خطورة الغفلة عن صلاح القلب


في خضم مشغلات الحياة، وتزاحم مغريات الدنيا وطغيان الماديات وغلبة الأهواء يغفل كثير من الناس عن الأخذ بأسباب السعادة والفلاح في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة، وإنَّ هذه الأسباب منوطة بأمر واحد هو قطب الرحى في هذه القضية، يفصح عنه حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- عند البخاري و مسلم: عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت؛ صلح الجسد كله، وإذا فسدت؛ فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).

ففي هذا الحديث العظيم إشارة إلى أنَّ صلاح حركات العبد بجوارحه بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبُه سليمًا، ليس فيه إلا توحيدُ الله وخشيته ومتابعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومحبتُه؛ سلِمَت حركات الجوارح، ونشأ على اجتناب المحرمات والمحدثات، وإن كان القلب مريضًا فاسدًا، قد استولى عليه اتباع الهوى، وغلبه حب الشهوات؛ فسدت حركات الجوارح، وانبعثت إلى كلِّ معصية، ونشطت في كلِّ ضلالة، ولهذا يُقال: القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، فإذا كان القلب صالحًا؛ كانت الجنود صالحة، وإن كان فاسدًا؛ كانت جنوده فاسدة.
ومن الغريب حقًا: إعراض الناس عن الاهتمام بعلاج أمراض القلوب، وانصرافهم الكلي إلى الاهتمام بصورهم وأجسامهم، فلو أصيب أحدهم بأدنى مرض في جسده؛ لأقام الدنيا بحثًا عن أمهر طبيب، وأفخم مستشفى، بينما الأمراض الحقيقية المعنوية، أمراض القلوب والأرواح قد أهملت، فعاد الأمر كما ترى، يسر العدو ويحزن الصديق.

فاتقوا الله -عباد الله- وخذوا بأسباب صلاح القلوب، وراقبوا مولاكم علام الغيوب، واعلموا أن حياة القلب وصحته وشفاءه من كل ضرر لا يحصل إلا بالآتي:

1- بإقبال أصحابه على كتاب الله تلاوة وتدبرًا، ففيه الشفاء والنور، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَـوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفـَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57].

2- والإكثار من ذكر الله، خطورة الغفلة صلاح القلب : {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

3- وكثرة استغفاره والتوبة إليه، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، والبُعد عن مصائده وحبائله من: الملاهي التي تصد عن ذكر الله، وسائر المعاصي.

فاتقوا الله -عباد الله- وزكوا قلوبكم، وطهروها من كل ما يُغضب الله من الغل والحقد والحسد والكِبْر والعجب وعداوة المسلمين، واجتنبوا كل أسباب فساد القلوب وقسوتها، تكونوا من المفلحين.

خطبة للشيخ: عبد الرحمن السديس -حفظه الله-
(بتصرف)

o',vm hgytgm uk wghp hgrgf