فخرج " مُصعب " من النعمه الوافره التى كان يعيش فيها مؤثراً الشظف والفاقه وأصبح الفتى المتأنق المعطر لا يرى الا مرتديا الخشن من الثياب يأكل يوما ويجوع أياماً ولكن روحه متأنقه بسمو العقيده بنور الله كانت قد جعلت منه انسانا اخر يملأ العين جلال والأنفس روعة .
***************
وحينئذ أختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حينها أن يكون سفيره الى المدينه يفقه الانصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبه ويدخل غيرهم فى دين الله ويعد المدينه ليوم الهجره العظيم .
كان فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ من هم أكبر منه سناً وأكثر جاها وأقرب الى الرسول منه ولكن الرسول اختار " مُصعب الخير " وهو يعلم انه يكل اليه بأخطر قضايا الساعه ويلقى بين يديه مصير الاسلام فى المدينه التى ستكون دار الهجرة ومنطلق الدعوة والدعاة والمبشرين والغزاة بين حين من الزمان قريب ..
حمل " مٌصعب " الامانه مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الاخلاق ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه واخلاصه فدخلوا فى دين الله أفواجا .. لقد جاءها يوم بعثة الرسول اليها وليس فيها سوى اثنى عشر مسلما هم الذين بايعوا النبى من قبل بيعة العقبه ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول صلى الله عليه وسلم .
وفى موسم الحج التالى لبيعة العقبه كان مسلموا المدينه يرسلون الى مكة للقاء الرسول صلى الله عليه وسلم وفداً يمثلهم وينوب عنهم .. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنه جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم " مُصعب بن عمير " .
هنا أثبت " مُصعب " بكياسته وحسن بيانه أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار . فلقد فهم " مُصعب " رسالته تماما و وقف عند حدودها وعرف أنه داعيه الى الله تعالى ومبشر بدينه الذى يدعوا الناس الى الهدى والى صراط مستقيم وأنه كرسوله الذى آمن به ليس عليه الا البلاغ .
هناك نهض فى ضيافة " أسعد بن زرارة " يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس , تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه هاتفا بينهم فى رفق عظيم بكلمة الله ( إنما الله إله واحد ) ,,
ولقد تعرض لبعض المواقف التى كان يمكن أن تودى به وبمن معه لولا فطنة عقله وعظمة روحه ( ذات يوم فاجأه وهو يعظ " أسيد بن خضير " سيد بنى عبد الأشهل بالمدينه فجائه شاهرا حربته و يتوهج غضبا وحقدا وحنقا على هذا الذى جاء يفتن قومه عن دينهم ويدعوهم لهجر آلهتهم ويحدثهم عن اله واحد لم يعرفوه من قبل ولم يألفوه ,, ان الهتهم معهم رابضه فى مجاثمها اذا احتاجها احد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها فتكشف ضره وتلبى دعاءه .. هكذا يتصورون ويتوهمون ...
أما إله هذا الرسول الذى جاء يدعوهم اليه فما أحد يعرف مكانه ولا أحد يستطيع ان يراه ...!!
وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون " مُصعبا " مقدم " أسيد بن خضير " متوشحا غضبه التلظى وثورته المتحفزه حتى وجلوا .. ولكن " مُصعب " ظل ثابتا وديعا متهللا وقف " أسيد " أمامه مهتاجا وقال يخاطبه هو و " أسعد بن زرارة " : ما جاء بكما الى حينا , تسفهان ضعفائنا ؟ اعتزلانا , اذا كنتم لا تريدان الخروج من الحياة .... وفى مثل هدوء البحر وقوته .. انفرجت أسارير " مُصعب الخير " وتحرك بالحديث الطيب لسانه فقال : " أولا تجلس فتستمع ..؟ فان رضيت أمرنا قبلته , وان كرهته كففنا عنك ما تكره " .
كان " أسيد " رجلا عاقلا ها هو ذا يرى " مصعبا " يحتكم معه الى الضمير فيدعوه ان يسمع فان اقتنع تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك " مُصعب " حيهم وعشيرتهم وتحول الى حى آخر وعشيرة أخرى غير ضار ولا مُضار هنالك أجابة " أسيد " قائلا : أنصفت ... وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغى .. ولم يكد " مُصعب " يقرأ القران ويفسر الدعوة التى جاء بها محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام حتى أخذت أسارير " أسيد " تبرق وتشرق ولم يكد " مُصعب " يفرغ من حديثه حتى هتف به " أسيد بن خضير " وبمن معه قائلا : " ما أحسن هذا القول وأصدقه .. كيف يصنع من يريد أن يدخل فى هذا الدين ؟؟
فأجابوه بتهليله رجت الارض رجا ثم قال له " مُصعب " :
" يطهر ثوبه وبدنه , ويشهد أن لا اله الا الله "
فغاب " أسيد " عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه , ووقف يعلن أن لا اله الا الله وان محمد رسول الله ...
وسرى الخبر كالضوء .. وجاء " سعد بن معاذ " فأصغى " لمصعب " و أقتنع , و أسلم ثم تلاه " سعد بن عبادة " وتمت باسلامهم النعمه , وأقبل أهل المدينه بعضهم على بعض يتساءلون : اذا كان " أسيد بن خضير " و " سعد بن معاذ " و " سعد بن عباده " قد أسلموا , ففيما تخلفنا ....؟؟ هيا الى " مُصعب " فلنؤمن معه , فانهم يتحدثون وأن الحق يخرج من بين ثناياه ....
**********

يتبع ان شاء الله

tjn l;i hgl]gg ( 2 )