات المالية المحدودة من وزارة الخارجية وCIA، عزمت الجماعات الطلابية البريطانية والسويدية والأمريكية على عقد اجتماع للمنظمات الطلابية الغير راضية عن IUS في ستوكهولم والسويد في عام 521950.
وبعد مؤتمر ستوكهولم، أصبحت CIA مشتركة بشكل أكبر في الجهود التي تبذلها NSA مزودة المنظمة بالتمويلات التي تتيح لها الوصول للجماعات الطلابية في أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط. وقد أدى هذا إلى خلق مؤتمر طلابي دولي (ISC) في عام 1952. ومع ذلك لم تمول CIANSA بشكل مباشر، حيث قامت بدلا من ذلك بضخ الأموال إلى الجماعات من خلال مؤسسات خاصة مثل مؤسسة Rockefeller و Ford53. وقد تم إنشاء مكاتب لـ ISC في العديد من الدول لتدعيم الحركة بالأموال. وفي منتصف الخمسينيات، أصبحت ISC ممول أساسي للبرامج الشبابية الدولية التي تشمل المساعدات الفنية والتعليم وتبادل الطلاب والمنح الدراسية التي تتيح لدول العالم الثالث الدراسة في دول الغرب54.
الدور المؤسسي الذي تقوم به حكومة الولايات المتحدة
وقد لعبت حكومة الولايات المتحدة في أغلب كل هذه المحاولات دور التمويل. حيث قامت بتقييم المخططات لتحديد ما إذا كانت هذه المخططات في صالح الولايات المتحدة أم لا حتى تقوم بتمويلها وبالتالي تبني أسلوب عدم التدخل حتى تتيح للمنظمات والمؤسسات التي تدعمها تحقيق أهدافها بدون تدخل. فمثل أي مؤسسة، تضع حكومة الولايات المتحدة إرشادات لكيفية إنفاق أموالها. ومع ذلك فقد أدرك مسئولو الولايات المتحدة أنه كلما بعدت المسافة بين حكومتهم والمؤسسة التي تتم رعايتها، كلما زادت احتمالية نجاح نشاطات تلك المؤسسة.
وقد دعمت حكومة الولايات المتحدة نشاطات بناء الشبكات أثناء الحرب الباردة بأربع طرق حيوية. الطريقة الأولى هي المساعدة في تنظيم جماعات بناء الشبكات الديمقراطية. فكما تم توثيق ذلك في الأمثلة أعلاه، يتنوع مستوى التخطيط والتنظيم الذي تقدمه مؤسسات حكومة الولايات المتحدة بشكل كبير بناءاً على الجماعة
التي يقوموا بدعمها. ففي بعض الحالات، مثل الحالة التي دعمت فيها الولايات المتحدة النشاطات الاتحادية في أوروبا، لعبت الحكومة دوراً صغيراً جداً في التنظيم الفعلي لهذه الجماعات. وقد كان هذا بسبب أن الجماعات الخاصة، في هذه الحالة نقصد AFL، قد قامت بالفعل بإنشاء شبكة فعلية لحسابها الخاص. وفي حالات أخرى، مثل حالة مؤسسة الحرية الثقافية، لعب مسئولوا حكومة الولايات المتحدة دوراً أكبر. وقد نشأت مؤسسة الحرية الثقافية فقط لأن مسئولوا الولايات المتحدة حولوا مجموعة من الأفكار التي وضعها بعض الأفراد المشتتين إلى خطة فعلية جاهزة للتنفيذ.
أما المجال الثاني الذي كانت تقوم فيه حكومة الولايات المتحدة بالدعم فهو الجانب المالي حيث كان يتم تقديم التمويل بشكل عام من خلال المؤسسات التي تحافظ على مستوى معين من العلاقات بين الحكومة والمؤسسات التي كانت تقوم بتدعيمها. على الرغم من أن عدد قليل من الأفراد في المؤسسة على علم بدور حكومة الولايات المتحدة كمصدر للتمويل، إلا أنه لم يكن سراً. فمنذ فتح أرشيف الشيوعيين، وقد تم التأكد والتوثق من أن النظم الحاكمة في الجبهة السوفيتية كانت مدركة أن CIA كانت مشتركة في تمويل تلك المؤسسات. وبينما كانت بعض المؤسسات قادرة على زيادة التمويل الخاص من أجل الجهود التي تبذلها، لم تكن هذه الأموال كافية لدعم كل نشاطات الجماعة. فقد كان دعم حكومة الولايات المتحدة شيء جوهري من أجل إتاحة الفرصة لهذه المؤسسات لتتنافس في ميدان على مستوى التنافس مع المؤسسات التي في الجبهة الشيوعية التي كانت بالطبع يتم تمويلها بشكل جيد من قِبَل نظم حكم شيوعية.
أما المجال الثالث الذي كانت تقدم من خلاله الولايات المتحدة دعمه فهو توجيه السياسة العامة. فعلى سبيل المثال، قد يقوم موظفي RL بكتابة دليل السياسة العامة ثم يقوموا بإرسالها لـ CIA ووزارة الخارجية من أجل التنسيق55. وفي أثناء الخمسينيات، قدمت جماعة داخل الوكالة تسمى اللجنة الخاصة بشئون البث الإذاعي إطار لعملية التنسيق هذه. وفي مذكرة عام 1958، وضعت اللجنة السياسات والعمليات التي يجب على RL أن تتبعها. وقد غطت المذكرة عدد واسع من المواضيع تضم أهداف
برامج استعلامات الولايات المتحدة وتنظيم المحطات والطرق والأساليب العامة التي يجب أن تستخدم56. وفي حالات أخرى مثل حالة مؤسسة الحرية الثقافية، لعبت حكومة الولايات المتحدة دوراً صغيراً جداً في توجيه السياسة.
أما الدور النهائي الذي قامت به حكومة الولايات المتحدة في بناء الشبكات كان عبارة عن تقديم المساعدات المباشرة المحدودة للمؤسسات. وقد كان يُقصَد من هذا في بعض الحالات تقديم موظفين لـ CIA يعملوا كمساعدين شخصيين لرؤساء المؤسسات التي تجعل الحكومة على علم تام بالنشاطات المستمرة للمؤسسات. وقد شملت الطرق الأخرى للمساعدات التي تقدمها حكومة الولايات المتحدة التأثير المباشر على تعيينات الموظفين الرئيسية. وقد قامت حكومة الولايات المتحدة بالتدقيق والموافقة على رؤساء كل المؤسسات الرئيسية مؤكدة أنه في معظم الأحوال كانت قادة هذه المؤسسات شخصيات خاصة جديرة بالاحترام ذات تاريخ مميز في الخدمة العامة.
وعلى الرغم من أن الدور المباشر لحكومة الولايات المتحدة في بناء شبكة مقاومة للشيوعية كان ضرورياً، قد يكون من الأكثر أهمية إلقاء الضوء على الأمور التي تركت لقيادة المؤسسات الفردية. ولأن هؤلاء القادة كانوا أفراد موثوق بهم، فقد كانت لديهم مرونة في تطوير استراتيجيات وأساليب مناسبة تماما لمهامهم. وقد شجع هذا على تطوير مجموعة متنوعة كبيرة من الاستراتيجيات التي يتم احتياجها غالبا للمهام المختلفة لبناء الشبكات. باستثناء أعلى مستوى في القيادة، قامت المؤسسة بتوظيف إمكانيات موظفيها وقررت من الذي قد يشارك ومن الذي قد لا يشارك في النشاطات التي تقوم برعايتها. وقد أتاحت هذه المرونة السياسية للمؤسسات أن تعمل مع الأفراد والجماعات التي قد لا تكون مشتركة في النشاطات التي تدعمها حكومة الولايات المتحدة. وأخيراً، فقد قامت المؤسسة بإدارة شئونها اليومية. طبقا لما هو موجود في الوثائق التي تم الكشف عنها، تعتقد CIA أن مؤسسات بناء الشبكات كانت هي الأكثر فعالية حينما تم منحها الاستقلالية الكاملة57.