ثالثاً: المحاولات الاقتصادية فى القارة الافريقية:-



ورغم ان معظم المجتمعات الافر يقية لم تكن مهيأة لاستيعاب التكنولوجيا الغربية وأضفاء طابع الذاتية عليها ،
فأن ذلك لم يمنع حكاماً افارقة أدركوا ان بلادهم تستطيع أن تستوعب نماذج تكنولوجية أوربية معينة ،

ان يطلبوا مثلها من اجل التطوير الداخلي ، ولكن الاوربيين تجاهلوا عن عمد الطلبات الافريقية وهناك محاولتين بارزتين فى هذا الشأن[1]:-



أ - المحاولة الاثيوبية فى القرن السادس عشر :-


كانت مملكة أثيوبية* هي احدى الدول الافريقية التى اتجهت الى محاولة الاستفادة من التكنولوجيا الاوربية الحديثة فى وقت مبكر .
فقد وصلت بعثة تجارية رسمية برتغالية الى البلاط الاثيوبي عام 1520م وبعد ان فحص الامبراطور ليبنا دينجل السيوف والبنادق والاقمشة والكتب وسلع برتغالية اخرى ،
شعر بالاحتياج الى ادخال المعرفة التقنية فى اثيوبيا ، وقد كانت هناك أيضا مراسلات بين الامبراطور وحكام اوربيين ، مثل عمانويل الاول ، وجون الثالث من ملوك البرتغال ، والبابا ليو العاشر ،
طلب خلالها مساعدة اوربية للصناعة الاثيوبية وظلت الطلبات الاثيوبية بهذا الخصوص ، تتكرر حتى وقت متأخر فى القرن التاسع عشر ، دون ان تلقى الا قليلا من النجاح او لا تلقى اى نجاحاً مطلقاً[2].



ب - محاولتا مملكتى داهومي وأشانتي فى القرن الثامن عشر:-



خلال القرن الثامن عشر كانت داهومي وأشانتى من الممالك الافريقية الكبرى فى ساحل غانا .

وقد انتقلت المملكتان من نظام الملكية المشاعة أو الملكية الجماعية لوسائل الانتاج الرئيسية وهي الارض الى مرحلة الملكية الفردية

وتميز تاريخ المملكة خلال هذه الفترة بالتدرج الاجتماعي والاقتصادي ، وعلاوة على التخصص فى كثير من اوجه النشاط مثل : صياغة الذهب ، تصنيع الحديد وتشكيله ، صناعة الاقمشة[3].


وبالنسبة لمملكة داهومي* فعندما سعى "أجاجا ترودو" حاكم داهومي الى أيقاف تجارة الرقيق وقام بتوجيه نداء الى الحرفيين الاوربيين وأرسل سفيراً الى لندن لهذا الغرض .

كما ان أحد الاوربيين الذين يعيشون فى بلاط داهومي فى أواخر عشرينات القر الثامن عشر قد خبر مواطنيه بأنه ( أذا اراد أي خياط او نجار او حداد او اى صاحب حرفة اخرى من الرجال البيض ،

الذين يملكون حريتهم ، الحضور الى هنا فأنه سوف يلقى تشجيعاً عظيماً) ،وفي حوال عام 1804 وصلت الجسارة بالملك "اداندوزان" حاكم داهومي الى حد ان يطلب مصنعا للاسلحة النارية ،

وفى ذلك التاريخ كانت اجزاء عديدة من غرب افريقيا تنهمك فى حروب بأسلحة نارية اوربية وبارود اوربي ، وانتشر فى داهومي مثل يقول : ( ان من يصنع البارود يكسب الحرب )وهو ما يمثل رؤية
بعيدة النظر بأن الافارقة لابد ان يسقطوا امام تفوق الاوربيين فى ميدان تكنولوجيا التسلح ، وقد ادرك الاوربيين بدورهم ادراكاً كاملا بالطبع ، ان تكنولوجيا التسلح لديهم كانت حاسمة .

ولم يكن هناك ادنى فرصة لان يوافقوا على ان يتعلم الافارقة صناعة الاسلحة النارية والذخائر


وكذلك فى اوائل القرن التاسع عشر قام احد ملوك كالابار "فى شرق نيجيريا " بالكتابة الى البريطانيين من اجل أقامة معمل لتكرير السكر [4].



أما مملكة الاشانتي ، فقد بدات فى عهد الملك " أوبو كووير "(1720 – 1750م) قدرة على التوصل الى ابتكارات ،

مثل : معالجة الحرير وخلطه بالقطن وأنتاج أقمشة من نوع جديد . وقد احتاجت هذه الصناعة النامية الى اقامة مصانع ومعامل للتقطير , لكنه لم يجد أستجابة من الجانب الاوربي.




واضح مما سبق ان الدول الافريقية كانت تدرك طبيعة الخلل الكامن فى العلاقات مع أوربا .
ذلك الخلل الذي أفضى الى تدمير القدرة الانتاجية ،

وفقدان فرص التنمية .

وأبدت حرصاً على أقامة علاقات متوازنة تقوم أوربا من خلالها بنقل جزء من خبراتها وأمكانياتها التكنولوجية ، بالقدر الذي يساعد على النهوض بالاقتصاد الوطنى[5].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

[1] محمد بهاء الدين متولي،المرجع السابق،ص83



[2] والتر رود ني ،المرجع السابق ،ص 155

[3] محمد بهاء الدين متولي،المرجع السابق،ص84



[4] والتر رود ني ،المرجع السابق ،ص 155،156

[5] محمد بهاء الدين متولي،المرجع السابق،ص85