الإسكندرية – مسجد القائد ابراهيم


جلس الشاب ذو البشرة البيضاء يردد آيات القرآن منهمكا فى المصحف بخشوع شديد ... حتى جاء رجل ذو لحية طويلة و جلس بجواره و انتظر الشاب الذي بدا أنه لم يلحظ وجود الإمام بجواره ...و علا صوت الشاب بصوت رخيم و هو يتلو آيات من سورة (يــس )إلى أن انتهى فانتبه لوجود الإمام بجواره فقام مسرعاً نحو يده يقبلها إلا أن الإمام أبعد يده مسرعاً راسماً ابتسامة عريضة على وجهه المضيء...
" كم كنت أشتاق لأن أراك يا شيخ (حاتم)" أطلقها الشاب بفرحة ممزوجة باللهفة أو بلهفة ممزوجة بالفرحة فزادت ابتسامة الشيخ الذى قال بصوت هادىء " و أنا كنت مشتاق أكثر لأسمع صوتك تقرأ القرآن يا (يوسف) "
بدا الخجل على وجه الشاب الذي لم يمر سوى يومان على ربيعه الثامن و العشرين ... و لكنه استطرد متجاوزاً اطراء الإمام عليه " لقد مضى وقت طويل منذ غيابك للعلاج ... كنت افتقد الصلاة خلفك "
" يا بنى المهم أن تؤديها بخشوع .. و أن تصل درجاتها كاملة بإذن الله للمولى عز و جل "
" أمين يا رب العالمين "
ثم أردف يوسف قائلاً " هل تابعت يا مولانا الاحتجاجات التي قامت فى العالم من أجل فكرة بناء مدينة للملحدين ؟"
" نعم يا بنى و أحزننى الأمر كثيراً و ما أحزنني أكثر أن هناك من المسلمين ذوى الإيمان الضعيف و الذين قرروا الذهاب إلى هناك "
" أنا أيضاً سمعت بهم و لكنهم لم يتعدوا أصابع اليد الواحدة كما أنهم يعيشون بالغرب منذ فترات طويلة جداً حتى وهن إيمانهم .. هذا بافتراض أنهم كانوا يملكونه مسبقاً" و ظهرت لهفة الشاب مرة أخرى قائلاً " و لكن الأن هل سنسكت ؟؟ .. لقد بدأ جهاد من نوع جديد على ما اعتقد ... ودور الشباب لم يعد يقتصر على الثورات" قالها( يوسف) بلهجة غريبة جمعت ما بين الغموض و التحدى
" لن نسكت بالتأكيد يا(يوسف) و لن يرضى الله بذلك .. و لكن لابد من السعى فى سبيل إعلاء كلمة الله"
" و كيف يكون ذلك؟؟"
" قريباً .. سنعرف يا بنى ... قريباً جداً " ثم قام الشيخ مغادراً ليصلى ركعتين مغادراً ابتسامته لدى الشاب
لتلمع عينا الشاب الجالس على المصحف و الذي عاد لقراءة القرآن.


****

ملبورن


جلس قرابة العشرين شخص حول مائدة مستر( يوهان كراوش ) الضخمة و كأنما على رؤوسهم الطير و ينظرون جميعهم باتجاه واحد .. حيث يقف الملياردير الشهير ممسكاً بسيجاره الضخم و من خلفه بدت شاشة الكترونية لرسومات الدكتور(بيرت) الذى كان وسط الحاضرين و يتلفت يمينا و يساراً بتوتره المعهود ...
" الأن أقدم لكم رجلنا الجديد ( سيرجى ياكوف) رجل المخابرات الروسي و قائد الأمن فى المدينة و هو لديه ما يقوله لكم ... تقدم يا (سيرجى) "
قام الرجل ذو الجثة الضخمة ببرود دون أن يوجه الابتسامة الروتينية التي يلقيها كل متملقي (كرواش)
" الأمن فى (واى سى بارادايز ) سيقتصر على حمايتها خارجياً ... فمعتقدنا في الجنة هو الصدق في التعامل و بالتالي لن تتواجد مشاكل فيما بيننا و هذا مبدأ عام أريد من ا لسادة الحضور نشره بين السكان "
ثم اعتدل و قد علا صوته بنبرة بدت مخيفة لبيرت " كل مواطن لابد و أن يتعلم كيف يحارب و يدافع عن المدينة فرجالى لن يفعلوا كل شيء في كل الوقت و لابد و أن تشعروا بأهمية الحفاظ على مدينتكم "
ثم أردف قائلاً و قد أخرج سيجارة في تحد واضح لقوة شخصيته أمام(يوهان كراوش) الذي جلس مبتسماً و مستمتعاً بحديث (سيرجى) " ستكون هناك دورات مؤهلة للدفاع عن المدينة .. و هى إجبارية على جميع المواطنين و حتى المسئولين منكم... "
" شكراً يا( سيرجى )... و الأن دورك يا( إيزاك) " قالها كراوش بينما ظل جالساً و هو ينظر لليهودي الأصل ذو الشعر الأحمر الذي قام ليقول " سيكون لدينا يوماً مقدسا نقوم فيه بجمع كل الكتب المقدسة لدينا سابقاً و نحرقها في وسط المدينة في احتفال عالمي تنقلها اقمارنا الصناعية إلى كل العالم و لننظر ماذا يفعل اله العالم بنا .. و سيكون هذا عيداً رسمياً لنا كل عام نحتفل فيه.. و على كل المواطنين المشاركة فى الاحتفال بحرق الكتب المقدسة ... "
علت ضحكات (يوهان كراوش) و لم يستطع منع نفسه من التصفيق قائلاً " يا لك من يهودي حقاً يا (إيزاك) ... أفكارك الماكرة تستنحق عليها أن تكون مساعدى بدلاً من (جون) الخائب " ثم علت ضحكات (كراوش) مرة أخرى.. مع ابتسامة الظفر على وجه (ايزاك)
بينما احمر وجه ( جون )بشدة مع احراج (كراوش) له وسط الحضور.
" حسنا الأن اعتقد أنه دورك مجدداً يا دكتور (بيرت) "
فوجىء ( بيرت ) بكلمات( كراوش ) رغم علمه مسبقاً بأنه سيشرح مخطط مدينته لمساعدي( كراوش)
فوقف قائلاً " (واى سى برادايز) مدينتنا الجديدة الجميلة .. حيث لا مشاكل دينية ولا طقوس خرافية ليضيع الوقت في اختلافات و خلافات لا طائل منها ...
لقد صممت هذه المدينة بشكل ترفيهي كامل حيث يستطيع السكان طلب أي شيء في أي وقت قدر الإمكان و لا يوجد أموال أو اقتصاد في المدينة فكل من يطلب شيئاً سيجده .."



" طالما أما أدفع " قالها (كراوش) بصوت عال مقاطعاً (بيرت) الذي بدا و كأنه نسى باقى خطبته العصماء التي يعدها منذ أسابيع ... و لكنه سرعان ما ابتلع ريقه مردفاً " (واى سي برادايز ) مدينة لها جزء على ساحل جزيرة فيكتوريا و تصميمها الأساسي على شكل حرف (واى سي) نسبة إلى مؤسسها ( يوهان كراوش).



و هنا قام الحضور بالتصفيق لدكتور (بيرت) حينما قام الكومبيوتر الخاص به بعرض الصور الخاصة بالمدينة حيث ظهر حرف الواى باللغة الانجليزية مقلوباً و مواجها لحرف السى ...
" الأن نخب تأسيس المدينة"
رفع الجميع كئوسهم ووجهوها تجاه كراوش الذي بدا سعيداً جداً.... بينما انسكب الكأس الخاص بالدكتور( بيرت )على ملابسه .