حالنا مع الآيات والنذر


لقد قضت سنة الله -عز وجل- أن تُبتلى النفوس في هذه الدنيا بالخير والشر والأمن والخوف والمنح والمحن والأقربين والأبعدين: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 57]، {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [سورة آل عمران: 186]، وإن هذه الابتلاءات بأنواعها تستجيش مذخور القوى وتستثير كوامن الطاقات، وتفتح في القلوب منافذ وفي النفوس مسارب ما كان ليتبيَّنها أهل الإيمان إلا تحت مطارق هذه التقلبات.
أيها المسلمون، يذكر الراصدون، ويتحدث الإحصائيون عن تكاثر المتغيرات الكونية على هذه الأرض وتتابع الحوادث والكوارث في هذا العصر، ولعل المتأمل والناظر بعين راصدة وقلب يقظ يسترجع بعض هذه الآيات والحوادث والكوارث والنذر ليجدها ما بين موجٍ عاتٍ، وماءٍ طاغٍ، وخسفٍ مهلك، وزلزالٍ مدمر ووباءٍ مميت، لا يملك أحدٌ ردها، ولا يستطيع امرؤ صدها ولا السيطرة عليها، ولا الحد من انتشارها، ولا دفعها أو ردها؛ إنها جنودٌ من جنود الله في البر والبحر والجو: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [سورة المدثر: 31].
إن هذه الحوادث والقوارع توقظ قلوبًا غافلة لتراجع توحيدها وإخلاصها؛ فلا تشرك معه في قوته وقدرته وسلطانه أحدًا، ويفيق بعض من غرتهم قوتهم، فيتذكروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.
ومن المواقف في هذه الآيات والابتلاءات ما يبتلي الله به عباده القادرين الموسرين فينظر كيف يعملون، هل ينفقون من مال الله الذي آتاهم؟ وهل يسارعون في نجدةٍ أم تراهم يقبضون أيديهم؟ ينسون ربهم، وينسون إخوانهم، ويعيشون في غفلتهم وفي هذه الابتلاءات، حدث ولا حرج من أنواع الإغاثات التي يبذلها الموفَّقون من غذاءٍ وكساءٍ وعلاجٍ وتعليمٍ وإيواءٍ وأنواعٍ من المساعدات والمواسات لا تقع تحت حصر، مع حسن معاملةٍ وشفقةٍ وإحسانٍ في القول والعمل، ومن رحم أهل الأرض رحمه رب السماء؛ فلله الحكمة البالغة في خلقه وأمره وتدبيره وصنعه وفي آياته وابتلاءاته.
أيها المسلمون، إن هذه الآيات والحوادث والكوارث ولو عرفت أسبابها المادية وتفسيراتها العلمية فلا ينبغي يُظن أن هذا صارف عن كونها آيات وتخويفات والنظر فيما وراء الأسباب والتعليلات من أقدار الله وحبه وحكمته؛ فهي آيات الله ومقاديره يقدرها متى شاء ويرسلها كيف شاء ويمسكها عمن يشاء، يعجز الخلق عن دفعها ورفعها مهما كانت علومهم ومعارفهم وقواهم واحتياطاتهم واستعداداتهم.
وإن مما يُخشى أن يكون الركون إلى التفسير المادي والاستكانة إلى التحذير العلمي والبعد عن العظة والذكرى من تزيين الشيطان كما قال –سبحانه-: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43]
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-، ولا تكونوا كأصحاب نفوسٍ قست قلوبها وغلظت أكبادها وعظم عن آيات الله حجابها فلا تعتبر ولا تدكر، لا تكونوا من أقوامٍ جاءتهم آيات ربهم فكانوا منها يضحكون، والآيات تأتيهم وهي أكبر من أختها فإذا هم عنها معرضون.
إن من تأمل أحوال بعض الناس ومواقفهم ومسالكهم رأى أمورًا مخيفة، فيهم جرأةٌ على حرمات الله شديدة وانتهاكٌ للموبقات عظيمة، وتضييعٌ لأوامر الله وتجاوزٌ لحدوده وتفريطٌ في المسئوليات في العبادات والمعاملات وإضاعة للحقوق؛ فالحذر الحذر -رحمكم الله- من مكر الله؛ فلا يأمن مكر الله إِلَّا القوم الخاسرون.


للشيخ: صالح بن حميد -حفظه الله-
(بتصرف)

phgkh lu hgNdhj ,hgk`v