رسالة الإمام أحمد للخليفة المتوكل رحمهما الله تعالى
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ ثم أما بعد..
فهذه أحبتي الكرام رسالة الإمام أحمد الخالدة للخليفة المتوكل رحمة الله عليهما جميعاً، أقدمها نموذجاً ثانياً لمجموع العقائد التي جمعتها من قول الإمام أحمد أو تقريره.
حيث كان النموذج الأول هنا هو رسالة (مسدد بن مسرهد).
وهذا نص الرسالة:

قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل. (ح) وحدثنا محمد وعلي والحسين؛ قالوا: ثنا محمد بن إسماعيل؛ قال: ثنا صالح بن أحمد بن حنبل؛ قال(1):
كتب عبيد الله بن يحيى [بن خاقان] إلى أبي يخبره: أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك [كتابا] أسألك عن أمر القرآن؛ لا مسألة امتحان، ولكن مسألة معرفة وبصيرة.

فأملى عليّ أبي [رحمه الله] إلى عبيد الله بن يحيى؛ [وحدي ما معنا أحد]:
بسم الله الرحمن الرحيم..
أحسن الله عاقبتك [يا] أبا الحسن في الأمور كلها، ودفع عنك [مكاره الدنيا والآخرة] برحمته.
قد كتبت إليـك رضي الله [تعالى] عنك بالذي سأل [عنه] أمير المؤمنين [بأمر القرآن] بما حضرني، وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين، فقد كان الناس في خوض من الباطل، واختلاف شديد يغتمسون فيه، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين، فنفى الله بأمير المؤمنين كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المحابس، فصرف الله ذلك كله، وذهب به بأمير المؤمنين، ووقع ذلك من المسلمين موقعاً عظيماً، ودعوا الله لأمير المؤمنين. [فأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء، وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين]، وأن يزيد في نيته، و[أن] يعينه على ما هو عليه.

- فقد ذكر عن [عبد الله] بن عباس أنه قال: لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم.
- وذكر عن عبد الله بن عمرو: أن نفرا كانوا جلوساً بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟ [قال]: فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج كأنما فقيء في وجهه حب الرمان، فقال: "أبهذا أمرتم، أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، [إنكم لستم مما هاهنا في شيء]، انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به، وانظروا الذي نهيتم عنه فانتهوا عنه".
- وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مراء في القرآن كفر".
- وروي عن أبي الجهم؛ [رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم]، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "لا تماروا في القران، فإن مراء فيه كفر".
- وقال [عبد الله] بن العباس: قدم على عمر [بن الخطاب] رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس. فقال: يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا. فقال ابن عباس: فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم [هذا] في القران هذه المسارعة. قال: فنهرني عمر وقال: مه. فانطلقت إلى منزلي مكتئبا حزينا، فبينا أنا كذلك إذ أتاني رجل فقال: أجب أمير المؤمنين. فخرجت فإذا هو بالباب ينتظرني، فأخذ بيدي، فخلا بي، وقال : ما الذي كرهت [مما قال الرجل آنفا]؟ فقلت: يا أمير المؤمنين متى يتسارعوا هذه المسارعة يحتقوا، ومتى ما يحتقوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا. قال: لله أبوك، والله إن كنت لأكتمها الناس حتى جئت بها.
- وروي عن جابر [بن عبد الله] قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف؛ فيقول: "هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي".
- وروي عن جبير بن نفير [قال]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم لن ترجعوا [إلى الله] بشيء أفضل مما خرج منه"، يعني: القرآن.
- وروي عن [عبد الله] بن مسعود أنه قال: جردوا القرآن، ولا تكتبوا فيه شيئا إلا كلام الله [عز وجل].
- وروي عن عمر [بن الخطاب] أنه قال: [إن] هذا القرآن كلام الله فضعوه [على] مواضعه.
- وقال رجل للحسن [البصري]: يا أبا سعيد إني إذ قرأت كتاب الله وتدبرته كدت أن أيأس وينقطع رجائي. [قال]: فقال [الحسن]: إن القران كلام الله، وأعمال بني آدم إلى الضعف والتقصير، فاعمل وأبشر.
- وقال فروة بن نوفل الأشجعي: كنت جارا لخباب؛ وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فخرجت معه يوما من المسجد وهو آخذ بيدي؛ فقال: يا هذا؛ تقرب [إلى ا]لله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه.
- وقال رجل للحكم [بن عتيبة]: ما حمل أهل الأهواء على هذا؟ قال: الخصومات.
- وقال معاوية بن قرة؛ [وكان أبوه ممن أتى النبي صلى الله عليه وسلم]: إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال.
- وقال أبو قلابة؛ [وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم]: لا تجالسوا أصحاب الأهواء _ أو قال: أصحاب الخصومات _، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
- ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث؟ فقال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية [من كتاب الله]؟ قال: لا. لتقومان عني، أو [لأقوم عنكما. قال: فقام الرجلان فخرجا]. [فقال بعض القوم: يا أبا بكر وما عليك أن يقرءا عليك آية [من كتاب الله تعالى]]؟ فقال [له ابن سيرين]: إني خشيت أن يقرءا علي آية فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي. [و[قال محمد]: لو أعلم أني أكون مبتلى الساعة لتركتهما].
- وقال رجل من أهل البدع لأيوب [السختياني]: يا أبا بكر أسألك عن كلمة؟ فولّى وهو يقول بيده: [لا] ولا نصف كلمة.
- وقال ابن طاووس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع: يا بني أدخل أصبعيك في أذ###؛ [حتى] لا تسمع ما يقول. ثم قال: أشدد [أشدد].
- وقال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل.
- وقال إبراهيم النخعي: إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم.
- وكان الحسن [رحمه الله] يقول: شر داء خالط قلبا. يعني: الهوى.
- وقال حذيفة [بن اليمان]؛ [وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم]: اتقوا الله [معشر القراء]، وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا. أو قال: مبينا.

قال أبي [رحمه الله]: وإنما تركت ذكر الأسانيد لما تقدم من اليمين التي حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين، ولولا ذاك لذكرتها بأسانيدها.
- وقد قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، وقال: {ألا له الخلق والأمر}، فأخبر بالخلق، ثم قال: {والأمر} فأخبر أن الأمر غير الخلق.
- وقال عز وجل: {الرحمن علم القران . خلق الإنسان علمه البيان}، فأخبر [تعالى] أن القرآن من علمه.
- وقال [تعالى]: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير}.
- وقال: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين}.
- رسالة الامام احمد  : {وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق}] فالقران [من] علم الله [تعالى].
وفي هذه الآيات دليل على أن الذي جاءه [صلى الله عليه وسلم] هو القران، [لقوله: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم}].

وقد روي عن [غير واحد ممن مضى من سلفنا] أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق.
وهو الذي أذهب إليه، لست بصاحب كلام ولا أرى الكلام في شيء من هذا؛ إلا ما كان في كتاب الله، أو [في] حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، أو عن التابعين [رحمهم الله]، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود.

قال الذهبي: رواة هذه الرسالة عن أحمد أئمة ثقات، أشهد بالله أنه أملاها على ولده.

آخرها.. والحمد لله رب العالمين

(1) هذا سند أبو نعيم، وإلا قد رويت مسندة في غير ما مصدر. وما بين القوسين هو مقارنة نسخ الرسالة.


من محمد بن إسماعيل الذي في السند؟


أبو مسلم محمد بن إسماعيل بن أحمد المديني.

والثلاثة اللذين رووا عنه هم:
- محمد بن جعفر بن يونس.
- الحسين بن محمد بن علي.
- علي بن أحمد بن يزداد.


السكران التميمي
مجد الغد

vshgm hghlhl hpl]