الفصل الأول

( الأحوال فى أفريقيا قبل مجئ الرجل الأبيض )

---------



أن دراسة أحوال القارة الأفريقية قبل مجئ الرجل الأبيض فى غاية الأهمية وذلك لأننا لانستطيع أن
ندرك تلك الأثار السلبية للعلاقات الأوربية _الأفريقية فى مرحلة ماقبل الأستعمار الأ أذا تعرفنا أولاً على أحوال القارة الأفريقية
التى كانت تنمو بصورة طبيعية حتى أبان القرن الخامس عشر الميلادي.
حيث كانت القارة الأفريقية تنمو نمو طبيعي معتمدة على قدراتها الذاتية وعلى سواعد أبناءها ولم يبد عليها أى علامات تخلف قوية عن غيرها من القارات الأخرى.

وسيتبين هذا من خلال دراسة أحوال القارة قبل تلك الحقبة السوداء وسنتناول فى هذا الفصل الأحوال الأقتصادية والسياسية والثقافية والدينية
والتى سيتبين من خلالها أن أفريقيا كانت تسير على طريق النمو مثل باقي القارات تقريباً.



أولاً: الأحوال الأقتصادية:-


كانت أفريقيا تسير على طريق النمو الذاتى وشهدت تنوع اقتصادي كبير حيث مارست تلك الشعوب الأفريقية نشاطا متنوعا يتناسب
مع ظروف وتكنولوجيا العصر ولا يختلف كثيرا عن غيره فى وسائله وطرقه
[1]، وكان الأقتصاد المحلي فى أفريقيا متنوعا ويشتمل على المصنوعات
وكذلك على مدى واسع من المنتجات الزراعية ولم يكن الناتج يستهدف فقط تلبية احتياجات معيشة الكفاف ، بل يستهدف أيضا التجارة التى كانت منتظمة ومنتشرة
وترجع الى عصور ماضية سحيقة . ويتضح من تاريخ الأنشطة الأقتصادية انه كان بعيداً عن السكون , وأن تنظيمها كان عالي الكفاءة ,
وأن الأفارقة كانوا سريعى التقبل للأفكار الجديدة كلما كانت مناسبة ومفيدة[2].


فمن حيث
الناحية الزراعية فقد كانت بمثابة النشاط السائد ، بشكل ساحق ، فى أفريقيا خلال القرون السابقة على الصلة بالأوربيين .
فى كافة المجتمعات المستقرة لاحظ الناس خصائص بيئتهم ، وحاولوا أيجاد تقنيات للتعامل معها بأسلوب رشيد . وجرى فى بعض المناطق استخدام أساليب متقدمة مثل اقامة المدرجات الزراعية ،
والدورة الزراعية ، والتسميد الأخضر ، والزراعة الختلطة ، والزراعة المنتظمة للأراضي الرخوة .
وكان اهم تغير تكنولوجي يكمن خلف التطور الزراعى فى أفريقيا ادخال الأدوات الحديدية ، خصوصاً الفأس والمعزقة بدلا من الأدوات الخشبية والحجرية .
وتبلورت ، على أساس الأدوات الحديدية الجديدية ، مهارات جديدة فى الزراعة وفى مجالا أخرى من النشاط الأقتصادي.[3]
وكان السودان الغربي* منطقة تطورت فيها الحياة الحضارية والزراعية ,
بل كان هناك فائض فى الحاصلات يكفى استهلاك المدن , ويكفى تبادله مع بقية شعوب القارة [4]


أما من الناحية الصناعية فقد أشتهرت فى أفريقيا فى تلك الأونة صناعات حرفية كثيرة منها _ على سبيل المثال _ صناعة الأقمشة والمنسوجات
التى قامت على أسلوب الأنوال اليدوية والأنتاج الحرفي الصغير ، الذي كان هو النموذج العام لأنتاج المنسوجات فى أفريقيا وأسيا وأوربا حتى القرن السادس عشر[5].
وقد حققت الصناعات اليدوية فى أفريقيا قبل عصر الرجل الأبيض تقدم ملموس وقامت معظم المجتمعات الأفريقية بانجاز ما يسد احتياجاتها الخاصة
بالنسبة لمجموعة كبيرة من مواد الأستخدام المنزلي فضلاً عن ادوات الزراعة والأسلحة .
وقد تعرف الأوربيين من خلال شمال أفريقيا ، على نوع راق من الجلد الأحمر من أفريقيا اطلق عليه اسم ((الجلد المراكشي)) .
وفي حقيقة الأمر فأن هذا الجلد قام بدباغته وصباغته متخصصون من الهاوسا والماندنجا في شمال نيجريا ومالي .
وبمجرد ان وصل البرتغاليون الى مملكة الكنغو القديمة ابدوا اعجابهم بالمنسوجات المحلية الفاخرة المصنوعة من لحاء الشجر والياف النخيل والتى يمكن مقارنة ملمسها بالقطيفة .[6]



اما الناحية التجارية
فقد كانت الفترة التى تتطابق مع العصور الوسطى فى التاريخ الأوربي حقبة أزدهار للتجارة عبر طرق الصحراء الكبرى ،
لاسيما منذ منتصف القرن الثالث عشر الى نهاية القرن السادس عشر .
وشهدت هذه الفترة زيادة واضحة فى الطلب على منتجات أفريقيا الغربية فى أوروبا والشرق الأوسط كما شهدت زيادة جوهرية فى العرض
يدعمها عصر الحكومات المستقرة فى شمال أفريقيا والسودان الغربي [7].

ونجد ان الأغلبية الساحقة من المجتمعات المحلية الأفريقية قد وفرت ، فى نفس الوقت ، بعضاً من احتياجاتها على الأقل عن طريق التجارة ،
وقد كانت أفريقيا قارة الطرق التجارية التى لا تحصى ، وكانت التجارة تتم فى الأساس بين مجتمعات متجاورة وقد كانت التجارة _التى يتأكد وجودها بوضوح
فى كافة نحواحي القارة بين القرن العاشر والقرن الخامس عشر الميلادي _ مؤشرا ممتازا للتوسع الاقتصادي واشكال اخرى من التطور.
[8]

كما قامت التجارة على تبادل المنسوجات والأسلحة ومنتجات شتى تصدر من اعماق السفانا والغابات ، وتباع حتى فى الصين القصية وفي اندونسيا.


______________________________________________
[1]
محمد بهاء الدين متولي،تاريخ أفريقيا الحديث،ص82،79

[2]
أ . ج . هوبكنز , التاريخ الأقتصادي لأفريقيا الغربية ,ترجمة أحمد فؤاد بلبع ص 151،150

[3]
والتر رود ني ،أوروبا والتخلف فى أفريقيا ،ترجمة احمد القصير،ص63

*
نعنى بكلمة السودان الغربى عامة تلك المنطقة التى يبلغ اتساعها ثلاثة الاف ميل مربع ،
وتمتد من ساحل المحيط الاطلسي شرقا الى مرتفعات اثيوبيا غربا ، وهي بين الصحراء شمالا والغابات الاستوائية الممطرة جنوبا.

[4]
أحمد طاهر،أفريقيا فصول من الماضي والحاضر،ص67

[5]
محمد بهاء الدين متولي،المرجع السابق ص82

[6]
والتر رود ني ،المرجع السابق ،ص66،65

[7]
أ . ج . هوبكنز ، المرجع السابق ، ص159،158

[8]
والتر رود ني ،المرجع السابق ،ص68،67


يتبع،،،،،